مصطفى هاشم - واشنطن
أوضاع مأساوية سببتها السيول والفيضانات في عدد من الولايات في السودان، مما أدى إلى مقتل 79 شخصا وتضرر آلاف المنازل وقطع الطرق وإجبار عشرات الآلاف على النزوح إلى مناطق أخرى، مع توقعات بموجات أخرى ربما تصيب مناطق أخرى جديدة.
وعلى سبيل المثال، غمرت المياه أكثر من 86 قرية في محافظة المناقل في ولاية الجزيرة وسط البلاد، وأحدثت فيها دمارا كبيرا، ما اضطر السلطات إلى إعلان المحافظة منطقة كوارث.
وتسببت السيول في قطع الطريق الذي يربط بين مدينتي القرشي والمناقل، مما صعب عملية نزوح السكان.
وحتى الذين استطاعوا الفرار إلى مناطق مرتفعة هربا من مياه السيول والفيضانات التى غمرت منازلهم، بات وضعهم صعبا للغاية ويحتاجون إلى غوث عاجل، حيث يفترشون أرضا يتوقع أن تبللها المياه ويلتحفون سماء ربما تمطر على رؤوسهم في اي لحظة، لكن لا حيلة لهم.
ويعزو العميد عبد الجليل عبد الرحيم الناطق الرسمي باسم الدفاع المدني، في حديثه لموقع "الحرة"، العدد الكبير للوفيات من جراء السيول إلى تحرك الناس داخل المدن أثناء جريان السيول والفيضانات مما أدى إلى غرقهم.
وقال "السيول كانت قوية وهناك حافلات كانت تقل الركاب على الأسفلت فتأتي الفيضانات والسيول لتجرف المركبة وتتسبب في الحوادث أو الغرق".
وأشار إلى أن أكثر الولايات المتضررة في السودان كانت نهر النيل والجزيرة وجنوب دارفور وجنوب كردفان، وكسلا.
وكشف في حديثه مع موقع "الحرة"، أن إحصائيات الدفاع المدني تشير إلى تضرر أكثر من 15184 منزلا في هذه الولايات.
وكانت الأمم المتحدة قد أعلنت أن عدد المتضررين بلغ أكثر من 136 ألف سوداني.
ويؤكد رئيس قسم البيئة بجامعة الخرطوم، إبراهيم محمد التوم، أن كوارث الفيضانات والسيول ليست مفاجأة لأنها موسمية ومعروف أنها تزداد في شهر أغسطس، لكنه أشار إلى أن "المفاجأة تكون في الكميات وحجم الأضرار وما يلحق بالمواطنين بسببها".
ويوضح في مقابلة له مع قناة "الحرة" أن السيول مرتبطة بالفيضانات من النواحي المكانية، والفيضانات مرتبطة بالأودية النهرية والأماكن التي تعتبر مجمعات مائية"، مضيفا أنه "كلما زادت كمية المياه المتدفقة من مصدر معين إلى هذه الأماكن وفاقت طاقتها الاستيعابية يحدث الفيضان، الذي نطلق عليه فيضان النيل أو الأودية".
وأضاف: "أما السيول فهي نتيجة الأمطار الشديدة التي تحدث بشكل متكرر في شهر أغسطس في السودان.. وأحيانا يحدث الاثنان معا مثلما يحدث هذه الأيام".
وأشار إلى أن الأسباب التي تؤدي إلى فيضان النيل معروفه، "فهو يحدث عنما تزداد الفيضانات في الهضبة الإثيوبية مثلا، فتزيد معدلات الذروة في النيل مثلما حدث في السنوات السابقة".
أما الأسباب الأخرى فتكمن في سوء تخطيط تشييد قرى وأحياء سكنية في مناطق لم تكن الأمطار مرصودة فيها بشكل دقيق في الدراسات، بحسب التوم.
ويؤكد أن هناك "مشكلة كبيرة جدا حاليا في الاعتراضات التي تحدث في مجاري الأودية الطبيعية، التي تغير المسالك الطبيعية مما يؤدي إلى انجراف المياه إلى مسارات أخرى، وتجعلها تدخل إلى القرى والأحياء السكنية".
من جهته يقر عبد الرحيم لموقع "الحرة" أنه كان هناك توقعات بحدوث فيضانات وسيول وأنه كانت هناك استعدادات، "لكن الطبيعة لا تقاوم، وحتى لو كانت هناك استعدادات فإنه تحدث خسائر".
وقال "وفرنا معونات وأدوية لكن الطبيعة متمردة وهي للأسوأ كل عام عما قبله، والسيل يختلف والكميات كبيرة حتى المواقع اختلفت"، مشيرا إلى أنه لأول مرة تصيب الفيضانات منطقة المناجم في ولاية الجزيرة.
ويقول المزارع أبو بكر الشيخ من ولاية الجزيرة لـ"الحرة" إن معظم المنطقة باتت مغمورة بالمياه، وأي زراعة انزرعت انتهت"، مضيفا أنه بسبب الكوارث البيئية الموسمية والفيضانات المتكررة سويا أصبحت الأمراض مستوطنة داخل هذه المناطق، "والناس يعانون من أمراض كثيرة منها القلب والكلى والكبد، وبدون إمكانات للعلاج ولا كوادر طبية ولا إمدادات أدوية".
ووصل رئيس مجلس السياده الانتقالي عبدالفتاح البرهان، الأحد إلى مدينة المناقل التي شهدت بعض قراها دمارا كبيرا، حيث تفقد متضرري السيول الذين تم إجلاءهم داخل استاد المدينه.
وقال البرهان في كلمة له أمام حشد من المتضررين إنه وجه الجهات المسؤوله بفتح القنوات لتصريف المياه في اتجاه مجري النيل، وتعهد بتقديم الغوث اللازم للمحتاجين وبشكل عاجل.
وقال عبد الرحيم لموقع "الحرة": "اليوم الأحد، تحركت عربات وشاحنات محملة بالمواد الغذائية والمواد الطبية للولايات المتضررة"، مشيرا إلى الدفاع المدني يعمل على مد معسكرات الإيواء في المنازل العالية أو المناطق العالية".
الناشط في العمل الطوعي ومنسق المبادرات والمساعدات في المناطق المنكوبة، هشام عبد المنعم بشير، يؤكد أن هناك إعانات وقوافل تقدم بالفعل "لكن ليست بالقدر الكافي لاحتواء هه الأزمات، كما أن هناك إشكالات في آليات التوزيع".
وأوضح في مقابلة له مع قناة "الحرة" أن "هناك مشكلات ترحيل وعقبات كثيرة تعترص الأعمال الإغاثية، والدور الحكومي بسيط للغاية، والإعلان عنه أكبر من الحجم الحقيقي للمعونات التي تصل للمواطنين".
ومن المتوقع أن تضرب موجة أخرى من السيول والفيضانات عددا من الولايات في السودان، وأن يصل عدد المتضررين إلى نصف مليون شخص خلال الأيام المقبل، ارتفاعا من حوالى 140 ألف شخص حاليا.
ويقول الناطق باسم الدفاع المدني لموقع "الحرة"، إنه يجب أن تكون هناك حلول جذرية لتجنب وقوع هذا العدد الكبير من الوفيات والأضرار الخطيرة التي تحدث حاليا.
وأوضح أنه يجب عمل مشروعات لتجميع المياه، وإنشاء خزانات لمياه الأمطار والأماكن المتوقع فيها نزول الأمطار، والاستفادة منها في أوقات الجفاف.
كما أنه من المهم، بحسب عبد الرحيم، ترحيل سكان القرى الواقعة على حرم الأنهار ومجاري السيول، وإيداعهم في مناطق آمنة ومرتفعة.
وأضاف أنه من المخطط العمل على مشروعات خاصة بتعلية الجسود والكباري لتأمين المواطنين، مؤكدا أن التأخر في إنجاز هذه المعالجات الجذرية سيؤدي إلى مزيد من الأضرار البشرية والاقتصادية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق