د. عمر محمد علي أحمد
لا يختلف أثنان في أن النقل هو عصب الاقتصاد الحديث وأنه بقدر ما ترتفع كفاءة قطاع النقل بقدر ما ينمو الاقتصاد وتتسع آفاقه. على نقيض ذلك بقدر ما تتراجع كفاءة قطاع النقل بقدر ما يتعثر الإقتصاد وتضيق آفاقه.
تتعدد وتتنوع معايير كفاءة النقل ولعل أهم تلك المعايير في سياق هذه الورقة هي معدل إستهلاك الطن/ كيلومتر من الوقود، الحمولة، السلامة، السرعة وملائمة وسيلة النقل للمنقولات المستهدفة.
لهذا نستطيع القول أن الدراسات التي تسعى إلى تشخيص أزمات الإقتصاد السوداني سعياً لإيجاد الحلول الناجعة لا بد وان تستصحب قضايا النقل. أننا نذهب إلى أبعد من ذلك بالقول أن المعالجات التي تُطرح والسياسات التي تُقترح أن لم تستصحب قضايا النقل وتقدم الحلول العلمية القابلة للتطبيق ما هي الا معالجات وسياسات عقيمة سينتهي بها الأمر أن تلحق بسابقاتها في أضابير وزارة المالية والاقتصاد الوطني.
قد يتبادر إلى الأذهان أن حديثنا عن النقل يختص بالنقل البري فقط لذلك وجب التوضيح أننا معنيون أيضاً بالنقل الحضري. وذلك لان النقل الحضري – وبصفة خاصة في العاصمة القومية- أصبح هو الأخر أحد عوامل الاستنزاف لمواردنا المحدودة وسبب آخر لاستدامة التخلف.
لقد تمخض عن هيمنة العاصمة القومية على الاقتصاد الوطني أن حدث اختلال خطير في التوزيع السكاني والتنمية الحضرية. حالياً يقترب عدد سكان العاصمة القومية من رقم الثمانية مليون نسمة وهو رقم مرشح لأن يتضاعف بحلول عام 2030 أو قبله. بهذه الكثافة السكانية العالية – التي تعادل ربع سكان السودان - تمددت العاصمة القومية في كل الإتجاهات وإكتظت بالسيارات وأصبحت الاختناقات المرورية ظاهرة يومية في الشرايين الرئيسة في ساعات الذروة وفي غير ساعات الذروة! لهذا أصبح تباعد الأطراف والاختناقات المرورية من أهم أسباب أهدار الوقت والوقود ومهددات سلامة وصحة المواطن.
أن خلاصة ما نرمي إليه هو أن الاقتصاد السوداني كما نراه اليوم مصاب بحالة نزيف مزمنة في موارده من العملات الحرة ويعتبر قطاع النقل من أبرز أسبابها، لذلك أصيب بحالة الإنيميا التي يعاني منها الآن.
تتعدد أسباب نزيف الموارد ويهمنا منها في هذا السياق:
تهميش السكة الحديد والاعتماد شبه الكامل على النقل البري.
الكثافة السكانية العالية والتمدد الحضري في العاصمة القومية اللذان جعلا من السيارة ووسائل النقل العام ضرورة لا غنى عنها.
سيكتشف القارئ الكريم ان هناك أرتباط عضوي بين تهميش السكة الحديد والكثافة السكانية بالعاصمة القومية. بهذا الاكتشاف سيصل القارئ إلى اقتناع بان هجرة عكسية من العاصمة ستحدث متما إستعادت السكة الحديد دورها الريادي.
أن تركنا جانباً العبء المالي الناتج عن إستيراد الشاحنات والسيارات بمختلف مسمياتها، وأن غضينا الطرف عن استهلاكها من الإطارات وقطع الغيار والزيوت وأهلاك الطرق، فإن فاتورة الوقود لوحدها تمثل إستنزافاً مريعاً لمواردنا من العملات الحرة.
تصاعد استهلاك المحروقات:
رصد تصاعد إستهلاك الوقود الخبير في إقتصاد النفط والصحفي الأستاذ السر سيد أحمد في كتابه الشيّق الذي صدر حديثاً " سنوات النفط في السودان". الكتاب عبارة عن جهد توثيقي يستند على عشرات المراجع والمقابلات في سرده للأحداث والمواقف التي تشكل علامات بارزة في مسيرة النفط في السودان وقد صدر الكتاب عن دار مدارك للنشر (2013).
من بين المواد التي أثرى بها الأستاذ السر كتابه جدولاً حول استهلاك السودان من المواد البترولية (صفحة 76) للسنوات 2005/2011 نكتفي من هذا الجدول بالأرقام الخاصة بالجازولين والبنزين:
الأرقام بالطن المتري
السنة الجازولين البنزين المجموع
2005 1,684,819 420,341 2,105,160
2006 2,059,165 492,874 2,552,039
2007 2,246,832 549,927 2,896,759
2008 2,246,619 589,986 2,936,605
2009 2,359,305 675,055 3,034,360
2010 2,199,921 761,507 2,961,428
النصف الأول من 2011 1,152,377 392,797 1,545,174
لم تتوفر لنا إحصاءات حول حجم الإستهلاك حتى نهاية عام 2013 ولا لقيمة الكمية المستهلكة من الجازولين والبنزين. في مقابل ذلك علمنا من تصريحات كبار المسئولين ان تكلفة إستيراد ما يكمل الإنتاج المحلي من الجازولين وصلت 1,4 مليار دولار أمريكي.
هيمنة النقل البري:
أن اكبر مستهلك للوقود هو بلا شك النقل البري ويعزى ذلك لهيمنته شبه الكاملة على نقل البضائع والمسافرين.
نستدل على ذلك بأكثر المرجيعات مصداقية في السودان وهي التقارير السنوية التي يصدرها بنك السودان المركزي. في تقريره رقم (49) لعام 2009 (الصفحة 106 من النسخة الإنجليزية) اوضح البنك أن جملة الطن المنقول بوسائل النقل البري والسككي والنهري بلغ 6,712,200 طن موزعة بين الوسائل الثلاث على النحو التالي:
- النقل البري 5736000 طن بنسبة 85,46%
- النقل السككي 907000 طن بنسبة 13,52%
- النقل النهري 69000 طن بنسبة 1,02%
- المجموع 6712200 100%
تجدر الإشارة هنا إلى أن نسبة مساهمة السكة الحديد في نقل الصادر والوارد في عام 72/1973 كانت 95% و96% على التوالي تاركة نسبة 5% و 4% للنقل البري! هذا ما جاء بالدراسة التي أعدتها هيئة السكة الحديد لورشة العمل التي نظمت في 15/12/1998 تحت عنوان " السكة الحديد ومتطلبات القرن الواحد وعشرين"
أما الإحصاءات الخاصة بنقل المسافرين حسبما جاءت بذات التقرير فتشير إلى ان عدد المسافرين بلغ 26,242,200 مسافر موزعين بين وسائل النقل الثلاث على النحو التالي:
- النقل البري 26,150,000 مسافر بنسبة 99,65%
- النقل السككي 78,000 مسافر بنسبة 0,33%
- النقل النهري 5000 مسافر بنسبة 0.02%
تلك هي الصورة الشائهة لاقتصاد النقل كما عكستها إحصاءات 2009 ولا نعتقد أنها تغيرت كثيراً في السنوات الست الماضية.
للتعرف على أبعاد التشوهاتdistortions في قطاع النقل والثمن الباهظ الذي يدفعه الاقتصاد السوداني خصماً على المياه النقية والصحة والتعليم يكفي ان نتعرف على الفرق في إستهلاك الوقود بين الشاحنة والقطار. تجمع كل المصادر العلمية التي أستعنا بها أسوة بمرجعيات الوكالات ذات الصلة بالأمم المتحدة تجمع على أن إستهلاك الطن/ كيلومتر بالنقل البري – اي الشاحنات والبصات السياحية- يعادل ثلاث أضعاف نظيره بالسكة الحديد. لترجمة تلك النسبة إلى أرقام حقيقية نستطيع القول أنه إن كان نقل (س) ألف طن من البضائع من بورتسودان إلى الخرطوم بالقطار يستهلك مليون لتر من الوقود فإن إستخدام الشاحنات يتطلب توفير ثلاثة مليون لتر.
إن الفرق الذي يبلغ أثنين مليون لتر من الوقود يعكس حجم النزيف الذي ظل يتعرض له الاقتصاد السوداني طوال سنوات أفول نجم السكة الحديد، خاصة في الأثني عشر عاماً الماضية التي شهدت أعلى كثافة في النقل من بورتسودان إلى الخرطوم.
هل نأمل أن يتطوع أحد الملمين بأسعار الوقود وحركة النقل بحصر ما أهدره السودان من عملات حره في السنوات الأثنى عشر الماضية إن أحتفظت السكة الحديد بدورها؟.
الشرايين النازفه:
لا ينكر أحد أهمية الطرق في عالمنا المعاصر إذ تنبع أهميتها من تكاملها مع النقل السككي والنهري والجوي لينعم الأفراد بخدمات نقل متكاملة وهو ما يطلق عليه نظام النقل بالوسائط المتكاملة، أي Intermodal Transport System يُعنى هذا النظام بتوزيع الأدوار وتكاملها ليكون المنتج النهائي خدمات نقل تصل إلى غاياتها سليمة وبأقل تكلفة وفي زمن معقول. هذا ما يحدث في الدول التي تحسن تدبير أمورها أما نحن فقد خلطنا الأمور كما تكشف الإحصاءات التي قدمناها فكانت نتيجة هذا الخلط ما نحصده اليوم من أزمات إقتصادية ومعيشية.
في بلد شاسع المساحة ومعظمه سهلي كالسودان ينبغي أن يكون القطار هو الوسيلة الأولى للرحلات الطويلة والحمولات الثقيلة ثم يأتي دور الطرق كمغذية Feeders وموزعة Distributors فالقطار بطبيعته غير معنى بالحمولات الصغيرة أو بالوصول إلى كل تجمع سكاني. لقد أنجزت الحكومة الكثير في مجال الطرق إذ إمتدت شبكة الطرق البرية إلى أكثر من عشرة ألف كيلومتر وحتماُ سيكون لها دور كبير في بسط التنمية والخدمات في أقاليم البلاد. ان نجاح الطرق في القيام بهذا الدور رهين بالتوزيع الأمثل للأدوار بين وسائط النقل المختلفة وبحيث تتراجع الطرق عن دورها كشرايين رئيسة للنقل.
إن كانت كثافة النقل البري والحضري سبباً في نزيف الموارد كما أوضحنا فإن الطرق – خاصة البرية منها – أصبحت شرايين نازفة لدماء حقيقية بدلاً عما ينتظر منها في إيصال أسباب الحياة والرفاه الإنساني.
لقد ظل قسم الإحصاء بالإدارة العامة للمرور يرصد حوادث المرور طوال السنوات الماضية وقد تحصلنا على إحصاءآت لأعداد الضحايا للفترة ما بين عامي 2000-2009 فكانت الحصيلة المفجعة كالآتي:
- حالات الوفاة 14,230 حالة
- حالات الأذى الجسيم 44,793 حالة
- حالات الأذى البسيط 81,178 حالة
- حالات التلف المادي 234,223 حالة.
لم نتحصل على إحصاءات الست سنوات الماضية ولكن كثرة الحوادث التي تطالعنا بها الصحف تجعلنا نرجح أن المحرقة مستمرة وأن أعداد الضحايا في تزايد مضطرد ولا حول ولا قوة إلا بالله.
أن عودة القطار تشكل وسيلة ناجعة في خفض حوادث النقل وهذا ما أكدته تجارب وإحصاءآت الدول التي تستخدم الوسيلتين بكثافة. ذكر ذلك المهندس عمر محمد نور المدير الأسبق لهيئة سكك حديد السودان في الورقة التي شارك بها في مؤتمر النقل العربي الأول الذي نظم بالقاهرة في 8-11/10/2000 إذ يقول " أن تحليل إحصاءآت الحوادث في فرنسا خلال فترة طويلة أظهر بأن أمان النقل بالسكة الحديد والجو والطريق يقع ضمن نسب وفيات قدرها 1: 10: 100 على التوالي مما يعني أن كل حالة وفاة واحدة بالسكة الحديد تعادلها مائة حالة بالطريق.
أن خلاصة ما نرمي إليه من إبراز ما تقدم من حقائق هو أن الإقتصاد السوداني لن يتعافي أبداً – نكرر أبداً- ما لم تعد السكة الحديد بكامل قواها لتتصدر وسائل النقل في السودان، أما فيما يختص بالبعد الإنساني فإن السكة الحديد هي الوسيلة القادرة على إحتواء ظاهرة حوادث الطرق القاتلة. أننا نتفاءل كثيراً بتشغيل القطارات الجديدة بين الخرطوم وعطبرة وقد تراجعت بالفعل الحوادث في طريق التحدي إعتباراً من يناير 2014 وبعد أن بدأ القطار رحلاته بالفعل.
دون سكة حديد فاعلة سيظل إقتصادنا يتخبط ويترنح مسدلاً ستاراً كثيفاً على أشواقنا في نهضة زراعية وصناعية وفي محاربة الفقر وإقامة مجتمع الكفاية والرفاهية. أننا مدعوون بقوة لأن نحذو حذو الدول التي عاد فيها القطار ليشكل أحد ركائز نموها الإقتصادي.
في الصفحات التالية نتناول العوامل والأسباب التي قادت إلى الصحوة السككية وإلى الإبداعات التي تحققت في عالم النقل السككي علها تكون حافزاً لنا لنعيد الأمور إلى نصابها مع ما يتوافق وعصر العولمة وبدايات الألفية.
لماذا عادت السكة الحديد؟
قادتني إهتماماتي بقضايا السكة الحديد إلى الإطلاع على معظم أعداد مجلة غازيته السكة الحديد العالمية Railway Gazette International التي صدرت منذ عام 2001. للتعريف بهذه المجلة نذكر أنها ظلت تصدر شهرياً وبانتظام في لندن منذ عام 1835 متزامنة مع بداية عصر القطار! بهذه العراقة تصبح هذه المجلة أهم راصد للتطورات التي حدثت في عالم السكة الحديد على نطاق العالم.
يستطيع المهتمون بعالم السكة الحديد بما فيه من أخبار ومستجدات وبحوث ان يرجعوا إلى هذه الدورية عبر موقعها بالشبكة وهو: www.railwaygazette.com أطلعت أيضاً على دراسات وأوراق قدمت في منتديات ومؤتمرات وورش عمل تم تنظيم بعضها في السودان ومعظمها خارج السودان.
من تلك المصادر وغيرها أستوقفتني بعض الحقائق والإشارات التي أري في تقديمها ما يمهد لما هو آت من طرح جديد.
شهدت الأربعة عقود الماضية عودة مظفرة للقطار في معظم دول العالم وتعزى هذه العودة إلى عدة عوامل لعل أهمها هي:
1- تفجرت أزمة الطاقة الأولى مع إندلاع حرب أكتوبر 1973 حينما حظرت الدول العربية تصدير النفط. تسبب ذلك الحظر في ما يشبه الشلل في الاقتصاد والحياة العامة في الدول الصناعية.
قبل أن يفيق العالم من آثار الصدمة الأولى تعرض لصدمة ثانية أشد عنفاَ في عام 1979 بسبب الحرب العراقية – الإيرانية التي أستمرت لثماني سنوات.
كانت تلك بدايات تصاعد أسعار البترول وقد أستمر التصاعد وأن أستقرت أو تراجعت الأسعار أحياناً لأسباب ظرفية كالأزمات الإقتصادية العابرة. لقد وعت الدول الغربية الدرس وآلت على نفسها أن تقلّص الاعتماد على بترول الشرق الأوسط بسبب توتراته المزمنة وأن ترشّد الإستهلاك وتبحث في ذات الوقت عن البدائل من حيث المصدر والتقانات. كانت العودة إلى القطار من بين أهم وسائل الترشيد.
2- التحذير الذي أطلقه نادي روما منذ عام 1972 حول حتمية نضوب أو ندرة الموارد بسبب النمط الإستهلاكي الشره في الدول الصناعية. ذهبت في ذات الإتجاه مراكز البحوث الإستراتيجية وأتفقت معظمها على ان البترول يأتي على رأس الموارد المهددة بالنضوب. لتأكيد هذا الفهم وضعت وكالة الطاقة الدولية سيناريوهات الندرة كما إتجهت بعض مراكز البحوث إلى وضع جدول زمني لنهاية عصر البترول. بتأثير هذا الهاجس وبفعل قانون العرض والطلب فإن الندرة تعني بالضرورة تصاعد الأسعار إلى سقوف قياسية. كانت تلك ضارة نافعة إذ ظهر في الدول الصناعية ذات الإمكانات العلمية سباق محموم لتحقيق أقصى قدر من الترشيد في شتى أنماط الإستهلاك ولابتكار البدائل من الطاقة المتجددة كالشمسية وغيرها. وجدت وسائل النقل إهتماماً خاصاً في البحث العلمي وكانت النتيجة ظهور جيل جديد من السيارات والقطارات والطائرات قليل الاستهلاك للوقود.
3- حالما أفاق العالم من صدمتي الطاقة وجد نفسه أمام نذر لمخاطر جسيمة تواجه الإنسانية وهي المخاطر الناجمة عن الإحتباس الحراري. نتجت هذه الظاهرة عن الإستهلاك المفرط للوقود الإحفوري Fossil Fuels ممثلاً في مشتقات البترول والفحم الحجري. كما هو معروف كانت أبرز تداعيات الاحتباس الحراري هي ظهور ثغرة الأوزون وأرتفاع درجات حرارة الأرض التي بدورها كانت السبب الرئيس لظاهرة تغيير المناخ. من بين السياسات التي تم الاتفاق عليها كانت العودة إلى القطار باعتبار أن الرحلة الواحدة بالقطار تغني عن مئات السيارات الخاصة.
4- من جهة أخرى أكدت الإحصاءآت أن الزيادة المضطردة في عدد السيارات بكل أنماطها وأحجامها لا تعني زيادة إستهلاك الوقود وتتسبب في الاحتباس الحراري فحسب وأنما أصبحت القاتل الاول للإنسان وسبب رئيس للإعاقة وتضخم تكلفة العلاج.
لهذه الأسباب وغيرها وضعت الحكومات سياسات وأصدرت موجهات عامة ترمى إلى العودة إلى القطار بعد أن غاب عن المسرح إلى حين وكان من أبرز الموجهات:
أ) الترويج للسفر بين المدن وعبر الحدود بالقطار بدلاً عن السيارة الخاصة. كان من بين أدوات الترويج تقديم عروض خاصة في مواسم العطلات إستفادت منها الأسر وكبار السن وأخرى لرجال الاعمال الذين يتحركون بين المدن بإنتظام.
ب) التوسع في إستخدام قطارات الأنفاق والترام في المدن كثيفة السكان وذلك لأثناء الأفراد عن استخدام سياراتهم الخاصة.
ج) تمدد خطوط قطارات الضواحي في كل الإتجاهات حتى لا يستخدم سكان الضواحي سياراتهم الخاصة.
د) تطوير القطارات السريعة وتقديم خدمات ممتازة بدرجة خمسة نجوم!
القطار: أجيال جديدة !:
على خطى قطار التوكايدوشينكاسن Tokaido Shinkasin أو مايسمى بالقطار السهمي Bullet Train الذي أبتكرته اليابان وأذهلت به العالم عندما التقى في رحابها لدوره الألعاب الاولمبية لسنة 1964. سارت دول غرب اوروبا في ذات الأتجاه وان كانت متأخرة بعقدين!.
في سبعينات القرن الماضي أحتفت فرنسا بتدشين قطارها فائق السرعة وهو ال .T.G.V الذي بلغت سرعته 350كيلومتر/ الساعة. توالت الإبداعات في سرعة القطار وكان قطار التالقو Talgo في أسبانيا وقطار ال I.C.E. في ألمانيا أما إيطاليا فابتكرت القطار المائل Tilting Train الذي يجمع بين السرعة والقدرة على الإنحناءة عند المنعطفات ولذلك أطلق عليه أيضاً اسم الباندالينو El Pandalino اي القطار – البندُول!.
عادت ألمانيا إلى سباق السرعة وقدمت هذه المره إعجازاً علمياً أذهل العالم. تمثل ذلك الإعجاز في قطار الماقليفMaglev Train والمصطلح اختصار ل Magnetic – Levitation Train وهو قطار لا يسير على قضبان وإنما يسبح في الهواء باستخدام قوة كهرومغنطيسية هائلة!.
بهذه الخاصية سجل قطار الماقليف أقصى سرعة في تاريخ القطارات وهي 581كيلومتر/ ساعة وهي سرعة تفوق كثيراً سرعة الطائرات الصغيرة والمروحيات!.
أما من حيث حمولة القطار فقد أوردت مجلة غازيتة السكة الحديد في عددها الصادر في ديسمبر 2003 خبراً يشكل منعطفاً جديداً في إقتصاد النقل.
يقول الخبر أن شركتي E.F.V.M. – EFC. البرازيليتين رفعتا عدد العربات المستخدمة في نقل خام الحديد وفول الصويا من 320 عربة إلى 336 عربة وهو ما يجعل طول القطار يفوق أثنين كيلومتر! بهذه الزيادة في عدد العربات ارتفع الطن المنقول من 33,200 طن إلى 35,000 طن. تشترك في جر العربات عدة قاطرات وتُعادل هذه الحمولة حمولة سبعمائة شاحنة حمولة 50 طن!!.
إن أختارت البرازيل زيادة حمولة القطار أفقياً فقد فضلت المملكة العربية السعودية مضاعفة الحمولة رأسياً. لتوضيح ذلك نشير إلى الخبر الذي نشرته مجلة غازيته السكة الحديد في عددها عن شهر يناير 2008 الذي يفيد بان السعودية دشنت الخط الحديدي الجديد الدمام – الرياض (400كيلومتر). ينفرد هذا الخط باستخدام عربات السطح ذات الحمولة الرأسية المزدوجة وهي ال Double Stack train مما يعني تحميل عربة السطح بحاويتين. تتطلب الحمولة بهذا الوزن المزدوج استخدام قضبان فولازية ذات صلابة عالية ووزن ثقيل ترقد على فلنكات خرصانية صنعتها خصيصاً لهذا الغرض شركة ريل – ون Rail one الألمانية.
أستوجبت عودة القطار عامل آخر وهو توجه العالم نحو عصر العولمة الذي يمثل النقل والاتصالات أهم ركائزه. بهذا الفهم أنجزت على أرض الواقع مشاريع نقل سككي عملاقة Megaprojects وكان من أبرزها:
أ) قطار الأكسبريس للحاويات بكين – هامبورج Beijing – Hamburg .Containers Express في شهر يناير 2008 نظم احتفال في ميناء هامبورج بوصول القطار أعلاه محملاً بحاويات حاملة لسلع الكترونية ومواد كيماوية مصدره من الصين إلى ألمانيا. تمثل هذه الرحلة البداية لقيام محور تجاري بين العملاقين الاقتصاديين في شرق آسيا وغرب أوروبا.
يعتبر هذا الخط بديلاً للخط الملاحي الذي ينطلق من الموانئ الصينية ليدور حول قارتي آسيا وأوروبا قبل أن يصل إلى هامبورج المطلة على بحر الشمال. ليصل قطار الأكسبريس للحاويات إلى هامبورج عليه أن يعبر الصين من أقصى شرقها إلى أقصى غربها ثم منغوليا، والاتحاد الروسي، روسيا البيضاء، بولندا ومعظم الأراضي الألمانية!.
أختصر القطار الرحلة البحرية في خمسة عشر يوماً، أي إلى أقل من النصف وفي ذلك كسب في الزمن كما يقضي أقتصاد العولمة.
ب) اقتضت ضرورات أزمة الطاقة وإقتصاد العولمة تقليص إستهلاك الوقود والأعتماد على الكهرباء التي تنتجها اوروبا من السدود والمفاعلات النووية أقتضت إحداث تحول نوعي في حركة النقل بين شمال اوروبا وجنوبها المطل على البحر الأبيض المتوسط.
حققت اوروبا هذه الأهداف الثلاثة بإنشاء محاور للخطوط الحديدية السريعة لنقل البضائع وهي Rail Freight Free Ways. تعود جذور هذا المشروغ إلى دراسة سبق أن نشرتها في ديسمبر 1972 مجلة السكة الحديد الدوليةRail International التي تصدرها رابطة المؤتمر الدولي للسكة الحديد ومقرها العاصمة البلجيكية بروكسل International Railways Congress Association .
أعد الدراسة الباحث البريطاني رودني ليتش Rodney Leach من باب علم المستقبليات Futurology حينذاك وقد طبقت على صعيد الواقع العملي بعد أكثر من عقدين من تاريخ نشرها!.
لقد توافقت أروبا على ان تبدأ بإنشاء خطين حديديين لإختصار الرحلات البحرية التي تدور حول شبه جزيرة أيبريا – أسبانيا والبرتقال- لتصل إلى حوض البحر الأبيض المتوسط ومنه إلى دول الخليج العربي ووسط وشرق آسيا.
تم بالفعل إنشاء خطين هما خط هامبورج – ميناء برنديسي Brindisi الواقع في أقصى الجنوب الشرقي لشبه الجزيرة الإيطالية، أما الخط الثاني فيبدأ من ميناء روتردام ويعبر هو الآخر أروبا ثم يتواصل عبر الساحل الغربي لإيطاليا لتنتهي رحلته عند ميناء خيوياتورو Gioia Turo في أقصى الجنوب الغربي لإيطاليا وقد تم إعداد المينائين لهذا الغرض.
شملت السياسات الرامية إلى تقليص إستهلاك الوقود التحول من قاطرة الديزل إلى القاطرة الكهربائية أينما كان ذلك ممكناُ وتلك من ميزات القطار فهو الوحيد بين وسائل النقل التي تستطيع التزود بالطاقة الكهربائية من كهرباء الشبكات أثناء الرحلات الطويلة.
أن هذا التحول يحمل مغزي بعيد بالنسبة للامن الاقتصادي لتلك الدول فالنقل هو عصب الاقتصاد الحديث ولا بد من تحصينه من الصدمات المفاجأة كما حدث في عام 1973. كانت أروبا مطمئنة للسير في إتجاه كهربة خطوط السكة الحديد إذا كانت مكتفية - كمجموعة دول مترابطة في الشبكات الكهربائية- بنسبة عالية من الكهرباء من مصدرين محليين وهما آلاف السدود الكهرومائية والعشرات من المفاعلات النووية المنتجة للكهرباء. بالاعتماد على هذين المصدرين تتحرر اوروبا من البترول المستورد بأسعار متصاعدة ومن الاعتماد على البترول المستخرج من أقاليم لا تخلو من التوتر!
في واقع الأمر لم تكن كهربة القطارات وسيلة لتأمين حاجة القطارات من الطاقة المحلية الرخيصة والآمنة فحسب، وإنما هي أيضاً تقانة تأكدت جدواها في ترشيد إستهلاك الطاقة! لتوضيح ذلك نشير إلى الورقة العلمية الضافية التي نشرها الخبير الدانماركي كلاوس تيربنسن Claus Turbensen حول هذا الموضوع بمجلة غازيته السكة الحديد العالمية في عددها الصادر بتاريخ يناير 2008 ويمكن لمن يرغب الرجوع إليها في الشبكة.
يؤكد الخبير تيربنسن أن قطار الديزل يحول ثلث الوقود فقط إلى طاقة حركية Kinetic energy أما القاطرة الكهربائية فتحول 90% من الطاقة التي تصلها من الشبكة إلى طاقة حركّية فعليّه، أي بكفاءة في استهلاك الطاقة تصل إلى ثلاثة أضعاف! لاستيضاح حقيقة هذا التباين في استهلاك الطاقة أستعنا بدراسة سبق للبنك الدولي أن نشرها في عام 1984 وأزمة الطاقة العالمية في ذروتها. اعدت تلك الدراسة مجموعة من خبراء البنك الدولي في السكة الحديد والنقل بصفة عامة. نُشرت الدراسة في ذات العام تحت عنوان " السكك الحديدية والطاقة" وقد صدرت بالإنجليزية بعنوان Railways and Energy .
أوضحت الدراسة ان قاطرة الديزل هي في حقيقة الأمر قاطرة كهربائية إلا أنها تستمد الكهرباء من مولد ذا قدره عالية ملحق بها. بداهة يحتاج المولد لصهريج ولكمية من الوقود وفقاً لمسافة الرحلة وبحيث لا يحتاج القطار للتوقف للتزود بالوقود حتى لا تطول ساعات الرحلة.
أوضحت الدراسة أن المولد والوقود المحمولين يشكلان عبئاً ثقيلاً على القاطرة مما يجعلها تستهلك جزءاً كبيراً من الطاقة المولدة في حركتها الذاتية.
لهذا تتراجع طاقة قاطرة الديزل في الجر .. تتراجع طاقة الجر لسبب آخر وهو ان للمولّد – بسبب وزنه الثقيل- سقف في التوليد الكهربائي لا يتجاوز – عند إعداد الدراسة - ال2500كيلو واط.
في مقابل ذلك نجد ان القاطرة الكهربائية أخف وزناً – وأسهل تقانة – وأكثر مقدرة على الجر لاعتمادها على كهرباء الشبكة أو ال Overhead Conductors التي يمكن أن تمدها بقدر غير محدود من الطاقة الكهربائية قد تصل إلى 5000 كيلو واط (خمسة ألف). لهذا ولولا هذا المصدر غير المحدود لما كانت القطارات فائقة السرعة (2500 إلى 350 كيلومتر الساعة) التي سبق الحديث عنها. نظراُ لان هاجسنا الأكبر في السودان هو الطاقة فلعله من المناسب ان نورد بعض النجاحات التي تحققت في ترشيد إستهلاك الطاقة من خلال التحول من استخدام الشاحنات إلى القطار.
نظم الاتحاد الدولي للسكة الحديد (U.I.C) سيمنار بالعاصمة الهندية نيودلهي في الفترة ما بين 9 و 11 ديسمبر 1998 حول " قضايا البيئة والطاقة في السياسات القطرية في قطاع النقل"
من بين الاوراق التي قدمت في السيمنار كانت ورقة الخبير الاسترالي في الشأن السككي ديفيد هيلDavid HiLL وقد قدم الورقة كممثل لرابطة شركات السكك الحديدية الاسترالية. كانت الورقة بعنوان "إطلاق الميزات البيئية للسكة الحديد" وهي بالإنجليزية Unleashing Rails Environmental Advantages .
من بين الحقائق التي تستوقف القارئ حقيقتان وهما:
أكدت الدراسات المقارنة Comparative Studies في إستراليا أن تسيير قطار واحد بحموله ثلاث ألف طن بين مدينتي سيدني وملبورن (1000كيلومتر) يغني عن تشغيل مائة وخمسين شاحنة ويوفر 45000 لتر من الوقود (خمسة وأربعين ألف) تتسبب في إنبعاث 120 طن من الغازات.
يقدر نصيب السكة الحديد من الطن المنقول في استراليا ب 50% وتستهلك السكة الحديد لنقل تلك الكمية 15% فقط من الوقود المستهلك في قطاع النقل.
الحراك السككي في الدول النامية:
انتظم كثير من الدول النامية حراك نشط يهدف إلى الإرتقاء بخدمات السكة الحديد. نشير أدناه إلى بعض النماذج التي وردت بمجلة غازيته: السكة الحديد ومجلة سكك حديد أفريقيا Railways Africa التي تصدر في جمهورية جنوب أفريقيا.
وقعت دول شرق أفريقيا الثلاث- أوغنده وكينيا وتنزانيا- عقد مع كونسوتيوم من بيوت الخبرة الأوربية لوضع خريطة موجهة لسكك حديد شرق أفريقيا وهي:
East Africa Railways Development Master Plan
أن أهم أهداف الخطة هي تجديد الشبكة القائمة وإنشاء خمسة عشرة خطاً جديداً. من بين تلك الخطوط خطوطاً لربط دولة جنوب السودان تارة باوغنده وتارة بكينيا التي اعادت تأهيل ميناء لامو Lamu المطل على المحيط الهندي ليقدم خدماته لدولة جنوب السودان في تجارتها الخارجية.
وقعت نيجيريا عقداً مع الشركة الصينية للهندسة المدنية لإنشاء خط حديدي مزدوج بطول 1315 كيلومتر ليربط بين مدينتي لاغوس الساحلية وكانو في أقصى الشمال. يخطط للخط الحديدي ان يتفرع إلى مدن أخرى من بينها أبوجا العاصمة الفيدرالية الجديدة.
وقعت المملكة العربية السعودية عقداً لإنشاء خط حديدي بطول 945 كيلومتر بين الرياض وجدة وبحيث يكون بمواصفات تسمح بالحمولة الرأسية المزدوجة Double - Stack
عند إكتمال هذا الخط سيتكامل مع خط الدمام - الرياض الجديد بذلك يتحقق الحلم القديم بقيام الخط الحديدي العابر لشبه الجزيرة العربية Trans-Arabian Railways وطوله 1345 كيلومتر ليربط ما بين جدة والدمام ويقدم خدماته لدولتي البحرين والكويت. لا ننسي هنا أن نذكر بان إنتاج السعودية اليومي من البترول يفوق العشرة مليون برميل كما أنها تمتلك واحدة من أميز شبكات الطرق البرية في العالم!
تعاقدت الجزائر مع بيت خبرة أستشارية ألماني لأعداد دراسة جدوى حول تحديث وكهربة نصف شبكتها من السكك الحديدية التي يبلغ طولها 3974 كيلومتر.
تسعى ليبيا لإنشاء خطين حديديين أحدهما لربط الواحات الجنوبية بالساحل والآخر يمتد عبر الساحل الليبي ليصل ما بين السكة الحديد التونسية والخطوط المصرية. أن أهمية هذا الخط بالنسبة لليبيا هي التواصل مع الخطوط المغاربية والشرق أوسطية!
نشرت هذه الأخبار في غازيته السكة الحديد العالمية بمناسبة تقديم عروض من الاتحاد الروسي وأوكرانيا لتنفيذ هذين المشروعين.
أوردت مجلة غازيته السكة الحديد في عددها عن شهر نوفمبر 2007 خبراً مفاده ان الحكومة المغربية وقعت عقداً مع الشركة الفرنسية للسكك الحديدية (S.N.C.F) لإنشاء خط واجهة الأطلنطي السريع The Atlantic Front Rapid Train .(320 كيلومتر/ الساعة) مما يعني استخدام القطار الفرنسي فائق السرعة (T.G.V). يبدأ الخط السريع من مدينة طنجة في أقصى الشمال ويمر بالرباط فالدار البيضاء لتنتهي رحلته عند مدينة أغادير السياحية في أقصى الجنوب.
لقد أكتمل بالفعل الجزء الأول من هذا الخط وهو القطاع طنجة – الدار البيضاء كما أوردت الخبر بالصورة الفضائيات مؤخراً.
أخيراً لاحظت من خلال إطلاعي على الدوريات المعنية بالسكة الحديد ان هناك تحولات ينبغي علينا أن نتوقف عندها ونتأمل في مغزاها والتحولات هي:
أ) يستخدم العالم (13) قياساً للسكة الحديد "Gauges" تتراوح ما بين 1676 ملمتر كما هو الحال في الهند وتشيلي و 600 و 610 ملمتر كما هو الحال في الهند وفنزويلا والسودان أبان سنوات تشغيل سكك حديد الجزيرة.
من بين الثلاثة عشر قياس يحظى القياس 1435 ملم بكثرة الدول التي تستخدمه وهناك إتجاه عالمي لاستخدامه ولذلك سمي بالقياس العالمي,
ب) أن هناك عدد كبير من الدول تستخدم عدة قياسات كما هو الحال في الهند وإستراليا وأن كثير من الدول دون السودان مساحة بكثير تتعدد فيها القياسات.
ج) هناك إتجاه قوي نحو خصخصة السكة الحديد أما خصخصة مباشرة أو بأحد صيغات نظام البوت (Bot) Built– Operate – Transferومنها صيغة M.O.T أيModernise – Operate – Transfer أو صيغة ال R.O.T وهي: Rehabilitate – Operate –Transfer من بين صيغات أخرى وجميعها تعني مشاركة القطاع الخاص لسنوات يستعيد فيها رأس ماله ويحقق أرباح ثم يعيد الملكية للدولة.
د) هناك إتجاه قوي في دول مثل الولايات النتحدة والصين وكوريا الجنوبية لتوطين التقانات الأوربية في القطارات فائقة السرعة ويتصدر تلك القطارات القطار الفرنسي المعروف بال T.G.V..
سكك حديد السودان: النشأة:
كانت النشأة الأولى لسكك حديد السودان في سنوات الحكم التركي إذ امتد خط حديدي من وادي حلفا في مراحل متقطعة إلى كرمة التي وصلها عام 1897 وقد بلغ طول ذلك الخط 327 كيلومتر. كان من المفترض أن يتواصل هذا الخط محازياً الضفة الشرقية لنهر النيل ليعبره عند مدينة كورتي. أقتضت مشكلة التمويل والخطة العسكرية الرامية إلى التعجيل بإعادة فتح السودان أن يصرف النظر عن الخط الذي تم إنشاؤه والتوجه مباشرة من وادي حلفا إلى أبوحمد عبر الصحراء النوبية. لهذا وإنطلاقاً من وادي حلفا توالت إمتدادات السكة الحديد اعتباراً من بداية عام 1897 على النحو التالي:
القطاعات المسافة بالكلم السنة
وادي حلفا – الحلفايا 927 1897-1899
عطبرة – بورتسودان 474 1905-1906
نمرة 10 – كريمة 222 1905-1906
الخرطوم – الأبيض 688 1909-1911
سنار – هيا 802 1928-1929
الرهد – أبوزيد 170 1956
أبوزبد – بابنوسة 193 1957
بابنوسة – الضعين 185 1958
الضعين – نيالا 150 1959
بابنوسة – واو 447 1962
سنار – الدمازين 227 1958
خشم القربة – حلفا الجديدة 7 1962
شارف – الأبار 10 1995
المجلد – أبو جابرة 52 1996
الأبيض – المصفاة 10 1996
فرعي مصفاة الجيلي 12 2000
ألبان – سد مروي 16 2002
المجموع 4592
عند قراءة هذه المراحل تستوقفنا بعض الحقائق والملاحظات وهي:
أ) أن الجيش الغازي بقيادة كتشنر أستطاع أنشاء 927 كيلومتر من وادي حلفا إلى الحلفايا ثلثها عبر صحراء النوبة القاحلة كما شيد كبري عطبرة في ثلاث سنوات فقط رغماً عن بدائية المعينات وبؤس حياة العمال والعسكر الذين شيدوا الخط.
ب) أن المستعمر استطاع ما بين 1905 و 1929 مد الخطوط الحديدية بطول 2112 كيلومتر.
ج) إستطاع الحكم الوطني ما بين 1956 و 1962- أي في ستة سنوات - أن يضيف للشبكة 1372 كيلومتر. بقى أن نعلم أن صادرات السودان في تلك السنوات كانت تتراوح ما بين 70 و 90 مليون جنيه.
د) أن الإضافات التي تمت في نصف القرن الماضي – أي منذ عام 1962 تبلغ مائة كيلومتر فقط وحتى هذه فرضتها عمليات إستخراج البترول وبناء سد مروي!
ه) كان من الأسهل للجيش الغازي أن يمد الخطوط المصرية من أسوان إلى وادي حلفا ولكنه أختار عن قصد أن تختلف الخطوط!!
الآن وبعد التعثر الذي واجهته التنمية في السودان ، نستطيع القول أن قوة الدفع التي سعى بها الحكم الوطني إلى التوسع في شبكة السكة الحديد وأن قدر لها أن تستمر لامتدت خطوط السكة الحديد في عدة اتجاهات ومحاور لعل من بينها:
إمتداد الخط الحديدي من نيالا إلى الجنينة عبر زالنجي.
من نيالاً شمالاً إلى الفاشر وشرق جبل مرة.
مد الخط الحديدي من واو إلى جوبا.
خط من الرهد أو السميح إلى تلودي بحبال النوبة.
إمتداداً للخط من الروصيرص إلى الكرمك.
أما وسط السودان النيلي فما أحوجه إلى خط موازي للنيل ما بين ملكال ووادي حلفا علماً بإن الإحصاءآت آنذاك تشير إلى أن 70% من سكان السودان كانوا يعيشون على ضفاف النيل او على بعد لا يتجاوز الخمسين كيلومتر.
الوضع الراهن في هيئة السكك الحديد:
هناك خطوط متوقفه تماماً أو شبه متوقفه منذ عدة سنوات والخطوط هي:
- سنار – هيا 802 كيلومتر.
- سنار الدمازين 227
- بابنوسة – واو 447
- نمرة 10 – كريمة 222
- المجموع 1698 أي ما يعادل 37% من الشبكة.
تعد مجلة غازيتة السكة الحديد العالمية (R.G.I) مسحاً دورياً عن متوسط سرعة القطارات لدى الهيئات العامة والشركات على نطاق العالم. في عددها الصادر في نوفمبر 2005 أوردت المجلة متوسط السرعة تنازلياً لمائة وتسعة وسبعين هيئة عامة وشركة (179) فكان موقع السودان هو ال (170) وذلك بمتوسط سرعة يبلغ 27 كيلومتر/ الساعة.
عن شبكة الخطوط يقول المهندس مكاوي محمد عوض وزير النقل في مقابلة صحفية نشرتها صحيفة الصحافة بتاريخ 3 نوفمبر 2013 يقول:
" هناك أسباب عديدة لتراجع خدمات السكة الحديد، أن اهم تلك الأسباب هي ضعف وهشاشة البنية التحتية التي خلفها الاستعمار الإنجليزي من قضبان وفلنكات خشبية قديمة لم يتم تحديثها منذ زمن، أن هذه القضبان والفلنكات لا تساعد في استجلاب قطارات ذات سرعة عالية.
أن تجديد الشبكة والأسطول السككي ليس بالأمر السهل فالتكلفة تفوق إمكانات الهيئة والحكومة الاتحادية مجتمعتين!
أن رأت الحكومة التدرج في إنشاء الخطوط وتجديد الأسطول الناقل فعلينا الإنتظار لثلاثين عام على الأقل مما يعني استدامة التهميش للأقاليم الطرفية كما يعني إستمرار نزيف الموارد كما رأينا.
سبق لهيئة سكك حديد السودان أن أعدت دراسة قيمة بعنوان " حقائق وأرقام عن هيئة سكك حديد السودان" أعدت الدراسة الإدارة العامة للتخطيط والنظم بالهيئة بمناسبة انعقاد ورشة عمل هيئة السكة الحديد في 15 ديسمبر 1998 التي سبقت الإشارة إليها".
تضمنت الدراسة جداول تفصيلية عن تاريخ دخول الخدمة لقاطرات الديزل وعربات البضاعة من بين جداول أخرى. عند دراسة تلك الجداول يتضح لنا أن أسطول الهيئة كان يتكون من 135 قاطرة في عام 1998. من هذا العدد تم استيراد 22 قاطرة في الأعوام 90/91/1995. أما بقية الأسطول – اي 113 قاطرة – فيعود تاريخ شرائها إلى الفترة ما بين 1963 و 1985 لهذا نجد أعمار 83,7% من القاطرات تتراوح ما بين 30 و 52 عاماً.
أما عربات البضاعة المقفولة فقد بلغ عددها في ذات التاريخ 2784 عربة باستثناء 250 عربة تتراوح أعمار بقية العربات اليوم ما بين 37 و 61 عاماً. لعل القارئ الكريم يتفق معنا أن معظم القاطرات والعربات وهي بهذه الأعمار قد تخطت أعمارها الافتراضية وإذا ما أضفنا لهذا العامل ضعف الصيانة فإننا نستطيع القول بأنها في حكم الخردة أي ال Scrap.
رغماً عن شح الموارد وقصر المدة أستطاع المهندس مكاوي تحقيق عدة إنجازات لعل أهمها:
إعادة تأهيل الخط الخرطوم – عطبرة ووصول قطارين للركاب وقد بدأ تشغيلهما بالفعل.
شراء 6 قاطرات وإعادة تأهيل ثمانية قاطرات من الأسطول القديم.
نجح عمال الهيئة في تجديد عدد كبير من عربات الركاب والبضاعة.
الحصول على قرض من الهند بمبلغ 150 مليون دولار لتأهيل الخط الخرطوم – ود مدني.
التوقيع على مذكرة تفاهم مع شركة صينية لتأهيل الخط سنار – القضارف – هيا.
تعيين مائتين من المهندسين الشباب للإنخراط في عمل الهيئة.
الجزء الثاني
سكك حديد النيل:
سبق أن أوضحنا أن آخر إمتدادات شبكة السكة الحديد كان خط بابنوسة – واو (447كلم) الذي اكتمل في عام 1962 في عهد الرئيس الراحل إبراهيم عبود أي قبل ثلاثة خمسين عاماً! اوضحنا أيضاً انه أن تواصلت بذات الحماس خطة التوسع في الشبكة لأمتدت الخطوط إلى أقاليم أخرى هي في أمس الحاجة لخدمات السكة الحديد, أخترنا لهذه الدراسة من بين تلك الأقاليم الشريط النيلي الذي يمتد من وادي حلفا إلى ملكال وذلك لأسباب ستتضح في سياق هذه الدراسة. نقترح لهذا الخط أن يكون بالقياس العالمي 1435 ملم وذلك لتفوقه على القياس الضيق المستخدم في السودان - وهو 1067ملم - من عدة أوجه لعل أهمها: السلامة، الحمولة، والسرعة. يعزز هذه الأسباب مطابقته للخطوط المصرية لذاتها ولكونها تمثل مدخلاً للخطوط الشرق أوسطية والخطوط المغاربية، تتعزز الأسباب أيضاً بعالمية القياس وهو الامر الذي يعني التصنيع الواسع والكبير للقطارات والعربات وقطع الغيار، ومن ثمّ اعتدال الأسعار كما هو معروف.
أن قيام هذا الخط يفرض أن يكون له منفذاً إلى الموانئ السودانية على البحر الأحمر لهذا نقترح أن يمتد ذراع من خط النيل عند منطقة الشريك لمسافة 450 كلم حتى ميناء بورتسودان مستخدماً المعبر الجبلي المتاح شمال مدينة سنكات إن سمحت التضاريس بذلك وأن تطلب الأمر معالجات هندسية.
من جهة أخرى ترى الدراسة أن يتم تنفيذ مشروع سكك حديد النيل على ثلاث مراحل وفي فترة زمنية أقصاهل أثنتي عشر عاماً أما المراحل فهي:
المرحلة الأولى: بورتسودان - الشريك – أم درمان. وطولها 900كلم تتوسطها منطقة الشريك.
المرحلة الثانية : أم درمان – الدويم – كوستي – غرب ملكال وطولها 820 كلم.
المرحلة الثالثة: الشريك – مروي – شرق الخندق شرق دنقلا ووادي حلفا وطولها 800كلم.
أن ترتيب مراحل التنفيذ على هذا النحو لم يأت اعتباطاً وإنما لسبب موضوعي وهو ان للمرحلة الأولى حظ وافر من النجاح وتحقيق أرباح في زمن قياسي مما يوفر التمويل الذاتي للمرحلة الثانية. يتحقق النجاح لهذه المرحلة من هيمنة الخط بورتسودان - الشريك – أم درمان على معظم حركة نقل البضائع والمسافرين بين العاصمة القومية وبورتسودان.
كما يعلم الجميع أن العاصمة القومية تهيمن على النشاط الاقتصادي في البلاد كان ذلك في القطاع التجاري أو الصناعي. لهذا تستقبل العاصمة سنوياً الملايين من الأطنان من السلع الاستهلاكية والإنتاجية كما تستقبل الخامات الصناعية.
من جهة أخرى تنشط حركة المسافرين بين العاصمة القومية وبين ولايات نهر النيل، البحر الأحمر والشمالية في رحلات يخيم عليها هاجس الحوادث والموت المتربص. لهذا نستبشر خيراً بوصول قطارين جديدين للركاب.
أن تراجع تكلفة الترحيل للبضائع والمسافرين بنسبة تتراوح ما بين 40 إلى 60% - كما نتوقع - يشكل عامل جذب قوي كما أن عامل السلامة بالنسبة للمسافرين يشكل عامل جذب أقوي.
أننا على اقتناع تام – ونأمل أن يتفق معنا القارئ الكريم – أن تشغيل هذا الخط سيوفر وسادة مالية ماهلة من الإيرادات من شأنها أن تمهد الطريق للإنتقال إلى المرحلة الثانية وغايتها ملكال! هناك أسئلة لا بد وان تتبادر إلى ذهن القارئ وهي: لماذا الشريك؟ ولماذا غرب النيل للمسار الجنوبي للخط الحديدي؟ وأخيراً لماذا شرق النيل للخط للمسار الشمالي للخط الحديدي؟
نجيب على تلك الأسئلة أدناه:
لماذا الشريك؟
يعتبر موقع الشريك من بين أقرب المواقع النيلية من بورتسودان وبهذه الصفة يصبح بالنسبة لسكك حديد النيل الموقع الأمثل لتقاطع المحور الرئيسي وادي حلفا – ملكال مع الذراع الممتد إلى بورتسودان.
بعد حفر قناة المسيكتاب لتجنب شلال السبلوقة– راجع دراستنا حول الموضوع- وقيام سد الشريك – الذي صدر التوجيه الرئاسي بإنشائه بعد توفر التمويل من القرض السعودي– ستصبح منطقة الشريك أقصى موقع ملاحي شمالاً لمحور جوبا – الشريك الملاحي كما هي في ذات الوقت الأقرب من بورتسودان.
عند اكتمال إنشاء سد الشريك ستتوفر الطاقة الكهرومائية الرخيصة التي ستسهم بلا شك في نهضة منطقة الشريك.
عند قيام سد الشريك ومع بداية التخزين ستظهر إلى الوجود بحيرة مترامية الأطراف وبمساحة تبلغ 250 كلم2 تصلح لقيام ميناء نهري رئيسي مما يمهد لتكامل بين النقل بالسكة الحديد والنقل النهري.
منطقة الشريك من المناطق المهمشة والطاردة وبتحولها لمرتكز للنقل السككي والنقل النهري ستتسع فرص العمالة في هذين المرفقين وفي الاستثمارات التي يجذبها الموقع. لهذا تتوقع الدراسة أن تصبح هذه المنطقة من أكثر مناطق السودان تنمية ونمواً.
لماذا غرب النيل للمسار الجنوبي لسكك حديد النيل؟
يلاحظ في ولاية نهر النيل إختلالاً في التنمية بين الضفتين الشرقية والغربية يعزى هذا الإختلال لأسباب جغرافية وأخرى تاريخية. تتمثل الأسباب الجغرافية في الصلة المباشرة ما بين الضفة الشرقية لنهر النيل والموانئ على البحر الأحمر ومع سهل البطانة بما يتميز به من ثروات زراعية وحيوانية وذلك في مقابل صحراء بيوضة التي تحيط بنهر النيل من ناحية الغرب.
أما الأسباب التاريخية فأهمها إمتداد الخط الحديدي من أبوحمد وحتى الخرطوم في السنوات 1897-1899 كما ذكرنا. لقد انعش هذا الخط طوال العهد الذهبي للسكة الحديد كل قري ومدن الضفة الشرقية وبرزت من تلك المدن أبو حمد، بربر، عطبرة، الدامر وشندي وذلك في زمن كان نهر النيل يخلو من أي جسور شمال كبري النيل الأبيض. من بين هذه المدن تعتبر كل من مدينتى بربر وعطبرة من الحالات الاستثنائية فمدينة بربر كانت حاضرة لمديرية بربر في العهد التركي كما كانت قبل ذلك معبراً لحجاج وتجار غرب أفريقيا في رحلاتهم إلى سواكن ونقطة إنطلاق لرحلات المراكب أعلى وأسفل نهر النيل أما عطبرة فقد احتضنت رئاسة وورش السكة الحديد منذ نشأتها.
بإنشاء طريق التحدي الذي أمتد لاحقاً إلى بورتسودان شرقاً وإلى أبوحمد شمالاً تعززت أهمية شرق النيل بالقدر الذي جعل شركات مصانع الأسمنت تختار شرق النيل رغماً عن اعتمادها على خامات الرخام بصحراء بيوضة التي تتمدد بغرب النيل!!.
في مقابل المكاسب التي تحققت لشرق النيل نلاحظ أن غرب النيل وإلى ما قبل إنشاء جسري شندي وأم الطيور كان في عزلة تامة كانت سبباً لتعثر التنمية فيه. ليس أدل على ذلك من ان المدينة الوحيدة بالغرب وهي المتمة - التي عُرفت بحاضرة الجعليين - ظلت تحتضر بسبب نزوح أهلها عنها.
أن ما يلفت النظر هو ان الإختلال التنموي بين غرب وشرق النيل يتواصل جنوباً. ففي ولاية الخرطوم قامت مصفاة الجيلي ومنطقة قري الحرّة بشرق النيل فتحول شارع الجيلي إلى تجمع حضري شريطي Ribon Urban Agglomeration دون نظير له في بغرب النيل. يتواصل الاختلال التنموي حتى في ولاية النيل الأبيض إذ يعتبر شرق النيل الأبيض إمتداداً لمشروع الجزيرة والمناقل كما قامت به مصانع السكر في كنانة وعسلاية والنيل الأبيض وبإنشاء طريق الخرطوم – كوستي أصبح لشرق النيل شريان للتفاعل مع العاصمة القومية ومدينة كوستي.
في مقابل ذلك نلاحظ أن غرب النيل الأبيض تحاصره من ناحية الغرب الأطراف الشرقية لشبة صحراء كردفان. من زاوية أخرى فقد ظل غرب النيل الأبيض في عزلة تامة وان كانت هناك بادرات من الخروج من عزلته بتشييد كبري الدويم والطريق الغربي المتعثر. لكل هذه الأسباب وغيرها كان حظ غرب النيل الأبيض من التنمية حظاً بائساً ولذلك أصبح من المناطق الطاردة. أما للوصول إلى ملكال فتمليه توقعاتنا بأن تتجه دولة جنوب السودان بقوة نحو التنمية حالما إستعادت إستقرارها. أن متطلبات التنمية والطلب العالي للسلع الإستهلاكية يتطلب توفر وسيلة نقل عالية الكفاءة.
لماذا شرق النيل بالولاية الشمالية؟
عندما نصعد إلى الولاية الشمالية نجد الصورة معكوسة فغرب النيل أكثر إنفتاحاُ وأكثر حظاً في التنمية من شرق النيل.
تاريخياً كانت دنقلا حاضرة لمديرية دنقلا وظلت محتفظة بهذه الأهمية الإدارية حتى يومنا هذا!. لهذا كان الطريق البري دنقلا – ام درمان حتى قبل رصفه – كان شريان يبعث الحياة في غرب النيل لهذا أيضاً أزدهرت مدن القولد والخندق والغابة والدبة بغرب النيل دون نظائر لها بشرق النيل الذي زاد من عزلته غياب الجسور قبل إنشاء جسرى دنقلا والدبة مؤخراً.
من جهة أخرى لعب الزحف الصحراوي بكل بشاعته دوراً رئيساً في حالة الاحتضار التي يشهدها شرق النيل حالياً. لقد غطت الصحراء مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية واطراف القرى بل وصلت إلى ضفاف النيل مباشرة. هجر السكان قراهم بشرق النيل فما بيدهم سلاح يحاربون به طغيان الطبيعة.
تلك هي أهم الأسباب التي تجعلنا نرشح شرق النيل تارة وغربه تارة أخرى إذ يمثل إنشاء الخط الحديدي وسيلة فعالة لإعادة التوازن بين ضفتي النيل. غنى عن القول ان الخير سيعم الجميغ فالأربعة جسور التي قامت حديثاً بولايتي نهر النيل والشمالية ستجعل التواصل بين الضفتين ممكناً.
تمويل المشروع:
ترى الدراسة أن الأزمات المالية المتلاحقة والمستعصية التي تحاصر الحكومة الإتحادية واستحقاقات الأمن والسلام المنشود في الأقاليم الثلاث المتمردة لا تسمح بتمويل هذا المشروع – أن الحكومة حتى وأن استطاعت اعتصار بعض المال سنوياً من ميزانيتها أو حصلت على قروض فإن هيئة السكة الحديد أولى بالدعم والتمويل.
أما بالنسبة لمشروع سكك حديد النيل فلدينا أسباب قوية وإقتناع تام بأن إستجابة الجمهور العريض والقطاع الخاص ستكون قوية إذا ما تمت توعيتهم بما يعنيه المشروع لإقتصاد وأمن السودان وإذا ما إقتنع الجميع بأن أرباح المشروع ستتنامي وتتوارثها الأجيال. ان أكثر المستفيدين هم سكان القرى النيلية إذ سيفتح لهم المشروع آفاق واسعة للإنطلاق في دروب التنمية.
أستعانت الدراسة بنخبة طيبة من خبراء السكة الحديد لتقدير تكلفة المرحلة الأولى من الخط المقترح وكان تقدير رأس المال التأسيسي هو مليار ونصف المليار دولار وهو مبلغ كافي لتنفيذ البنود الأساسية التالية:
1) إنشاء الخط الحديدي بورتسودان – الشريك – ام درمان بالقياس العالمي 1435ملم وبطول حوالي تسعمائة كيلومتر.
2) تشييد جسر الشريك على نهر النيل في موقع اسفل مباشرة للموقع المرشح لقيام سد الشريك حتى يُستفاد من الجسر عند تشييد السد.. لذلك قد تشارك وحدة تنفيذ السدود في تمويل تشييد الجسر.
3) شراء عشر قاطرات وثلاثمائة عربة لمختلف الاستخدامات: ركاب ، بضاعة، سطح للحاويات، عربات مبردة ، عربات ماشية ، عربات صهاريج لنقل السوائل وذلك كبداية.
4) توريد أربعة قاطرات للمناورة.
5) بناء وتجهيز ورش الصيانة ومركز التدريب ، تشييد المحطات ، مقر الإدارة وسكن اقتصادي للعاملين.
6) الإشارات والإتصالات.
7) مستحقات الاستشاري الذي يفترض أن يكون قد أعد دراسة الجدوي الإقتصادية لتنفيذ المشروع بمراحله الثلاث.
8) مال الاحتياطي.
9) أخرى.
إستراتيجية التمويل:
المرحلة الأولي من المشروع:
ترى الدراسة ان خير وسيلة لتعبئة رأس المال التأسيسي هي قيام شركة بمسمى " شركة النيل للسكة الحديد" مثلاً لتبدأ نشاطها بعصف ذهني جماهيري عبر الصحف والإذاعات والقنوات الفضائية حول المشروع والمكاسب التي يحققها للأقتصاد الوطني. ان أكثر المعنيين بالعصف الذهني المقترح هم سكان القرى والمدن التي يمر بها القطار ويجد القارئ حصراً لها في الملحق(1).
ترى الدراسة ان تعبئة رأس المال التأسيسي يمكن أن تتحقق من خلال طرح ثلاثمائة مليون سهم بواقع خمسة دولارات – أو ما يعادلها بالجنية السوداني – للسهم الواحد وذلك يتسنى للمواطن مهما قلّ دخله الإسهام في هذا المشروع الوطني الكبير. وقد يرى المؤسسون غير ذلك؟ هناك مشاركة أخرى ينبغي أن تؤخذ في الاعتبار وهي مشاركة الشريك الاستراتيجي التي نقدّر لها 10% من رأس المال المستهدف أي مائة وخمسون مليون دولار.
أن الشريك الإستراتيجي الذي تعنيه الدراسة هو الشركة الموردة للقطارات بكل مكوناتها والأجهزة الفنية الخاصة بالإتصالات أسوة بتجهيز ورشة الصيانة ومركز التدريب.
ينتظر من الشريك الإستراتيجي أن يشارك فعلياً في إدارة الشركة، في تشغيل القطارات وفي تدريب السائقين والمهندسين والفنيين والعمال وذلك لمدة يتفق عليها عند التعاقد.
المرحلة الثانية:
حال إكتمال المرحلة الأولى وظهور بشارات النجاح فإن الشركة – بما لديها من أصول – ستكون قادرة على استقطاب المزيد من رأس المال سيما والمرحلة الثانية تستهدف خدمة دولة جنوب السودان البترولية الحبيسة وهي تستشرف نهضة عمرانية وتنموية.
أن مصادر التمويل المحتملة للمرحلة الثانية هي:
أ) أعادة إستثمار الأرباح.
ب) طرح المزيد من الأسهم بسعر السهم في سوق الأوراق المالية أي بإضافة علاوة أرباح Premium.
ج) إصدار سندات عبر سوق الأوراق المالية.
د) بالاقتراض من المصارف الوطنية.
ه) بالاقتراض من المصارف الأجنبية أو من نوافذ الإقتراض للقطاع الخاص التي تتيحها صناديق التنمية العربية وعلى رأسها البنك الإسلامي بجده.
من هذه المصادر مجتمعة أو من بعضها سيتوفر التمويل للمرحلة الثانية وهي وصول القطار إلى غرب ملكال.
المرحلة الثالثة:
أن الاستخدام المكثف لرحلات القطار بين بورتسودان – أم درمان – ملكال سيعني مضاعفة الأرباح. أن تحققت تلك الأرباح فإن الشركة لن تكن في حاجة إلى مصادر تمويل إضافية وستمضي قدماً نحو تنفيذ المرحلة الثالثة وهي الخط غرب الشريك – مروي – شرق الخندق – شرق دنقلا لتنتهي الرحلة في وادي حلفا.. أو تتوغل داخل الأراضي المصرية!.
تتوقع الدراسة أن حركة النقل النشطة في القطاع بوتسودان – الشريك ستؤكد الجدوى الاقتصادية لتطويرين هامين وهما ازدواجية الخط ثم كهربته وذلك في وقت تكون فيه محطة التوليد الكهربائي لسد الشريك قد بدأت في الإنتاج. أن إزدواجية وكهربة هذا الخط تعني كأنما انتقلت بورتسودان إلي العمق النيلي أو – في صيغة أخرى – كأنما انتقلت الشريك إلي الساحل!! ترى الدراسة أيضاً أن نجاح كهربة القطاع بورتسودان – الشريك سيمهد لكهربة الخط الشريك – أم درمان وحينها سيكون للاقتصاد السوداني شأن آخر.
المكاسب والمحاذير:
يقوم الإقتصاد الحديث على منظومة متكاملة من الركائز وهي الموارد الطبيعية والبنيات الأساسية التي يوظفها الإنسان لكفاية حاجاته مستثمراً في ذلك العمل، رأس المال ومقدراته في الإدارة وحسن التدبير والإبتكار. تتأثر المنظومة الإقتصادية إيجاباً أو سلباً بأي تغيير جوهري يمس أحد او بعض تلك الركائز. أن التغيير – إن حدث- يفضي إلى مجموعة من النتائج المتسلسلة أو ال Chain results وذلك بمنطق الأشياء.
تتعدد الأمثلة والتجارب التي تؤكد هذا المفهوم ويكفي هنا ان نستشهد بالسيناريو السالب الذي أسهم به إنهيار السكة الحديد في تفجير أزمة دارفور وإضمحلال مشروع الجزيرة وهما أمران يغفل عنهما الكثيرون!.
في كلتا الحالتين كانت السكة الحديد في عهدها الذهبي هي الوسيلة الأمثل في نقل محاصيل الصادر من دارفور – كالفول السوداني – وفي نقل القطن من الجزيرة لتصل إلى بورتسودان بأسعار منافسة كانت تجد بها رواجاً في السوق العالمي.
كانت القطارات تعود من بورتسودان وهي محمّلة بالسلع المستوردة والمدخلات الزراعية والصناعية لهذا كانت السلع الإستهلاكية سواء أكانت من الإنتاج المحلي او المستورد تعرض بأسعار معتدلة وفي متناول يد الجميع وان كانوا في دارفور القصّية!.
أعقب ذلك زمن تعرضت فيه السكة الحديد للإهمال وإنكمش دورها في الإقتصاد بعد ان أخلت الساحة للشاحنات! حينها أصيب الإقتصاد الوطني في مقتل إذ كسدت صادراتنا او بيعت بهامش ربح ضئيل أو حتى بالخسارة طمعاً في الحصول على العملات الحرة! أصيب الإقتصاد الوطني بهذه الفاجعة بسبب تكلفة النقل البري العالية وبسبب نزيف الموارد الناتج عن إستيراد الوقود والإطارات وقطع الغيار. في ذات الوقت ظلت أسعار السلع الإستهلاكية تتصاعد لتصنع الفقر في أرجاء السودان، اما دارفور ومشروع الجزيرة فتلك روايتان حزينتان يعلمهما الجميع.
ترى الدراسة أن الطرح المقدم حول سكك حديد النيل سيحدث تغييرات هيكلية إيجابية في نظام النقل وفي الإقتصاد السوداني. يحدث ذلك بفعل ردود الأفعال الإيجابية ووفقاً لمنطق النتائج المتسلسلة.
أدناه نتناول أبرز سمات التغيير الهيكلي وما يتمخض عنه:
أولاً: نظراً لان النقل بين بورتسودان والخرطوم يشكل معظم حركة النقل في السودان فإن إستخدام النقل السككي عبر بورتسودان – الشريك – أم درمان بدلاً عن الشاحنات سيوفر – في رأينا – للخزينة العامة ما لا يقل عن 50% من العملات الحرة التي تشكل تكلفة الوقود والإطارات وقطع الغيار.
في تاريخ لاحق – أي بعد خمس سنوات هي فترة إنشاء المرحلة الاولى من سكك حديد النيل – ستنشط حركة النقل بسبب تصاعد صادرات السودان لدولة جنوب السودان مما يعني ضمناً تصاعد واردات السودان من مدخلات الإنتاج الزراعي والصناعي. في ذات الوقت ستتصاعد واردات دولة جنوب السودان من السلع الإستهلاكية والرأسمالية لضرورات التنمية كما يرجح أن تتصاعد أسعار المحروقات. على ضوء ما تقدم فإن كانت وفورات التحول إلى النقل السككي اليوم – إفتراضاً – تقدر بمليار دولار أمريكي فإن تلك الوفورات لن تقل عن الثلاثة مليار دولار بعد خمس أو ستة سنوات، أي قبيل تشغيل قطار بورتسودان – الشريك – أم درمان المقترح. غنى عن القول ان تصاعد تلك الوفورات وتراكمها – إفتراضاً – سيعني دعماً مباشراً لميزان المدفوعات وهو دعم ينصلح به حال العملة الوطنية ويفتح الباب لاستيراد السلع والخامات التي يحتاج لها الاقتصاد الوطني.
ثانياً: سيشجع النقل السككي الرخيص المنتجين لمضاعفة الإنتاج وذلك لأغراض التصدير علماً بان التصدير هو رئة الإقتصاد الحديث.
ثالثاً: عند قيام سكك حديد النيل وإمتداد ذراع منها إلى بورتسودان كما أوضحنا سيفقد خطان حديديان أسباب وجودهما بمعنى أن يصبحا Redundant Lines لما لا وهما خطان يعبران صحراء النوبة وصحراء العتمور حيث لا حياة!
الخطان المعنيان هما:
خط وادي حلفا – أبو حمد وطوله 368 كيلومتر.
خط عطبرة – هيا وطوله 272 كيلومتر
المجموع 640
نظراً لقدم وإهتراء هذه الخطوط فلعله من الاجدى تفكيكها وبيعها كحديد خردة لجياد او لأحد مصانع حديد التسليح لشراء قضبان بمواصفات أعلى لإنشاء خطوط جديدة وفق برنامج زمني يأخذ في الإعتبار توفر التمويل.
أن وجدت الدعوة لقيام سكك حديد النيل قبولاً على الإكتتاب في أسهما فإن ذلك يستوجب أن تتراجع هيئة السكة الحديد عن خطتها الرامية إلى إعادة تأهيل القطاع عطبرة – هيا (272كلم) من خط عطبرة بورتسودان وان تقيم بدلاً عنه خطاً جديداً يربط حلفا الجديدة بالدامر (280 كلم). تتمثل أهمية هذا الخط في دوره في إخراج مناطق أسفل نهر عطبرة وشمال البطانة من عزلتهما سيما وان جريان النهر سينتظم طوال العام – وان كان ذلك بمناسيب متدنية – بعد إكتمال سدي ستيت وأعالى عطبرة والإيراد الإضافي الذي حققه سد تكازي بأثيوبيا. تلك متغيرات ستنعش الإنتاج الزراعي والحيواني أسفل نهر عطبرة. تتمثل أهمية هذا الخط أيضاً في إبقاء الصلة مع عطبرة حيث أكبر تجمع لورشة الصيانة.
ثالثاً: إن إنشاء سكك حديد النيل بمبادرة من القطاع الخاص السوداني سيعني تخفيف العبء على الهيئة العامة للسكة الحديد مما يمكنها من تجديد أسطولها وإعادة تأهيل خطوطها بالعرض الضيق الحالي (1067 ملم). أن الخيار للأفضل هو بلا شك القياس العالمي الذي يسمح بتوحيد وتكامل الشبكتين.
قد يبدو هذا الخيار بعيد المنال تحت المعطيات الحالية للإقتصاد السوداني وما لم تقدم حكومة السودان على إبرام صفقات خارجية ضخمة بصيغات مبتكرة.. وهو أمر ممكن!.
في غياب هذا الخيار ستنشأ الحاجة لتوفير المعينات اللوجستية لتتكامل الشبكتان. من زاوية أخرى ومهما كان خيار الهيئة فإننا نرى أن هنالك جدوى إقتصادية في أن توسع الهيئة العامة للسكة الحديد في شبكتها لتغطي المزيد من أقاليم البلاد ولتوفر خدماتها للدولة الحبيسة المجاورة وذلك من خلال الامتدادات التالية:
أ) نيالا – فورو برونقا الواقعة على وادي أزوم وعند الحدود السودانية – التشادية.
ب) نيالا – أم دافوق التي تلتقى عندها الحدود السودانية – التشادية مع حدود جمهورية أفريقيا الوسطى.
تجدر الإشارة هنا إلى أن كلا الموقعين الحدوديين قريبان من المناطق الواعدة بالتوسع الزراعي المطري والغنية بالثروة الحيوانية في جنوب تشاد وشمال جمهورية أفريقيا الوسطى.
ج) إمتداد الخط الحديدي من الدمازين إلى الكرمك لإنعاش إقتصاد جنوب النيل الأزرق. كمنفذ لوسط غرب أثيوبيا.
د) إمتداد الخط الحديدي من القضارف إلى المتمة الاثيوبية.
ترى الدراسة ان هناك ثلاثة عوامل رئيسة تفرض إنشاء الإمتدادات أعلاه والعوامل هي:
1- هناك مردود إيجابي في توسيع شبكة السكة الحديد على الصعيد الوطني إذ ستحدث حراكاً إقتصادياً في مناطق معزولة رغماً عن ثرائها بالموارد الطبيعية. ان المناطق المعنية هي: غرب دارفور، جنوب شرق القضارف وجنوب النيل الأزرق.
2- تعزيز أهمية السودان كمعبر والموانئ السودانية كمنافذ لدول الجوار الحبيسة وهي دولة جنوب السودان، تشاد، أفريقيا الوسطى وأثيوبيا. فالنقل البري بتكلفته العالية ينتقص من تلك الأهمية. أن دور السكة الحديد هنا ليس قاصراً على رسوم العبور والموانئ فحسب وإنما يشمل أيضاً إنعاش التجارة البينية بين السودان وتلك الدول.
3- هناك محاذير أمنية تستوجب منع النقل البري العابر للأرضي السودانية وحصره على السكك الحديدية والأسباب هي:
أ) منع التهريب من وإلى السودان وأحكام السيطرة على السلع التالفة والمغشوشة وتلك التي لا تستوفي مواصفات الجودة.
ب) منع الجريمة العابرة كالإتجار بالبشر لأغراض النزوح والهجرة إلى الدول العربية وأوروبا أو لأغراض أخرى. أما الوجه الآخر للجريمة العابرة فيتمثل في تهريب الأسلحة، المخدرات، الخمور والعملة بغرض غسلها في السودان بشراء العقارات وغيره.
ج) من قبل إنفتاح السودان للنقل العابر تحولت الطرق البريّة إلى محرقة للبشر.
د) إحتمال إنتقال بعض الأمراض والاوبئة القاتلة تزيد بالشاحنات البرية القادمة من دول أخرى .
ه) حماية الطرق البريّة من الإهلاك السريع فالطرق البرية في السودان اليوم تمثل ثروة قومية ينبغي المحافظة عليها سيما وهي بمواصفات دون العالمية من حيث العرض وسمك الطبقة الأسفلتية. تفيد معلوماتنا أن تكلفة بناء الكيلومتر الواحد من الطرق المسفلته تتراوح ما بين ستمائة ألف وسبعمائة وخمسين ألف دولار مما يعني ان قيمة شبكة الطرق القومية تقارب العشرة مليار دولار.
أن الرسوم التي نتحصل عليها من النقل العابر الثقيل لن تعوضنا عن التلف والإهلاك الذي ستتعرض له الطرق البرّية لهذا ينبغي الحذر والمنع الواضح والصريح.
أن المخاوف التي تناولناها أعلاه تعزز دعوتنا لسكان الشريط النيلي والشعب السوداني قاطبة للإكتتاب في أسهم شركة النيل للسكة الحديد.
بقيام الخط المقترح وإمتداد ذراعه إلى بورتسودان سيكون لكل من الشبكة القائمة (1067ملم) والشبكة المقترحة (1435ملم) أقاليم محددة وذلك على النحو التالي:
أ) هيئة السكة الحديد: كل أقاليم شرق السودان، جنوب النيل الأزرق، كل غرب السودان وذلك بالإضافة إلى منافذ حدودية لدول الجوار الحبيسة عبر ميناء كوستي بالتكامل مع النقل النهري، خط بابنوسة – واو لبحر الغزال الكبرى، عبر فوروبرونقا، وأم دافوق إلى تشاد وجمهورية أفريقيا الوسطى. وذلك بالإضافة إلى الكرمك والقلابات بالنسبة لأثيوبيا.
ب) سكك حديد النيل، تغطي الشريط النيلي ما بين وادي حلفا وملكال وذلك بالإضافة إلى دولة جنوب السودان عبر ملكال.
ج) تمثل مدينة كوستي الموقع الوحيد الذي تتقاطع فيه الشبكتان. لهذا ينتظر ان تتوفر في محطة التقاطع الآليات الحديثة التي تقوم مناقلة البضائع والحاويات Transshipment بكفاءة عالية وفي زمن وجيز.
بهذه التجهيزات سيكون من الممكن نقل الحاويات المنقولة من مصر – على سبيل المثال- إلى تشاد او إلى أفريقيا الوسطى أو إلى غرب السودان وبحر الغزال من سكك حديد النيل إلى خط غرب السودان – والعكس صحيح وهكذا.
يتبع الجزء الثاني (الأخير)
والله الموفق
د. عمر محمد علي أحمد
عضو رابطة خريجي كلية الاقتصاد
والدراسات الاجتماعية بجامعة الخرطوم
لا يختلف أثنان في أن النقل هو عصب الاقتصاد الحديث وأنه بقدر ما ترتفع كفاءة قطاع النقل بقدر ما ينمو الاقتصاد وتتسع آفاقه. على نقيض ذلك بقدر ما تتراجع كفاءة قطاع النقل بقدر ما يتعثر الإقتصاد وتضيق آفاقه.
تتعدد وتتنوع معايير كفاءة النقل ولعل أهم تلك المعايير في سياق هذه الورقة هي معدل إستهلاك الطن/ كيلومتر من الوقود، الحمولة، السلامة، السرعة وملائمة وسيلة النقل للمنقولات المستهدفة.
لهذا نستطيع القول أن الدراسات التي تسعى إلى تشخيص أزمات الإقتصاد السوداني سعياً لإيجاد الحلول الناجعة لا بد وان تستصحب قضايا النقل. أننا نذهب إلى أبعد من ذلك بالقول أن المعالجات التي تُطرح والسياسات التي تُقترح أن لم تستصحب قضايا النقل وتقدم الحلول العلمية القابلة للتطبيق ما هي الا معالجات وسياسات عقيمة سينتهي بها الأمر أن تلحق بسابقاتها في أضابير وزارة المالية والاقتصاد الوطني.
قد يتبادر إلى الأذهان أن حديثنا عن النقل يختص بالنقل البري فقط لذلك وجب التوضيح أننا معنيون أيضاً بالنقل الحضري. وذلك لان النقل الحضري – وبصفة خاصة في العاصمة القومية- أصبح هو الأخر أحد عوامل الاستنزاف لمواردنا المحدودة وسبب آخر لاستدامة التخلف.
لقد تمخض عن هيمنة العاصمة القومية على الاقتصاد الوطني أن حدث اختلال خطير في التوزيع السكاني والتنمية الحضرية. حالياً يقترب عدد سكان العاصمة القومية من رقم الثمانية مليون نسمة وهو رقم مرشح لأن يتضاعف بحلول عام 2030 أو قبله. بهذه الكثافة السكانية العالية – التي تعادل ربع سكان السودان - تمددت العاصمة القومية في كل الإتجاهات وإكتظت بالسيارات وأصبحت الاختناقات المرورية ظاهرة يومية في الشرايين الرئيسة في ساعات الذروة وفي غير ساعات الذروة! لهذا أصبح تباعد الأطراف والاختناقات المرورية من أهم أسباب أهدار الوقت والوقود ومهددات سلامة وصحة المواطن.
أن خلاصة ما نرمي إليه هو أن الاقتصاد السوداني كما نراه اليوم مصاب بحالة نزيف مزمنة في موارده من العملات الحرة ويعتبر قطاع النقل من أبرز أسبابها، لذلك أصيب بحالة الإنيميا التي يعاني منها الآن.
تتعدد أسباب نزيف الموارد ويهمنا منها في هذا السياق:
تهميش السكة الحديد والاعتماد شبه الكامل على النقل البري.
الكثافة السكانية العالية والتمدد الحضري في العاصمة القومية اللذان جعلا من السيارة ووسائل النقل العام ضرورة لا غنى عنها.
سيكتشف القارئ الكريم ان هناك أرتباط عضوي بين تهميش السكة الحديد والكثافة السكانية بالعاصمة القومية. بهذا الاكتشاف سيصل القارئ إلى اقتناع بان هجرة عكسية من العاصمة ستحدث متما إستعادت السكة الحديد دورها الريادي.
أن تركنا جانباً العبء المالي الناتج عن إستيراد الشاحنات والسيارات بمختلف مسمياتها، وأن غضينا الطرف عن استهلاكها من الإطارات وقطع الغيار والزيوت وأهلاك الطرق، فإن فاتورة الوقود لوحدها تمثل إستنزافاً مريعاً لمواردنا من العملات الحرة.
تصاعد استهلاك المحروقات:
رصد تصاعد إستهلاك الوقود الخبير في إقتصاد النفط والصحفي الأستاذ السر سيد أحمد في كتابه الشيّق الذي صدر حديثاً " سنوات النفط في السودان". الكتاب عبارة عن جهد توثيقي يستند على عشرات المراجع والمقابلات في سرده للأحداث والمواقف التي تشكل علامات بارزة في مسيرة النفط في السودان وقد صدر الكتاب عن دار مدارك للنشر (2013).
من بين المواد التي أثرى بها الأستاذ السر كتابه جدولاً حول استهلاك السودان من المواد البترولية (صفحة 76) للسنوات 2005/2011 نكتفي من هذا الجدول بالأرقام الخاصة بالجازولين والبنزين:
الأرقام بالطن المتري
السنة الجازولين البنزين المجموع
2005 1,684,819 420,341 2,105,160
2006 2,059,165 492,874 2,552,039
2007 2,246,832 549,927 2,896,759
2008 2,246,619 589,986 2,936,605
2009 2,359,305 675,055 3,034,360
2010 2,199,921 761,507 2,961,428
النصف الأول من 2011 1,152,377 392,797 1,545,174
لم تتوفر لنا إحصاءات حول حجم الإستهلاك حتى نهاية عام 2013 ولا لقيمة الكمية المستهلكة من الجازولين والبنزين. في مقابل ذلك علمنا من تصريحات كبار المسئولين ان تكلفة إستيراد ما يكمل الإنتاج المحلي من الجازولين وصلت 1,4 مليار دولار أمريكي.
هيمنة النقل البري:
أن اكبر مستهلك للوقود هو بلا شك النقل البري ويعزى ذلك لهيمنته شبه الكاملة على نقل البضائع والمسافرين.
نستدل على ذلك بأكثر المرجيعات مصداقية في السودان وهي التقارير السنوية التي يصدرها بنك السودان المركزي. في تقريره رقم (49) لعام 2009 (الصفحة 106 من النسخة الإنجليزية) اوضح البنك أن جملة الطن المنقول بوسائل النقل البري والسككي والنهري بلغ 6,712,200 طن موزعة بين الوسائل الثلاث على النحو التالي:
- النقل البري 5736000 طن بنسبة 85,46%
- النقل السككي 907000 طن بنسبة 13,52%
- النقل النهري 69000 طن بنسبة 1,02%
- المجموع 6712200 100%
تجدر الإشارة هنا إلى أن نسبة مساهمة السكة الحديد في نقل الصادر والوارد في عام 72/1973 كانت 95% و96% على التوالي تاركة نسبة 5% و 4% للنقل البري! هذا ما جاء بالدراسة التي أعدتها هيئة السكة الحديد لورشة العمل التي نظمت في 15/12/1998 تحت عنوان " السكة الحديد ومتطلبات القرن الواحد وعشرين"
أما الإحصاءات الخاصة بنقل المسافرين حسبما جاءت بذات التقرير فتشير إلى ان عدد المسافرين بلغ 26,242,200 مسافر موزعين بين وسائل النقل الثلاث على النحو التالي:
- النقل البري 26,150,000 مسافر بنسبة 99,65%
- النقل السككي 78,000 مسافر بنسبة 0,33%
- النقل النهري 5000 مسافر بنسبة 0.02%
تلك هي الصورة الشائهة لاقتصاد النقل كما عكستها إحصاءات 2009 ولا نعتقد أنها تغيرت كثيراً في السنوات الست الماضية.
للتعرف على أبعاد التشوهاتdistortions في قطاع النقل والثمن الباهظ الذي يدفعه الاقتصاد السوداني خصماً على المياه النقية والصحة والتعليم يكفي ان نتعرف على الفرق في إستهلاك الوقود بين الشاحنة والقطار. تجمع كل المصادر العلمية التي أستعنا بها أسوة بمرجعيات الوكالات ذات الصلة بالأمم المتحدة تجمع على أن إستهلاك الطن/ كيلومتر بالنقل البري – اي الشاحنات والبصات السياحية- يعادل ثلاث أضعاف نظيره بالسكة الحديد. لترجمة تلك النسبة إلى أرقام حقيقية نستطيع القول أنه إن كان نقل (س) ألف طن من البضائع من بورتسودان إلى الخرطوم بالقطار يستهلك مليون لتر من الوقود فإن إستخدام الشاحنات يتطلب توفير ثلاثة مليون لتر.
إن الفرق الذي يبلغ أثنين مليون لتر من الوقود يعكس حجم النزيف الذي ظل يتعرض له الاقتصاد السوداني طوال سنوات أفول نجم السكة الحديد، خاصة في الأثني عشر عاماً الماضية التي شهدت أعلى كثافة في النقل من بورتسودان إلى الخرطوم.
هل نأمل أن يتطوع أحد الملمين بأسعار الوقود وحركة النقل بحصر ما أهدره السودان من عملات حره في السنوات الأثنى عشر الماضية إن أحتفظت السكة الحديد بدورها؟.
الشرايين النازفه:
لا ينكر أحد أهمية الطرق في عالمنا المعاصر إذ تنبع أهميتها من تكاملها مع النقل السككي والنهري والجوي لينعم الأفراد بخدمات نقل متكاملة وهو ما يطلق عليه نظام النقل بالوسائط المتكاملة، أي Intermodal Transport System يُعنى هذا النظام بتوزيع الأدوار وتكاملها ليكون المنتج النهائي خدمات نقل تصل إلى غاياتها سليمة وبأقل تكلفة وفي زمن معقول. هذا ما يحدث في الدول التي تحسن تدبير أمورها أما نحن فقد خلطنا الأمور كما تكشف الإحصاءات التي قدمناها فكانت نتيجة هذا الخلط ما نحصده اليوم من أزمات إقتصادية ومعيشية.
في بلد شاسع المساحة ومعظمه سهلي كالسودان ينبغي أن يكون القطار هو الوسيلة الأولى للرحلات الطويلة والحمولات الثقيلة ثم يأتي دور الطرق كمغذية Feeders وموزعة Distributors فالقطار بطبيعته غير معنى بالحمولات الصغيرة أو بالوصول إلى كل تجمع سكاني. لقد أنجزت الحكومة الكثير في مجال الطرق إذ إمتدت شبكة الطرق البرية إلى أكثر من عشرة ألف كيلومتر وحتماُ سيكون لها دور كبير في بسط التنمية والخدمات في أقاليم البلاد. ان نجاح الطرق في القيام بهذا الدور رهين بالتوزيع الأمثل للأدوار بين وسائط النقل المختلفة وبحيث تتراجع الطرق عن دورها كشرايين رئيسة للنقل.
إن كانت كثافة النقل البري والحضري سبباً في نزيف الموارد كما أوضحنا فإن الطرق – خاصة البرية منها – أصبحت شرايين نازفة لدماء حقيقية بدلاً عما ينتظر منها في إيصال أسباب الحياة والرفاه الإنساني.
لقد ظل قسم الإحصاء بالإدارة العامة للمرور يرصد حوادث المرور طوال السنوات الماضية وقد تحصلنا على إحصاءآت لأعداد الضحايا للفترة ما بين عامي 2000-2009 فكانت الحصيلة المفجعة كالآتي:
- حالات الوفاة 14,230 حالة
- حالات الأذى الجسيم 44,793 حالة
- حالات الأذى البسيط 81,178 حالة
- حالات التلف المادي 234,223 حالة.
لم نتحصل على إحصاءات الست سنوات الماضية ولكن كثرة الحوادث التي تطالعنا بها الصحف تجعلنا نرجح أن المحرقة مستمرة وأن أعداد الضحايا في تزايد مضطرد ولا حول ولا قوة إلا بالله.
أن عودة القطار تشكل وسيلة ناجعة في خفض حوادث النقل وهذا ما أكدته تجارب وإحصاءآت الدول التي تستخدم الوسيلتين بكثافة. ذكر ذلك المهندس عمر محمد نور المدير الأسبق لهيئة سكك حديد السودان في الورقة التي شارك بها في مؤتمر النقل العربي الأول الذي نظم بالقاهرة في 8-11/10/2000 إذ يقول " أن تحليل إحصاءآت الحوادث في فرنسا خلال فترة طويلة أظهر بأن أمان النقل بالسكة الحديد والجو والطريق يقع ضمن نسب وفيات قدرها 1: 10: 100 على التوالي مما يعني أن كل حالة وفاة واحدة بالسكة الحديد تعادلها مائة حالة بالطريق.
أن خلاصة ما نرمي إليه من إبراز ما تقدم من حقائق هو أن الإقتصاد السوداني لن يتعافي أبداً – نكرر أبداً- ما لم تعد السكة الحديد بكامل قواها لتتصدر وسائل النقل في السودان، أما فيما يختص بالبعد الإنساني فإن السكة الحديد هي الوسيلة القادرة على إحتواء ظاهرة حوادث الطرق القاتلة. أننا نتفاءل كثيراً بتشغيل القطارات الجديدة بين الخرطوم وعطبرة وقد تراجعت بالفعل الحوادث في طريق التحدي إعتباراً من يناير 2014 وبعد أن بدأ القطار رحلاته بالفعل.
دون سكة حديد فاعلة سيظل إقتصادنا يتخبط ويترنح مسدلاً ستاراً كثيفاً على أشواقنا في نهضة زراعية وصناعية وفي محاربة الفقر وإقامة مجتمع الكفاية والرفاهية. أننا مدعوون بقوة لأن نحذو حذو الدول التي عاد فيها القطار ليشكل أحد ركائز نموها الإقتصادي.
في الصفحات التالية نتناول العوامل والأسباب التي قادت إلى الصحوة السككية وإلى الإبداعات التي تحققت في عالم النقل السككي علها تكون حافزاً لنا لنعيد الأمور إلى نصابها مع ما يتوافق وعصر العولمة وبدايات الألفية.
لماذا عادت السكة الحديد؟
قادتني إهتماماتي بقضايا السكة الحديد إلى الإطلاع على معظم أعداد مجلة غازيته السكة الحديد العالمية Railway Gazette International التي صدرت منذ عام 2001. للتعريف بهذه المجلة نذكر أنها ظلت تصدر شهرياً وبانتظام في لندن منذ عام 1835 متزامنة مع بداية عصر القطار! بهذه العراقة تصبح هذه المجلة أهم راصد للتطورات التي حدثت في عالم السكة الحديد على نطاق العالم.
يستطيع المهتمون بعالم السكة الحديد بما فيه من أخبار ومستجدات وبحوث ان يرجعوا إلى هذه الدورية عبر موقعها بالشبكة وهو: www.railwaygazette.com أطلعت أيضاً على دراسات وأوراق قدمت في منتديات ومؤتمرات وورش عمل تم تنظيم بعضها في السودان ومعظمها خارج السودان.
من تلك المصادر وغيرها أستوقفتني بعض الحقائق والإشارات التي أري في تقديمها ما يمهد لما هو آت من طرح جديد.
شهدت الأربعة عقود الماضية عودة مظفرة للقطار في معظم دول العالم وتعزى هذه العودة إلى عدة عوامل لعل أهمها هي:
1- تفجرت أزمة الطاقة الأولى مع إندلاع حرب أكتوبر 1973 حينما حظرت الدول العربية تصدير النفط. تسبب ذلك الحظر في ما يشبه الشلل في الاقتصاد والحياة العامة في الدول الصناعية.
قبل أن يفيق العالم من آثار الصدمة الأولى تعرض لصدمة ثانية أشد عنفاَ في عام 1979 بسبب الحرب العراقية – الإيرانية التي أستمرت لثماني سنوات.
كانت تلك بدايات تصاعد أسعار البترول وقد أستمر التصاعد وأن أستقرت أو تراجعت الأسعار أحياناً لأسباب ظرفية كالأزمات الإقتصادية العابرة. لقد وعت الدول الغربية الدرس وآلت على نفسها أن تقلّص الاعتماد على بترول الشرق الأوسط بسبب توتراته المزمنة وأن ترشّد الإستهلاك وتبحث في ذات الوقت عن البدائل من حيث المصدر والتقانات. كانت العودة إلى القطار من بين أهم وسائل الترشيد.
2- التحذير الذي أطلقه نادي روما منذ عام 1972 حول حتمية نضوب أو ندرة الموارد بسبب النمط الإستهلاكي الشره في الدول الصناعية. ذهبت في ذات الإتجاه مراكز البحوث الإستراتيجية وأتفقت معظمها على ان البترول يأتي على رأس الموارد المهددة بالنضوب. لتأكيد هذا الفهم وضعت وكالة الطاقة الدولية سيناريوهات الندرة كما إتجهت بعض مراكز البحوث إلى وضع جدول زمني لنهاية عصر البترول. بتأثير هذا الهاجس وبفعل قانون العرض والطلب فإن الندرة تعني بالضرورة تصاعد الأسعار إلى سقوف قياسية. كانت تلك ضارة نافعة إذ ظهر في الدول الصناعية ذات الإمكانات العلمية سباق محموم لتحقيق أقصى قدر من الترشيد في شتى أنماط الإستهلاك ولابتكار البدائل من الطاقة المتجددة كالشمسية وغيرها. وجدت وسائل النقل إهتماماً خاصاً في البحث العلمي وكانت النتيجة ظهور جيل جديد من السيارات والقطارات والطائرات قليل الاستهلاك للوقود.
3- حالما أفاق العالم من صدمتي الطاقة وجد نفسه أمام نذر لمخاطر جسيمة تواجه الإنسانية وهي المخاطر الناجمة عن الإحتباس الحراري. نتجت هذه الظاهرة عن الإستهلاك المفرط للوقود الإحفوري Fossil Fuels ممثلاً في مشتقات البترول والفحم الحجري. كما هو معروف كانت أبرز تداعيات الاحتباس الحراري هي ظهور ثغرة الأوزون وأرتفاع درجات حرارة الأرض التي بدورها كانت السبب الرئيس لظاهرة تغيير المناخ. من بين السياسات التي تم الاتفاق عليها كانت العودة إلى القطار باعتبار أن الرحلة الواحدة بالقطار تغني عن مئات السيارات الخاصة.
4- من جهة أخرى أكدت الإحصاءآت أن الزيادة المضطردة في عدد السيارات بكل أنماطها وأحجامها لا تعني زيادة إستهلاك الوقود وتتسبب في الاحتباس الحراري فحسب وأنما أصبحت القاتل الاول للإنسان وسبب رئيس للإعاقة وتضخم تكلفة العلاج.
لهذه الأسباب وغيرها وضعت الحكومات سياسات وأصدرت موجهات عامة ترمى إلى العودة إلى القطار بعد أن غاب عن المسرح إلى حين وكان من أبرز الموجهات:
أ) الترويج للسفر بين المدن وعبر الحدود بالقطار بدلاً عن السيارة الخاصة. كان من بين أدوات الترويج تقديم عروض خاصة في مواسم العطلات إستفادت منها الأسر وكبار السن وأخرى لرجال الاعمال الذين يتحركون بين المدن بإنتظام.
ب) التوسع في إستخدام قطارات الأنفاق والترام في المدن كثيفة السكان وذلك لأثناء الأفراد عن استخدام سياراتهم الخاصة.
ج) تمدد خطوط قطارات الضواحي في كل الإتجاهات حتى لا يستخدم سكان الضواحي سياراتهم الخاصة.
د) تطوير القطارات السريعة وتقديم خدمات ممتازة بدرجة خمسة نجوم!
القطار: أجيال جديدة !:
على خطى قطار التوكايدوشينكاسن Tokaido Shinkasin أو مايسمى بالقطار السهمي Bullet Train الذي أبتكرته اليابان وأذهلت به العالم عندما التقى في رحابها لدوره الألعاب الاولمبية لسنة 1964. سارت دول غرب اوروبا في ذات الأتجاه وان كانت متأخرة بعقدين!.
في سبعينات القرن الماضي أحتفت فرنسا بتدشين قطارها فائق السرعة وهو ال .T.G.V الذي بلغت سرعته 350كيلومتر/ الساعة. توالت الإبداعات في سرعة القطار وكان قطار التالقو Talgo في أسبانيا وقطار ال I.C.E. في ألمانيا أما إيطاليا فابتكرت القطار المائل Tilting Train الذي يجمع بين السرعة والقدرة على الإنحناءة عند المنعطفات ولذلك أطلق عليه أيضاً اسم الباندالينو El Pandalino اي القطار – البندُول!.
عادت ألمانيا إلى سباق السرعة وقدمت هذه المره إعجازاً علمياً أذهل العالم. تمثل ذلك الإعجاز في قطار الماقليفMaglev Train والمصطلح اختصار ل Magnetic – Levitation Train وهو قطار لا يسير على قضبان وإنما يسبح في الهواء باستخدام قوة كهرومغنطيسية هائلة!.
بهذه الخاصية سجل قطار الماقليف أقصى سرعة في تاريخ القطارات وهي 581كيلومتر/ ساعة وهي سرعة تفوق كثيراً سرعة الطائرات الصغيرة والمروحيات!.
أما من حيث حمولة القطار فقد أوردت مجلة غازيتة السكة الحديد في عددها الصادر في ديسمبر 2003 خبراً يشكل منعطفاً جديداً في إقتصاد النقل.
يقول الخبر أن شركتي E.F.V.M. – EFC. البرازيليتين رفعتا عدد العربات المستخدمة في نقل خام الحديد وفول الصويا من 320 عربة إلى 336 عربة وهو ما يجعل طول القطار يفوق أثنين كيلومتر! بهذه الزيادة في عدد العربات ارتفع الطن المنقول من 33,200 طن إلى 35,000 طن. تشترك في جر العربات عدة قاطرات وتُعادل هذه الحمولة حمولة سبعمائة شاحنة حمولة 50 طن!!.
إن أختارت البرازيل زيادة حمولة القطار أفقياً فقد فضلت المملكة العربية السعودية مضاعفة الحمولة رأسياً. لتوضيح ذلك نشير إلى الخبر الذي نشرته مجلة غازيته السكة الحديد في عددها عن شهر يناير 2008 الذي يفيد بان السعودية دشنت الخط الحديدي الجديد الدمام – الرياض (400كيلومتر). ينفرد هذا الخط باستخدام عربات السطح ذات الحمولة الرأسية المزدوجة وهي ال Double Stack train مما يعني تحميل عربة السطح بحاويتين. تتطلب الحمولة بهذا الوزن المزدوج استخدام قضبان فولازية ذات صلابة عالية ووزن ثقيل ترقد على فلنكات خرصانية صنعتها خصيصاً لهذا الغرض شركة ريل – ون Rail one الألمانية.
أستوجبت عودة القطار عامل آخر وهو توجه العالم نحو عصر العولمة الذي يمثل النقل والاتصالات أهم ركائزه. بهذا الفهم أنجزت على أرض الواقع مشاريع نقل سككي عملاقة Megaprojects وكان من أبرزها:
أ) قطار الأكسبريس للحاويات بكين – هامبورج Beijing – Hamburg .Containers Express في شهر يناير 2008 نظم احتفال في ميناء هامبورج بوصول القطار أعلاه محملاً بحاويات حاملة لسلع الكترونية ومواد كيماوية مصدره من الصين إلى ألمانيا. تمثل هذه الرحلة البداية لقيام محور تجاري بين العملاقين الاقتصاديين في شرق آسيا وغرب أوروبا.
يعتبر هذا الخط بديلاً للخط الملاحي الذي ينطلق من الموانئ الصينية ليدور حول قارتي آسيا وأوروبا قبل أن يصل إلى هامبورج المطلة على بحر الشمال. ليصل قطار الأكسبريس للحاويات إلى هامبورج عليه أن يعبر الصين من أقصى شرقها إلى أقصى غربها ثم منغوليا، والاتحاد الروسي، روسيا البيضاء، بولندا ومعظم الأراضي الألمانية!.
أختصر القطار الرحلة البحرية في خمسة عشر يوماً، أي إلى أقل من النصف وفي ذلك كسب في الزمن كما يقضي أقتصاد العولمة.
ب) اقتضت ضرورات أزمة الطاقة وإقتصاد العولمة تقليص إستهلاك الوقود والأعتماد على الكهرباء التي تنتجها اوروبا من السدود والمفاعلات النووية أقتضت إحداث تحول نوعي في حركة النقل بين شمال اوروبا وجنوبها المطل على البحر الأبيض المتوسط.
حققت اوروبا هذه الأهداف الثلاثة بإنشاء محاور للخطوط الحديدية السريعة لنقل البضائع وهي Rail Freight Free Ways. تعود جذور هذا المشروغ إلى دراسة سبق أن نشرتها في ديسمبر 1972 مجلة السكة الحديد الدوليةRail International التي تصدرها رابطة المؤتمر الدولي للسكة الحديد ومقرها العاصمة البلجيكية بروكسل International Railways Congress Association .
أعد الدراسة الباحث البريطاني رودني ليتش Rodney Leach من باب علم المستقبليات Futurology حينذاك وقد طبقت على صعيد الواقع العملي بعد أكثر من عقدين من تاريخ نشرها!.
لقد توافقت أروبا على ان تبدأ بإنشاء خطين حديديين لإختصار الرحلات البحرية التي تدور حول شبه جزيرة أيبريا – أسبانيا والبرتقال- لتصل إلى حوض البحر الأبيض المتوسط ومنه إلى دول الخليج العربي ووسط وشرق آسيا.
تم بالفعل إنشاء خطين هما خط هامبورج – ميناء برنديسي Brindisi الواقع في أقصى الجنوب الشرقي لشبه الجزيرة الإيطالية، أما الخط الثاني فيبدأ من ميناء روتردام ويعبر هو الآخر أروبا ثم يتواصل عبر الساحل الغربي لإيطاليا لتنتهي رحلته عند ميناء خيوياتورو Gioia Turo في أقصى الجنوب الغربي لإيطاليا وقد تم إعداد المينائين لهذا الغرض.
شملت السياسات الرامية إلى تقليص إستهلاك الوقود التحول من قاطرة الديزل إلى القاطرة الكهربائية أينما كان ذلك ممكناُ وتلك من ميزات القطار فهو الوحيد بين وسائل النقل التي تستطيع التزود بالطاقة الكهربائية من كهرباء الشبكات أثناء الرحلات الطويلة.
أن هذا التحول يحمل مغزي بعيد بالنسبة للامن الاقتصادي لتلك الدول فالنقل هو عصب الاقتصاد الحديث ولا بد من تحصينه من الصدمات المفاجأة كما حدث في عام 1973. كانت أروبا مطمئنة للسير في إتجاه كهربة خطوط السكة الحديد إذا كانت مكتفية - كمجموعة دول مترابطة في الشبكات الكهربائية- بنسبة عالية من الكهرباء من مصدرين محليين وهما آلاف السدود الكهرومائية والعشرات من المفاعلات النووية المنتجة للكهرباء. بالاعتماد على هذين المصدرين تتحرر اوروبا من البترول المستورد بأسعار متصاعدة ومن الاعتماد على البترول المستخرج من أقاليم لا تخلو من التوتر!
في واقع الأمر لم تكن كهربة القطارات وسيلة لتأمين حاجة القطارات من الطاقة المحلية الرخيصة والآمنة فحسب، وإنما هي أيضاً تقانة تأكدت جدواها في ترشيد إستهلاك الطاقة! لتوضيح ذلك نشير إلى الورقة العلمية الضافية التي نشرها الخبير الدانماركي كلاوس تيربنسن Claus Turbensen حول هذا الموضوع بمجلة غازيته السكة الحديد العالمية في عددها الصادر بتاريخ يناير 2008 ويمكن لمن يرغب الرجوع إليها في الشبكة.
يؤكد الخبير تيربنسن أن قطار الديزل يحول ثلث الوقود فقط إلى طاقة حركية Kinetic energy أما القاطرة الكهربائية فتحول 90% من الطاقة التي تصلها من الشبكة إلى طاقة حركّية فعليّه، أي بكفاءة في استهلاك الطاقة تصل إلى ثلاثة أضعاف! لاستيضاح حقيقة هذا التباين في استهلاك الطاقة أستعنا بدراسة سبق للبنك الدولي أن نشرها في عام 1984 وأزمة الطاقة العالمية في ذروتها. اعدت تلك الدراسة مجموعة من خبراء البنك الدولي في السكة الحديد والنقل بصفة عامة. نُشرت الدراسة في ذات العام تحت عنوان " السكك الحديدية والطاقة" وقد صدرت بالإنجليزية بعنوان Railways and Energy .
أوضحت الدراسة ان قاطرة الديزل هي في حقيقة الأمر قاطرة كهربائية إلا أنها تستمد الكهرباء من مولد ذا قدره عالية ملحق بها. بداهة يحتاج المولد لصهريج ولكمية من الوقود وفقاً لمسافة الرحلة وبحيث لا يحتاج القطار للتوقف للتزود بالوقود حتى لا تطول ساعات الرحلة.
أوضحت الدراسة أن المولد والوقود المحمولين يشكلان عبئاً ثقيلاً على القاطرة مما يجعلها تستهلك جزءاً كبيراً من الطاقة المولدة في حركتها الذاتية.
لهذا تتراجع طاقة قاطرة الديزل في الجر .. تتراجع طاقة الجر لسبب آخر وهو ان للمولّد – بسبب وزنه الثقيل- سقف في التوليد الكهربائي لا يتجاوز – عند إعداد الدراسة - ال2500كيلو واط.
في مقابل ذلك نجد ان القاطرة الكهربائية أخف وزناً – وأسهل تقانة – وأكثر مقدرة على الجر لاعتمادها على كهرباء الشبكة أو ال Overhead Conductors التي يمكن أن تمدها بقدر غير محدود من الطاقة الكهربائية قد تصل إلى 5000 كيلو واط (خمسة ألف). لهذا ولولا هذا المصدر غير المحدود لما كانت القطارات فائقة السرعة (2500 إلى 350 كيلومتر الساعة) التي سبق الحديث عنها. نظراُ لان هاجسنا الأكبر في السودان هو الطاقة فلعله من المناسب ان نورد بعض النجاحات التي تحققت في ترشيد إستهلاك الطاقة من خلال التحول من استخدام الشاحنات إلى القطار.
نظم الاتحاد الدولي للسكة الحديد (U.I.C) سيمنار بالعاصمة الهندية نيودلهي في الفترة ما بين 9 و 11 ديسمبر 1998 حول " قضايا البيئة والطاقة في السياسات القطرية في قطاع النقل"
من بين الاوراق التي قدمت في السيمنار كانت ورقة الخبير الاسترالي في الشأن السككي ديفيد هيلDavid HiLL وقد قدم الورقة كممثل لرابطة شركات السكك الحديدية الاسترالية. كانت الورقة بعنوان "إطلاق الميزات البيئية للسكة الحديد" وهي بالإنجليزية Unleashing Rails Environmental Advantages .
من بين الحقائق التي تستوقف القارئ حقيقتان وهما:
أكدت الدراسات المقارنة Comparative Studies في إستراليا أن تسيير قطار واحد بحموله ثلاث ألف طن بين مدينتي سيدني وملبورن (1000كيلومتر) يغني عن تشغيل مائة وخمسين شاحنة ويوفر 45000 لتر من الوقود (خمسة وأربعين ألف) تتسبب في إنبعاث 120 طن من الغازات.
يقدر نصيب السكة الحديد من الطن المنقول في استراليا ب 50% وتستهلك السكة الحديد لنقل تلك الكمية 15% فقط من الوقود المستهلك في قطاع النقل.
الحراك السككي في الدول النامية:
انتظم كثير من الدول النامية حراك نشط يهدف إلى الإرتقاء بخدمات السكة الحديد. نشير أدناه إلى بعض النماذج التي وردت بمجلة غازيته: السكة الحديد ومجلة سكك حديد أفريقيا Railways Africa التي تصدر في جمهورية جنوب أفريقيا.
وقعت دول شرق أفريقيا الثلاث- أوغنده وكينيا وتنزانيا- عقد مع كونسوتيوم من بيوت الخبرة الأوربية لوضع خريطة موجهة لسكك حديد شرق أفريقيا وهي:
East Africa Railways Development Master Plan
أن أهم أهداف الخطة هي تجديد الشبكة القائمة وإنشاء خمسة عشرة خطاً جديداً. من بين تلك الخطوط خطوطاً لربط دولة جنوب السودان تارة باوغنده وتارة بكينيا التي اعادت تأهيل ميناء لامو Lamu المطل على المحيط الهندي ليقدم خدماته لدولة جنوب السودان في تجارتها الخارجية.
وقعت نيجيريا عقداً مع الشركة الصينية للهندسة المدنية لإنشاء خط حديدي مزدوج بطول 1315 كيلومتر ليربط بين مدينتي لاغوس الساحلية وكانو في أقصى الشمال. يخطط للخط الحديدي ان يتفرع إلى مدن أخرى من بينها أبوجا العاصمة الفيدرالية الجديدة.
وقعت المملكة العربية السعودية عقداً لإنشاء خط حديدي بطول 945 كيلومتر بين الرياض وجدة وبحيث يكون بمواصفات تسمح بالحمولة الرأسية المزدوجة Double - Stack
عند إكتمال هذا الخط سيتكامل مع خط الدمام - الرياض الجديد بذلك يتحقق الحلم القديم بقيام الخط الحديدي العابر لشبه الجزيرة العربية Trans-Arabian Railways وطوله 1345 كيلومتر ليربط ما بين جدة والدمام ويقدم خدماته لدولتي البحرين والكويت. لا ننسي هنا أن نذكر بان إنتاج السعودية اليومي من البترول يفوق العشرة مليون برميل كما أنها تمتلك واحدة من أميز شبكات الطرق البرية في العالم!
تعاقدت الجزائر مع بيت خبرة أستشارية ألماني لأعداد دراسة جدوى حول تحديث وكهربة نصف شبكتها من السكك الحديدية التي يبلغ طولها 3974 كيلومتر.
تسعى ليبيا لإنشاء خطين حديديين أحدهما لربط الواحات الجنوبية بالساحل والآخر يمتد عبر الساحل الليبي ليصل ما بين السكة الحديد التونسية والخطوط المصرية. أن أهمية هذا الخط بالنسبة لليبيا هي التواصل مع الخطوط المغاربية والشرق أوسطية!
نشرت هذه الأخبار في غازيته السكة الحديد العالمية بمناسبة تقديم عروض من الاتحاد الروسي وأوكرانيا لتنفيذ هذين المشروعين.
أوردت مجلة غازيته السكة الحديد في عددها عن شهر نوفمبر 2007 خبراً مفاده ان الحكومة المغربية وقعت عقداً مع الشركة الفرنسية للسكك الحديدية (S.N.C.F) لإنشاء خط واجهة الأطلنطي السريع The Atlantic Front Rapid Train .(320 كيلومتر/ الساعة) مما يعني استخدام القطار الفرنسي فائق السرعة (T.G.V). يبدأ الخط السريع من مدينة طنجة في أقصى الشمال ويمر بالرباط فالدار البيضاء لتنتهي رحلته عند مدينة أغادير السياحية في أقصى الجنوب.
لقد أكتمل بالفعل الجزء الأول من هذا الخط وهو القطاع طنجة – الدار البيضاء كما أوردت الخبر بالصورة الفضائيات مؤخراً.
أخيراً لاحظت من خلال إطلاعي على الدوريات المعنية بالسكة الحديد ان هناك تحولات ينبغي علينا أن نتوقف عندها ونتأمل في مغزاها والتحولات هي:
أ) يستخدم العالم (13) قياساً للسكة الحديد "Gauges" تتراوح ما بين 1676 ملمتر كما هو الحال في الهند وتشيلي و 600 و 610 ملمتر كما هو الحال في الهند وفنزويلا والسودان أبان سنوات تشغيل سكك حديد الجزيرة.
من بين الثلاثة عشر قياس يحظى القياس 1435 ملم بكثرة الدول التي تستخدمه وهناك إتجاه عالمي لاستخدامه ولذلك سمي بالقياس العالمي,
ب) أن هناك عدد كبير من الدول تستخدم عدة قياسات كما هو الحال في الهند وإستراليا وأن كثير من الدول دون السودان مساحة بكثير تتعدد فيها القياسات.
ج) هناك إتجاه قوي نحو خصخصة السكة الحديد أما خصخصة مباشرة أو بأحد صيغات نظام البوت (Bot) Built– Operate – Transferومنها صيغة M.O.T أيModernise – Operate – Transfer أو صيغة ال R.O.T وهي: Rehabilitate – Operate –Transfer من بين صيغات أخرى وجميعها تعني مشاركة القطاع الخاص لسنوات يستعيد فيها رأس ماله ويحقق أرباح ثم يعيد الملكية للدولة.
د) هناك إتجاه قوي في دول مثل الولايات النتحدة والصين وكوريا الجنوبية لتوطين التقانات الأوربية في القطارات فائقة السرعة ويتصدر تلك القطارات القطار الفرنسي المعروف بال T.G.V..
سكك حديد السودان: النشأة:
كانت النشأة الأولى لسكك حديد السودان في سنوات الحكم التركي إذ امتد خط حديدي من وادي حلفا في مراحل متقطعة إلى كرمة التي وصلها عام 1897 وقد بلغ طول ذلك الخط 327 كيلومتر. كان من المفترض أن يتواصل هذا الخط محازياً الضفة الشرقية لنهر النيل ليعبره عند مدينة كورتي. أقتضت مشكلة التمويل والخطة العسكرية الرامية إلى التعجيل بإعادة فتح السودان أن يصرف النظر عن الخط الذي تم إنشاؤه والتوجه مباشرة من وادي حلفا إلى أبوحمد عبر الصحراء النوبية. لهذا وإنطلاقاً من وادي حلفا توالت إمتدادات السكة الحديد اعتباراً من بداية عام 1897 على النحو التالي:
القطاعات المسافة بالكلم السنة
وادي حلفا – الحلفايا 927 1897-1899
عطبرة – بورتسودان 474 1905-1906
نمرة 10 – كريمة 222 1905-1906
الخرطوم – الأبيض 688 1909-1911
سنار – هيا 802 1928-1929
الرهد – أبوزيد 170 1956
أبوزبد – بابنوسة 193 1957
بابنوسة – الضعين 185 1958
الضعين – نيالا 150 1959
بابنوسة – واو 447 1962
سنار – الدمازين 227 1958
خشم القربة – حلفا الجديدة 7 1962
شارف – الأبار 10 1995
المجلد – أبو جابرة 52 1996
الأبيض – المصفاة 10 1996
فرعي مصفاة الجيلي 12 2000
ألبان – سد مروي 16 2002
المجموع 4592
عند قراءة هذه المراحل تستوقفنا بعض الحقائق والملاحظات وهي:
أ) أن الجيش الغازي بقيادة كتشنر أستطاع أنشاء 927 كيلومتر من وادي حلفا إلى الحلفايا ثلثها عبر صحراء النوبة القاحلة كما شيد كبري عطبرة في ثلاث سنوات فقط رغماً عن بدائية المعينات وبؤس حياة العمال والعسكر الذين شيدوا الخط.
ب) أن المستعمر استطاع ما بين 1905 و 1929 مد الخطوط الحديدية بطول 2112 كيلومتر.
ج) إستطاع الحكم الوطني ما بين 1956 و 1962- أي في ستة سنوات - أن يضيف للشبكة 1372 كيلومتر. بقى أن نعلم أن صادرات السودان في تلك السنوات كانت تتراوح ما بين 70 و 90 مليون جنيه.
د) أن الإضافات التي تمت في نصف القرن الماضي – أي منذ عام 1962 تبلغ مائة كيلومتر فقط وحتى هذه فرضتها عمليات إستخراج البترول وبناء سد مروي!
ه) كان من الأسهل للجيش الغازي أن يمد الخطوط المصرية من أسوان إلى وادي حلفا ولكنه أختار عن قصد أن تختلف الخطوط!!
الآن وبعد التعثر الذي واجهته التنمية في السودان ، نستطيع القول أن قوة الدفع التي سعى بها الحكم الوطني إلى التوسع في شبكة السكة الحديد وأن قدر لها أن تستمر لامتدت خطوط السكة الحديد في عدة اتجاهات ومحاور لعل من بينها:
إمتداد الخط الحديدي من نيالا إلى الجنينة عبر زالنجي.
من نيالاً شمالاً إلى الفاشر وشرق جبل مرة.
مد الخط الحديدي من واو إلى جوبا.
خط من الرهد أو السميح إلى تلودي بحبال النوبة.
إمتداداً للخط من الروصيرص إلى الكرمك.
أما وسط السودان النيلي فما أحوجه إلى خط موازي للنيل ما بين ملكال ووادي حلفا علماً بإن الإحصاءآت آنذاك تشير إلى أن 70% من سكان السودان كانوا يعيشون على ضفاف النيل او على بعد لا يتجاوز الخمسين كيلومتر.
الوضع الراهن في هيئة السكك الحديد:
هناك خطوط متوقفه تماماً أو شبه متوقفه منذ عدة سنوات والخطوط هي:
- سنار – هيا 802 كيلومتر.
- سنار الدمازين 227
- بابنوسة – واو 447
- نمرة 10 – كريمة 222
- المجموع 1698 أي ما يعادل 37% من الشبكة.
تعد مجلة غازيتة السكة الحديد العالمية (R.G.I) مسحاً دورياً عن متوسط سرعة القطارات لدى الهيئات العامة والشركات على نطاق العالم. في عددها الصادر في نوفمبر 2005 أوردت المجلة متوسط السرعة تنازلياً لمائة وتسعة وسبعين هيئة عامة وشركة (179) فكان موقع السودان هو ال (170) وذلك بمتوسط سرعة يبلغ 27 كيلومتر/ الساعة.
عن شبكة الخطوط يقول المهندس مكاوي محمد عوض وزير النقل في مقابلة صحفية نشرتها صحيفة الصحافة بتاريخ 3 نوفمبر 2013 يقول:
" هناك أسباب عديدة لتراجع خدمات السكة الحديد، أن اهم تلك الأسباب هي ضعف وهشاشة البنية التحتية التي خلفها الاستعمار الإنجليزي من قضبان وفلنكات خشبية قديمة لم يتم تحديثها منذ زمن، أن هذه القضبان والفلنكات لا تساعد في استجلاب قطارات ذات سرعة عالية.
أن تجديد الشبكة والأسطول السككي ليس بالأمر السهل فالتكلفة تفوق إمكانات الهيئة والحكومة الاتحادية مجتمعتين!
أن رأت الحكومة التدرج في إنشاء الخطوط وتجديد الأسطول الناقل فعلينا الإنتظار لثلاثين عام على الأقل مما يعني استدامة التهميش للأقاليم الطرفية كما يعني إستمرار نزيف الموارد كما رأينا.
سبق لهيئة سكك حديد السودان أن أعدت دراسة قيمة بعنوان " حقائق وأرقام عن هيئة سكك حديد السودان" أعدت الدراسة الإدارة العامة للتخطيط والنظم بالهيئة بمناسبة انعقاد ورشة عمل هيئة السكة الحديد في 15 ديسمبر 1998 التي سبقت الإشارة إليها".
تضمنت الدراسة جداول تفصيلية عن تاريخ دخول الخدمة لقاطرات الديزل وعربات البضاعة من بين جداول أخرى. عند دراسة تلك الجداول يتضح لنا أن أسطول الهيئة كان يتكون من 135 قاطرة في عام 1998. من هذا العدد تم استيراد 22 قاطرة في الأعوام 90/91/1995. أما بقية الأسطول – اي 113 قاطرة – فيعود تاريخ شرائها إلى الفترة ما بين 1963 و 1985 لهذا نجد أعمار 83,7% من القاطرات تتراوح ما بين 30 و 52 عاماً.
أما عربات البضاعة المقفولة فقد بلغ عددها في ذات التاريخ 2784 عربة باستثناء 250 عربة تتراوح أعمار بقية العربات اليوم ما بين 37 و 61 عاماً. لعل القارئ الكريم يتفق معنا أن معظم القاطرات والعربات وهي بهذه الأعمار قد تخطت أعمارها الافتراضية وإذا ما أضفنا لهذا العامل ضعف الصيانة فإننا نستطيع القول بأنها في حكم الخردة أي ال Scrap.
رغماً عن شح الموارد وقصر المدة أستطاع المهندس مكاوي تحقيق عدة إنجازات لعل أهمها:
إعادة تأهيل الخط الخرطوم – عطبرة ووصول قطارين للركاب وقد بدأ تشغيلهما بالفعل.
شراء 6 قاطرات وإعادة تأهيل ثمانية قاطرات من الأسطول القديم.
نجح عمال الهيئة في تجديد عدد كبير من عربات الركاب والبضاعة.
الحصول على قرض من الهند بمبلغ 150 مليون دولار لتأهيل الخط الخرطوم – ود مدني.
التوقيع على مذكرة تفاهم مع شركة صينية لتأهيل الخط سنار – القضارف – هيا.
تعيين مائتين من المهندسين الشباب للإنخراط في عمل الهيئة.
الجزء الثاني
سكك حديد النيل:
سبق أن أوضحنا أن آخر إمتدادات شبكة السكة الحديد كان خط بابنوسة – واو (447كلم) الذي اكتمل في عام 1962 في عهد الرئيس الراحل إبراهيم عبود أي قبل ثلاثة خمسين عاماً! اوضحنا أيضاً انه أن تواصلت بذات الحماس خطة التوسع في الشبكة لأمتدت الخطوط إلى أقاليم أخرى هي في أمس الحاجة لخدمات السكة الحديد, أخترنا لهذه الدراسة من بين تلك الأقاليم الشريط النيلي الذي يمتد من وادي حلفا إلى ملكال وذلك لأسباب ستتضح في سياق هذه الدراسة. نقترح لهذا الخط أن يكون بالقياس العالمي 1435 ملم وذلك لتفوقه على القياس الضيق المستخدم في السودان - وهو 1067ملم - من عدة أوجه لعل أهمها: السلامة، الحمولة، والسرعة. يعزز هذه الأسباب مطابقته للخطوط المصرية لذاتها ولكونها تمثل مدخلاً للخطوط الشرق أوسطية والخطوط المغاربية، تتعزز الأسباب أيضاً بعالمية القياس وهو الامر الذي يعني التصنيع الواسع والكبير للقطارات والعربات وقطع الغيار، ومن ثمّ اعتدال الأسعار كما هو معروف.
أن قيام هذا الخط يفرض أن يكون له منفذاً إلى الموانئ السودانية على البحر الأحمر لهذا نقترح أن يمتد ذراع من خط النيل عند منطقة الشريك لمسافة 450 كلم حتى ميناء بورتسودان مستخدماً المعبر الجبلي المتاح شمال مدينة سنكات إن سمحت التضاريس بذلك وأن تطلب الأمر معالجات هندسية.
من جهة أخرى ترى الدراسة أن يتم تنفيذ مشروع سكك حديد النيل على ثلاث مراحل وفي فترة زمنية أقصاهل أثنتي عشر عاماً أما المراحل فهي:
المرحلة الأولى: بورتسودان - الشريك – أم درمان. وطولها 900كلم تتوسطها منطقة الشريك.
المرحلة الثانية : أم درمان – الدويم – كوستي – غرب ملكال وطولها 820 كلم.
المرحلة الثالثة: الشريك – مروي – شرق الخندق شرق دنقلا ووادي حلفا وطولها 800كلم.
أن ترتيب مراحل التنفيذ على هذا النحو لم يأت اعتباطاً وإنما لسبب موضوعي وهو ان للمرحلة الأولى حظ وافر من النجاح وتحقيق أرباح في زمن قياسي مما يوفر التمويل الذاتي للمرحلة الثانية. يتحقق النجاح لهذه المرحلة من هيمنة الخط بورتسودان - الشريك – أم درمان على معظم حركة نقل البضائع والمسافرين بين العاصمة القومية وبورتسودان.
كما يعلم الجميع أن العاصمة القومية تهيمن على النشاط الاقتصادي في البلاد كان ذلك في القطاع التجاري أو الصناعي. لهذا تستقبل العاصمة سنوياً الملايين من الأطنان من السلع الاستهلاكية والإنتاجية كما تستقبل الخامات الصناعية.
من جهة أخرى تنشط حركة المسافرين بين العاصمة القومية وبين ولايات نهر النيل، البحر الأحمر والشمالية في رحلات يخيم عليها هاجس الحوادث والموت المتربص. لهذا نستبشر خيراً بوصول قطارين جديدين للركاب.
أن تراجع تكلفة الترحيل للبضائع والمسافرين بنسبة تتراوح ما بين 40 إلى 60% - كما نتوقع - يشكل عامل جذب قوي كما أن عامل السلامة بالنسبة للمسافرين يشكل عامل جذب أقوي.
أننا على اقتناع تام – ونأمل أن يتفق معنا القارئ الكريم – أن تشغيل هذا الخط سيوفر وسادة مالية ماهلة من الإيرادات من شأنها أن تمهد الطريق للإنتقال إلى المرحلة الثانية وغايتها ملكال! هناك أسئلة لا بد وان تتبادر إلى ذهن القارئ وهي: لماذا الشريك؟ ولماذا غرب النيل للمسار الجنوبي للخط الحديدي؟ وأخيراً لماذا شرق النيل للخط للمسار الشمالي للخط الحديدي؟
نجيب على تلك الأسئلة أدناه:
لماذا الشريك؟
يعتبر موقع الشريك من بين أقرب المواقع النيلية من بورتسودان وبهذه الصفة يصبح بالنسبة لسكك حديد النيل الموقع الأمثل لتقاطع المحور الرئيسي وادي حلفا – ملكال مع الذراع الممتد إلى بورتسودان.
بعد حفر قناة المسيكتاب لتجنب شلال السبلوقة– راجع دراستنا حول الموضوع- وقيام سد الشريك – الذي صدر التوجيه الرئاسي بإنشائه بعد توفر التمويل من القرض السعودي– ستصبح منطقة الشريك أقصى موقع ملاحي شمالاً لمحور جوبا – الشريك الملاحي كما هي في ذات الوقت الأقرب من بورتسودان.
عند اكتمال إنشاء سد الشريك ستتوفر الطاقة الكهرومائية الرخيصة التي ستسهم بلا شك في نهضة منطقة الشريك.
عند قيام سد الشريك ومع بداية التخزين ستظهر إلى الوجود بحيرة مترامية الأطراف وبمساحة تبلغ 250 كلم2 تصلح لقيام ميناء نهري رئيسي مما يمهد لتكامل بين النقل بالسكة الحديد والنقل النهري.
منطقة الشريك من المناطق المهمشة والطاردة وبتحولها لمرتكز للنقل السككي والنقل النهري ستتسع فرص العمالة في هذين المرفقين وفي الاستثمارات التي يجذبها الموقع. لهذا تتوقع الدراسة أن تصبح هذه المنطقة من أكثر مناطق السودان تنمية ونمواً.
لماذا غرب النيل للمسار الجنوبي لسكك حديد النيل؟
يلاحظ في ولاية نهر النيل إختلالاً في التنمية بين الضفتين الشرقية والغربية يعزى هذا الإختلال لأسباب جغرافية وأخرى تاريخية. تتمثل الأسباب الجغرافية في الصلة المباشرة ما بين الضفة الشرقية لنهر النيل والموانئ على البحر الأحمر ومع سهل البطانة بما يتميز به من ثروات زراعية وحيوانية وذلك في مقابل صحراء بيوضة التي تحيط بنهر النيل من ناحية الغرب.
أما الأسباب التاريخية فأهمها إمتداد الخط الحديدي من أبوحمد وحتى الخرطوم في السنوات 1897-1899 كما ذكرنا. لقد انعش هذا الخط طوال العهد الذهبي للسكة الحديد كل قري ومدن الضفة الشرقية وبرزت من تلك المدن أبو حمد، بربر، عطبرة، الدامر وشندي وذلك في زمن كان نهر النيل يخلو من أي جسور شمال كبري النيل الأبيض. من بين هذه المدن تعتبر كل من مدينتى بربر وعطبرة من الحالات الاستثنائية فمدينة بربر كانت حاضرة لمديرية بربر في العهد التركي كما كانت قبل ذلك معبراً لحجاج وتجار غرب أفريقيا في رحلاتهم إلى سواكن ونقطة إنطلاق لرحلات المراكب أعلى وأسفل نهر النيل أما عطبرة فقد احتضنت رئاسة وورش السكة الحديد منذ نشأتها.
بإنشاء طريق التحدي الذي أمتد لاحقاً إلى بورتسودان شرقاً وإلى أبوحمد شمالاً تعززت أهمية شرق النيل بالقدر الذي جعل شركات مصانع الأسمنت تختار شرق النيل رغماً عن اعتمادها على خامات الرخام بصحراء بيوضة التي تتمدد بغرب النيل!!.
في مقابل المكاسب التي تحققت لشرق النيل نلاحظ أن غرب النيل وإلى ما قبل إنشاء جسري شندي وأم الطيور كان في عزلة تامة كانت سبباً لتعثر التنمية فيه. ليس أدل على ذلك من ان المدينة الوحيدة بالغرب وهي المتمة - التي عُرفت بحاضرة الجعليين - ظلت تحتضر بسبب نزوح أهلها عنها.
أن ما يلفت النظر هو ان الإختلال التنموي بين غرب وشرق النيل يتواصل جنوباً. ففي ولاية الخرطوم قامت مصفاة الجيلي ومنطقة قري الحرّة بشرق النيل فتحول شارع الجيلي إلى تجمع حضري شريطي Ribon Urban Agglomeration دون نظير له في بغرب النيل. يتواصل الاختلال التنموي حتى في ولاية النيل الأبيض إذ يعتبر شرق النيل الأبيض إمتداداً لمشروع الجزيرة والمناقل كما قامت به مصانع السكر في كنانة وعسلاية والنيل الأبيض وبإنشاء طريق الخرطوم – كوستي أصبح لشرق النيل شريان للتفاعل مع العاصمة القومية ومدينة كوستي.
في مقابل ذلك نلاحظ أن غرب النيل الأبيض تحاصره من ناحية الغرب الأطراف الشرقية لشبة صحراء كردفان. من زاوية أخرى فقد ظل غرب النيل الأبيض في عزلة تامة وان كانت هناك بادرات من الخروج من عزلته بتشييد كبري الدويم والطريق الغربي المتعثر. لكل هذه الأسباب وغيرها كان حظ غرب النيل الأبيض من التنمية حظاً بائساً ولذلك أصبح من المناطق الطاردة. أما للوصول إلى ملكال فتمليه توقعاتنا بأن تتجه دولة جنوب السودان بقوة نحو التنمية حالما إستعادت إستقرارها. أن متطلبات التنمية والطلب العالي للسلع الإستهلاكية يتطلب توفر وسيلة نقل عالية الكفاءة.
لماذا شرق النيل بالولاية الشمالية؟
عندما نصعد إلى الولاية الشمالية نجد الصورة معكوسة فغرب النيل أكثر إنفتاحاُ وأكثر حظاً في التنمية من شرق النيل.
تاريخياً كانت دنقلا حاضرة لمديرية دنقلا وظلت محتفظة بهذه الأهمية الإدارية حتى يومنا هذا!. لهذا كان الطريق البري دنقلا – ام درمان حتى قبل رصفه – كان شريان يبعث الحياة في غرب النيل لهذا أيضاً أزدهرت مدن القولد والخندق والغابة والدبة بغرب النيل دون نظائر لها بشرق النيل الذي زاد من عزلته غياب الجسور قبل إنشاء جسرى دنقلا والدبة مؤخراً.
من جهة أخرى لعب الزحف الصحراوي بكل بشاعته دوراً رئيساً في حالة الاحتضار التي يشهدها شرق النيل حالياً. لقد غطت الصحراء مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية واطراف القرى بل وصلت إلى ضفاف النيل مباشرة. هجر السكان قراهم بشرق النيل فما بيدهم سلاح يحاربون به طغيان الطبيعة.
تلك هي أهم الأسباب التي تجعلنا نرشح شرق النيل تارة وغربه تارة أخرى إذ يمثل إنشاء الخط الحديدي وسيلة فعالة لإعادة التوازن بين ضفتي النيل. غنى عن القول ان الخير سيعم الجميغ فالأربعة جسور التي قامت حديثاً بولايتي نهر النيل والشمالية ستجعل التواصل بين الضفتين ممكناً.
تمويل المشروع:
ترى الدراسة أن الأزمات المالية المتلاحقة والمستعصية التي تحاصر الحكومة الإتحادية واستحقاقات الأمن والسلام المنشود في الأقاليم الثلاث المتمردة لا تسمح بتمويل هذا المشروع – أن الحكومة حتى وأن استطاعت اعتصار بعض المال سنوياً من ميزانيتها أو حصلت على قروض فإن هيئة السكة الحديد أولى بالدعم والتمويل.
أما بالنسبة لمشروع سكك حديد النيل فلدينا أسباب قوية وإقتناع تام بأن إستجابة الجمهور العريض والقطاع الخاص ستكون قوية إذا ما تمت توعيتهم بما يعنيه المشروع لإقتصاد وأمن السودان وإذا ما إقتنع الجميع بأن أرباح المشروع ستتنامي وتتوارثها الأجيال. ان أكثر المستفيدين هم سكان القرى النيلية إذ سيفتح لهم المشروع آفاق واسعة للإنطلاق في دروب التنمية.
أستعانت الدراسة بنخبة طيبة من خبراء السكة الحديد لتقدير تكلفة المرحلة الأولى من الخط المقترح وكان تقدير رأس المال التأسيسي هو مليار ونصف المليار دولار وهو مبلغ كافي لتنفيذ البنود الأساسية التالية:
1) إنشاء الخط الحديدي بورتسودان – الشريك – ام درمان بالقياس العالمي 1435ملم وبطول حوالي تسعمائة كيلومتر.
2) تشييد جسر الشريك على نهر النيل في موقع اسفل مباشرة للموقع المرشح لقيام سد الشريك حتى يُستفاد من الجسر عند تشييد السد.. لذلك قد تشارك وحدة تنفيذ السدود في تمويل تشييد الجسر.
3) شراء عشر قاطرات وثلاثمائة عربة لمختلف الاستخدامات: ركاب ، بضاعة، سطح للحاويات، عربات مبردة ، عربات ماشية ، عربات صهاريج لنقل السوائل وذلك كبداية.
4) توريد أربعة قاطرات للمناورة.
5) بناء وتجهيز ورش الصيانة ومركز التدريب ، تشييد المحطات ، مقر الإدارة وسكن اقتصادي للعاملين.
6) الإشارات والإتصالات.
7) مستحقات الاستشاري الذي يفترض أن يكون قد أعد دراسة الجدوي الإقتصادية لتنفيذ المشروع بمراحله الثلاث.
8) مال الاحتياطي.
9) أخرى.
إستراتيجية التمويل:
المرحلة الأولي من المشروع:
ترى الدراسة ان خير وسيلة لتعبئة رأس المال التأسيسي هي قيام شركة بمسمى " شركة النيل للسكة الحديد" مثلاً لتبدأ نشاطها بعصف ذهني جماهيري عبر الصحف والإذاعات والقنوات الفضائية حول المشروع والمكاسب التي يحققها للأقتصاد الوطني. ان أكثر المعنيين بالعصف الذهني المقترح هم سكان القرى والمدن التي يمر بها القطار ويجد القارئ حصراً لها في الملحق(1).
ترى الدراسة ان تعبئة رأس المال التأسيسي يمكن أن تتحقق من خلال طرح ثلاثمائة مليون سهم بواقع خمسة دولارات – أو ما يعادلها بالجنية السوداني – للسهم الواحد وذلك يتسنى للمواطن مهما قلّ دخله الإسهام في هذا المشروع الوطني الكبير. وقد يرى المؤسسون غير ذلك؟ هناك مشاركة أخرى ينبغي أن تؤخذ في الاعتبار وهي مشاركة الشريك الاستراتيجي التي نقدّر لها 10% من رأس المال المستهدف أي مائة وخمسون مليون دولار.
أن الشريك الإستراتيجي الذي تعنيه الدراسة هو الشركة الموردة للقطارات بكل مكوناتها والأجهزة الفنية الخاصة بالإتصالات أسوة بتجهيز ورشة الصيانة ومركز التدريب.
ينتظر من الشريك الإستراتيجي أن يشارك فعلياً في إدارة الشركة، في تشغيل القطارات وفي تدريب السائقين والمهندسين والفنيين والعمال وذلك لمدة يتفق عليها عند التعاقد.
المرحلة الثانية:
حال إكتمال المرحلة الأولى وظهور بشارات النجاح فإن الشركة – بما لديها من أصول – ستكون قادرة على استقطاب المزيد من رأس المال سيما والمرحلة الثانية تستهدف خدمة دولة جنوب السودان البترولية الحبيسة وهي تستشرف نهضة عمرانية وتنموية.
أن مصادر التمويل المحتملة للمرحلة الثانية هي:
أ) أعادة إستثمار الأرباح.
ب) طرح المزيد من الأسهم بسعر السهم في سوق الأوراق المالية أي بإضافة علاوة أرباح Premium.
ج) إصدار سندات عبر سوق الأوراق المالية.
د) بالاقتراض من المصارف الوطنية.
ه) بالاقتراض من المصارف الأجنبية أو من نوافذ الإقتراض للقطاع الخاص التي تتيحها صناديق التنمية العربية وعلى رأسها البنك الإسلامي بجده.
من هذه المصادر مجتمعة أو من بعضها سيتوفر التمويل للمرحلة الثانية وهي وصول القطار إلى غرب ملكال.
المرحلة الثالثة:
أن الاستخدام المكثف لرحلات القطار بين بورتسودان – أم درمان – ملكال سيعني مضاعفة الأرباح. أن تحققت تلك الأرباح فإن الشركة لن تكن في حاجة إلى مصادر تمويل إضافية وستمضي قدماً نحو تنفيذ المرحلة الثالثة وهي الخط غرب الشريك – مروي – شرق الخندق – شرق دنقلا لتنتهي الرحلة في وادي حلفا.. أو تتوغل داخل الأراضي المصرية!.
تتوقع الدراسة أن حركة النقل النشطة في القطاع بوتسودان – الشريك ستؤكد الجدوى الاقتصادية لتطويرين هامين وهما ازدواجية الخط ثم كهربته وذلك في وقت تكون فيه محطة التوليد الكهربائي لسد الشريك قد بدأت في الإنتاج. أن إزدواجية وكهربة هذا الخط تعني كأنما انتقلت بورتسودان إلي العمق النيلي أو – في صيغة أخرى – كأنما انتقلت الشريك إلي الساحل!! ترى الدراسة أيضاً أن نجاح كهربة القطاع بورتسودان – الشريك سيمهد لكهربة الخط الشريك – أم درمان وحينها سيكون للاقتصاد السوداني شأن آخر.
المكاسب والمحاذير:
يقوم الإقتصاد الحديث على منظومة متكاملة من الركائز وهي الموارد الطبيعية والبنيات الأساسية التي يوظفها الإنسان لكفاية حاجاته مستثمراً في ذلك العمل، رأس المال ومقدراته في الإدارة وحسن التدبير والإبتكار. تتأثر المنظومة الإقتصادية إيجاباً أو سلباً بأي تغيير جوهري يمس أحد او بعض تلك الركائز. أن التغيير – إن حدث- يفضي إلى مجموعة من النتائج المتسلسلة أو ال Chain results وذلك بمنطق الأشياء.
تتعدد الأمثلة والتجارب التي تؤكد هذا المفهوم ويكفي هنا ان نستشهد بالسيناريو السالب الذي أسهم به إنهيار السكة الحديد في تفجير أزمة دارفور وإضمحلال مشروع الجزيرة وهما أمران يغفل عنهما الكثيرون!.
في كلتا الحالتين كانت السكة الحديد في عهدها الذهبي هي الوسيلة الأمثل في نقل محاصيل الصادر من دارفور – كالفول السوداني – وفي نقل القطن من الجزيرة لتصل إلى بورتسودان بأسعار منافسة كانت تجد بها رواجاً في السوق العالمي.
كانت القطارات تعود من بورتسودان وهي محمّلة بالسلع المستوردة والمدخلات الزراعية والصناعية لهذا كانت السلع الإستهلاكية سواء أكانت من الإنتاج المحلي او المستورد تعرض بأسعار معتدلة وفي متناول يد الجميع وان كانوا في دارفور القصّية!.
أعقب ذلك زمن تعرضت فيه السكة الحديد للإهمال وإنكمش دورها في الإقتصاد بعد ان أخلت الساحة للشاحنات! حينها أصيب الإقتصاد الوطني في مقتل إذ كسدت صادراتنا او بيعت بهامش ربح ضئيل أو حتى بالخسارة طمعاً في الحصول على العملات الحرة! أصيب الإقتصاد الوطني بهذه الفاجعة بسبب تكلفة النقل البري العالية وبسبب نزيف الموارد الناتج عن إستيراد الوقود والإطارات وقطع الغيار. في ذات الوقت ظلت أسعار السلع الإستهلاكية تتصاعد لتصنع الفقر في أرجاء السودان، اما دارفور ومشروع الجزيرة فتلك روايتان حزينتان يعلمهما الجميع.
ترى الدراسة أن الطرح المقدم حول سكك حديد النيل سيحدث تغييرات هيكلية إيجابية في نظام النقل وفي الإقتصاد السوداني. يحدث ذلك بفعل ردود الأفعال الإيجابية ووفقاً لمنطق النتائج المتسلسلة.
أدناه نتناول أبرز سمات التغيير الهيكلي وما يتمخض عنه:
أولاً: نظراً لان النقل بين بورتسودان والخرطوم يشكل معظم حركة النقل في السودان فإن إستخدام النقل السككي عبر بورتسودان – الشريك – أم درمان بدلاً عن الشاحنات سيوفر – في رأينا – للخزينة العامة ما لا يقل عن 50% من العملات الحرة التي تشكل تكلفة الوقود والإطارات وقطع الغيار.
في تاريخ لاحق – أي بعد خمس سنوات هي فترة إنشاء المرحلة الاولى من سكك حديد النيل – ستنشط حركة النقل بسبب تصاعد صادرات السودان لدولة جنوب السودان مما يعني ضمناً تصاعد واردات السودان من مدخلات الإنتاج الزراعي والصناعي. في ذات الوقت ستتصاعد واردات دولة جنوب السودان من السلع الإستهلاكية والرأسمالية لضرورات التنمية كما يرجح أن تتصاعد أسعار المحروقات. على ضوء ما تقدم فإن كانت وفورات التحول إلى النقل السككي اليوم – إفتراضاً – تقدر بمليار دولار أمريكي فإن تلك الوفورات لن تقل عن الثلاثة مليار دولار بعد خمس أو ستة سنوات، أي قبيل تشغيل قطار بورتسودان – الشريك – أم درمان المقترح. غنى عن القول ان تصاعد تلك الوفورات وتراكمها – إفتراضاً – سيعني دعماً مباشراً لميزان المدفوعات وهو دعم ينصلح به حال العملة الوطنية ويفتح الباب لاستيراد السلع والخامات التي يحتاج لها الاقتصاد الوطني.
ثانياً: سيشجع النقل السككي الرخيص المنتجين لمضاعفة الإنتاج وذلك لأغراض التصدير علماً بان التصدير هو رئة الإقتصاد الحديث.
ثالثاً: عند قيام سكك حديد النيل وإمتداد ذراع منها إلى بورتسودان كما أوضحنا سيفقد خطان حديديان أسباب وجودهما بمعنى أن يصبحا Redundant Lines لما لا وهما خطان يعبران صحراء النوبة وصحراء العتمور حيث لا حياة!
الخطان المعنيان هما:
خط وادي حلفا – أبو حمد وطوله 368 كيلومتر.
خط عطبرة – هيا وطوله 272 كيلومتر
المجموع 640
نظراً لقدم وإهتراء هذه الخطوط فلعله من الاجدى تفكيكها وبيعها كحديد خردة لجياد او لأحد مصانع حديد التسليح لشراء قضبان بمواصفات أعلى لإنشاء خطوط جديدة وفق برنامج زمني يأخذ في الإعتبار توفر التمويل.
أن وجدت الدعوة لقيام سكك حديد النيل قبولاً على الإكتتاب في أسهما فإن ذلك يستوجب أن تتراجع هيئة السكة الحديد عن خطتها الرامية إلى إعادة تأهيل القطاع عطبرة – هيا (272كلم) من خط عطبرة بورتسودان وان تقيم بدلاً عنه خطاً جديداً يربط حلفا الجديدة بالدامر (280 كلم). تتمثل أهمية هذا الخط في دوره في إخراج مناطق أسفل نهر عطبرة وشمال البطانة من عزلتهما سيما وان جريان النهر سينتظم طوال العام – وان كان ذلك بمناسيب متدنية – بعد إكتمال سدي ستيت وأعالى عطبرة والإيراد الإضافي الذي حققه سد تكازي بأثيوبيا. تلك متغيرات ستنعش الإنتاج الزراعي والحيواني أسفل نهر عطبرة. تتمثل أهمية هذا الخط أيضاً في إبقاء الصلة مع عطبرة حيث أكبر تجمع لورشة الصيانة.
ثالثاً: إن إنشاء سكك حديد النيل بمبادرة من القطاع الخاص السوداني سيعني تخفيف العبء على الهيئة العامة للسكة الحديد مما يمكنها من تجديد أسطولها وإعادة تأهيل خطوطها بالعرض الضيق الحالي (1067 ملم). أن الخيار للأفضل هو بلا شك القياس العالمي الذي يسمح بتوحيد وتكامل الشبكتين.
قد يبدو هذا الخيار بعيد المنال تحت المعطيات الحالية للإقتصاد السوداني وما لم تقدم حكومة السودان على إبرام صفقات خارجية ضخمة بصيغات مبتكرة.. وهو أمر ممكن!.
في غياب هذا الخيار ستنشأ الحاجة لتوفير المعينات اللوجستية لتتكامل الشبكتان. من زاوية أخرى ومهما كان خيار الهيئة فإننا نرى أن هنالك جدوى إقتصادية في أن توسع الهيئة العامة للسكة الحديد في شبكتها لتغطي المزيد من أقاليم البلاد ولتوفر خدماتها للدولة الحبيسة المجاورة وذلك من خلال الامتدادات التالية:
أ) نيالا – فورو برونقا الواقعة على وادي أزوم وعند الحدود السودانية – التشادية.
ب) نيالا – أم دافوق التي تلتقى عندها الحدود السودانية – التشادية مع حدود جمهورية أفريقيا الوسطى.
تجدر الإشارة هنا إلى أن كلا الموقعين الحدوديين قريبان من المناطق الواعدة بالتوسع الزراعي المطري والغنية بالثروة الحيوانية في جنوب تشاد وشمال جمهورية أفريقيا الوسطى.
ج) إمتداد الخط الحديدي من الدمازين إلى الكرمك لإنعاش إقتصاد جنوب النيل الأزرق. كمنفذ لوسط غرب أثيوبيا.
د) إمتداد الخط الحديدي من القضارف إلى المتمة الاثيوبية.
ترى الدراسة ان هناك ثلاثة عوامل رئيسة تفرض إنشاء الإمتدادات أعلاه والعوامل هي:
1- هناك مردود إيجابي في توسيع شبكة السكة الحديد على الصعيد الوطني إذ ستحدث حراكاً إقتصادياً في مناطق معزولة رغماً عن ثرائها بالموارد الطبيعية. ان المناطق المعنية هي: غرب دارفور، جنوب شرق القضارف وجنوب النيل الأزرق.
2- تعزيز أهمية السودان كمعبر والموانئ السودانية كمنافذ لدول الجوار الحبيسة وهي دولة جنوب السودان، تشاد، أفريقيا الوسطى وأثيوبيا. فالنقل البري بتكلفته العالية ينتقص من تلك الأهمية. أن دور السكة الحديد هنا ليس قاصراً على رسوم العبور والموانئ فحسب وإنما يشمل أيضاً إنعاش التجارة البينية بين السودان وتلك الدول.
3- هناك محاذير أمنية تستوجب منع النقل البري العابر للأرضي السودانية وحصره على السكك الحديدية والأسباب هي:
أ) منع التهريب من وإلى السودان وأحكام السيطرة على السلع التالفة والمغشوشة وتلك التي لا تستوفي مواصفات الجودة.
ب) منع الجريمة العابرة كالإتجار بالبشر لأغراض النزوح والهجرة إلى الدول العربية وأوروبا أو لأغراض أخرى. أما الوجه الآخر للجريمة العابرة فيتمثل في تهريب الأسلحة، المخدرات، الخمور والعملة بغرض غسلها في السودان بشراء العقارات وغيره.
ج) من قبل إنفتاح السودان للنقل العابر تحولت الطرق البريّة إلى محرقة للبشر.
د) إحتمال إنتقال بعض الأمراض والاوبئة القاتلة تزيد بالشاحنات البرية القادمة من دول أخرى .
ه) حماية الطرق البريّة من الإهلاك السريع فالطرق البرية في السودان اليوم تمثل ثروة قومية ينبغي المحافظة عليها سيما وهي بمواصفات دون العالمية من حيث العرض وسمك الطبقة الأسفلتية. تفيد معلوماتنا أن تكلفة بناء الكيلومتر الواحد من الطرق المسفلته تتراوح ما بين ستمائة ألف وسبعمائة وخمسين ألف دولار مما يعني ان قيمة شبكة الطرق القومية تقارب العشرة مليار دولار.
أن الرسوم التي نتحصل عليها من النقل العابر الثقيل لن تعوضنا عن التلف والإهلاك الذي ستتعرض له الطرق البرّية لهذا ينبغي الحذر والمنع الواضح والصريح.
أن المخاوف التي تناولناها أعلاه تعزز دعوتنا لسكان الشريط النيلي والشعب السوداني قاطبة للإكتتاب في أسهم شركة النيل للسكة الحديد.
بقيام الخط المقترح وإمتداد ذراعه إلى بورتسودان سيكون لكل من الشبكة القائمة (1067ملم) والشبكة المقترحة (1435ملم) أقاليم محددة وذلك على النحو التالي:
أ) هيئة السكة الحديد: كل أقاليم شرق السودان، جنوب النيل الأزرق، كل غرب السودان وذلك بالإضافة إلى منافذ حدودية لدول الجوار الحبيسة عبر ميناء كوستي بالتكامل مع النقل النهري، خط بابنوسة – واو لبحر الغزال الكبرى، عبر فوروبرونقا، وأم دافوق إلى تشاد وجمهورية أفريقيا الوسطى. وذلك بالإضافة إلى الكرمك والقلابات بالنسبة لأثيوبيا.
ب) سكك حديد النيل، تغطي الشريط النيلي ما بين وادي حلفا وملكال وذلك بالإضافة إلى دولة جنوب السودان عبر ملكال.
ج) تمثل مدينة كوستي الموقع الوحيد الذي تتقاطع فيه الشبكتان. لهذا ينتظر ان تتوفر في محطة التقاطع الآليات الحديثة التي تقوم مناقلة البضائع والحاويات Transshipment بكفاءة عالية وفي زمن وجيز.
بهذه التجهيزات سيكون من الممكن نقل الحاويات المنقولة من مصر – على سبيل المثال- إلى تشاد او إلى أفريقيا الوسطى أو إلى غرب السودان وبحر الغزال من سكك حديد النيل إلى خط غرب السودان – والعكس صحيح وهكذا.
يتبع الجزء الثاني (الأخير)
والله الموفق
د. عمر محمد علي أحمد
عضو رابطة خريجي كلية الاقتصاد
والدراسات الاجتماعية بجامعة الخرطوم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق