الطاهر ساتي
وما إن توقف قطار النيل بمحطة عطبرة قبيل التاسعة مساء بدقائق، حتى استقبلنا الظلام إلا من ومضات متفرقة تُشير إلى بعض الفنادق والمطاعم التي لم تَنَمْ بعد، ثم نصف شارع تقريباً.. أعمدة الكهرباء على مد البصر في كل الشوارع، ومع ذلك لا أضواء غير التي تولدها كهرباء السيارات.. وسلسلة تلال سوداء موازية للشوارع، مرتفعة هنا ومنخفضة هناك، ولكنها مرصوصة بحيث لم تترك فراغاً على طول الشوارع، وشمس اليوم التالي تكشف أن تلك التلال السوداء لم تكن سوى (نفايات)!
:: نعم، عطبرة تغرق في بحر نفاياتها، ومجاري المياه والصرف الصحي بمثابة مخزن لكل أكياس المدينة وعُشبها، والسائق يحدثنا بأن عطبرة كانت تضاهي لندن في النظافة.. وتلك أسطوانة نسمعها في كل مدائن البلد وكأن النظافة صارت تاريخاً يُدرس في مدارس البلد، ولم تعد تصلح بحيث تكون واقعاً في حاضر الناس.. والمعتمد الجديد في مرحلة شراء الآليات، ولحين فرز العطاء لن يفرز العطبرواي شوارع المدينة عن بيوتاتها من تراكم تلال النفايات وجبالها، ولذلك اقترحنا بأن القطاع الخاص هو الأفضل - لمثل هذه الخدمة - في حال توفر الرقابة الحكومية والمنافسة الشريفة في (العرض والطلب).
:: العاشرة مساء ولا حراك إلا بجوار المستشفى وبعض المطاعم.. علماً بأن صافرة السكة حديد الشهيرة التي كانت تنام على صفيرها عطبرة وتصحو (مُعطلة).. ولأننا شعب مغرم بكل ما هو مُباد ومندثر، ناشدناهم إعادة الصافرة إلى حياة أهل عطبرة، ووجدنا وعداً رسمياً فحواه: (والله ممكن نشوف مشكلتها شنو ونحلها).. وقد تعود الصافرة بهذا الوعد، ولكن بلسان حال قائل بعد صفيرها الأول: (فَلا الأَذانُ أَذانٌ في مَنارَتِهِ إِذا تَعالى وَلا الآذانُ آذانُ). لقد انعتقت عطبرة من السكة حديد وكل تفاصيلها، بما فيها تلك الصافرة.. نعم، فالهيئة وقطاراتها وصافرتها لم تعد إلا محض ذكرى في حياة أهل عطبرة!
:: وبالمناسبة، بعض الأهل بعطبرة يشكرون محمد الحسن الأمين على ارتكابه لأكبر مجزرة في تاريخ السكة حديد حين أحال الآلاف إلى الصالح العام بـ(جرة قلم)، ولم يسأله ضميره - عند اتخاذ القرار الجائر - عن مصيرهم ومصائر أسرهم.. يشكرونه - رغم ما في أنفسهم من ألم - لأن الله أبدلهم خيراً في الرزق والكسب الحلال بعيداً عن ظلال هيئة شيدوها بسواعدهم وعقولهم، وتركوا من فصلهم لا يهدأ له بال ولا يطيب له مقام إلا تحت ظل السلطة التي فارق من أجلها (شيخه وحزبه)، وهكذا البعض - كما نبات الظل - لا تفرهد أوراق حياته في الشمس والهواء الطلق أبداً.. كوادر كورية وأخرى رومانية هي التي تُعيد تأهيل بعض القطارات حالياً في (ورش عطبرة)، وهي ذات القطارات التي كانت تعيد تأهيلها الكوادر سودانية المحالة للصالح العام قبل أن ترسخ علومها وخبراتها في أبنائها!
:: ثم مهندس من أبناء دولة جنوب السودان تم توفيق أوضاعه وإقامته لسد العجز في الكفاءة، وما هذا إلا بعض حصاد (تشريد الكفاءة).. المهم، هناك أمل في مشروعين، أحدهما كوري والآخر روماني، وبتمويل قدره (10.000.000 يورو)، أوجدا حراكاً ونشاطاً في الورش، أحدهما يستهدف تأهيل (7 قطارات، ساحبات) والآخر يستهدف تأهيل (10 قطارات ساحبات)، وبعدها يرفع سعة النقل بإذن الله (200.000 طن شهرياً)، أو هذا هو الأمل المرتجى لتعود إلى هيئة السكة حديد بعض سيرتها الأولى.. وفي غير هذه المساحة، بالصور، بعض المشاهد والحكايات من عطبرة قريباً بإذن الله.
صحيفة السوداني
وما إن توقف قطار النيل بمحطة عطبرة قبيل التاسعة مساء بدقائق، حتى استقبلنا الظلام إلا من ومضات متفرقة تُشير إلى بعض الفنادق والمطاعم التي لم تَنَمْ بعد، ثم نصف شارع تقريباً.. أعمدة الكهرباء على مد البصر في كل الشوارع، ومع ذلك لا أضواء غير التي تولدها كهرباء السيارات.. وسلسلة تلال سوداء موازية للشوارع، مرتفعة هنا ومنخفضة هناك، ولكنها مرصوصة بحيث لم تترك فراغاً على طول الشوارع، وشمس اليوم التالي تكشف أن تلك التلال السوداء لم تكن سوى (نفايات)!
:: نعم، عطبرة تغرق في بحر نفاياتها، ومجاري المياه والصرف الصحي بمثابة مخزن لكل أكياس المدينة وعُشبها، والسائق يحدثنا بأن عطبرة كانت تضاهي لندن في النظافة.. وتلك أسطوانة نسمعها في كل مدائن البلد وكأن النظافة صارت تاريخاً يُدرس في مدارس البلد، ولم تعد تصلح بحيث تكون واقعاً في حاضر الناس.. والمعتمد الجديد في مرحلة شراء الآليات، ولحين فرز العطاء لن يفرز العطبرواي شوارع المدينة عن بيوتاتها من تراكم تلال النفايات وجبالها، ولذلك اقترحنا بأن القطاع الخاص هو الأفضل - لمثل هذه الخدمة - في حال توفر الرقابة الحكومية والمنافسة الشريفة في (العرض والطلب).
:: العاشرة مساء ولا حراك إلا بجوار المستشفى وبعض المطاعم.. علماً بأن صافرة السكة حديد الشهيرة التي كانت تنام على صفيرها عطبرة وتصحو (مُعطلة).. ولأننا شعب مغرم بكل ما هو مُباد ومندثر، ناشدناهم إعادة الصافرة إلى حياة أهل عطبرة، ووجدنا وعداً رسمياً فحواه: (والله ممكن نشوف مشكلتها شنو ونحلها).. وقد تعود الصافرة بهذا الوعد، ولكن بلسان حال قائل بعد صفيرها الأول: (فَلا الأَذانُ أَذانٌ في مَنارَتِهِ إِذا تَعالى وَلا الآذانُ آذانُ). لقد انعتقت عطبرة من السكة حديد وكل تفاصيلها، بما فيها تلك الصافرة.. نعم، فالهيئة وقطاراتها وصافرتها لم تعد إلا محض ذكرى في حياة أهل عطبرة!
:: وبالمناسبة، بعض الأهل بعطبرة يشكرون محمد الحسن الأمين على ارتكابه لأكبر مجزرة في تاريخ السكة حديد حين أحال الآلاف إلى الصالح العام بـ(جرة قلم)، ولم يسأله ضميره - عند اتخاذ القرار الجائر - عن مصيرهم ومصائر أسرهم.. يشكرونه - رغم ما في أنفسهم من ألم - لأن الله أبدلهم خيراً في الرزق والكسب الحلال بعيداً عن ظلال هيئة شيدوها بسواعدهم وعقولهم، وتركوا من فصلهم لا يهدأ له بال ولا يطيب له مقام إلا تحت ظل السلطة التي فارق من أجلها (شيخه وحزبه)، وهكذا البعض - كما نبات الظل - لا تفرهد أوراق حياته في الشمس والهواء الطلق أبداً.. كوادر كورية وأخرى رومانية هي التي تُعيد تأهيل بعض القطارات حالياً في (ورش عطبرة)، وهي ذات القطارات التي كانت تعيد تأهيلها الكوادر سودانية المحالة للصالح العام قبل أن ترسخ علومها وخبراتها في أبنائها!
:: ثم مهندس من أبناء دولة جنوب السودان تم توفيق أوضاعه وإقامته لسد العجز في الكفاءة، وما هذا إلا بعض حصاد (تشريد الكفاءة).. المهم، هناك أمل في مشروعين، أحدهما كوري والآخر روماني، وبتمويل قدره (10.000.000 يورو)، أوجدا حراكاً ونشاطاً في الورش، أحدهما يستهدف تأهيل (7 قطارات، ساحبات) والآخر يستهدف تأهيل (10 قطارات ساحبات)، وبعدها يرفع سعة النقل بإذن الله (200.000 طن شهرياً)، أو هذا هو الأمل المرتجى لتعود إلى هيئة السكة حديد بعض سيرتها الأولى.. وفي غير هذه المساحة، بالصور، بعض المشاهد والحكايات من عطبرة قريباً بإذن الله.
صحيفة السوداني
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق