ياسر راشد
من المؤسف ان امر الانهيار الجزئي لكبري المنشية اصبح يجري بين الناس مجري النكتة، وكلاهما والله امران عظيمان. في كل يوم تزدان صفحات واتساب وفيسبوك برسومات وصور وبيانات توصف وتتحدث عن نفي الجقور لمسئوليتها عن انهيار الكبري واخري عن القطط التي تعد ما استطاعت من قوة ومن رباط الخيل للذود عن حياض الكباري التي علي انهار السودان، او عن تكوين قوات قططية للدعم السريع. وهو لعمري هزار ثقيل وينم علي قدر عال من السخف وهبوط الهمة. وأكاد أظن ان هناك جهد هائل ومال طائل يسخّر من قبل الآلة الإعلامية لجهاز الأمن والحزب الحاكم لترويج هذا الامر علي انه دعابة. والمحزن هو انسياقنا وراء هذا الهراء بدلاً عن الإصرار علي مواصلة طرح الأسئلة التي هي للإجابة من قبل المسئولين عن التخطيط والتنفيذ لهذا الكبري.
برزت في الصحف واجهزة التلفزة تصريحات ومقابلات مع مسئولين ومهندسين لسبر غور هذا الفشل العظيم، ولكنها في تقديري لا تعدو عن كونها ذَرّ للرماد في العيون، وما هي الا فترة وننسي ان هناك شخصيات ومؤسسات يجب ان تخضع للحساب ويجب ان يكون موقعها وراء قضبان السجن، او أسفل التراب.
ان ما يجري أمام ناظرينا مؤشر علي فساد بالغ من قبل نظام احترف الفساد، وخنوع مزرٍ من قبل شعب ادمن السذاجة حد الموت. برغم النوازل التي تتري علي بلادنا نتاجاً طبيعياً للاخفاقات الهائلة لهذا النظام، تجد اننا كشعب صرنا نستسهل مثل هذا الامر العظيم ونعيد إرسال كل رسالة واتسابية او فيسبوكية بما تحويه من سخافة نظن انها طرافة لقوائم أصدقائنا. نحن نقوم بإرسال ما صار مثل الأفيون الذي نخفف به عن مصابنا الجلل في كل مرة تبرز للسطح شبهة فشل او فساد، لنكون بذلك ضالعين في متلازمة الفشل التي ابتلينا بها لعقود طويلة.
في الاول من اغسطس من عام ٢٠٠٨، انهار كبري يعبر نهر المسيسبي في ولاية مينيسوتا الامريكية بعد اكثر من أربعين عاماً علي افتتاحه في سنة ١٩٦٧. بعد ذلك الحادث قام الرئيس الامريكي جورج بوش بزيارة موقع الحادث، والتزم بدعم الحكومة الفيدرالية لمجهودات ولاية مينيسوتا للتغلب علي اثار ذلك الحادث ولتشييد بديل في أسرع وقت للتخفيف من تبعات غياب ذلك المعبر الحيوي عن البنية التحتية للولاية. أعقب ذلك تحقيقات مطولة خلصت الي ان سبب انهيار الكبري كان خطا في تقدير حجم أحدي مكونات الهيكل الحديدي للكبري (gusset plates)، اضافة الي زيادة سمك الطبقة الاسمنتية التي تعلو الهيكل الحديدي نتيجة لاعمال الصيانة عبر السنين، اضافة الي الوزن الاضافي لمعدات كانت تستخدم لصيانة الكبري عندما انهار. كل تلك العوامل أدت الي اجهاد (fatigue) للكبري مما أدي اي انهياره. للوصول لذلك الاستنتاج استخدمت الجهات الاستشارية التي قامت بالتحقيق في الحادث تحليلاً لتصميم الكبري، نمذجة ومحاكاة حاسوبية، تحليل رقمي لصور الكبري، بالاضافة لتحليل الأجزاء المتآكلة من مكونات للهيكل الحديدي التي أدي الخطا في تقدير حجمها الي انهيار الكبري.
بموازاة ذلك التحقيق الهندسي المعتمد علي أقصي درجات العلمية والمهنية، رفعت قضايا مدنية عدة أدت بحكومة الولاية الي دفع تعويضات تفوق الخمسين مليوناً من الدولارات لضحايا الحادث، ولدفع الشركة سليلة الشركة المصممة الكبري ما يقارب التسعة ملايين من الدولارات تعويضاً لشعب الولاية علي التصميم الذي لم يراع للزيادة المستقبلية (قبل أربعة عقود) للحركة علي الكبري.
تلك كانت الحالة الامريكية، اما في الحالة السودانية، فلم نرَ رئيسنا الراقص في موقع الحدث يتفقد موارد الشعب الضائعة، فهو فيما يبدو كان مشغولاً بالتغطية علي الحرج الذي سببه بعض قومه في زواج بذخيّ مولته حسب ظن الكثيرين أموال هذا الشعب المكلوم. أيضاً لم نره يوجه بتحقيق هندسي او قضائي في الانهيار الجزئي للكبري حتي يعرف الشعب حقيقة ما جري. والادهي والامرّ هو ما طالعتنا به بعض الصحف من تصريحات منسوبة لوزير البني التحتية لولاية الخرطوم عن انه ليست للولاية نية في عمل تحقيق عن مسببات الانهيار الجزئي للكبري، وهو ما يفهم منه ان ليس ثمة من سيخضع للحساب نتيجة لهذا الفشل. اما التحقيقات الصحفية والمقابلات التلفزيونية، فهي تخلو من تحليل يعتمد علي الدليل المادي واعمال الوسائل الحديثة للوصول الي نتيجة يجتمع عليها أهل علوم هندسة الإنشاءات. ما قرأناه وسمعناه لا يعدو كونه ظنون مدعومة بمعرفة أولية لما يبدو ان يكون هو السبب او ان يكون هو المسبب للانهيار الجزئي لكبري المنشية.
اما عن فكرة او مبدأ المحاسبة، فلا أظن ان قام مواطن سوداني او هيئة سودانية برفع دعوي قضائية للنظر في محاسبة الجهات المصممة او المنفّذة اوالأجهزة التنفيذية او النافذة او المتنفّذة لضلوعها في هذا الفشل البائن.
وعود علي بدء، فان لعبة الباس ثوب الطرافة علي الأحداث التي من شانها ان تدعو للغضب قد أضحت لعبة يتقن نظام السوء أحكامها ويتقن شعبنا الغافل الالتهاء بها. وهي وسيلة للتنفيس عن غضب يغلي الي حين إطلاق نكتة اخري او افتعال خصومة اسفيرية بين فتاتين، او عداوة رياضية غبية بين ثريين مصنوعين، ومن ثم اطالة عمر نظام بات موقناً بفنائه ويفرفر كمذبوح. الشعوب التي حولنا استخدمت واتساب وفيسبوك للتواصل لاحداث ثورات أدت لتغيير سياسي في بلدانها، فمتي نعي مقدرات هذه الوسائط للقيام بالمثل في هذا السودان؟
وآن لنا ان نصحو من هذه الغفوة ومن تأثير أفيون النكتة لنقوم بتعرية هذا النظام وإرغامه علي التنحي او اقتلاعه ورميه في مزبلة التاريخ، الموضع الذي هو به لائق.
من المؤسف ان امر الانهيار الجزئي لكبري المنشية اصبح يجري بين الناس مجري النكتة، وكلاهما والله امران عظيمان. في كل يوم تزدان صفحات واتساب وفيسبوك برسومات وصور وبيانات توصف وتتحدث عن نفي الجقور لمسئوليتها عن انهيار الكبري واخري عن القطط التي تعد ما استطاعت من قوة ومن رباط الخيل للذود عن حياض الكباري التي علي انهار السودان، او عن تكوين قوات قططية للدعم السريع. وهو لعمري هزار ثقيل وينم علي قدر عال من السخف وهبوط الهمة. وأكاد أظن ان هناك جهد هائل ومال طائل يسخّر من قبل الآلة الإعلامية لجهاز الأمن والحزب الحاكم لترويج هذا الامر علي انه دعابة. والمحزن هو انسياقنا وراء هذا الهراء بدلاً عن الإصرار علي مواصلة طرح الأسئلة التي هي للإجابة من قبل المسئولين عن التخطيط والتنفيذ لهذا الكبري.
برزت في الصحف واجهزة التلفزة تصريحات ومقابلات مع مسئولين ومهندسين لسبر غور هذا الفشل العظيم، ولكنها في تقديري لا تعدو عن كونها ذَرّ للرماد في العيون، وما هي الا فترة وننسي ان هناك شخصيات ومؤسسات يجب ان تخضع للحساب ويجب ان يكون موقعها وراء قضبان السجن، او أسفل التراب.
ان ما يجري أمام ناظرينا مؤشر علي فساد بالغ من قبل نظام احترف الفساد، وخنوع مزرٍ من قبل شعب ادمن السذاجة حد الموت. برغم النوازل التي تتري علي بلادنا نتاجاً طبيعياً للاخفاقات الهائلة لهذا النظام، تجد اننا كشعب صرنا نستسهل مثل هذا الامر العظيم ونعيد إرسال كل رسالة واتسابية او فيسبوكية بما تحويه من سخافة نظن انها طرافة لقوائم أصدقائنا. نحن نقوم بإرسال ما صار مثل الأفيون الذي نخفف به عن مصابنا الجلل في كل مرة تبرز للسطح شبهة فشل او فساد، لنكون بذلك ضالعين في متلازمة الفشل التي ابتلينا بها لعقود طويلة.
في الاول من اغسطس من عام ٢٠٠٨، انهار كبري يعبر نهر المسيسبي في ولاية مينيسوتا الامريكية بعد اكثر من أربعين عاماً علي افتتاحه في سنة ١٩٦٧. بعد ذلك الحادث قام الرئيس الامريكي جورج بوش بزيارة موقع الحادث، والتزم بدعم الحكومة الفيدرالية لمجهودات ولاية مينيسوتا للتغلب علي اثار ذلك الحادث ولتشييد بديل في أسرع وقت للتخفيف من تبعات غياب ذلك المعبر الحيوي عن البنية التحتية للولاية. أعقب ذلك تحقيقات مطولة خلصت الي ان سبب انهيار الكبري كان خطا في تقدير حجم أحدي مكونات الهيكل الحديدي للكبري (gusset plates)، اضافة الي زيادة سمك الطبقة الاسمنتية التي تعلو الهيكل الحديدي نتيجة لاعمال الصيانة عبر السنين، اضافة الي الوزن الاضافي لمعدات كانت تستخدم لصيانة الكبري عندما انهار. كل تلك العوامل أدت الي اجهاد (fatigue) للكبري مما أدي اي انهياره. للوصول لذلك الاستنتاج استخدمت الجهات الاستشارية التي قامت بالتحقيق في الحادث تحليلاً لتصميم الكبري، نمذجة ومحاكاة حاسوبية، تحليل رقمي لصور الكبري، بالاضافة لتحليل الأجزاء المتآكلة من مكونات للهيكل الحديدي التي أدي الخطا في تقدير حجمها الي انهيار الكبري.
بموازاة ذلك التحقيق الهندسي المعتمد علي أقصي درجات العلمية والمهنية، رفعت قضايا مدنية عدة أدت بحكومة الولاية الي دفع تعويضات تفوق الخمسين مليوناً من الدولارات لضحايا الحادث، ولدفع الشركة سليلة الشركة المصممة الكبري ما يقارب التسعة ملايين من الدولارات تعويضاً لشعب الولاية علي التصميم الذي لم يراع للزيادة المستقبلية (قبل أربعة عقود) للحركة علي الكبري.
تلك كانت الحالة الامريكية، اما في الحالة السودانية، فلم نرَ رئيسنا الراقص في موقع الحدث يتفقد موارد الشعب الضائعة، فهو فيما يبدو كان مشغولاً بالتغطية علي الحرج الذي سببه بعض قومه في زواج بذخيّ مولته حسب ظن الكثيرين أموال هذا الشعب المكلوم. أيضاً لم نره يوجه بتحقيق هندسي او قضائي في الانهيار الجزئي للكبري حتي يعرف الشعب حقيقة ما جري. والادهي والامرّ هو ما طالعتنا به بعض الصحف من تصريحات منسوبة لوزير البني التحتية لولاية الخرطوم عن انه ليست للولاية نية في عمل تحقيق عن مسببات الانهيار الجزئي للكبري، وهو ما يفهم منه ان ليس ثمة من سيخضع للحساب نتيجة لهذا الفشل. اما التحقيقات الصحفية والمقابلات التلفزيونية، فهي تخلو من تحليل يعتمد علي الدليل المادي واعمال الوسائل الحديثة للوصول الي نتيجة يجتمع عليها أهل علوم هندسة الإنشاءات. ما قرأناه وسمعناه لا يعدو كونه ظنون مدعومة بمعرفة أولية لما يبدو ان يكون هو السبب او ان يكون هو المسبب للانهيار الجزئي لكبري المنشية.
اما عن فكرة او مبدأ المحاسبة، فلا أظن ان قام مواطن سوداني او هيئة سودانية برفع دعوي قضائية للنظر في محاسبة الجهات المصممة او المنفّذة اوالأجهزة التنفيذية او النافذة او المتنفّذة لضلوعها في هذا الفشل البائن.
وعود علي بدء، فان لعبة الباس ثوب الطرافة علي الأحداث التي من شانها ان تدعو للغضب قد أضحت لعبة يتقن نظام السوء أحكامها ويتقن شعبنا الغافل الالتهاء بها. وهي وسيلة للتنفيس عن غضب يغلي الي حين إطلاق نكتة اخري او افتعال خصومة اسفيرية بين فتاتين، او عداوة رياضية غبية بين ثريين مصنوعين، ومن ثم اطالة عمر نظام بات موقناً بفنائه ويفرفر كمذبوح. الشعوب التي حولنا استخدمت واتساب وفيسبوك للتواصل لاحداث ثورات أدت لتغيير سياسي في بلدانها، فمتي نعي مقدرات هذه الوسائط للقيام بالمثل في هذا السودان؟
وآن لنا ان نصحو من هذه الغفوة ومن تأثير أفيون النكتة لنقوم بتعرية هذا النظام وإرغامه علي التنحي او اقتلاعه ورميه في مزبلة التاريخ، الموضع الذي هو به لائق.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق