المهندس كمال علي محمد*
إن مساهمتنا اليوم التي تأخذ في الاعتبار كل الأسس العلمية والهندسية تتركز حول تقييم وثيقة إعلان المبادي التي وقعها الرؤساء الثلاثة، والتي رأينا أن فيها العديد من المآخذ والأضرار على مصالح السودان وإليكم الدليل العلمي:
> أشارت وثيقة إعلان المبادئ في المبدأ الأول إلى القانون الدولي الذي يهمنا فيه ما يتصل بالجانب الهندسي، ولكن الوثيقة بكل أسف في هذا البند أغفلت وأهملت المبادئ الأساسية للأمن المائي القومي للسودان، ومنها الالتزام بالإخطار المسبق وعدم الإضرار بمشروعات السودان القائمة تحديداً، وأغفلت الإشارة إلى الالتزام بالاتفاقيات القائمة التي تكون إثيوبيا طرفاً فيها وأهمها اتفاقية 1902م التي بادرت إثيوبيا المستقلة بوضعها آنذاك، وهي تعنى حصرياً ومباشرةً بالمشروعات والخزانات التي خططت وتخطط إثيوبيا لإقامتها على النيل الأزرق بالذات وكذلك بحيرة تانا والسوباط. ولذلك فإن الوثيقة بإهمالها لهذه المبادئ المهمة تنطوي على ضرر كبير بالنسبة للأمن المائي السوداني.
> بالنسبة للمبدأ الثاني الخاص بالتنمية وإنتاج الكهرباء النظيفة وغيرها فهذه أمور بديهية.
> بالنسبة للمبدأ الثالث الخاص بعدم تسبيب الضرر والمآخذ عليه، أنه بدلاً من أن ينص على تعويض الدولة التي أصابها الضرر من الدولة المتسببة في الضرر أمر «ملزم»، إلا أن النص تحدث عن مناقشة التعويض كلما كان ذلك مناسباً وهذا يعني عدم الزام بالتعويض.
> المبدأ الرابع الخاص بالاستخدام المنصف والمعقول، ظللنا نردده مع دول حوض النيل منذ الستينيات.
> بالنسبة للمبدأ الخامس الخاص بالتعاون في الملء الأول وإدارة السد، فإنه بكل أسف ليس فيه «إلزام» بل مجرد «احترام» للمخرجات النهائية للدراسات المشتركة «الموصى بها» في تقرير لجنة الخبراء الدولية والتي حدد لها «12» شهراً ثم تخضع للدراسة لفترة ثلاثة أشهر أخرى لمعرفة حصيلتها كما قال السيد وزير الكهرباء لتكون فترة الدراسة «15» شهراً، ويعني هذا أن مخرجات لجنة الخبراء الدولية لن تجد طريقها للتنفيذ مباشرة بل أنها سوف «تستخدم» من جديد لمدة ثلاثة أشهر بغرض الاتفاق على الخطوط الإرشادية وقواعد الملء الأول، وسوف تضاف إليها «كافة السيناريوهات الأخرى» .. وهذا كله يدل على أنه ليس هنالك التزام قاطع بشأن الاتفاق على قواعد الملء الأول، ونخشى أن تؤدي هذه الجهجهه في صياغة هذه المادة إلى أن ينتهي بكم المطاف إلى أن يتم في النهاية تنفيذ خطة الملء الأول الإثيوبية .. والأغرب من ذلك أن نفس البند الخامس أعطى إثيوبيا الضوء الأخضر والحق والموافقة الكاملة على أن تستمر في عملية بناء السد دون توقف أثناء الفترة التي يتم فيها إجراء تلك الدراسات، وهذا ضرر كبير لأن الجميع كانوا يطالبون بإيقاف بناء السد إلى أن تكتمل الدراسات، ولكن الرؤساء أكدوا لإثيوبيا في الوثيقة بأن تجرى الدراسات «بالتوازي مع عملية بناء السد».والكارثة الكبيرة نجدها بكل أسف في البند الذي ينص على الاتفاق على «الخطوط الإرشادية وقواعد الملء السنوي» والذي للدهشة أعطى إثيوبيا كل الحق في أن تقوم بضبط قواعد التشغيل السنوي من وقت لآخر دون أن تناقش ذلك مع دولتي المصب، بل فقط تقوم بإخطارهما مجرد إخطار بالظروف التي استدعت إعادة الضبط بواسطة إثيوبيا وحدها، حيث يقول نص وثيقة إعلان المبادئ «الاتفاق على الخطوط الإرشادية وقواعد التشغيل السنوي لسد النهضة والتي يجوز لمالك السد ضبطها «وهو إثيوبيا» من وقت لآخر وإخطار مجرد إخطار دولتي المصب بأية ظروف غير منظورة أو طارئة استدعت إثيوبيا لإعادة الضبط» وهذا يعني أن كل السلطات والتحكم والكنترول لتشغيل السد سيكون بموجب إعلان المبادئ حسب ما تراه إثيوبيا بالطبع لخدمة مصالح شعبها والتي تنطوي على أضرار بمصالح السودان.. وإذا علمنا أن لجنة الخبراء الدولية لم يتم الاتفاق على تعيينها حتى الآن، فإنها عندما يتم تعيينها وتوفير المعلومات لها وبعد ذلك تستمر الدراسات لمدة «15» شهراً، نكون قد اقتربنا من بداية عام 2017م، حيث يكون بناء السد قد اكتمل أو شارف الاكتمال، كما أن هنالك الدراسات المهمة الأخرى التي تختص بالجوانب البيئية والاجتماعية والاقتصادية الخ .. وربنا يستر.
> أشار البند «6» من اتفاقية إعلان المبادئ مبدأ بناء الثقة إلى أنه سيتم إعطاء دول المصب الأولوية في شراء الطاقة المولدة من سد النهضة، وهذه الصيغة توضح أنه ليس هنالك التزام، كما أن المتتبع لتصريحات كبار المسؤولين في إثيوبيا فإنهم يؤكدون أن كهرباء سد النهضة ستكون كلها لصالح الشعب الإثيوبي في مناطق الحضر والريف، وأن خطوط نقل الكهرباء التي يجري تشييدها إلى داخل إثيوبيا تؤكد أن كهرباء سد النهضة سوف تستغل كلها داخل إثيوبيا لصالح الشعب الإثيوبي، كما أنه من المعلوم أن كفاءة توليد الكهرباء أقل من 33%.. وهنا نسأل الإخوة ممثلي وزارة الموارد المائية والكهرباء أن يؤكدوا لنا هل التزمت إثيوبيا بإعطاء السودان أي كهرباء من سد النهضة وكم حجمها وكم سعرها ومتى سيتم إنشاء خطوط النقل داخل السودان؟ وبالطبع يعلم الجميع أن هنالك خط القلابات القائم منذ فترة لنقل كهرباء من مصادر أخرى في إثيوبيا، وهذا ليس له دخل بكهرباء سد النهضة .. وأشار هذا البند أيضاً إلى أن تنشئ إثيوبيا آلية تنسيقية «مجرد تنسيق وليس مشاركة» حول تشغيل سد النهضة مع خزانات دولتي المصب، بينما كان المفروض أن يتم إنشاء آلية للإشراف على تنفيذ وثيقة إعلان المبادئ بأكملها.
> بالنسبة للبند «7» الخاص بتبادل المعلومات وتوفيرها للدراسات فهذا أمر بديهي.
> بالنسبة للبند الثامن مبدأ أمان السد، فقد ذكرت إثيوبيا أنها نفذت بعض التوصيات وستكمل البقية لأحقاً، فهل قام وفد من وزارة الكهرباء بالسودان بزيارة الموقع وشاهد حجم العمل الذي نفذ والعمل المتبقي وكم حجمه؟
> بالنسبة للبند «9» الخاص بالسيادة ووحدة الدولة فهذا أمر بديهي وحتمي.
> بالنسبة للبند العاشر الخاص بالتسوية السلمية للمنازعات وتشمل المشاورات والتفاوض والوساطة، وإذا لم تنجح كل هذه الخطوات «كان من المفروض أن يحال الخلاف إلي التحكيم»، ولكن هنالك تهرب واضح من اللجوء للتحكيم لأنه نهائي وملزم، وبدلاً من ذلك قالوا يحال الخلاف «لرؤساء الدول» .. هذا أمر عجيب بالنسبة لمنشأة هندسية مثل سد النهضة.
> إن أكبر إشكال بالنسبة لسد النهضة هو حجم التخزين، وكان كثير من المختصين يتطلع إلى أن تشير الوثيقة إلى دراسة حجم سعة التخزين بهدف تخفيضها إلى «11» ملياراً، وهو الحجم الذي حددته هيئة الاستصلاح الأمريكية ووضعته إثيوبيا في خطتها وإستراتيجيتها القومية منذ أوائل الستينيات، لأن سعة «74» ملياراً وتمرير تصرف ثابت فيها أضرار كثيرة منها الأربعة التي حددتها اللجنة الثلاثية المدعومة بخبراء دوليين في تقريرها في مايو 2013م، وهذه الأضرار هي سلامة السد التي مازالت تداعياتها قائمة ومخاطر الملء الأول الذي مازالت دراساته تنتظر تكوين لجنة الخبراء الدولية المتعثرة، وكذلك انعدام دراسات الجوانب التشغيلية للملء والتفريغ والجوانب البيئية والاجتماعية والاقتصادية التي مازالت دراساتها في علم الغيب رغم أن تنفيذ السد تخطى 40%، وكذلك تدني كفاءة إنتاج الكهرباء البالغة أقل من 33%، هذا إلى جانب الآثار الضارة على السودان من جراء حجز مياه الفيضان وتمرير تصرف ثابت يومي، وإن الذين يزعمون أن حجز مياه الفيضان مفيد للسودان مخطئون علمياً وهندسياً وزراعياً واقتصادياً واجتماعياً، لأن الآثار الضارة من حجز مياه الفيضان وتمرير تصرف ثابت تتمثل في ضياع أراضي الجروف التي هي مصدر للأمن الغذائي والتأثير الضار على تغذية المياه الجوفية التي أثبتتها دراسات الآبار الاختبارية التي أجرتها الوزارات المعنية من قبل وليست النماذج النظرية الافتراضية .. هذا إلى جانب كارثة فقدان ري الحياض والري الفيضي والتمور والمترات، وأن الفيضان لا يدمر القرى، وإنما أصحاب القرى الذين يبنون قراهم في حرم الفيضان هم الذين يتسببون في تدميرها وليس بإنشاء سد «74» مليار متر مكعب ليحجز عنهم مياه الفيضان، أما الضرر الجسيم الآخر فهو أن تمرير «130» مليون متر مكعب سوف لا يمكننا من ملء خزاني الروصيرص وسنار ولا توليد الكهرباء منهما، ولا إيجاد مياه الري لكل مشروعات النيل الأزرق بما فيها مشروع الجزيرة والرهد والسوكي طيلة فترة ملء خزان الروصيرص وسنار، وهي «46» يوماً، وكذلك إن الذين يزعمون أن حجز الطمي في سد النهضة مفيد فهو خطأ فادح من النواحي العلمية والهندسية، وذلك أمر يعرفه الجميع، لأنه من جراء حجز الطمي في سد النهضة ستكون هنالك مخاطر جسيمة مورفولوجية وهايدرولوجية وهايدروليكية وزراعية واقتصادية واجتماعية تتمثل في فقدان السماد الطبيعي للجروف والمشروعات المروية وفقدان صناعة الطوب على طول مجرى النيل، والطوب المصنع من الطمي المزال في المشروعات المروية، إلى جانب تدمير الكفاءة التصميمية لقنوات الري بصورة كارثية، ونحر مجرى النيل وتفاقم الهدام وغير ذلك من الأضرار، كما أن الذين يرددون أن سد النهضة ينظم جريان النيل ويزيد من الأراضي الزراعية وتوليد الكهرباء في الخزانات القائمة وتحسين الملاحة بتمرير تصرف «130» مليون متر مكعب، سوف يراجعون موقفهم على هذه الافتراضات النظرية، لأنهم ينبغي عليهم أن يدركوا أن إثيوبيا عندما تبدأ وتواصل تنفيذ خطة المشروعات المروية على النيل الأزرق والروافد الأخرى لصالح الشعب الإثيوبي إلى جانب مشروعات السودان في ترعتي كنانة والرهد المرحلة الثانية سيفاجئون، لأن الـ «130» مليون متر مكعب في اليوم سوف تنخفض إلى رقم متدنٍ يدحض تلك الافتراضات وكافة السيناريوهات تماماً، وعلينا أن نفكر في الاستفادة من مياه تعلية الروصيرص والمخزنة في مروي والستيت قبل أن نبني خططنا على مياه سد النهضة غير المضمونة، وعلينا أن نتذكر أن إثيوبيا لديها «33» موقعاً لإنشاء سدود على النيل الأزرق وحده.. ونريد أن نحصر أنفسنا في مآخذ وثيقة إعلان المبادئ، كما أن الجميع يدركون تأرجح موقف السودان ممثلاً في وزارة الموارد المائية والكهرباء من موقف التأييد المطلق لسد النهضة بسعة «74» مليار متر مكعب قبل عامين، إلى اللجوء الآن بعد أن تم تنفيذ أكثر من 40% من السد واللجوء لدراسة الآثار السالبة والأضرار والمنافع وتكملة النقص في الدراسات في هذه المرحلة المتأخرة، وأريد أن أشير هنا إلى حديث السيد رئيس الجمهورية لقناة «الحياة اليوم» الذي نقلته صحيفة «السوداني» بأكمله، والذي جاء فيه «ولكن الطاقة التخزينية «74» مليار متر مكعب، وهي كبيرة وتحتاج إلى مراجعة والتأكيد على سلامة السد».. وإننا نناشد الإخوة الذين هم الآن معنا في الندوة ممثلين لكل الخبراء في وزارة الموارد المائية والكهرباء والذين أشرفوا مع آخرين على بلورة وثيقة إعلان المبادئ، نناشدهم مراجعة الموقف في ضوء ما أوضحناه من مآخذ وأضرار في وثيقة إعلان المبادئ لمراجعة موقف السودان عليها، حفاظاً على حقوق ومصالح السودان والأجيال القادمة.
والله الموفق.
إن مساهمتنا اليوم التي تأخذ في الاعتبار كل الأسس العلمية والهندسية تتركز حول تقييم وثيقة إعلان المبادي التي وقعها الرؤساء الثلاثة، والتي رأينا أن فيها العديد من المآخذ والأضرار على مصالح السودان وإليكم الدليل العلمي:
> أشارت وثيقة إعلان المبادئ في المبدأ الأول إلى القانون الدولي الذي يهمنا فيه ما يتصل بالجانب الهندسي، ولكن الوثيقة بكل أسف في هذا البند أغفلت وأهملت المبادئ الأساسية للأمن المائي القومي للسودان، ومنها الالتزام بالإخطار المسبق وعدم الإضرار بمشروعات السودان القائمة تحديداً، وأغفلت الإشارة إلى الالتزام بالاتفاقيات القائمة التي تكون إثيوبيا طرفاً فيها وأهمها اتفاقية 1902م التي بادرت إثيوبيا المستقلة بوضعها آنذاك، وهي تعنى حصرياً ومباشرةً بالمشروعات والخزانات التي خططت وتخطط إثيوبيا لإقامتها على النيل الأزرق بالذات وكذلك بحيرة تانا والسوباط. ولذلك فإن الوثيقة بإهمالها لهذه المبادئ المهمة تنطوي على ضرر كبير بالنسبة للأمن المائي السوداني.
> بالنسبة للمبدأ الثاني الخاص بالتنمية وإنتاج الكهرباء النظيفة وغيرها فهذه أمور بديهية.
> بالنسبة للمبدأ الثالث الخاص بعدم تسبيب الضرر والمآخذ عليه، أنه بدلاً من أن ينص على تعويض الدولة التي أصابها الضرر من الدولة المتسببة في الضرر أمر «ملزم»، إلا أن النص تحدث عن مناقشة التعويض كلما كان ذلك مناسباً وهذا يعني عدم الزام بالتعويض.
> المبدأ الرابع الخاص بالاستخدام المنصف والمعقول، ظللنا نردده مع دول حوض النيل منذ الستينيات.
> بالنسبة للمبدأ الخامس الخاص بالتعاون في الملء الأول وإدارة السد، فإنه بكل أسف ليس فيه «إلزام» بل مجرد «احترام» للمخرجات النهائية للدراسات المشتركة «الموصى بها» في تقرير لجنة الخبراء الدولية والتي حدد لها «12» شهراً ثم تخضع للدراسة لفترة ثلاثة أشهر أخرى لمعرفة حصيلتها كما قال السيد وزير الكهرباء لتكون فترة الدراسة «15» شهراً، ويعني هذا أن مخرجات لجنة الخبراء الدولية لن تجد طريقها للتنفيذ مباشرة بل أنها سوف «تستخدم» من جديد لمدة ثلاثة أشهر بغرض الاتفاق على الخطوط الإرشادية وقواعد الملء الأول، وسوف تضاف إليها «كافة السيناريوهات الأخرى» .. وهذا كله يدل على أنه ليس هنالك التزام قاطع بشأن الاتفاق على قواعد الملء الأول، ونخشى أن تؤدي هذه الجهجهه في صياغة هذه المادة إلى أن ينتهي بكم المطاف إلى أن يتم في النهاية تنفيذ خطة الملء الأول الإثيوبية .. والأغرب من ذلك أن نفس البند الخامس أعطى إثيوبيا الضوء الأخضر والحق والموافقة الكاملة على أن تستمر في عملية بناء السد دون توقف أثناء الفترة التي يتم فيها إجراء تلك الدراسات، وهذا ضرر كبير لأن الجميع كانوا يطالبون بإيقاف بناء السد إلى أن تكتمل الدراسات، ولكن الرؤساء أكدوا لإثيوبيا في الوثيقة بأن تجرى الدراسات «بالتوازي مع عملية بناء السد».والكارثة الكبيرة نجدها بكل أسف في البند الذي ينص على الاتفاق على «الخطوط الإرشادية وقواعد الملء السنوي» والذي للدهشة أعطى إثيوبيا كل الحق في أن تقوم بضبط قواعد التشغيل السنوي من وقت لآخر دون أن تناقش ذلك مع دولتي المصب، بل فقط تقوم بإخطارهما مجرد إخطار بالظروف التي استدعت إعادة الضبط بواسطة إثيوبيا وحدها، حيث يقول نص وثيقة إعلان المبادئ «الاتفاق على الخطوط الإرشادية وقواعد التشغيل السنوي لسد النهضة والتي يجوز لمالك السد ضبطها «وهو إثيوبيا» من وقت لآخر وإخطار مجرد إخطار دولتي المصب بأية ظروف غير منظورة أو طارئة استدعت إثيوبيا لإعادة الضبط» وهذا يعني أن كل السلطات والتحكم والكنترول لتشغيل السد سيكون بموجب إعلان المبادئ حسب ما تراه إثيوبيا بالطبع لخدمة مصالح شعبها والتي تنطوي على أضرار بمصالح السودان.. وإذا علمنا أن لجنة الخبراء الدولية لم يتم الاتفاق على تعيينها حتى الآن، فإنها عندما يتم تعيينها وتوفير المعلومات لها وبعد ذلك تستمر الدراسات لمدة «15» شهراً، نكون قد اقتربنا من بداية عام 2017م، حيث يكون بناء السد قد اكتمل أو شارف الاكتمال، كما أن هنالك الدراسات المهمة الأخرى التي تختص بالجوانب البيئية والاجتماعية والاقتصادية الخ .. وربنا يستر.
> أشار البند «6» من اتفاقية إعلان المبادئ مبدأ بناء الثقة إلى أنه سيتم إعطاء دول المصب الأولوية في شراء الطاقة المولدة من سد النهضة، وهذه الصيغة توضح أنه ليس هنالك التزام، كما أن المتتبع لتصريحات كبار المسؤولين في إثيوبيا فإنهم يؤكدون أن كهرباء سد النهضة ستكون كلها لصالح الشعب الإثيوبي في مناطق الحضر والريف، وأن خطوط نقل الكهرباء التي يجري تشييدها إلى داخل إثيوبيا تؤكد أن كهرباء سد النهضة سوف تستغل كلها داخل إثيوبيا لصالح الشعب الإثيوبي، كما أنه من المعلوم أن كفاءة توليد الكهرباء أقل من 33%.. وهنا نسأل الإخوة ممثلي وزارة الموارد المائية والكهرباء أن يؤكدوا لنا هل التزمت إثيوبيا بإعطاء السودان أي كهرباء من سد النهضة وكم حجمها وكم سعرها ومتى سيتم إنشاء خطوط النقل داخل السودان؟ وبالطبع يعلم الجميع أن هنالك خط القلابات القائم منذ فترة لنقل كهرباء من مصادر أخرى في إثيوبيا، وهذا ليس له دخل بكهرباء سد النهضة .. وأشار هذا البند أيضاً إلى أن تنشئ إثيوبيا آلية تنسيقية «مجرد تنسيق وليس مشاركة» حول تشغيل سد النهضة مع خزانات دولتي المصب، بينما كان المفروض أن يتم إنشاء آلية للإشراف على تنفيذ وثيقة إعلان المبادئ بأكملها.
> بالنسبة للبند «7» الخاص بتبادل المعلومات وتوفيرها للدراسات فهذا أمر بديهي.
> بالنسبة للبند الثامن مبدأ أمان السد، فقد ذكرت إثيوبيا أنها نفذت بعض التوصيات وستكمل البقية لأحقاً، فهل قام وفد من وزارة الكهرباء بالسودان بزيارة الموقع وشاهد حجم العمل الذي نفذ والعمل المتبقي وكم حجمه؟
> بالنسبة للبند «9» الخاص بالسيادة ووحدة الدولة فهذا أمر بديهي وحتمي.
> بالنسبة للبند العاشر الخاص بالتسوية السلمية للمنازعات وتشمل المشاورات والتفاوض والوساطة، وإذا لم تنجح كل هذه الخطوات «كان من المفروض أن يحال الخلاف إلي التحكيم»، ولكن هنالك تهرب واضح من اللجوء للتحكيم لأنه نهائي وملزم، وبدلاً من ذلك قالوا يحال الخلاف «لرؤساء الدول» .. هذا أمر عجيب بالنسبة لمنشأة هندسية مثل سد النهضة.
> إن أكبر إشكال بالنسبة لسد النهضة هو حجم التخزين، وكان كثير من المختصين يتطلع إلى أن تشير الوثيقة إلى دراسة حجم سعة التخزين بهدف تخفيضها إلى «11» ملياراً، وهو الحجم الذي حددته هيئة الاستصلاح الأمريكية ووضعته إثيوبيا في خطتها وإستراتيجيتها القومية منذ أوائل الستينيات، لأن سعة «74» ملياراً وتمرير تصرف ثابت فيها أضرار كثيرة منها الأربعة التي حددتها اللجنة الثلاثية المدعومة بخبراء دوليين في تقريرها في مايو 2013م، وهذه الأضرار هي سلامة السد التي مازالت تداعياتها قائمة ومخاطر الملء الأول الذي مازالت دراساته تنتظر تكوين لجنة الخبراء الدولية المتعثرة، وكذلك انعدام دراسات الجوانب التشغيلية للملء والتفريغ والجوانب البيئية والاجتماعية والاقتصادية التي مازالت دراساتها في علم الغيب رغم أن تنفيذ السد تخطى 40%، وكذلك تدني كفاءة إنتاج الكهرباء البالغة أقل من 33%، هذا إلى جانب الآثار الضارة على السودان من جراء حجز مياه الفيضان وتمرير تصرف ثابت يومي، وإن الذين يزعمون أن حجز مياه الفيضان مفيد للسودان مخطئون علمياً وهندسياً وزراعياً واقتصادياً واجتماعياً، لأن الآثار الضارة من حجز مياه الفيضان وتمرير تصرف ثابت تتمثل في ضياع أراضي الجروف التي هي مصدر للأمن الغذائي والتأثير الضار على تغذية المياه الجوفية التي أثبتتها دراسات الآبار الاختبارية التي أجرتها الوزارات المعنية من قبل وليست النماذج النظرية الافتراضية .. هذا إلى جانب كارثة فقدان ري الحياض والري الفيضي والتمور والمترات، وأن الفيضان لا يدمر القرى، وإنما أصحاب القرى الذين يبنون قراهم في حرم الفيضان هم الذين يتسببون في تدميرها وليس بإنشاء سد «74» مليار متر مكعب ليحجز عنهم مياه الفيضان، أما الضرر الجسيم الآخر فهو أن تمرير «130» مليون متر مكعب سوف لا يمكننا من ملء خزاني الروصيرص وسنار ولا توليد الكهرباء منهما، ولا إيجاد مياه الري لكل مشروعات النيل الأزرق بما فيها مشروع الجزيرة والرهد والسوكي طيلة فترة ملء خزان الروصيرص وسنار، وهي «46» يوماً، وكذلك إن الذين يزعمون أن حجز الطمي في سد النهضة مفيد فهو خطأ فادح من النواحي العلمية والهندسية، وذلك أمر يعرفه الجميع، لأنه من جراء حجز الطمي في سد النهضة ستكون هنالك مخاطر جسيمة مورفولوجية وهايدرولوجية وهايدروليكية وزراعية واقتصادية واجتماعية تتمثل في فقدان السماد الطبيعي للجروف والمشروعات المروية وفقدان صناعة الطوب على طول مجرى النيل، والطوب المصنع من الطمي المزال في المشروعات المروية، إلى جانب تدمير الكفاءة التصميمية لقنوات الري بصورة كارثية، ونحر مجرى النيل وتفاقم الهدام وغير ذلك من الأضرار، كما أن الذين يرددون أن سد النهضة ينظم جريان النيل ويزيد من الأراضي الزراعية وتوليد الكهرباء في الخزانات القائمة وتحسين الملاحة بتمرير تصرف «130» مليون متر مكعب، سوف يراجعون موقفهم على هذه الافتراضات النظرية، لأنهم ينبغي عليهم أن يدركوا أن إثيوبيا عندما تبدأ وتواصل تنفيذ خطة المشروعات المروية على النيل الأزرق والروافد الأخرى لصالح الشعب الإثيوبي إلى جانب مشروعات السودان في ترعتي كنانة والرهد المرحلة الثانية سيفاجئون، لأن الـ «130» مليون متر مكعب في اليوم سوف تنخفض إلى رقم متدنٍ يدحض تلك الافتراضات وكافة السيناريوهات تماماً، وعلينا أن نفكر في الاستفادة من مياه تعلية الروصيرص والمخزنة في مروي والستيت قبل أن نبني خططنا على مياه سد النهضة غير المضمونة، وعلينا أن نتذكر أن إثيوبيا لديها «33» موقعاً لإنشاء سدود على النيل الأزرق وحده.. ونريد أن نحصر أنفسنا في مآخذ وثيقة إعلان المبادئ، كما أن الجميع يدركون تأرجح موقف السودان ممثلاً في وزارة الموارد المائية والكهرباء من موقف التأييد المطلق لسد النهضة بسعة «74» مليار متر مكعب قبل عامين، إلى اللجوء الآن بعد أن تم تنفيذ أكثر من 40% من السد واللجوء لدراسة الآثار السالبة والأضرار والمنافع وتكملة النقص في الدراسات في هذه المرحلة المتأخرة، وأريد أن أشير هنا إلى حديث السيد رئيس الجمهورية لقناة «الحياة اليوم» الذي نقلته صحيفة «السوداني» بأكمله، والذي جاء فيه «ولكن الطاقة التخزينية «74» مليار متر مكعب، وهي كبيرة وتحتاج إلى مراجعة والتأكيد على سلامة السد».. وإننا نناشد الإخوة الذين هم الآن معنا في الندوة ممثلين لكل الخبراء في وزارة الموارد المائية والكهرباء والذين أشرفوا مع آخرين على بلورة وثيقة إعلان المبادئ، نناشدهم مراجعة الموقف في ضوء ما أوضحناه من مآخذ وأضرار في وثيقة إعلان المبادئ لمراجعة موقف السودان عليها، حفاظاً على حقوق ومصالح السودان والأجيال القادمة.
والله الموفق.
صحيفة الانتباهة
المهندس كمال علي محمد
وزير الري الأسبق
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق