بسم الله الرحمن الرحيم
مقومات نجاح شركات المقاولات في الدول النامية(2/4)
العوامل المؤثرة لإنجاح شركات المقاولات
د. مهندس مستشار/ مالك علي محمد دنقلا
جوانب المنافسة بين شركات المقاولات
تكمن
جوانب المنافسة بين شركات المقاولات في القدرة على إنجاز أعمال ومشاريع نوعية ومتميزة، وتقديم أفضل ما لديها
في مجال التنفيذ، واستخدام الأيدي العاملة الماهرة والكفاءات الهندسية، وأحدث تكنولوجيا
الإنشاء والتعمير، مع التقيد بالميزانية المحددة والوقت اللازم لتسليم المشروع، سعياً
لاكتساب السمعة الطيبة، وتقديم الصورة الجيدة لإمكانياتها ومؤهلاتها العملية والفنية،
وذلك جنبا إلى جنب مع الرغبة في تحقيق الأرباح العالية.
كما ويرتبط نجاح
شركات المقاولات في تحقيق هذه الأهداف بالكثير من العوامل، منها عوامل داخلية تختص
بالمقاول، ومنها ما هي عوامل خارجية تختص بالحكومات والأوضاع البيئية والسياسية والقانونية،
لذا فمن المهم جداً معرفة العوامل الحاسمة
التي تؤدي إلى نجاح شركة المقاولات.
فقد وجد وبصفة عامة أن عوامل نجاح شركات
المقاولات تعتمد على عناصر متعددة أبرزها: توافر خطوط اتصال فعالة، والعمل الجماعي،
وتحفيز الموظف، والمهارات المهنية والتقنية، ومهارات العلاقات العامة، والعلاقة مع
صاحب العمل، والمعرفة والخبرة، والتدريب والتطوير، والمقدرة المالية للشركة، وأسعار
العقود، والسمعة الطيبة ومصداقية السوق، والهيكل التنظيمي، ونظام إدارة الشركة، وإدارة
المشاريع، وتوافر التكنولوجيا والآلات والمواد والمواصفات التي تؤدي لتنفيذ العقود،
وتوافر العمال المهرة، والخبرة السابقة المكتسبة من مشاريع مماثلة، والانفتاح على تبني
التكنولوجيا الجديدة، واختبار نظام العمل المنفذ، والعوامل البيئية، والاستقرار السياسي،
والتشريعي، واستقرار السوق، وعمليات صنع القرار المناسب، واتباع نظم الصحة والسلامة
وإصحاح البيئة.
وتأسياً على ذلك؛ فقد تم تقسيم العوامل
الرئيسية لتحقيق هذا النجاح إلى خمس مجموعات:
العامل الأول، التواصل البشري
والمتابعة:
تتميز شركات المقاولات الناجحة والفعالة بالتواصل الجيد بين فريق
العمل، بحيث ينقل أعضاء الفريق رسائل، لفظية وغير لفظية، مع بعضهم بطرق مفهومة وبسهولة
ووضوح، كما تساعد الملاحظات على توجيه أعضاء الفريق وتصحيح سوء الفهم، وفي هذا الصدد
يقول أخي الدكتور يسري الشرقاوي، رئيس جمعية رجال الأعمال المصريين الأفارقة: (إن التواصل
وتوظيف التكنولوجيا والمتابعة هي المفاتيح الجديدة للنجاح في العالم الجديد الذي أصبح
عنوانه المهارات وليس المؤهلات).
'
في كـتـابـه الـشـهـيـر « الـتـأثيـر بـالـتـصـرف الإنسـاني » قال « هاری
أوفـرسـتـريـت » : « كـل عـمـل مـصـدره رغـبـة كـامنة في النفس ، وأفضل نصيحة
للذين يعملون بإقناع الناس في العمل أو البيت أو المدرسة أو في السياسة هي أولاً
تخلق في الشخص الآخر رغبة جامحة في أن يفعل ما تـريـد ، فـمـن يستطع ذلك يمتلك
الدنيا ، ومن لم يستطع يسيرا الطريق.
اثارة الحماس بين العاملين
لابد لصاحب الشركة ان تكون له قدرة على إثارة الحماس بين العاملين
معه ، و في كتاب فن التعامل مع الناس تمت
الإشارة الي ان أن الطريقة المثلى للحصول على أفضل ما في الإنسان هي : الثناء
والتشجيع ، ذلك سهل وبسيط ، بأجزال المديح والثناء لهم ، بدون السرف في الـتـقـدير
والتشجيع فليس هناك أي شيء يـقـتـل الـطـمـوح مـثـل تـوجيـه الـنـقـد لمن هم في
مستوى أعلى .
فمن المعروف أن قطاع التشييد هو صناعة كثيفة العمالة؛ وكل مشروع
له مدخلات من مجموعة واسعة من التخصصات والاتصالات الفعالة، وتعتمد فعالية الشركة على
القدرة على دمج القوى العاملة في فريق منتج ومحفز وملتزم بإنجاز المشروع والنجاح العام
للشركة، لذا فإن من المهم أن يكون التواصل بين الزملاء أو مع المدراء في العمل واضحاً
وميسراً، سواء أكان التواصل وجهاً لوجه أو غير مباشر، ويستلزم ذلك تواجد أعضاء فريق
تعاوني انسجامي لديهم معرفة وخبرة كافية ومهارات جيدة للتواصل؛ كي تضمن الشركة تحقيق
نتائج مهنية فعالة.
العامل الثاني، الكفاءة
المالية:
يعد هذا الأمر من العوامل الهامة لشركات المقاولات، فالمقدرة المالية
للشركة هي أحد الأصول الاستراتيجية الهامة من حيث أن الوضع المالي القوي يزيد من قدرتها
على تنفيذ المشاريع بشكل أكثر فعالية وكفاءة، ويجعلها تتمتع بمصداقية وسمعة طيبة بين
عملائها ومورديها، ولهذه الأسباب؛ فإن الاحتفاظ برأس مال احتياطي، والعمل على تحليل نسب البيانات المالية
للشركة - ويشمل ذلك: نسب السيولة، والنسب الحالية، والنسب السريعة، ورأس المال العامل،
ونسبة الرافعة المالية، ونسبة الهامش الإجمالي، ونسبة هامش الربح الصافي، ونسب الإدارة،
ونسبة دوران المخزون، ونسبة دوران الحسابات المدينة، ونسبة العائد على الاستثمار-،
كل ذلك يعكس مدى المقدرة المالية للشركة، ويكشف عن مستوى النجاح والفشل والتقدم في
الأعمال، ويسمح للشركات بتحديد الاتجاهات في أعمالها ومقارنة تقدمها مع أداء الآخرين،
وبالتالي تحدد الشركة نقاط القوة والضعف النسبية في أعمالها.
العامل الثالث، الإعداد
التنظيمي:
تعتبر الشركات التي تمتلك تاريخاً من الإعداد التنظيمي القوي لديها
ميزة تنافسية، فيمكن لشركات المقاولات من ذوي الخبرة اقتراح وتنفيذ حل أفضل للمشاكل؛
نتيجة وجود الخبرة الفنية السابقة والموارد والقدرة التقنية.
العامل الرابع، التطوير الفني:
نحن نعيش
عصر التكنولوجيا؛ والتركيز يتحول الآن من العمليات كثيفة العمالة إلى العمليات الآلية؛
تحقيقا لسرعة الإنجاز مع جودة أفضل، الأمر الذي يمنح الشركة المستخدمة لأدوات التطوير
الفني والتكنولوجيا موقفاً تنافسياً أكبر، وحماية من ظروف السوق المتغيرة، بالاعتماد
على التكنولوجيا الجديدة لعمليات التشييد وتطوير مهارات الموظفين بالتدريب علة
إدخال المستجدات المستدثة هذه.
العامل الخامس، البيئات
السياسية والسوقية والعامة:
وهي لا تشكل تحدياً فحسب، بل توفر أيضاً فرصاً لشركات البناء، فمع
تأثير العولمة الآن، أصبحت لا توجد حدود أمام شركات التشييد للتنافس وتنفيذ المشاريع.
وقد أوجدت هذه البيئة فرصاً للشركات التي لديها هيكل تنظيمي قوي، وموارد وتكنولوجيا
لتنفيذ عمليات في بلدان أخرى، وهددت وجود شركات صغيرة لا تحسن عملها، بسبب عدم توافر
الموارد ونقص المعرفة، من هنا يجب أن تتمتع الشركة بالقدرة على التكيف مع بيئة السوق،
ومع المتغيرات العامة، فعلى مر السنين تتطور الأعمال بتطور الظروف، ويحتاج ذلك إلى
وضع خطة لتطوير خطط الأعمال لتحقيق النجاح المنشود.
أهم
الدراسات المتنوعة حول عوامل نجاح الشركات:
أظهرت بعض الأبحاث المتعلقة بعوامل نجاح شركات المقاولات، أن العوامل
الأكثر أهمية هي ثلاثة عوامل:
العامل الأول: هو ممارسة الأعمال في الأسواق التي تمتلك فيها الشركة
خبرة كافية، وأن نقص الخبرة في مجال عمل الشركة يمثل 18.2٪ من جميع الإخفاقات، ولذلك،
فإن الخبرة مسألة حاسمة في قرار دخول السوق ومصدر للنجاح والقوة التنافسية.
العامل الثاني هو بنود العقد التي تقوم الشركة
بتنفيذ المشروع طبقاً لاشتراطاته، حيث يتلاشى هامش الربح مع التأخير في إنجاز المشروع،
ومع تصاعد أسعار المدخلات بسبب عدم استقرار الأسواق والنظام السياسي.
العامل الثالث: المهارات المهنية والتقنية تمثل أهم عامل؛ حيث يمكن
أن تكون مشاريع التكنولوجيا الفائقة أفضل إذا كان المديرون بالشركة مهندسين محترفين
لديهم مهارات إدارية ومهنية.
وفي دراسة أجريت في بلدان مختلفة بين شركات المقاولات، تم التوصل
إلى أن أهم العوامل التي تسهم في النجاح هي أنظمة وممارسات إدارة الشركة، وتنفيذ نظم
المحاسبة والمراجعة المنتظمة للبيانات المالية، ومراقبة سلامة مواقع العمل، والتدريب
والتعليم المستمر لإنجاح الشركة والتنفيذ عالي الجودة، والصدق والتعاقد مع مقاولي باطن
على درجة جيدة من الكفاءة، واتصالات العملاء، والسمعة الطيبة، ووجود موظفين جيدين،
وتنفيذ المشاريع في الوقت المحدد المتعاقد عليه.
كما وجدت دراسات حديثة أن موقف صاحب العمل المالي في القطاع العام
-أي توفر الموارد المالية الكافية لتنفيذ المشروع- يمثل عامل النجاح الأكثر أهمية لشركات
البناء، لكنه يظل عاملاً خارج سيطرة شركات المقاولات؛ حيث يتوقف على مدى قيام الحكومة
-مثلاً- بسداد المستحقات الواجبة على مشروعاتها، ومدى توافر اعتمادات للمشروعات الجاري
تنفيذها، وعليه لكي تكون شركة المقاولات ناجحة فيجب أن تقتصر على المنافسة على المشاريع
التي يتوفر لها التمويل الكافي.
وفي دراسة استقصائية أجريت بين أكبر شركات التشييد في دول أخرى
تم تحديد أهم عوامل النجاح على أنها تطوير الموظفين، والإدارة الفعالة للمخاطر، والابتكار،
والشراكات مع العملاء، والهيكل التنظيمي، كما أن العلاقة المتينة مع صاحب العمل هي
أيضاً عامل مهم للحصول على القرارات في الوقت المناسب، وتسوية قضايا المشروع، بما في
ذلك الإفراج عن المستحقات المصدقة في وقتها؛ مما يتيح للشركة القوة المالية التي تساعدها
على تنفيذ المشروع على أفضل ما يكون.
ووفقاً لدراسات أخرى وجد أن من العوامل الرئيسية المهمة للنجاح
بين الشركات كبيرة الحجم، هي رأس المال، وأن التصنيف يعتبر العامل الأكثر أهمية بين
الشركات المتوسطة الحجم، كما يعتبر التنظيم والتخطيط العامل الأكثر أهمية بين الشركات
الصغيرة الحجم.
شروط
التصنيف للشركات
لذا ففي السودان
-كمثال- حدد (مجلس التنظيم) مستندات يجب توفرها كشرط لطلب التصنيف، وهي على النحو التالي:
يقدم طلب التصنيف الاستمارة على أصل وثلاثة نسخ، على أن تشمل أولاً
(شهادة تسجيل الشركة)، وثانياً (شهادة عضوية اتحاد المقاولين)، وثالثاً (استمارة تصنيف
المقاولين)، ورابعا (آخر ثلاث ميزانيات مراجعة ومعتمدة)، وخامساً (السير الذاتية للمهندسين،
مدعمة بالوثائق والأماكن التي عملوا بها، مع صور الشهادات العلمية)، وسادساً (خطاباً
أو شهادة من البنك أو البنوك توضح سير الحساب للمقاول)، وسابعاً (كشف المعدات والآليات
مرخصة وغير مرخصة المطلوبة للتصنيف)، وثامناً (عقود العمل أو سجل الوظائف للكوادر الفنية
والإدارية والمالية المطلوبة للتصنيف مع المؤهلات العلمية والخبرات)، وتاسعاً (الهيكل
التنظيميي والوظيفي للعاملين بالشركة من الفنيين والإداريين)، وعاشراً (شهادة بحث أو
عقد إيجار للمقر الرئيسي للمقاول)، وحادي عشر (شهادات الإنجاز من الاستشاريين وملاك
الأعمال المنفذة -إن وجدت وبصفة خاص من المالك-).
دور العنصر البشري والمعدات والخامات
في نجاح شركات المقاولات:
يُعد
أكثر ما يميز شركات المقاولات الناجحة هو اهتمامها بتوفير كوادر فنية عالية المستوى
تستطيع دراسة العطاءات بدرجة عالية من الحرفية، حتى لا تتورط في مشروعات لا تملك القدرة
على تنفيذها، ومن ثم تتعرض للتعثر في التنفيذ وللخسارة المادية وخسارة سمعتها، هذا
بالإضافة إلى ضرورة توافر الكفاءات الهندسية القادرة على الإدارة والإشراف على المشاريع،
لتحقيق الجودة في النتائج المرجوة، لذا فإن تطوير وتأهيل الكوادر البشرية ورفع قدراتها،
وتسليحها بأفضل أدوات العلم والمعرفة وحسن اختيار فريق العمل وتعاونه واعتماد مهندسين
ذوي خبرة مهنية عالية وبعدد يتلائم مع حجم المشاريع المنفذة يظل هو أحد أهم عوامل النجاح
الداخلية للشركة؛ حيث يمثل فريق العمل الدينامو المحرك للشركة وثروتها الحقيقية.
من
جهة أخرى فإن الحرص على استخدام المواد ذات الجودة العالية لجميع خامات ومستلزمات مواد
البناء، وتوفير المصادر الرئيسية
اللازمة من حديد وأسمنت بصورة دائمة، وإعداد
رأس مال كاف لشراء هذه المواد تجنباً لأي ارتفاع في أسعار
هذه المواد يمكِّن الشركات من تحقيق هامش ربح أكثر دون التأثير في النوعية، ووفق
المواصفات المنصوص عليها في العقود، ما يعد من مفاتيح النجاح.
كما أن
اقتناء المعدات والآلات الحديثة في مجال المقاولات، والتدرب على كيفية استخدام المعدات
والآليات بنوعية وكمية تتلائم مع حجم المشاريع، واللجوء إلى الميكنة باستقطاب أحدث
ما توصلت إليه تكنولوجيا البناء والتشييد من ابتكارات سواء على مستوى الآلات، أو أساليب
التنفيذ من خلال استحداث أساليب وأعمال تدفع بمسيرة العمل وتطوره، وتبني التقنيات والأساليب
المتقدمة في البناء والتشييد، والتي تضمن إلى حد كبير تخفيض أسعار الانشاء مع ضمان
نفس المستوى من الجودة العالية و الإسراع في عملية الإنجاز، تعد محفزات لتحقيق أعلى
معدلات النجاح والتميز في مجال المقاولات.
وإن مراقبة
وتأمين بيئة العمل، بصورة دائمة واتباع معايير الصحة المهنية والسلامة، وتدريب وتأهيل
الفنيين والعاملين عليها، هي من الأولويات المطلوبة لشركات المقاولات، الراغبة في أن
تكون أكثر قدرة على المنافسة والحصول على النجاح.
دور الحكومات في توفير سبل النجاح لشركات المقاولات:
أخيراً،
نرى أن للحكومات والجهات المعنية بتنظيم قطاع المقاولات دوراً لا يقل أهمية عن دور
الشركات في تحقيق سبل النجاح، حيث يجب على الحكومات في الدول النامية العمل بكل جدية
على تحفيز شركات المقاولات الوطنية، وتوفير سبل النجاح أمامها وجعـلها أكثر كفاءة وفعالية؛
كي تقوم بدورها التنموي في تنفيذ المشروعات الخدمية والبنى التحتية الأساسية، بما يضمن
تحسين الحياة أمام المواطنين، وتوفير فرص العمل لاستيعاب فائض العمالة الذي تعاني منه
هذه الدول، ويكون ذلك من خلال عمل الإصلاحات الإدارية والقانونية التي توفر بيئة تشريعية
مناسبة لعمل هذه الشركات، وأيضاً يجب تخفيف النظم الضريبية، وتبسيط الإجراءات الجمركية،
وتوفير برامج تمويلية لشركات المقاولات بفائدة ميسرة، ووضع قواعد بيانات وافية عن المشروعات
المطروحة لتوفير المعلومات الضرورية، مع توفير مصادر الطاقة اللازمة والموارد الطبيعية
والمواد الخام اللازمة لصناعات مواد البناء والتشييد بأسعار مناسبة، وتبني الآليات
اللازمة لتعويض المقاولين عن المخاطر الناجمة عن ارتفاع أسعار مواد البناء وتغيرات
أسعار الصرف، والعمل على رفع كفاءة الأيدى العاملة وتعليم المهارات الفنيّة والحرفيّة
التي تلبي احتياجات سوق العمل، وتوطين التكنولوجيا، ووضع منهجية قياسية وأسس عالمية تحقق للمقاولين نجاح مشاريعهم
وتنفيذها خلال الموقت المحدد وضمن الميزانية، دون التغيير على نطاق العمل المطلوب،
وتضمن
لهم أقصى أنواع الضبط والجودة.
.....................
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق