حلفاية الملوك.. وفرة المياه في الشوارع وانعدامها في المنازل

تحقيق وتصوير: عباس عزت  

شكا عدد من أهالي حلفاية الملوك من الانقطاع المتكرر للمياه؛ نتيجة للكسور الناتجة من تآكل شبكة (الأسبستوس)- المحظورة-، ومن ضعف خدمات النظافة، وترديها، في الحى، مبدين دهشتهم من عدم التفات الجهات المعنية، وقالوا: إن الحلفايا تفتقد أهم عنصر بيئي، وهو النظافة في جميع الأحياء السكنية والشوارع والطرق، حيث أصبحت البيئة غير صحية جراء تكدس النفايات، التي تتسبب في انتشار الأوبئة الضارة، وانعدام أعمال الرش داخل الأحياء السكنية، حيث ينتشر البعوض المسبب للملاريا، وغيرها، مطالبين بإيجاد مرمى للنفايات بعيدًا عن المنطقة، بدلًا من رميها في أطراف الحي، وإحراقها- بشكل مستمر..

كما أبدوا تذمرهم من انتشار الحفريات التي يخلفها عمال هيئة توفير المياه، في أماكن مختلفة من شوارع المنطقة، ما ينتج عنه تكون عديد من المستنقعات التي تتراكم فيها المياه الراكدة والأوساخ، محملين المسؤولية لعمال مكتب مياه الحلفايا، الذين يقومون بأعمال الصيانة، وتركهم لها فترة من الزمن دون ردمها، غير مبالين بما يترتب عليها من أضرار للمواطنين.

ويقول المواطن معتز أحمد زكي، (عضو اللجنة الأهلية العامة لحلفاية الملوك): إننا نعيش في معاناة طويلة، وما زالت مستمرة؛ بسبب الحفريات المؤلمة والعميقة- أيضاً، التي سببتها هيئة توفير المياه، ولم تعِدها إلى وضعها الطبيعي، حيث كان من المفترض أن تكون هناك خصوصية عند تنفيذ مشاريع الحفريات في شوارع الحلفايا؛ لأن غالبيتها مكتظة بالسكان، وأية عرقلة لحركة السير يتضرر منها كثيرون، ونحن تعرضنا إلى أضرار كثيرة؛ نتيجة أعمال الحفريات المنفذة- حالياً- دون ضوابط، كما إن هذه الحفريات تسببت في توقف خط مواصلات (الحلفايا – بحري)- تماماً- بعد أن تعذر مرور وسائل المواصلات المختلفة عليه؛ نتيجة للدمار الشامل الذي حل به، جراء انتشار الحفر العميقة والمطبات، التي تكونت بسبب تدفق مياه الشبكة المهترئة، والتي نفذت في ستينيات القرن الماضي، الأمر الذي ضاعف من معاناة سكان الحلفايا، الذين يتوجب عليهم ركوب الركشات حتى يصلوا إلى خطوط المواصلات في شارع المعونة، الذي يبعد كثيراً عن شارع مواصلات الحلفاية القديم، وفي هذا أعباء مالية جديدة عليهم.

وبالنسبه للأوساخ الموجودة على أطراف السوق يقول معتز: هي تقصير من هيئة النظافة- على الرغم من أن التجار ملتزمون بدفع فاتورة النفايات-، وأن السوق يعدّ المصدر الأكبر للنفايات، حيث تخرج منه- يومياً- كميات هائلة من النفايات، يقوم أصحاب المحلات بتركها على حافة شارع الأسفلت، على أمل أن تأخذها عربة النفايات التي لا تأتي- بصورة منتظمة- وقد تغيب في بعض الأحيان عدة أيام؛ مما يؤدى إلى انتشار النفايات داخل شوارع الحي بفعل الرياح، و"نابشي" القمامة، ثم ختم حديثه متسائلاً عن مصير عربة النفايات التي تبرع بها بعض أبناء الحلفايا العاملون في الخارج، والتي أحضرت من أسبانيا- خصيصاً- لخدمة منطقة الحلفايا قبل سنتين، إلا أنها لم تعمل أكثر من أسبوع ثم اختفت، ولا نعلم مصيرها حتى الآن، وكان في نية أبناء الحلفاية الذين تبرعوا بتلك العربة شراء عربات أخرى، لكنهم عندما علموا بمصير الأولى أحجموا عن إرسال أية عربة أخرى، والآن منطقة الحلفايا تعاني من تكدس الأوساخ على الشوارع الداخلية وأطراف الحي التي أصبحت بؤراً لتوالد البعوض والذباب.

أما المواطن محمد مكي الهاشمي (عضو اللجنة الأهلية العامة لحلفاية الملوك) فيقول:

من الضرورة إعادة النظر في شبكات مياه الحلفايا التي مضت على إنشائها سنوات طويلة، عندما كان إمداد الحي بواسطة الصهريج الذي توقف عن العمل عشر سنوات أو أكثر، ولم تعد تفي باحتياجات السكان جراء ازدياد أعدادهم وأعداد الامتدادات السكنية التي تتصل بشبكة المياه، وأضاف أن هيئة توفير المياه تقوم بتنفيذ مشروع توسعة شبكة المياه- حالياً- في بعض أجزاء الحي لكن أعمال التنفيذ تسير ببطء شديد، وقد لا تؤدي إلى حل جذري لمشكلة انقطاع المياه- بصفة مستمرة- عن المنطقة- حالياً- الحلفايا توسعت وزاد استهلاك الناس من الماء، وكثرت الامتدادات السكنية، وتطورت الحمامات البلدية إلى سايفونات.

وعن الكسورات المتعددة والمتكررة في الشبكة، يقول محمد الهاشمي: يعود السبب إلى قدم شبكة "الأسبيستوس"، والتي انتهى عمرها الافتراضي- من زمان بعيد-، إن ظاهرة تسرب مياه الشبكة تتكرر كل عدة أيام، ولم تتوقف منذ ثلاث سنوات، وأكد محمد الهاشمي أن برك المياه تنتشر في عدد من شوارع الحلفايا، دون أي تحرك من مسؤولي هيئة توفير المياه، وأن المسؤولين لا يمكن الوصول إليهم.

وأضاف: اتصلنا عدة مرات على الخط الساخن دون إجابة، وعندما رد أحد موظفي الشركة في إحدى المرات، جاء عامل لإصلاح الخط الرئيس، وقام برط مكان الكسر بأنبوبة عجلة داخلية، ثم ترك بركة من المياه في المنطقة؛ لتوالد البعوض واصطياد أكياس البلاستيك، دون شفط وردم، وأشار إلى أن المياه التي تحيط بالحلفايا من جميع الجهات جمعت أسراباً من البعوض والذباب، ما أدى إلى عودة مرض الملاريا إلى المنطقة- بعد غيبة طويلة، وأشار إلى أن مياه المواسير اختلطت بالنفايات المتجمعة، وانبعثت الروائح الكريهة من هذه البرك- بشكل لا يطاق، لافتاً إلى أن هيئة النظافة في محلية بحري لا تعر المنطقة أدنى اهتمام..

وختم حديثه مطالباً والي الخرطوم بتوجيه جهات الاختصاص بتغيير شبكة المياه القديمة، وإعادة تأهيل وسفلتة شارع الأسفلت (الحلفايا بالنص)، الذي اصبح في خبر كان؛ بفعل انفجارات شبكة المياه القديمة التي تمر من تحته، وأدت إلى تدميره- بالكامل-؛ مما أدى بسائقي وسائل المواصلات إلى هجره تماماً.

وختمت جولتي بلقاء المهندس (محمد صالح البخيت شاور)، نائب مدير عام هيئة توفير المياه- الأسبق، والخبير في مياه المدن والريف، والحاصل على إجازة من جامعة ليدز في بريطانيا، الذي لخص المشكلة في سوء الإدارة، قائلاً: إن جميع الإمكانيات المادية والبشرية متوفرة، ولكن سوء الإدارة، وعدم وضع الرجل المناسب في المكان المناسب، هو السبب في هذا التردي المريع في خدمات هيئة توفير المياه، وذكر أن أهالي حلفاية الملوك يعانون سوء الشوارع والحفريات المستمرة منذ سنوات طويلة؛ بسبب الكسور المتكررة في شبكة المياه الداخلية، ما أزعج سكان هذا الحي، واضطرهم إلى استخدام عمال يومية على نفقتهم الخاصة؛ لترقيع الشبكة بأكياس البلاستيك، ولساتك العجلات الداخلية، وردم هذه الحفريات، ولكن سرعان ما يحدث كسر جديد، وتزول الردميات، وتتجمع المياه في الشوارع، وتعيق حركة السكان، إضافة إلى عرقلة حركة سير المركبات، وأضاف أن الكسور زادت- بشكل مخيف- في الآونة الأخيرة؛ ما ضاعف معاناة الأهالي حيث توفر المياه بكثرة في الشوارع، وانعدامها في البيوت، ولفت إلى تضررهم من انبعاث الروائح الكريهة المصاحبة للمياه بعد تجمعها في الحفريات واختلاطها بالنفايات وتغير لونها بشكل واضح؛ ما يشكِّل خطراً كبيرا على صحتهم، وأكد أن أهالي الحي تقدموا بعدة شكاوى رسمية إلى هيئة المياه، وتمت مراجعتها أكثر من مرة؛ لمعالجة الشبكة وإيجاد حلول لهذه المستنقعات في الشارع، لكن دون جدوى، ولم نجد سوى الوعود، وبقاء هذه الحفريات فترة طويلة دون ردم.

وأثناء مغادرتي الحلفاية- عبر أحد الشوارع الداخلية- لفت نظري نفر من عمال هيئة توفير المياه (يغرفون) مياه إحدى الحفريات المنتشرة في المنطقة، اقتربت منهم أكثر، وجدت أحدهم يقوم بقص أكياس البلاستيك والأنابيب الداخلية لإطارات السيارات، ويقوم بمدها إلى زميله القابع داخل الحفرة، سألتهم عن نوعية قطع الغيار التي يستخدمونها لإصلاح كسور الشبكة، فأجابني أحدهم بأن الهيئة لا توفر لنا قطع غيار، ويطلب منا المسؤولون الذهاب إلى تصبير المواطنين- بأي شكل كان- (يعني تصبيرة وكده) على حد قوله..