تحديات عملية تطوير شركات المقاولات الصغيرة والمتوسطة
د. مهندس مستشار/ مالك علي محمد دنقلا
(2) نظم الأمن والسلامة المهنية
تناولت بالمقال السابق التحديات التي تواجهها شركات المقاولات الصغيرة والمتوسطة في سبيل تطوير أنفسها والمواكبة مع المتغيرات المتعددة التي تطرأ على قطاع التشييد والذي هو قطاع ديناميكي متحرك كما أشارت العديد من الدراسات.
وأشرنا في المقال السابق لتحدي اكتساب الشركة للتصنيف الذي يناسبها، ويتعلق التحدي الثاني والضخم الذي يواجه شركات المقاولات الصغيرة والمتوسطة بتدني قدرتها على توفير منظومة الأمن والصحة والسلامة المهنية في مواقع العمل، رغم أن هذا الأمر يعد أحد العناصر الأساسية والرئيسية لصناعة البناء والتشييد في كل دول العالم، بل أن تحديث إجراءات الأمن والسلامة ومتابعتها باستمرار من ضروريات هذه الصناعة كثيفة العمالة، حيث أوضح تقرير صادر عن منظمة العمل الدولية بأن قطاع البناء من أكثر القطاعات خطورة في العالم، إذ يساهم بحوالي 30 بالمائة من الوفيات في البيئات المهنية، كما تكشف دراسات أخرى عن حدوث نسبة عالية من الحوادث في مواقع البناء خاصة في البلدان النامية.
ولأن معظم شركات المقاولات الصغيرة والمتوسطة تعتمد على العمالة الموسمية والعرضية؛ تخفيضاً للنفقات وتهرباً من الترتيبات التعاقدية والتزامات قوانين العمل وما تتطلبه من ضمانات رسمية للعمالة الثابتة من ضرائب وتأمينات ورعاية صحية وتوفير مساكن ومواصلات، لذا تعاني هذه الشركات من نقص واضح في العمالة المدربة والماهرة، الأمر الذي يتسبب في كثرة حوادث العمل، وفي العديد من الممارسات المتهورة بسبب عدم الإلمام الكافي للعمالة العرضية بكيفية أداء وظائفهم بأمان، حيث هم في الغالب أميون، ويفتقرون إلى فهم قوانين الصحة والسلامة المهنية، ويحتاجون إلى التدريب للتعرف على الأخطار المحتملة وتجنبها على أنفسهم والآخرين.
من ناحية أخرى، ونتيجة لأن التكلفة الرأسمالية لاقتناء المعدات والآلات تعد تكلفة باهظة بالنسبة لصغار المقاولين في البلدان النامية نظراً للمشاكل التي يواجهونها في الحصول على التسهيلات الائتمانية، ولأن العمالة في هذه الدول رخيصة نسبياً، تعتمد الشركات الصغيرة الأساليب القائمة على العمالة كخيار اقتصادي أكثر من اعتمادها من الأساليب كثيفة المعدات أو كثيفة رأس المال، وهذا يعني أن المزيد من العاملين في الموقع يتعرضون لمخاطر الصحة والسلامة.
كما أن عدم توافر المعدات والأدوات اللازمة، ونقص معدات الحماية الشخصية في مواقع العمل الخاصة بصغار المقاولين يشكل مخاطر جسيمة على الصحة والسلامة، سواء للعمال او مستخدمي مرافق البناء.
ونظراً لأن طرق طرح المناقصات والمشتريات بالبلدان النامية تتم غالباً من خلال عملية المناقصة التنافسية التي تركز على سعر العطاء، نجد أن ذلك يؤدي إلى منافسات شرسة بين عدد كبير من الشركات، وبالتالي إلى تخفيض الأسعار في محاولة للفوز بالعقود، ما يعني في النهاية عدم القدرة على توفير نفقات كل متطلبات الأمن والسلامة، حيث أن أدنى سعر ليس هو أفضل وسيلة في تنفيذ المشروعات.
وأيضاً نتيجة لعدم اشتراط ادماج إجراءات الصحة والسلامة في نظم طرح المشروعات بالدول النامية نتيجة الفصل بين عمليات التصميم والتشييد، ولأن العطاءات التنافسية تهمش الصحة والسلامة في البناء نظراً لظروف السوق التنافسية، تجد شركات المقاولات الصغيرة نفسها في موقف حائر، حيث إذا قدمت المخصصات المطلوبة لإجراءات الصحة والسلامة فإنها تخاطر بخسارة كبيرة.
هذا بالاضافة غلى هيمنة شركات القطاع العام على المشروعات الكبرى، والتي هي بدورها تقوم بتجزئة عمليات المشروع على الشركات الصغيرة، وتؤدي التجزئة إلى زيادة مخاطر الصحة والسلامة أثناء إنشاء المشاريع وتشغيلها وصيانتها.
ولأن هشاشة الأوضاع المالية وعدم الاستقرار المالي يعيق اعتماد ممارسات الصحة والسلامة الجيدة؛ فمن الطبيعي ألا يدير صغار المقاولين مخاطر الصحة والسلامة بنفس فعالية المقاولين الكبار، وبالتالي يعانون من مخاطر حوادث مهنية أعلى من الشركات الكبيرة، فنتيجة صغر حجم رأس مال هؤلاء المقاولين؛ فإن الموارد والمرافق اللازمة لتمكين البناء الآمن غير متوفرة بسهولة، حيث يُنظر إلى مسألة التكلفة، فشراء معدات الحماية الشخصية، وتوظيف ضباط السلامة في المشاريع يعني دائماً تكاليف إضافية، في حين أن كبار المقاولين يظهرون أداءً جيداً للسلامة؛ لأن لديهم الموارد والفاعلية لتطوير وتنفيذ أنظمة قوية لإدارة السلامة.
والمشكلة الأكثر بروزًا لقطاع البناء في دول القارة الإفريقية، والتي ربما تفسر مشاكلها على أفضل وجه، هي الافتقار إلى التنسيق وغياب أجندات واضحة ووكالات مركزية لتنظيم الصناعة، حيث لا توجد وكالة حكومية واحدة تشرف على قطاع البناء، وبالتالي يتم تقاسم المسئولية حول توافر أو عدم توافر نظم كافية للأمن والسلامة بين عدة جهات.
ولمواجهة كل هذه المشاكل يجب أن تبذل الشركات الصغيرة والمتوسطة المزيد من الجهد لضمان الامتثال لقواعد وإجراءات الصحة والسلامة، وويجب أن تسعى لتوفير كافة وسائل الحماية المتعلقة بالعمل وظروف العمل والصحة والسلامة المهنية لعمال البناء غير الرسميين.
وعلى الحكومات الحصول على بيانات إحصائية موثوقة حول القطاع غير الرسمي، ومراقبة أداء الصحة والسلامة لمن يعملون فيه، وإعداد سياسات لتطوير إمكانياتهم وتأهيلهم لاتباع إجراءات الأمن والسلامة العامة باستمرار ورفع خبراتهم، جنباً إلى جنب مع توفير الأدوات والمعدات اللازمة للوقاية تجنباً للحوادث الكثيرة في مواقع العمل.
ويجب توفير إطار وطني لإدارة الصحة والسلامة، حيث يعد عدم وجود هيئة مركزية لصناعة البناء عاملاً سلبياً في تطبيق لوائح الصحة والسلامة، وبالتالي لا بد من وجود هيئة لديها سلطة صياغة وإنفاذ قواعد السلوك في الصحة والسلامة، فعلى سبيل المثال نجد في (هونغ كونغ) أنه تم إنشاء مجلس صناعة البناء (CIC) كهيئة قانونية من بين وظائفها تعزيز الممارسات الجيدة في صناعة البناء فيما يتعلق بالسلامة والصحة المهنية وحماية البيئة، كما تراقب وزارة الجنسية والهجرة الكندية بانتظام أداء السلامة في صناعة البناء من أجل وضع تدابير لتحسين وسائل الأمن والصحة.
وأخيراً، يجب أخذ إجراءات الصحة والسلامة في الاعتبار في مراحل تصميم المشاريع، لأنه يعد نهجاً مهماً وطريقة فعالة لتقليل أو القضاء على المخاطر في مصادرها، ودمج خبرة ومعرفة المقاولين في مرحلة التصميم والنص في العقود على قواعد وإجراءات السلامة والصحة المهنية، واتباع النظم القياسية للتشغيل الخاصة بالشركات، وكلها عوامل يمكن أن تقضى على مشاكل الصحة والسلامة.
وفي مقالات قادمة - بإذن الله - نتناول عوامل أخرى تساهم في تطوير شركات المقاولات الصغيرة والمتوسطة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق