تحديات صناعة التشييد .. وعبور ناجح لتجربة صناعة الطيران بالسودان
د م م مالك علي دنقلا
بحكم ارتباطي بصناعة التشييد بالسودان كنت اعتقد انها من أصعب الصناعات ذلك ان المقاول يتكبد عناء شديدا في الاستمرار في المهنة وتسليم المشاريع في مواعيدها في ظل تقلبات سعر الصرف وصعوبة وجود موردين متمرسين في عملية الــ supply chain خاصة ان هنالك بعض المشاريع بها تعقيدات من مواصفات محددة لمواد او معدات ولا يوجد وكيل محلي او موزع معتمد فيضطر المقاول كما ذكرت في مقال سابق عن صناعة التشييد بالسودان ان المقاول يقع عليه العبء الأكبر في هذا القطاع الذي يعانى كثيراً لعدم تناغم وتناسق وتكامل السياسات الاقتصادية بصفه خاصة وعدم تكامل عناصر العملية المتداخلة والمرتبطة لا نجاح هذا القطاع الهام ، فطبيعة المشاريع تتطلب جدولاً زمنياً طويلاً لتنفيذها ومطلوب من المقاول تثبيت سعره طيلة فترة الجدول الزمني هذا مع الوضع فى الاعتبارعدم ثبات السياسات الاقتصادية وعدم التطبيق الفعلي لمنشور بنك السودان للبنوك الخاص بالقطاع باعتبار المشروع في حد ذاته يمثل ضماناً للتمويل من البنوك إلا أننا نجد انه لا يوجد بنك ينفذ هذا المنشور ناهيك عن تميز السياسات المالية والنقدية الصادرة من بنك السودان للمقاول الأجنبي علي المقاول المحلى خلافاً لما كان ينبغي ان يكون – علماً بأن دخول المقاول المحلى وكمثال في مجال البترول وبكفاءة عالية في التنفيذ انعكس إيجابياً علي خفض ُمقدر لتكلفة الإنتاج وفي مشاريع كانت حكراً علي المقاول الأجنبي بعد انسحابها كجزء من الحظر الاقتصادي الأمريكي علي السودان – حيث نجح المقاول في استجلاب عماله ماهره قليلة العدد وعالية التكلفة الا انه واجه عقبات في دفع مستحقاتهم جراء السياسات المحبطة التي أدت إلي ضعف الدورة الانتاجية والتنفيذية لشركات المقاولات علي الرغم من كفاءِتها وهي تحذو حذو النموذج الاداري العالمي بتوفير متطلباتها الفنية والإدارية والمالية وعقد الاتفاقات مع الموردين ومقاولي الباطن.
واشرت في ذلك المقال السابق انه حتى تكون مقاولاً ناجحاً عليك الألمام والدراية باستيراد متطلبات المشروع تلبيه والتزام للمواصفات المطلوبة لعدم توفرها بالسوق المحلي وانه لابد من مواجهة تحديات دائرة مشاكل الاستيراد المتعددة كعدم ثبات سياساته مقروءة مع رسم التعرفة الجمركية ومشاكل الترحيل الجوي والبحري والبري وشهادات المنشأ وشهادات الجودة العالمية والمحلية أضف إلي ذلك توفير العملة الصعبة الامر الذي يضطرك لدخول باب التصدير وضرورة الالمام كذلك بسياساته وتوفير العملات الصعبة له وما يتبع ذلك من مشاكل الترحيل والتخليص وتجنيب هامش الصادر و شهادات منشأ وشهادات صحيه وجوده ومعاملات بنكيه وتلك تعتبر من العوامل المؤثرة في تنمية الصادرات كما ذكرت فى مقال سابق الى جانب قضايا ومشاكل ما بعد الاستيراد من ترحيل ورسوم مفروضة و جبايات بالطرق خاصة ان كان المشروع بالولايات فتكون مضطرا لدفع رسوم بورصة وارتفاع أسعار النقل إذا لم يكن لك اسطول خاص فتلجأ للنقل مع أخرين وفي ذلك عرضه للتلف وفقدان ما يخصك كمقاول.
وعلي نفس النهج ولضمان نجاحك كمقاول يجب أن يكون لك الخبره والمقدره للدخول في مجال التصنيع أو الدخول في شراكات مع أخرين لتصنيع بعض المواد ذات الصبغة الهندسية كصناعة الطوب الحراري والانترلوك والدهانات وغيرها من الصناعات الهندسية وهنا أيضا تكون عرضه لمشاكل وتحديات عملية التصنيع المتعددة والمتمثلة في عدم وجود الحماية الوطنية ورسوم الإنتاج ومشاكل التمويل والتوظيف من قانون عمل وضمان اجتماعي وعدم توفر الطاقة مع ارتفاع أسعارها وكذا في مجال الصناعات الصغيرة والتي يتم بها وبالضرورة نجاح شركة المقاولات من ورش حداده ونجاره تواجهها أيضا مشاكل وهذا يتطلب من المقاول أن يواكب التطور في هذه المجالات بأرتياد المعارض والورش العلمية وتطوير الذات بالدراسات المستمرة في المجال وبهذا الإنتشار فعلي المقاول أن يكون تارةً مستورداً و اخري مصدراً و مصنعاً .
هذا السرد الذي أوردته بوجود تعقيدات جمه بصناعة التشييد كنت أراها من أصعب الصناعات الا انني اليوم وعقب صعودي على متن رحلة من رحلات شركة بدر للطيران للمرة العاشرة اوكد ان قناعاتي تلك قد تغيرت وتبدلت تماما وأدركت ان هنالك صناعات تحتاج الي قدرات عالية وهمم حدها الثريا منها صناعة الطيران بالسودان ، ولعل أبرز ما قاله فيها أحد اكبر المديرين ان اي رحلة فيها هي حفلة كاملة الدسم ولتقريب الفهم لك ايها القارئ ان تتخيل يوميا لديك ثلاث حفلات زواج بالمنزل او أكثر فقد وجب عليك الايفاء بكامل الالتزامات المطلوبة بتجهيز خدمات الضيافة والكرم الذي يليق من وجبات واحسان الضيافة وإعداد كشوفات الضيوف واعتمادهم وتهيئة ظروف اجلاسهم وهكذا دواليك أضف الي ذلك مشكلات توفير الوقود ونظافة الطائرة وفوق كل هذا وذاك التأكد من سلامة الراحلة وتمليكهم سبل السلامة والتأكد من وصول الطاقم وسلامتهم وتهيئة نفسياتهم ومزاجهم لتكون في قمة معنوياتها لخدمة الضيوف الى جانب الاهتمام بمشاكل الصيانة الدورية والخدمات الأرضية وتذبذب سعر العملة ناهيك عن تأخر الركاب وتسيبهم خاصة في رحلات العودة من الخارج والالتزام بالجدول الزمني مضافا اليه كل التعقيدات التي ذكرناها حول حوجة المقاول للاستيراد و التصدير والتصنيع فهي الزامية لمن ولج باب الاستثمار فى مشروعات صناعة الطيران.
ان المتأمل لصناعة الطيران في بلدنا السودان والمصاعب التي اعترضت سبيل الناقل الوطني الحكومي عبر كونه قطاع عام خاص او عبر تجربته عن طريق الخصخصة رغم انه كان وحيدا مقارنا بتاريخه في الدول الافريقية الأخرى و كيف سبقنا من اتي بعدنا للاستثمار فى المجال ، و قصة الطيران و النقل الجوي عموما في الدول العربية و نجاحاتها و فشل اخرين و دخول شركات النقل الاقتصادي و عمليات كسر الأسعار للتذاكر كلها عوامل متعددة لنجاح شركة الطيران ورغما انني لست متخصصا في هذا المجال الا انه ومن اجل لفت الانظار الي نجاحات تحققت في القطاع الخاص السوداني فى هذا المجال وددت كتابة هذه المشاهدات تحفيزا لاخرين لولوجه واوعود هما بالذاكرة لزيارتي وانا شاب للولايات المتحدة الامريكة وفي اكبر منتزه علمي اختتمت الرحلة ، ونحن نطير بسيارات بين عمارات نيويورك الشاهقة و بعبارة لا يمكنني ان انساها ( IF WE CAN DREAM IT WE CAN DO IT ) اجد نفسي اليوم أقف وقفت تحية واعزاز لأشد علي يد المهندس الهمام احمد عثمان ابوشعيرة وطاقمهم المساعد علي ما وقفت عليه بنفسي من اضطرارهم لعمل عدة اسماء عمل مسانده تعمل في منظومة متجانسة مثل تموين الطائرات والخدمات الأرضية وغيرها من الخدمات الآخري ووجدت حرصا على التقيد بالزمن والتزامًا به وخدمات ضيافة معده وفقا لاشتراطات صحية وفي بيئة حضارية عالية وبأيدي متخصصة ولمست تعاملًا راقيا من اطقم الطائرات وموظفي المحطات الأرضية وذلك في ظل غياب الدعم الحكومي والذي كان يمكن ان يكون في شكل اعفاءات ضريبية او جمركية تشجيعا و تحفيزا لهم وحمايتهم من المنافس الاجنبي ذو الامكانيات العالية و لعلها فرصة ان تجد هذه الكلمات صدي عند اصحاب القرار فيهبوا لنصرتهم بسياسات تسهل لهم بلوغ طموحاتهم .
ولعلي في ختام هذا المقال ادعوهم لسرد تجربتهم في مقالات او ورش حتي يستفيد منها الشباب الراغبين في تحدي الصعاب يحدوهم الأمل في وطن متقدم راقي يلبي طموحاتهم ولعلها تكون قصة نجاح ملهمة لبعض الشباب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق