المنسي دير الغزالة
الحلقة الثانية..
تحقيق وتصوير: عباس عزت
حسرة على مواجع هذا البلد المغلوب على أمره.. يملك كنوزاً غالية لكنها على قارعة الطريق ملقاة بلا ثمن..
طلب مني رئيس التحرير أن أسافر إلى منطقة مروي خصيصاً لزيارة هذا الكنز المجهول (المنسي).. وهو كنز حقيقي.. لكن ربما لم يسمع به أحد.. وربما كثير من المسؤولين لم يعرفوا به إلا من خلال هذا التحقيق الصحفي الاستقصائي.. تعالوا معي إلى (دير الغزالة)..
الوصول إلى (دير الغزالة) مستحيل دون دليل من أهل المنطقة. قطعت المسافة من الخرطوم إلى مروي حيث ينتظرني دليل من أهل المنطقة ليقودني إلى هدفي..
ليس من وسيلة نقل إلى (دير الغزالة) رغم أنه لا يبعد من مروي سوى (11) كيلومتراً فقط.. لكنها رحلة في الصحراء بلا طريق معبد.. وقصص الذين ضلوا في الصحارى تمنع المغامرة..
الوسيلة الوحيدة المناسبة والمتاحة هي (البكاسي).. أستأجرت (بوكسي) خصيصاً لهذه الرحلة.. رغم قصر المسافة لكن وعورة الطريق تجعلها بعيدة..
تحركنا من مروي إلى (دير الغزالة) في تمام التاسعة صباحاً، سلكنا طريقا وعراً تتخلله الأودية والكثبان الرملية..
مررنا على وادي (أبودوم).. الطريق خال من أي لوحات ارشادية أو معالم واضحة.. رغم أنه طريق يقود إلى منطقة سياحية عالية الأهمية.. ولولا أن مرافقي في الرحلة الدكتور أبوزيد أحمد الرضي الباحث في تاريخ السودان القديم، ربما لم أمكننا أن نتعرف على أهمية الموقع.
دير.. أم واحة!!
أخيراً وصلت.. يا إلهي.. منظر لا يصدق.. واحة خضراء في قلب الصحراء.. الخضرة والماء.. الاسم الحقيقي هو (واحة الغزالة) لكن أبناء قبيلة الشايقية – كعادتهم- ينطقون الأسماء بإمالة فيقولون (الغزالي) بدلاً عن (الغزالة).. تماماً مثل ما ينطقون (كريمي) بدلاً عن (كريمة).. و(الزومي) بدلاً عن الزومة.
واحة دير الغزالة.. واحدة من عدة مناطق في هذه البلاد، حباها الله بالطبيعة والماء والتراث والفلكلور وآثار حضارات تعاقبت على مر العصور.. حظيرة سياحية قائمة فوق الصحراء، مفتوحة على السماء.. لكنها لم تجد من يلتفت إليها بعين العناية والاعتبار ليجعل منها حضارة سياحية أو اقتصاداً بديلاً، فهناك تحت رمالها حضارة إنسانية ضاربة فى القدم ممتدة على مدار 7 آلاف سنة. كل مقومات صناعة السياحة والزراعة، الملقاة تحت أقدام الإهمال و(المنسي) عاطلة ومعطلة.. جنة تحت أقدام الشياطين..
مدينة الأشباح..!!
على مشارف تلك الواحة المحاطة بالرمال من كل جانب، وبدون لوحات ارشادية، أو واجهة تستقبل الزوار، لاحت لنا في الأفق بقايا مساكن أشبه بمدينة الأشباح وكأنها مهجورة منذ آلاف السنين..
سألت مرافقي ودليلي، د. أبو زيد، عن أسباب الدمار الذي حل بالواحة. أجابني (الواحة تحولت لخرابة كبيرة منذ سنين طويلة، بعدما تسببت أمطار وسيول مدمرة في العام 1987 في قلب الواحة عاليها على سافلها..)
ذهبنا إلى أطلال (ديرالغزالي القديم)، الذي يقع على أعلى تلة في الواحة، وهو عبارة عن معبد قديم، تعاقبت عليه جميع الديانات، من الوثنية وحتى المسيحية.
المكان خال تماماً من البشر سوى رجل واحد فقط يعيش وحده.. هو العم الطاهر أحمد عوض الله.. يزرع مساحة صغيرة جعل منها بستاناً نضراً.. ولأنه الوحيد فقد عينوه في وظيفة (حارس الآثار) في المنطقة.. حارس (دير الغزالة)..
قال لي.. إن هذه المنطقة هجرها الناس في العام 1988 عندما اجتاحتها السيول الشهيرة.. فدمرت المرافق السكنية والخدمية التي كانت بها.. ومنها مدرسة..
الأهالي تركوا كل شئ وهجروها إلى مدينة مروي.. ومنذ ذلك التاريخ صارت خالية تماماً من البشر..
ويقول إنه من مواليد الغزالة، وإن كان لا يذكر تاريخ ميلاده بالضبط، ويقول إن جده (عوض الله حمد هميش)، هو أول من استوطن المنطقة قبل أكثر من 120 سنة عندما ضربت مجاعة سنة 6 السودان، قادماً من منطقة المناصير، وطاب له المقام بالواحة، ثم أحضر أهله وقاموا بزراعة الواحة بالنخيل والخضروات.
وفي عام 1951 زار علماء الآثار المنطقة وقاموا التنقيب، عن المعبد القديم، وقاموا بتسويره ووضعوا عليه لافتة كتب عليها (يجب المحافظة على هذه الآثار). ونصبوا جده خفيراً على الموقع وجعلوه رئيساً للمنطقة. وبعد وفاة جده، خلفه والده ثم آلت الوظيفة إليه بعد وفاة والده منذ 15 سنة.
حارس (دير الغزالة) قال لي إن الواحة قبل الخراب الذي طالها، كانت مزدهرة جميلة نضرة، وكان وادي أبو دوم ضخما جداً والمياه متوفرة. وكانت الواحة مأهولة بالسكان الذين توافدوا اليها من المناطق القريبة. وكانت تشتهر بزراعة النخيل والخضروات، وبها مركز صحي ومدارس ومساجد، إلا أن السيل قضى على كل شئ، مما جعل الأهالي يهربون إلى مروي وأصبحت المنطقة مهجورة، والآثار عُرضة للسرقة.
ثم استدرك قائلاً: (نسيت أن أخبرك بأن المنطقة كانت بها أسراب كبيرة من الغزلان والأرانب التي ترد الوادي للشرب في فصل الخريف، وكان الانجليز يحرمون صيدها لما تضفيه من جمال للمنطقة..) ويبدو أن هذا هو سر تسميتها بـ(الغزالة) لكثرة الغزلان بها.
ويتحسر العم الطاهر، على واحة الغزالة بمياه واديها وخضرة أشجارها ونخيلها وكذا أسراب الغزلان التي كانت تنتشر بكثافةٍ فيها، ويتذكرالعصر الذهبي الذي عاشته هذه الواحة التي كانت تجذب إليها السياح الأوربيين آنذاك من أجل التمتع بجَمال ورونق الواحة وكذا من أجل زيارة الدير المطل على الواحة من ربوة عالية، (وا آسفاه على حاضر يدفن الماضي بالحسرة).
الواحة بقيت في طي النسيان وبعيدة عن أعين الجميع، ويقارن العم طاهر بين ماضيها (زمن الانجليز كانت الواحة نظيفة ومزدهرة، والآن تدهورت بسبب الإهمال، وأصبحت الآثار لقمة سائغة للصوص والناس يقضون حوائجهم داخل غرف الآثار..)
الواحة بحاجة لمشاريع مستقبلية، ولا يحتاج الأمر سوى لقليل من التخطيط والنظر، لتصبح الواحة عاصمة حقيقية للسياحة الصحراوية بالمنطقة، وهو أمر سهل وبسيط، لما تتوفر عليه من مقومات سياحية حية وبارزة للعيان، ويمكن أن تصبح قطبا سياحيا عالميا بأقل مجهود، وبما أن الطبيعة الصحراوية لا تتطلب تشييد الفنادق، بل منتجعات خفيفة، وبيوت تقليدية، ومخيمات، باعتبار أن نوع هذه السياحة يندرج في إطار الاستكشاف والمغامرة، وليس الرفاهية..
عندما تقف على أطلال دير الغزالة تزداد حزنا على الواحة التي فقدت ما يميزها، تجد آثارا في أرض الدير لبعض الاستخدامات القديمة للسكان الأصليين، كمخازن حبوب ودقها أو لحفظ الطعام، وحوض التعميد والمحراب وغرف الرهبان، وبقايا أعمدة جرانيتية..
عاصمة دينية!!
ويقول مرافقي د. أبوزيد، دير الغزالة يمثل العاصمة الدينية لمملكة نبتة القديمة، يقيم به الكهنة والرهبان وكبار رجال الدين، وكانت تقام به الأعياد السنوية، وفي بادئ الأمر كانت الديانة وثنية لعبدة إله الشمس، ثم تحولت إلى كنيسة مسيحية، وبعد ظهور الإسلام بالمنطقة توقف الدير عن النشاط، وكانت في عهد الاستعمار محمية بريطانية، تضم آثارا ذات قيمة تاريخية، وبعد خروج الانجليز، اهملت تماما تعرض الدير للسلب والنهب، والآن أصبحت خرابة ينعق فيها البوم، وزحفت عليها الرمال وغطت كثيرا من معالمها، والمنطقة الآن تحتاج لإقامة مشروع زراعي لإعادة توطين الأهالي الذين هجروها، وتوفير الخدمات اللازمة لاستقرارهم حتى يساهموا في حماية الآثار..
أثناء زيارتي للمعبد تصادف وجود فوج سياح أوروبي، سألت إحدى السائحات عن انطباعها عن المنطقة.. أجابتني إجابة مقتضبة: المنطقة تحتاج إلى دورات مياه، ثم انصرفت إلى حال سبيلها..
عروس. في انتظار العريس!!
واحة الغزالي في حاجة ماسة إلى إعداد طبيعي وإنجاز مشروع لتهيئة الواحة وتفعيل مشاريع سياحية كإنشاء مطاعم ومقاهي وفضاء خاص للعب بالنسبة للأطفال إنّ إعادة الاعتبار لهذه الواحة بإنجاز هذه المشاريع سوف ينعكس إيجاباً على شباب المنطقة وتوفر وظائف عديدة سواء مباشرة أو غير مباشرة.. نتمنى أن يجد هذا النداء آذاناً صاغية، علما بأن المنطقة تضم كنزا من الأراضي الزراعية، لا تحتاج سوى إرادة لحفر آبار سطحية لزيادة الرقعة الزراعية، فضلا عن الكنز الأكبر، وهو الصحراء البيضاء، التي تبدو بسحر طبيعتها، كأنها جزء من كتب الأساطير..
ونواصل..
الحلقة الثانية..
تحقيق وتصوير: عباس عزت
حسرة على مواجع هذا البلد المغلوب على أمره.. يملك كنوزاً غالية لكنها على قارعة الطريق ملقاة بلا ثمن..
طلب مني رئيس التحرير أن أسافر إلى منطقة مروي خصيصاً لزيارة هذا الكنز المجهول (المنسي).. وهو كنز حقيقي.. لكن ربما لم يسمع به أحد.. وربما كثير من المسؤولين لم يعرفوا به إلا من خلال هذا التحقيق الصحفي الاستقصائي.. تعالوا معي إلى (دير الغزالة)..
الوصول إلى (دير الغزالة) مستحيل دون دليل من أهل المنطقة. قطعت المسافة من الخرطوم إلى مروي حيث ينتظرني دليل من أهل المنطقة ليقودني إلى هدفي..
ليس من وسيلة نقل إلى (دير الغزالة) رغم أنه لا يبعد من مروي سوى (11) كيلومتراً فقط.. لكنها رحلة في الصحراء بلا طريق معبد.. وقصص الذين ضلوا في الصحارى تمنع المغامرة..
الوسيلة الوحيدة المناسبة والمتاحة هي (البكاسي).. أستأجرت (بوكسي) خصيصاً لهذه الرحلة.. رغم قصر المسافة لكن وعورة الطريق تجعلها بعيدة..
تحركنا من مروي إلى (دير الغزالة) في تمام التاسعة صباحاً، سلكنا طريقا وعراً تتخلله الأودية والكثبان الرملية..
مررنا على وادي (أبودوم).. الطريق خال من أي لوحات ارشادية أو معالم واضحة.. رغم أنه طريق يقود إلى منطقة سياحية عالية الأهمية.. ولولا أن مرافقي في الرحلة الدكتور أبوزيد أحمد الرضي الباحث في تاريخ السودان القديم، ربما لم أمكننا أن نتعرف على أهمية الموقع.
دير.. أم واحة!!
أخيراً وصلت.. يا إلهي.. منظر لا يصدق.. واحة خضراء في قلب الصحراء.. الخضرة والماء.. الاسم الحقيقي هو (واحة الغزالة) لكن أبناء قبيلة الشايقية – كعادتهم- ينطقون الأسماء بإمالة فيقولون (الغزالي) بدلاً عن (الغزالة).. تماماً مثل ما ينطقون (كريمي) بدلاً عن (كريمة).. و(الزومي) بدلاً عن الزومة.
واحة دير الغزالة.. واحدة من عدة مناطق في هذه البلاد، حباها الله بالطبيعة والماء والتراث والفلكلور وآثار حضارات تعاقبت على مر العصور.. حظيرة سياحية قائمة فوق الصحراء، مفتوحة على السماء.. لكنها لم تجد من يلتفت إليها بعين العناية والاعتبار ليجعل منها حضارة سياحية أو اقتصاداً بديلاً، فهناك تحت رمالها حضارة إنسانية ضاربة فى القدم ممتدة على مدار 7 آلاف سنة. كل مقومات صناعة السياحة والزراعة، الملقاة تحت أقدام الإهمال و(المنسي) عاطلة ومعطلة.. جنة تحت أقدام الشياطين..
مدينة الأشباح..!!
على مشارف تلك الواحة المحاطة بالرمال من كل جانب، وبدون لوحات ارشادية، أو واجهة تستقبل الزوار، لاحت لنا في الأفق بقايا مساكن أشبه بمدينة الأشباح وكأنها مهجورة منذ آلاف السنين..
سألت مرافقي ودليلي، د. أبو زيد، عن أسباب الدمار الذي حل بالواحة. أجابني (الواحة تحولت لخرابة كبيرة منذ سنين طويلة، بعدما تسببت أمطار وسيول مدمرة في العام 1987 في قلب الواحة عاليها على سافلها..)
ذهبنا إلى أطلال (ديرالغزالي القديم)، الذي يقع على أعلى تلة في الواحة، وهو عبارة عن معبد قديم، تعاقبت عليه جميع الديانات، من الوثنية وحتى المسيحية.
المكان خال تماماً من البشر سوى رجل واحد فقط يعيش وحده.. هو العم الطاهر أحمد عوض الله.. يزرع مساحة صغيرة جعل منها بستاناً نضراً.. ولأنه الوحيد فقد عينوه في وظيفة (حارس الآثار) في المنطقة.. حارس (دير الغزالة)..
قال لي.. إن هذه المنطقة هجرها الناس في العام 1988 عندما اجتاحتها السيول الشهيرة.. فدمرت المرافق السكنية والخدمية التي كانت بها.. ومنها مدرسة..
الأهالي تركوا كل شئ وهجروها إلى مدينة مروي.. ومنذ ذلك التاريخ صارت خالية تماماً من البشر..
ويقول إنه من مواليد الغزالة، وإن كان لا يذكر تاريخ ميلاده بالضبط، ويقول إن جده (عوض الله حمد هميش)، هو أول من استوطن المنطقة قبل أكثر من 120 سنة عندما ضربت مجاعة سنة 6 السودان، قادماً من منطقة المناصير، وطاب له المقام بالواحة، ثم أحضر أهله وقاموا بزراعة الواحة بالنخيل والخضروات.
وفي عام 1951 زار علماء الآثار المنطقة وقاموا التنقيب، عن المعبد القديم، وقاموا بتسويره ووضعوا عليه لافتة كتب عليها (يجب المحافظة على هذه الآثار). ونصبوا جده خفيراً على الموقع وجعلوه رئيساً للمنطقة. وبعد وفاة جده، خلفه والده ثم آلت الوظيفة إليه بعد وفاة والده منذ 15 سنة.
حارس (دير الغزالة) قال لي إن الواحة قبل الخراب الذي طالها، كانت مزدهرة جميلة نضرة، وكان وادي أبو دوم ضخما جداً والمياه متوفرة. وكانت الواحة مأهولة بالسكان الذين توافدوا اليها من المناطق القريبة. وكانت تشتهر بزراعة النخيل والخضروات، وبها مركز صحي ومدارس ومساجد، إلا أن السيل قضى على كل شئ، مما جعل الأهالي يهربون إلى مروي وأصبحت المنطقة مهجورة، والآثار عُرضة للسرقة.
ثم استدرك قائلاً: (نسيت أن أخبرك بأن المنطقة كانت بها أسراب كبيرة من الغزلان والأرانب التي ترد الوادي للشرب في فصل الخريف، وكان الانجليز يحرمون صيدها لما تضفيه من جمال للمنطقة..) ويبدو أن هذا هو سر تسميتها بـ(الغزالة) لكثرة الغزلان بها.
ويتحسر العم الطاهر، على واحة الغزالة بمياه واديها وخضرة أشجارها ونخيلها وكذا أسراب الغزلان التي كانت تنتشر بكثافةٍ فيها، ويتذكرالعصر الذهبي الذي عاشته هذه الواحة التي كانت تجذب إليها السياح الأوربيين آنذاك من أجل التمتع بجَمال ورونق الواحة وكذا من أجل زيارة الدير المطل على الواحة من ربوة عالية، (وا آسفاه على حاضر يدفن الماضي بالحسرة).
الواحة بقيت في طي النسيان وبعيدة عن أعين الجميع، ويقارن العم طاهر بين ماضيها (زمن الانجليز كانت الواحة نظيفة ومزدهرة، والآن تدهورت بسبب الإهمال، وأصبحت الآثار لقمة سائغة للصوص والناس يقضون حوائجهم داخل غرف الآثار..)
الواحة بحاجة لمشاريع مستقبلية، ولا يحتاج الأمر سوى لقليل من التخطيط والنظر، لتصبح الواحة عاصمة حقيقية للسياحة الصحراوية بالمنطقة، وهو أمر سهل وبسيط، لما تتوفر عليه من مقومات سياحية حية وبارزة للعيان، ويمكن أن تصبح قطبا سياحيا عالميا بأقل مجهود، وبما أن الطبيعة الصحراوية لا تتطلب تشييد الفنادق، بل منتجعات خفيفة، وبيوت تقليدية، ومخيمات، باعتبار أن نوع هذه السياحة يندرج في إطار الاستكشاف والمغامرة، وليس الرفاهية..
عندما تقف على أطلال دير الغزالة تزداد حزنا على الواحة التي فقدت ما يميزها، تجد آثارا في أرض الدير لبعض الاستخدامات القديمة للسكان الأصليين، كمخازن حبوب ودقها أو لحفظ الطعام، وحوض التعميد والمحراب وغرف الرهبان، وبقايا أعمدة جرانيتية..
عاصمة دينية!!
ويقول مرافقي د. أبوزيد، دير الغزالة يمثل العاصمة الدينية لمملكة نبتة القديمة، يقيم به الكهنة والرهبان وكبار رجال الدين، وكانت تقام به الأعياد السنوية، وفي بادئ الأمر كانت الديانة وثنية لعبدة إله الشمس، ثم تحولت إلى كنيسة مسيحية، وبعد ظهور الإسلام بالمنطقة توقف الدير عن النشاط، وكانت في عهد الاستعمار محمية بريطانية، تضم آثارا ذات قيمة تاريخية، وبعد خروج الانجليز، اهملت تماما تعرض الدير للسلب والنهب، والآن أصبحت خرابة ينعق فيها البوم، وزحفت عليها الرمال وغطت كثيرا من معالمها، والمنطقة الآن تحتاج لإقامة مشروع زراعي لإعادة توطين الأهالي الذين هجروها، وتوفير الخدمات اللازمة لاستقرارهم حتى يساهموا في حماية الآثار..
أثناء زيارتي للمعبد تصادف وجود فوج سياح أوروبي، سألت إحدى السائحات عن انطباعها عن المنطقة.. أجابتني إجابة مقتضبة: المنطقة تحتاج إلى دورات مياه، ثم انصرفت إلى حال سبيلها..
عروس. في انتظار العريس!!
واحة الغزالي في حاجة ماسة إلى إعداد طبيعي وإنجاز مشروع لتهيئة الواحة وتفعيل مشاريع سياحية كإنشاء مطاعم ومقاهي وفضاء خاص للعب بالنسبة للأطفال إنّ إعادة الاعتبار لهذه الواحة بإنجاز هذه المشاريع سوف ينعكس إيجاباً على شباب المنطقة وتوفر وظائف عديدة سواء مباشرة أو غير مباشرة.. نتمنى أن يجد هذا النداء آذاناً صاغية، علما بأن المنطقة تضم كنزا من الأراضي الزراعية، لا تحتاج سوى إرادة لحفر آبار سطحية لزيادة الرقعة الزراعية، فضلا عن الكنز الأكبر، وهو الصحراء البيضاء، التي تبدو بسحر طبيعتها، كأنها جزء من كتب الأساطير..
ونواصل..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق