مهندس مستشار / مالك علي دنقلا
تهدف الشراكة فى العموم بين القطاعين العام والخاص إلى تغيير نشاط الحكومة من تشغيل البنية الأساسية والخدمات العامة، إلى التركيز على وضع السياسات لقطاع البنية الأساسية ووضع أولويات لمشروعات البنية الأساسية، كذلك لمراقبة مقدّمي الخدمات بغية تحسين نوعيّتها ورفع جودتها كما تهدف إلى مساهمة وإدخال الكفاءات الإدارية والقدرات التمويلية لدى القطاع الخاص وإشراكه في تحمل المخاطر وإلى تفادي تراجع الأصول والمنشآت الضرورية للقطاع العام نتيجة الصيانة غير الفعّالة أو التّشغيل السيء للأصول وإدخال الابتكارات على تصميم المشروع بالنسبة لهذه الأصول ، إنّ الشراكة بين القطاعين تحقق قيمة أفضل مقابل النقود في ما يتعلّق بالإنفاق العام من خلال السعر الأمثل للعميل على أساس التكلفة خلال مدّة العقد. أمّا السعر الاجمالي لمناقصة القطاعين العام والخاص المقدّمة من الشريك يجب أن يكون أقل من التكلفة التي تتحمّلها الحكومة لو قامت بتوفير مستوى الخدمة نفسه، متضمّنة التكاليف الإضافية للمخاطر التي يمكن للحكومة أن تواجهها.
ممّا لا شكّ فيه أنّ الشراكة بين القطاعين العام والخاص تعتبر نموذجًا متطورًا لأنشطة الأعمال التي تساعد على زيادة استثمارات القطاع الخاص ولا سيّما عندما يكون الإقتصاد الوطني يعمل بأدنى من كامل قدراته وطاقاته التشغيلية في المجالات الاقتصادية جميعًا من أجل الوفاء باحتياجات المجتمع من السلع والخدمات بأساليب مستحدثة ويمكن حصر مبرّرات اللجوء إلى أسلوب الشراكة فى عدم قدرة القطاع العام على تحقيق التنمية المستدامة بمفرده و التغير التقني والاقتصادي المتسارع الذي يتيح الفرصة لتخفيض تكلفة المشاريع وضغوط المنافسة المتزايدة وتراجع معدّلات النموّ في الناتج المحلي ومحدودية الموارد المالية والبشرية لدى القطاع العام، وعدم قدرته على مواكبة التطوّر التكنولوجي بسبب تعدّد المجالات والمشاريع التي يتطلب تنفيذها ووفقا لذلك فإنّ الشراكة تعمل على تخفيف حدّة المنافسة بين هذه المجالات من خلال تبادل الالتزامات بين الشركاء زيادة الفاعلية والكفاءة من خلال الاعتماد على الميزة المقارنة وعلى تقسيم العمل العقلاني الناتج عن هذه الشراكة.
إنّ نجاح أي رؤية استراتيجية على المستوى الإقتصادي العام تحتاج إلى ظروف وبيئة حاضنة وأدوات تساعد على تحقيق أهداف هذه الرؤية، لذلك يمكن تحديد الخطوط العريضة لمتطلبات نجاح هذا الأسلوب بوجود دعم سياسي قوي على المستوى الوطني يؤدي إلى تشجيع هذا النشاط مع وجود تطوّر واقعي مشترك للشراكة مبني على نقاط القوّة والضعف المتوافرة لدى أطراف الشراكة وتحليل دقيق ومفصّل وشفّاف لجدوى المشروع قبل التعاقد وتحليل مفصل للمخاطر من جميع جوانب المشروع الفنّي والتجاري فضلًا عن المخاطر السياسية واهمية وجود عقود مبرمة جيدة وشفّافة وتنافسية ومفصّلة على المدى الزمني القصير والمتوسّط والطويل والرغبة من قبل الشريك العام (القطاع العام) بالقبول بحلول إبتكارية ووجود رقابة فعّالة وحرفية على الشريك في القطاع الخاص من قبل العميل الحكومي مع التركيز علي إختيار المشروعات المناسبة بحيث يمكن تكرارها لتحفيز القطاع الخاص.
تُصنّف الشراكة من خلال المفاهيم والتوجهات والمعايير المعتمدة في التصنيف بحسب نمط التنظيم وأسلوب اتخاذ القرار ونوع القطاع وطبيعة النشاط إضافةً إلى طبيعة العقد بحيث يتحدّد الدور الذي يقوم به كلّ من القطاع العام والقطاع الخاص ضمن تلك الشراكة فالترتيبات المؤسسية تتراوح ما بين ترك أمر البنية الأساسية للإدارة الحكومية أو ترك أمرها كليًا للقطاع الخاص ويلاحظ أنّ بين النمط الأوّل والثاني ترتيبات مؤسسيّة أخرى توزّع فيها الأدوار بين الطرفين من خلال إسناد خدمات البنية الأساسية عبر عقود كالخدمة أو الإدارة أو التأجير أو الشراكة أو الامتياز كما ان أكثر التصنيفات قبولًا من قبل الباحثين تندرج على أساس مجموعتين تتمثل الاولي فى الشراكات التعاونية Partnerships Collaborativeويدور هذا النوع من الشراكات حول إدارة الشراكة وتنظيمها على أساس تشاركي بين القطاعين العام والخاص، حيث تتّصف الشراكة بعلاقات أفقية بين أطرافها ويتمّ اتخاذ القرار بالإجماع بحيث يشترك جميع الشركاء بأداء المهمات والواجبات من دون إشراف منفرد لأي طرف بموجب القواعد التي يفرضها ، اما الثانية فتتمثل فى الشراكات التعاقدية Partnerships Contracting، ويُعنى هذا النوع من الشراكات بترتيبات توصيل الخدمات بموجب عقد بين طرفين وتكون العلاقات بين أطراف الشراكة عامودية مع وجود جهة مرجعية واحدة تمارس الرقابة والسيطرة على النشاط ولا تمارس أداء المهمّات بل تعتمد على الأطراف الأخرى في ذلك وتكون تلك الجهة قادرة على إنهاء الشراكة أحيانًا بطريقة أحادية استنادًا إلى معيار العقد الذي يحكم العلاقة بين القطاعين العام والخاص ، ويدخل نظام الشراكة بين القطاعين العام والخاص الـ(PPP) Public- Private Partnership وفق التصنيف الوارد أعلاه, ضمن الشراكات التعاونية، بينما تأخذ الشراكات التعاقدية أشكالًا عديدة مثل التأجير والإدارة والخدمة و الشريك الاستراتيجي والامتياز.
لقد شهدت بداية تسعينيات القرن الماضي تزايد مشاريع الشراكة بين القطاعين العام والخاص في أنحاء العالم لأسباب عديدة اهمها انهيار الاتحاد السوفياتي ومنظومته الامر الذي الذي دفع دول أوروبا الشرقية بدايةً ولاحقًا دول الاتحاد السوفياتي السابق وروسيا إلى التراجع عن الملكية المطلقة لوسائل الانتاج من قبل الحكومات وإلى إشراك القطاع الخاص بشكل أو بآخر في إدارة شوؤن الدولة ومن الأسباب الإضافية التي دفعت باتجاه الشراكة بين القطاعين العام والخاص تعاظم الديون السيادية وازدياد عجز موازنات الحكومات ما دفعها إلى البحث عن تخفيض هذا العجز من دون أن يؤثر ذلك على الإنفاق الاستثماري لديها عبر عقد شراكات مع القطاع الخاص ، وفي ظل التغيرات المتسارعة التي يشهدها الاقتصاد العالمي والآثار الناتجة عن انخفاض أسعار النفط التي تعرضت لها العديد من الدول الأعضاء أصبحت الشراكة بين القطاعين العام والخاص أداة فعالة ومفيدة لتنفيذ مشاريع البنية التحتية الضخمة والضرورية لاستمرار التنمية الاجتماعية والاقتصادية وقد برزت تبعا لذلك العديد من قصص النجاح للشراكات بين القطاعين العام والخاص في الدول مثال مشاريع الشراكة بين القطاعين العام والخاص في قطاع الرعاية الصحية بتركيا وكفاءة الطاقة والحافلات الكهربائية في المغرب وكذلك تحديد القطاعات التي ستحظى بأعلى تمويل من مشاريع الشراكة بين القطاعين العام والخاص في السنوات المقبلة، والعوامل الأكثر أهمية التي تحظى بالقبول لدى البنوك وتدفعها لتمويل مشاريع بعينها، والدور الذي يتوجب على البنك الإسلامي للتنمية القيام به لتعزيز التعاون بين منشآت القطاعين العام والخاص.
وفي مجال البنية التحتية برزت التحديات الرئيسية التي تواجهها الدول عند تنفيذ المشاريع الحكومية في مجال البنية التحتية وجاهزية الأطر التنظيمية لنموذج الشراكة بين القطاعين العام والخاص والقطاعات التي أثبت هذا النموذج نجاحه فيها كما برزت العديد من الحالات التي تكون فيها الشراكة بين القطاعين العام والخاص هي الخيار الأفضل لتمويل مشاريع البنية التحتية وطبيعة الدعم الحكومي الأكثر فاعلية لتشجيع هذه الشراكة والجوانب التي يتوجب على الحكومة الاهتمام بها بشكل خاص عند تصميم نموذج الشراكة بين القطاعين العام والخاص والقطاعات الواعدة التي يمكن أن تستفيد من مشاريع الشراكة لتلبية الاحتياجات ومعالجة التحديات القائمة من خلال تفاهمات طرفي الشراكة فى الخاص والعام والقناعة باهمية إشراك القطاع الخاص في مراحل مبكرة من عملية التخطيط والتصميم وتبني نهج دورة الحياة والاعتماد على مفاهيم التعميم والاقتصاد التعاوني وصياغة سياسات واضحة للتعاون بين القطاعين العام والخاص وإظهار الالتزام والدعم السياسي القوي والمستمر والعمل علي وضع إطار العمل القانوني والتنظيمي المناسب ووضع آليات موثوقة كما يلزم تحقيق نجاحات الشراكة التزام القطاع الخاص بتبني النهج الاستباقي والنظرة الواقعية في مشاريع تقديم الخدمات والمشاركة مع المجتمعات المحلية من أجل الدعم طويل الأجل وبناء علاقات تعاونية مع القطاع العام قادرة على الصمود في أوقات التحديات والصعوبات والتوسع في الشراكات خارج نطاق المألوف .
وانطلاقا من المفاهيم العالمية للشراكة بين القطاع العام والخاص فاننا نجد ان الشراكة اصبحت ظاهرة مسيطرة خلال السنوات العشر الأخيرة نتيجة لعدم كفاية الاستثمارات والضغوط المتزايدة على الميزانيات الحكومية بالإضافة إلى القلق العام تجاه عدم كفاءة الخدمات التى تقدمها المؤسسات والوكالات الحكومية وتردى البنى التحتية وهشاشتها فى كافة القطاعات مما ينعكس سلباً على قدرة الدولة على تأمين الخدمات العامة كما انها اسهمت فى تعزيز الثقة فى نفوس المستثمرين بما يحقق العدالة حيث طبقت شراكة القطاع العام والخاص بشكل رئيسي في مجالات البنية الأساسية الاقتصادية مثل ( الاتصالات اللاسلكية و الطاقة و المياه و الطرق) وهي بذلك تسهم تقوية وتفعيل وتعزيز دور القطاع الخاص للإطلاع بمسئولياته التنموية والاجتماعية ودعم برامج التنوع الإقتصادى ووجود العديد من الخصائص المشتركة لمشاريع الشراكة وذلك على الرغم من وجود أنواع مختلفة منها تشتمل على طرق مختلفة للتمويل الا ان الملاحظ فإن جميع نماذج الشراكات تشترك في خصائص معينة تشمل التعريف الواضح للمخرجات المطلوبة بمؤشرات أداء رئيسية قابلة للقياس والتزام طويل الأمد نسبياً مع مدة تنفيذ تعتمد على طبيعة المشروع وان الشريك الخاص مسؤول مسؤولية كاملة أمام الحكومة في تقديمه للخدمات الى جانب وضوح توزيع المخاطر بين الشركاء والاتفاق عليه من الجميع والتعبير الواضح والصريح عن مسؤوليات الجهة الحكومية المعنية في مراقبة الأنشطة وفقا لانواع العقود المختلفة فى الشراكة كعقد الخدمة حيث يكون التعاقد للقيام بمهام غير أساسية في النشاط يطرح في صيغة عطاءات تمتد من 1- 2 سنة وعقود الادارة حيث يقوم القطاع الخاص بمسئولية التشغيل والصيانه وتحتفظ الدولة بملكية الأصول ومسئوليته توفير الخدمة وتحمل المخاطر التجارية والاستثمارات الرأسمالية - يكون عقد مقابل اجر ثابت مرتبط بكفاءة الإدارة مدته ما بين 3-5 سنوات وعقود الايجار حيث تستأجر الشركة الخاصة أصول المرفق وتكون مسئولة عن التشغيل والصيانة وتتحمل كل المخاطر التجارية لأعمال التشغيل وتحتفظ الإدارة المحلية بملكية الأصول ومسئولية الإستثمارات الرئيسية وتقوم بتنسيق برامج الإستثمار مع البرنامج التجاري الخاص بالمستأجر وفى الحالة يحتاج العقد الى جهاز تنظيمي لمتابعة التزام المستأجر بالاضافة الى عقود الامتياز ويكون هنا القطاع الخاص مسئول مسئولية كاملة عن التشغيل والصيانة وتحمل المخاطر ومسئولية التمويل والخطر الإستثماري لخدمات البنية الاساسية المستهدفة أو أن يتم تقسيم تلك المهام الى مجموعات ويحدد في العقد مسئولية كل متعاقد ، وفى حالة عقود الـ BOT تمنح الحكومة إمتياز لشركة خاصة (شركة المشروع) تقوم بموجبه ببناء وتشغيل المشروع وإدارته خلال فترة الإمتياز، وبعد إنتهاء فترة الإمتياز تعود ملكية المشروع للدولة دون أن تدفع مقابل أو تعويض.
وبالنسبة الى السودان فلابد من سياسات خاصة بالشراكة حيث لابد ان تعكس تلك السياسات افضل الممارسات العالمية والإطر القانونية التنظيمية الإقتصادية والبيئية للدولة كما يجب ان تُترجم السياسات في صورة واضحة تعكس اهداف وإستراتيجيات الحكومة باستهداف مشروعات الانتاج بالبرنامج الخماسي الهادف الى زيادة الانتاج "مخرجنا الاقتصادي" لاحداث التوازن المطلوب واحلال الواردات وزيادة الصادرات والشروع الفوري فى تنفيذها عقب الانتهاء من الخطوات التنظيمية والاجرائية لتثبيت اركان الشراكة بعد ان تم رفع مسودة قانون الشراكة المرتقب المتفق عليها من وحدة الشراكة بوزارة المالية والتخطيط الاقتصادي لمجلس الشراكة ومن ثم الى مجلس الوزراء ونتطلع الى الاسراع والتعجيل بالدفع بمسودة المشروع الى منضدة البرلمان للمصادقة عليه واجازته للشروع الفوري فى العمل بموجبه بالتركيز فى المرحلة الاولي علي الشراكة في مشروعات البنية التحتية الى جانب جعل الشراكة تنصب فى المشروعات التي تسهم فى تحقيق القيمة المضافة للمنتجات السودانية خاصة تلك التي تساهم فى تحقيق الامن الغذائي من خلال التصنيع الغذائي فى مجالات الحبوب الزينية وانشاء مشروعات المزارع للانتاج الحيواني لتربية وتسمين الماشية وانشاء المسالخ الحديثة الى جانب تصنيع الموارد والانتاج الذي يتمتع فيه السودان بميزات تفضيلية فى عدد من المجالات التي تضيف قيمة مضافة تسهم فى تعظيم الصادرات والانطلاق عقب ذلك للعمل فى مشروعات الشراكة فى المجالات والقطاعات الاخري .
تهدف الشراكة فى العموم بين القطاعين العام والخاص إلى تغيير نشاط الحكومة من تشغيل البنية الأساسية والخدمات العامة، إلى التركيز على وضع السياسات لقطاع البنية الأساسية ووضع أولويات لمشروعات البنية الأساسية، كذلك لمراقبة مقدّمي الخدمات بغية تحسين نوعيّتها ورفع جودتها كما تهدف إلى مساهمة وإدخال الكفاءات الإدارية والقدرات التمويلية لدى القطاع الخاص وإشراكه في تحمل المخاطر وإلى تفادي تراجع الأصول والمنشآت الضرورية للقطاع العام نتيجة الصيانة غير الفعّالة أو التّشغيل السيء للأصول وإدخال الابتكارات على تصميم المشروع بالنسبة لهذه الأصول ، إنّ الشراكة بين القطاعين تحقق قيمة أفضل مقابل النقود في ما يتعلّق بالإنفاق العام من خلال السعر الأمثل للعميل على أساس التكلفة خلال مدّة العقد. أمّا السعر الاجمالي لمناقصة القطاعين العام والخاص المقدّمة من الشريك يجب أن يكون أقل من التكلفة التي تتحمّلها الحكومة لو قامت بتوفير مستوى الخدمة نفسه، متضمّنة التكاليف الإضافية للمخاطر التي يمكن للحكومة أن تواجهها.
ممّا لا شكّ فيه أنّ الشراكة بين القطاعين العام والخاص تعتبر نموذجًا متطورًا لأنشطة الأعمال التي تساعد على زيادة استثمارات القطاع الخاص ولا سيّما عندما يكون الإقتصاد الوطني يعمل بأدنى من كامل قدراته وطاقاته التشغيلية في المجالات الاقتصادية جميعًا من أجل الوفاء باحتياجات المجتمع من السلع والخدمات بأساليب مستحدثة ويمكن حصر مبرّرات اللجوء إلى أسلوب الشراكة فى عدم قدرة القطاع العام على تحقيق التنمية المستدامة بمفرده و التغير التقني والاقتصادي المتسارع الذي يتيح الفرصة لتخفيض تكلفة المشاريع وضغوط المنافسة المتزايدة وتراجع معدّلات النموّ في الناتج المحلي ومحدودية الموارد المالية والبشرية لدى القطاع العام، وعدم قدرته على مواكبة التطوّر التكنولوجي بسبب تعدّد المجالات والمشاريع التي يتطلب تنفيذها ووفقا لذلك فإنّ الشراكة تعمل على تخفيف حدّة المنافسة بين هذه المجالات من خلال تبادل الالتزامات بين الشركاء زيادة الفاعلية والكفاءة من خلال الاعتماد على الميزة المقارنة وعلى تقسيم العمل العقلاني الناتج عن هذه الشراكة.
إنّ نجاح أي رؤية استراتيجية على المستوى الإقتصادي العام تحتاج إلى ظروف وبيئة حاضنة وأدوات تساعد على تحقيق أهداف هذه الرؤية، لذلك يمكن تحديد الخطوط العريضة لمتطلبات نجاح هذا الأسلوب بوجود دعم سياسي قوي على المستوى الوطني يؤدي إلى تشجيع هذا النشاط مع وجود تطوّر واقعي مشترك للشراكة مبني على نقاط القوّة والضعف المتوافرة لدى أطراف الشراكة وتحليل دقيق ومفصّل وشفّاف لجدوى المشروع قبل التعاقد وتحليل مفصل للمخاطر من جميع جوانب المشروع الفنّي والتجاري فضلًا عن المخاطر السياسية واهمية وجود عقود مبرمة جيدة وشفّافة وتنافسية ومفصّلة على المدى الزمني القصير والمتوسّط والطويل والرغبة من قبل الشريك العام (القطاع العام) بالقبول بحلول إبتكارية ووجود رقابة فعّالة وحرفية على الشريك في القطاع الخاص من قبل العميل الحكومي مع التركيز علي إختيار المشروعات المناسبة بحيث يمكن تكرارها لتحفيز القطاع الخاص.
تُصنّف الشراكة من خلال المفاهيم والتوجهات والمعايير المعتمدة في التصنيف بحسب نمط التنظيم وأسلوب اتخاذ القرار ونوع القطاع وطبيعة النشاط إضافةً إلى طبيعة العقد بحيث يتحدّد الدور الذي يقوم به كلّ من القطاع العام والقطاع الخاص ضمن تلك الشراكة فالترتيبات المؤسسية تتراوح ما بين ترك أمر البنية الأساسية للإدارة الحكومية أو ترك أمرها كليًا للقطاع الخاص ويلاحظ أنّ بين النمط الأوّل والثاني ترتيبات مؤسسيّة أخرى توزّع فيها الأدوار بين الطرفين من خلال إسناد خدمات البنية الأساسية عبر عقود كالخدمة أو الإدارة أو التأجير أو الشراكة أو الامتياز كما ان أكثر التصنيفات قبولًا من قبل الباحثين تندرج على أساس مجموعتين تتمثل الاولي فى الشراكات التعاونية Partnerships Collaborativeويدور هذا النوع من الشراكات حول إدارة الشراكة وتنظيمها على أساس تشاركي بين القطاعين العام والخاص، حيث تتّصف الشراكة بعلاقات أفقية بين أطرافها ويتمّ اتخاذ القرار بالإجماع بحيث يشترك جميع الشركاء بأداء المهمات والواجبات من دون إشراف منفرد لأي طرف بموجب القواعد التي يفرضها ، اما الثانية فتتمثل فى الشراكات التعاقدية Partnerships Contracting، ويُعنى هذا النوع من الشراكات بترتيبات توصيل الخدمات بموجب عقد بين طرفين وتكون العلاقات بين أطراف الشراكة عامودية مع وجود جهة مرجعية واحدة تمارس الرقابة والسيطرة على النشاط ولا تمارس أداء المهمّات بل تعتمد على الأطراف الأخرى في ذلك وتكون تلك الجهة قادرة على إنهاء الشراكة أحيانًا بطريقة أحادية استنادًا إلى معيار العقد الذي يحكم العلاقة بين القطاعين العام والخاص ، ويدخل نظام الشراكة بين القطاعين العام والخاص الـ(PPP) Public- Private Partnership وفق التصنيف الوارد أعلاه, ضمن الشراكات التعاونية، بينما تأخذ الشراكات التعاقدية أشكالًا عديدة مثل التأجير والإدارة والخدمة و الشريك الاستراتيجي والامتياز.
لقد شهدت بداية تسعينيات القرن الماضي تزايد مشاريع الشراكة بين القطاعين العام والخاص في أنحاء العالم لأسباب عديدة اهمها انهيار الاتحاد السوفياتي ومنظومته الامر الذي الذي دفع دول أوروبا الشرقية بدايةً ولاحقًا دول الاتحاد السوفياتي السابق وروسيا إلى التراجع عن الملكية المطلقة لوسائل الانتاج من قبل الحكومات وإلى إشراك القطاع الخاص بشكل أو بآخر في إدارة شوؤن الدولة ومن الأسباب الإضافية التي دفعت باتجاه الشراكة بين القطاعين العام والخاص تعاظم الديون السيادية وازدياد عجز موازنات الحكومات ما دفعها إلى البحث عن تخفيض هذا العجز من دون أن يؤثر ذلك على الإنفاق الاستثماري لديها عبر عقد شراكات مع القطاع الخاص ، وفي ظل التغيرات المتسارعة التي يشهدها الاقتصاد العالمي والآثار الناتجة عن انخفاض أسعار النفط التي تعرضت لها العديد من الدول الأعضاء أصبحت الشراكة بين القطاعين العام والخاص أداة فعالة ومفيدة لتنفيذ مشاريع البنية التحتية الضخمة والضرورية لاستمرار التنمية الاجتماعية والاقتصادية وقد برزت تبعا لذلك العديد من قصص النجاح للشراكات بين القطاعين العام والخاص في الدول مثال مشاريع الشراكة بين القطاعين العام والخاص في قطاع الرعاية الصحية بتركيا وكفاءة الطاقة والحافلات الكهربائية في المغرب وكذلك تحديد القطاعات التي ستحظى بأعلى تمويل من مشاريع الشراكة بين القطاعين العام والخاص في السنوات المقبلة، والعوامل الأكثر أهمية التي تحظى بالقبول لدى البنوك وتدفعها لتمويل مشاريع بعينها، والدور الذي يتوجب على البنك الإسلامي للتنمية القيام به لتعزيز التعاون بين منشآت القطاعين العام والخاص.
وفي مجال البنية التحتية برزت التحديات الرئيسية التي تواجهها الدول عند تنفيذ المشاريع الحكومية في مجال البنية التحتية وجاهزية الأطر التنظيمية لنموذج الشراكة بين القطاعين العام والخاص والقطاعات التي أثبت هذا النموذج نجاحه فيها كما برزت العديد من الحالات التي تكون فيها الشراكة بين القطاعين العام والخاص هي الخيار الأفضل لتمويل مشاريع البنية التحتية وطبيعة الدعم الحكومي الأكثر فاعلية لتشجيع هذه الشراكة والجوانب التي يتوجب على الحكومة الاهتمام بها بشكل خاص عند تصميم نموذج الشراكة بين القطاعين العام والخاص والقطاعات الواعدة التي يمكن أن تستفيد من مشاريع الشراكة لتلبية الاحتياجات ومعالجة التحديات القائمة من خلال تفاهمات طرفي الشراكة فى الخاص والعام والقناعة باهمية إشراك القطاع الخاص في مراحل مبكرة من عملية التخطيط والتصميم وتبني نهج دورة الحياة والاعتماد على مفاهيم التعميم والاقتصاد التعاوني وصياغة سياسات واضحة للتعاون بين القطاعين العام والخاص وإظهار الالتزام والدعم السياسي القوي والمستمر والعمل علي وضع إطار العمل القانوني والتنظيمي المناسب ووضع آليات موثوقة كما يلزم تحقيق نجاحات الشراكة التزام القطاع الخاص بتبني النهج الاستباقي والنظرة الواقعية في مشاريع تقديم الخدمات والمشاركة مع المجتمعات المحلية من أجل الدعم طويل الأجل وبناء علاقات تعاونية مع القطاع العام قادرة على الصمود في أوقات التحديات والصعوبات والتوسع في الشراكات خارج نطاق المألوف .
وانطلاقا من المفاهيم العالمية للشراكة بين القطاع العام والخاص فاننا نجد ان الشراكة اصبحت ظاهرة مسيطرة خلال السنوات العشر الأخيرة نتيجة لعدم كفاية الاستثمارات والضغوط المتزايدة على الميزانيات الحكومية بالإضافة إلى القلق العام تجاه عدم كفاءة الخدمات التى تقدمها المؤسسات والوكالات الحكومية وتردى البنى التحتية وهشاشتها فى كافة القطاعات مما ينعكس سلباً على قدرة الدولة على تأمين الخدمات العامة كما انها اسهمت فى تعزيز الثقة فى نفوس المستثمرين بما يحقق العدالة حيث طبقت شراكة القطاع العام والخاص بشكل رئيسي في مجالات البنية الأساسية الاقتصادية مثل ( الاتصالات اللاسلكية و الطاقة و المياه و الطرق) وهي بذلك تسهم تقوية وتفعيل وتعزيز دور القطاع الخاص للإطلاع بمسئولياته التنموية والاجتماعية ودعم برامج التنوع الإقتصادى ووجود العديد من الخصائص المشتركة لمشاريع الشراكة وذلك على الرغم من وجود أنواع مختلفة منها تشتمل على طرق مختلفة للتمويل الا ان الملاحظ فإن جميع نماذج الشراكات تشترك في خصائص معينة تشمل التعريف الواضح للمخرجات المطلوبة بمؤشرات أداء رئيسية قابلة للقياس والتزام طويل الأمد نسبياً مع مدة تنفيذ تعتمد على طبيعة المشروع وان الشريك الخاص مسؤول مسؤولية كاملة أمام الحكومة في تقديمه للخدمات الى جانب وضوح توزيع المخاطر بين الشركاء والاتفاق عليه من الجميع والتعبير الواضح والصريح عن مسؤوليات الجهة الحكومية المعنية في مراقبة الأنشطة وفقا لانواع العقود المختلفة فى الشراكة كعقد الخدمة حيث يكون التعاقد للقيام بمهام غير أساسية في النشاط يطرح في صيغة عطاءات تمتد من 1- 2 سنة وعقود الادارة حيث يقوم القطاع الخاص بمسئولية التشغيل والصيانه وتحتفظ الدولة بملكية الأصول ومسئوليته توفير الخدمة وتحمل المخاطر التجارية والاستثمارات الرأسمالية - يكون عقد مقابل اجر ثابت مرتبط بكفاءة الإدارة مدته ما بين 3-5 سنوات وعقود الايجار حيث تستأجر الشركة الخاصة أصول المرفق وتكون مسئولة عن التشغيل والصيانة وتتحمل كل المخاطر التجارية لأعمال التشغيل وتحتفظ الإدارة المحلية بملكية الأصول ومسئولية الإستثمارات الرئيسية وتقوم بتنسيق برامج الإستثمار مع البرنامج التجاري الخاص بالمستأجر وفى الحالة يحتاج العقد الى جهاز تنظيمي لمتابعة التزام المستأجر بالاضافة الى عقود الامتياز ويكون هنا القطاع الخاص مسئول مسئولية كاملة عن التشغيل والصيانة وتحمل المخاطر ومسئولية التمويل والخطر الإستثماري لخدمات البنية الاساسية المستهدفة أو أن يتم تقسيم تلك المهام الى مجموعات ويحدد في العقد مسئولية كل متعاقد ، وفى حالة عقود الـ BOT تمنح الحكومة إمتياز لشركة خاصة (شركة المشروع) تقوم بموجبه ببناء وتشغيل المشروع وإدارته خلال فترة الإمتياز، وبعد إنتهاء فترة الإمتياز تعود ملكية المشروع للدولة دون أن تدفع مقابل أو تعويض.
وبالنسبة الى السودان فلابد من سياسات خاصة بالشراكة حيث لابد ان تعكس تلك السياسات افضل الممارسات العالمية والإطر القانونية التنظيمية الإقتصادية والبيئية للدولة كما يجب ان تُترجم السياسات في صورة واضحة تعكس اهداف وإستراتيجيات الحكومة باستهداف مشروعات الانتاج بالبرنامج الخماسي الهادف الى زيادة الانتاج "مخرجنا الاقتصادي" لاحداث التوازن المطلوب واحلال الواردات وزيادة الصادرات والشروع الفوري فى تنفيذها عقب الانتهاء من الخطوات التنظيمية والاجرائية لتثبيت اركان الشراكة بعد ان تم رفع مسودة قانون الشراكة المرتقب المتفق عليها من وحدة الشراكة بوزارة المالية والتخطيط الاقتصادي لمجلس الشراكة ومن ثم الى مجلس الوزراء ونتطلع الى الاسراع والتعجيل بالدفع بمسودة المشروع الى منضدة البرلمان للمصادقة عليه واجازته للشروع الفوري فى العمل بموجبه بالتركيز فى المرحلة الاولي علي الشراكة في مشروعات البنية التحتية الى جانب جعل الشراكة تنصب فى المشروعات التي تسهم فى تحقيق القيمة المضافة للمنتجات السودانية خاصة تلك التي تساهم فى تحقيق الامن الغذائي من خلال التصنيع الغذائي فى مجالات الحبوب الزينية وانشاء مشروعات المزارع للانتاج الحيواني لتربية وتسمين الماشية وانشاء المسالخ الحديثة الى جانب تصنيع الموارد والانتاج الذي يتمتع فيه السودان بميزات تفضيلية فى عدد من المجالات التي تضيف قيمة مضافة تسهم فى تعظيم الصادرات والانطلاق عقب ذلك للعمل فى مشروعات الشراكة فى المجالات والقطاعات الاخري .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق