أهمية استخدام التكنولوجيا الرقمية في صناعة المقاولات
بقلم د. مهندس مستشار/ مالك علي محمد دنقلا
لا توجد صناعة في العالم بمنأى عن التكنولوجيا الرقمية، وينطبق هذا على صناعة المقاولات، حيث تُجري هذه التكنولوجيا تحسينات كبيرة في الطريقة التي ينفذ بها المقاولون مشاريعهم، حيث تمهد الطريق لإعداد تصور للمشروع قبل تنفيذه، وتعد نمذجة معلومات البناء BIM هي إحدى التقنيات الحديثة والرائدة في هذا المجال، والتي ظهرت نتيجة للحاجة الملحة إلى تقليل تكلفة المشروعات والتحكم في زمن تنفيذ المشروع، ورفع الكفاءة والجودة، وحل المعوقات التي تواجه تنفيذ المشروعات، كما تعد مفتاحاً لكسب المزيد من العمل في صناعة تنافسية بشكل متزايد، فهي عملية ذكية تساعد المقاولين على أن يصبحوا أكثر دقة وكفاءة.
فمن المعروف أن الأطراف المشاركة في صناعة التشييد تواجه تحديات عديدة، تتمثل في إنجاز المشروعات بنجاح ضمن التكلفة المحددة، وفي الزمن المخطط له بجودة عالية، بالإضافة إلى تحديات التنسيق بين التخصصات المختلفة في الصناعة، وتحديات إهدار المواد نتيجة تعدد أنشطة هذه الصناعة، حيث أتاحت هذه التكنولوجيا التنسيق بين أطراف المشروع من كافة التخصصات المعمارية والإنشائية والميكانيكية والكهربائية والصحية، فضلاً عن مرحلة التنفيذ، ومتابعة البرنامج الزمني للمشروع، والتنسيق فيما بين المالك والمقاول والاستشاري، وسهولة إجراء التعديلات على المشروع وإظهار آثارها على التكلفة، وزمن تنفيذ المشروع. ويمكن أيضا العمل بشكل جزئي لكل شخص في فريق العمل، كتوزيع مهام تنسيق الموقع والمباني على أشخاص مختلفين، بحيث يعمل كل على حدة في نفس النموذج المركزي.
ونمذجة معلومات البناء BIM هي تقنية المستقبل؛ حيث أنها أسلوب ذكي يستند إلى النماذج ثلاثية الأبعاد التي تتوافق مع الطبيعة الخاصة لصناعة التشييد، وتغطي العلاقات الفراغية، وتحليل الضوء، والمعلومات الجغرافية، وكميات وخصائص مكونات المبنى، الأمر الذي يسهل العديد من المهام، مثل استخراج وتصنيف الكميات والمواصفات للمواد المستخدمة، والتصور الكامل والأدوات الكافية لتخطيط المباني والبنية التحتية وتصميمها وإدارتها بشكل أكثر كفاءة من خلال التمثيل الرقمي للصفات الفيزيائية والوظيفية للمنشأة، وبالتالي فإنها تضمن تفوُّق الشركات التي تعتمدها، وتُنقِص بشكل كبير من تكلفة ثغرات استخدام الطرق التقليدية، كما تمنح المالك فرصة الاطلاع المسبق والواضح على عمليات التصميم كافة، وتعديلها في الوقت المناسب لتتوافق مع احتياجاته ومع الكلفة المالية التي قام برصدها لإنجاز المشروع.
وهذه التقنية بشكل مختصر هي محاولة عمل نماذج لكل معلومات المبنى لجعلها في متناول يد كل المشاركين بالمشروع خلال دورة حياة المبنى، فجوهر هذا الأسلوب الحديث هو إحداث تكامل بين كافة الاختصاصات الهندسية بأعلى درجة ممكنة للوصول إلى أقرب تصوُّر للواقع، بالإضافة إلى تصور زمن المشروع، بل وإنقاص زمن إنجازه وإجراء التعديلات اللازمة خلال زمن قصير جداً، ومعرفة الميزانية المُقدّرة للمشروع في أي وقت، ويعتبر هذا الأسلوب أكثر كفاءة وعملية من الطرق التقليدية في الاستعلام، ومراقبة التكاليف في مشاريع البناء، ويزيل العديد من المعوقات والمفاجأت التي تطرأ خلال فترة التنفيذ بما أنه يمكن التحقق منها خلال مرحلة التصميم وتلافيها حتى لا تعوق العمل فيما بعد، حيث يتم إجراء أية تغييرات أثناء عملية البناء الحقيقي في النموذج المعلوماتي للمبنى مع إبقائه مقارباً للحقيقة قدر الإمكان، فيساعد ذلك فيما بعد في عمليات الصيانة والإدارة للمبنى.
مميزات تطبيق تكنولوجيا BIM في قطاع التشييد:
أثبتت نمذجة معلومات البناء أنها قادرة على إحداث ثورة في الصناعة الإنشائية، والدليل على ذلك الإقبال غير المسبوق من كبريات الدول المتقدمة على اعتمادها بشقيها التقني والاداري في جميع المشاريع المستقبلية، حتى إن بعض هذه الدول جعلته إلزامياً.
ولنمذجة معلومات البناء فوائد كثيرة ومتنوعة، يمكن تحديدها فيما يلي:
(1) سرعة وفعالية العمليات داخل المشروع لسهولة تشارك المعلومات مع أطراف المشروع.
(2) المقارنة بين عدة خطط زمنية من أجل اختيار الخطة الأمثل، وعرض خيارات الجدولة الزمنية وضبطها.
(3) القدرة على تتبُّع التنفيذ في جميع مراحل حياة المشروع.
(4) كفاءة التصميم لاستخدام التكنولوجيا في تحليل المبنى وعرض البدائل، المختلفة والمحاكاة السريعة، وتوقعات الأداء مما يساعد على إجراء التحسينات والحلول المبتكرة.
(5) التحكم في التكلفة وتقليلها بشكل كبير، وإدارة موارد المشروع من خلال وجود معايير أفضل تساعد في إجراء تقديرات أقرب، مع توفير الوقت والمال على المشاريع، وتوقع الأداء البيئي للمبنى.
(6) تقديم خدمة أفضل للملاك حيث يتم عرض المشروع بكافة المناظير والتفاصيل مما يتيح لهم فهم أفضل للمشروع.
(7) كفاءة وسرعة تصنيع وتجميع مستلزمات المشروع، لتمتع التكنولوجيا بإمكانيات تفصيلها وحصرها بدقة.
(8) الدعم المعلوماتي على مدار عمر المبنى في مراحل التصميم والإنشاء والتشغيل والإدارة والتطوير، ورؤية أكثر واقعية للمبنى، ورفع كفاءة التحليل وتخطيط التكاليف في المراحل الأولى بالمشروع، والقدرة على استيفاء طلبات الاستعلام بصورة فورية ووضع البدائل المتعددة لتطوير المشروع.
(9) رفع كفاءة الاتصال بين أطراف المشروع والتنسيق فيما بينهم، مما يساعد على حل مشكلة التواصل ما بين المهندس المعماري والإنشائي، وأي مشاركٍ في عملية التصميم والتنفيذ، حيث تسهل الإلمام بتفاصيل المشروع من قِبل الجميع، خاصة التفاصيل الزمنية والرؤية الشاملة للمشروع، ومشاركة التعديلات المختلفة فيما بينهم، لتلافي أي تعارضٍ قد يسبب مشاكل أو أخطاء في التنفيذ.
(10) اكتشاف الأخطاء واتخاذ القرارات الصحيحة، ما ينعكس إيجابيا ً في زيادة الربحية وتقليص وقت الإنجاز.
(11) كسب المقاولين المزيد من الأعمال، والحفاظ على قدرتهم التنافسية، وبناء الثقة والمصداقية حيث السمعة تعني كل شيء للمقاول في هذه الصناعة، وذلك من خلال أن هذه التكنولوجيا تسمح للمقاولين بإظهار فهمهم لعملية البناء ومعالجة أي مشاكل معقدة قبل البدء في الموقع.
(12) تقليل إعادة العمل، من خلال التعرف على المشكلات قبل ضرورة إعادة العمل، حيث تتمثل إحدى الميزات الفريدة لتقنية BIM في أنه يمكن تخزين جميع معلومات المشروع في مكان واحد والوصول إليها من أي مكان، ما يمكن فريق المشروع بأكمله للمساهمة في اكتشاف المشاكل قبل بدء العمل في الموقع، وإصلاحها بشكل استباقي في النموذج بدلاً من الموقع.
(13) تحسين هامش الربح؛ حيث إن تطبيق تقنية BIM أثبتت جدواها في ضمان تقديرات تكلفة البناء الأكثر فعالية، والتي بدورها تؤدي إلى تحسين هوامش الربح، وحسب الدراسات العلمية فإن 85٪ من المتخصصين في صناعة البناء أفادوا بأن استخدام تقنية نمذجة المعلومات BIM يؤدي إلى خفض تكلفة البناء النهائية.
(14) تساعد أيضاً في إدارة التغيير، حيث تسمح للمقاول بالحصول على نظرة فورية على التغييرات الكمية، مما يوفر معلومات حول كيفية تأثيرها على تكلفة المشروع، ويمكنه من اتخاذ الخيارات الصحيحة في وقت مبكر عند تعديل تقديرات التكلفة، فإذا تم إجراء تعديل ما في التصميم سيقوم البرنامج بإجراء جميع التعديلات الضرورية للعناصر المرتبطة بالتغيير.
(15) الحفاظ على أمن وسلامة الموقع وتحسين الأمن الصناعي، وتوفير الوقت والمال الناشئة نتيجة الحوادث بالموقع، وذلك عن طريق المحاكاة الواقعية للإنشاء، وإدارة الموقع وتحليل الأمان، حيث يتم التمثيل الدقيق لخطوات الإنشاء، وبالتالي يدعم من التحليل الإنشائي للأمان، ويراجع جميع عوامل الخطورة في المنشأ، وتقديم الحلول التصميمية البديلة التي يمكن استخدامها من قبل المصممين أو المقاولين قبل البدء في الإنشاء.
(16) تقليل أكبر قدر ممكن من المخاطر، كمخاطر العطاء وتكاليف التأمين والتغيرات الشاملة، وفرص المطالبات المرتبطة بشكل شائع بمشاريع البناء والتشييد، فبينما يتضمن البناء دائماً عنصراً من عناصر المخاطرة، فإن تقليلها يمكن أن يوفر للمقاولين مبالغ كبيرة من المال.
(17) تسهيل حساب الكميات والأسعار بشكل مباشر في مرحلة التصميم، واختيار المواد والخامات والتوريدات قبل بدء المشروع؛ لتناسب التصميم والتصور الكامل للمشروع والتحديث اللحظي للتكلفة.
(18) توثيق مواقع البناء والتخطيط للأنشطة اللوجستية للموقع، حيث تُعد هذه التقنية مصدراً للمعلومات عن المنشأة، قابلاً للتحليل والمحاكاة والقياس؛ مما يجعله مُوجِّهاً موثوقاً به لاتخاذ القرار في جميع مراحل المنشأة (التصميم، التنفيذ، الإدارة والصيانة).
وهكذا نرى -من خلال استعراضنا للفوائد- أن هناك فوائد للمقاولين، وهي تقليل مشاكل التنفيذ، وبالتالي تقليل كلفة المشروع وزيادة سرعة تنفيذه، ما يعني زيادة هامش الأرباح، كما أن هناك أيضاً فوائد للجهة المالكة، بل هي الجهة التي سوف تلمس معظم الفوائد، وذلك لأن استخدام هذه التقنية يساعد على تقليل كلفة إدارة وصيانة المشروع، والتي تمثل حوالي 8٠% من الكلفة الإجمالية، أي إن المالك هو المستفيد الحقيقي من استخدام نمذجة معلومات البناء في المشاريع.
دور الحكومات في تطبيق التكنولوجيا الرقمية:
مما سبق نرى أن التكنولوجيا الرقمية تفرض نفسها بإلحاح، وتحدث تطوراً كبيراً في قطاع التشييد، وتغطي كافة مراحل المشروع، وتزيد من الكفاءة والدقة وسرعة الإنجاز والتنسيق بين أطراف المشروع، والاستخدام الأمثل للطاقة، وتساعد على تخفيض التكلفة، والمراقبة الجيدة للبرنامج الزمني، وكلها أمور تحتم على المقاولين بجميع مستوياتهم، مسايرة ركب هذه التكنولوجيا الرقمية، وابتكار آليات وأساليب جديدة تمكنهم من تعزيز وتطوير تنافسية الصناعة وتحسين مردوداتها، كما أنه يجب على الحكومات العربية والجهات المتخصصة، العمل على مسايرة التطورات التي يعرفها العالم في هذه الصناعة ويكون ذلك من خلال، ما يلي:
- ضرورة الاهتمام بالتدريب وتأهيل العاملين في مجال الإنشاءات على التكنولوجيا الرقمية وبرامجها، بالإضافة إلى إدراجها ضمن المقررات التدريبية بالمعاهد والجامعات، وتوفير المدربين المؤهلين والتركيز على الدورات المتخصصة في هذا المجال.
- شراء البرامج والمعدات الخاصة للتدريب على هذه التكنولوجيا، ويتم تعويض هذه التكاليف في المستقبل عن طريق خفض تكاليف تصميم وتنفيذ المنشآت.
- تفعيل دور اتحادات المقاولين وجمعيات المهندسين والمؤسسات المتخصصة في التوعية، ونشر تكنولوجيا BIM، وإقامة الفعاليات لتضم كافة قطاعات التشييد من التخطيط والتصميم والتنفيذ والإدارة والتشغيل والصيانة والمطورين العقاريين.
- تهيئة وتشجيع الشركات للتحول إلى تكنولوجيا BIM، وذلك بالانتقال التدريجي بعد إنهاء كافة الاستعدادات اللازمة للتطبيق من تدريب ودعم فني وبرامج تأهيل للعاملين لتقبل الانتقال السلس، على أن يتم تطبيقه على عدد محدود من المشروعات في البداية، ثم الانتقال لكافة المشروعات.
- توفير الإمكانيات المادية اللازمة لبدء تطبيق تكنولوجيا BIM، والدعم الفني للمؤسسات والجهات المعنية، واختيار البرامج والتقنيات المناسبة للتطبيق، وإعداد كافة المستندات والعقود اللازمة للتطبيق.
- دعم المزيد من الدراسات المتعلقة بتكنولوجيا BIM في كافة مجالات قطاع الإنشاءات، كالتصميم والتنفيذ والتشغيل والصيانة، وعقد دراسات مقارنة بين المشروعات المشيدة بالتكنولوجيا التقليدية الحالية، ومثيلاتها التي تم تطبيق تكنولوجيا BIM بها.
- ضرورة وجود قوانين ملزمة لتنفيذ هذه التكنولوجيا، وإصدار القواعد الملزمة باشتراط استخدامها في المشروعات الكبرى للحصول على الموافقات والتراخيص من البلديات والجهات الحكومية المعنية.
- إعداد المواصفات والكودات والعقود المنظمة لاستخدام هذه التكنولوجيا بقطاع الإنشاءات.
https://tei1.blogspot.com/2011/06/blog-post_04.html?sc=1713446413767#c2837837194044148396
ردحذف