م. وائل بخيت
صادف يوم 31 أكتوبر الماضي اليوم العالمي للمدن ، بينما تمر اليوم .. 8 نوفمبر .. ذكرى اليوم العالمي لتخطيط المدن. وهذه الأيام ما هي إلا وقفات رمزية احتفالية تهدف إلى إلقاء الضوء وتوجيه الاهتمام المحلي والعالمي لأهمية المدينة وأهمية تخطيطها. اليوم العالمي للمدن كان تحت شعار "الريادة في تحقيق التحوُّلات الحضرية"، وفيه تمَّت الإشارة لما تواجهه الإنسانية من عملية (التحضُّر) المستمر والمتنامي وأنَّه عملية لا مفر منها رغم ما تحمله من تحدِّيات كبيرة للمدن، ولكن علينا أن ننظر له على أنَّ فرصة لتسخير المدن لكي تكون محرِّكات للنمو وأن نقود تحولات إيجابية سعياً نحو التنمية المستدامة. عدم مراجعة عملية التحضُّر وإدارتها بصورة جيدة سيؤدي لنتائج سلبية كثيرة منها وجود العديد من المستوطنات غير المخطَّطة والتي تفتقر للمياه النظيفة والصرف الصحي اللائق والبنى التحتية المناسبة. ولكي تؤدي المدينة وظيفتها بصورة جيدة فإنَّ عليها أن تنسِّق مختلف أنواع الأجندات المتباينة والمتعلقة باستعمالات الأراضي والطاقة والمياه والمخلفات والصحة والتعليم والتنمية الاقتصادية، بالإضافة لتشجيع الحيوية الثقافية والاندماج الاجتماعي.
اليوم العالمي لتخطيط المدن يأتي بشعار "المساواة في المدينة: جعل المدن متماسكة اجتماعياً" ويسعى لإبراز أهمية التخطيط في خلق مجتمعات صالحة للعيش فيها، وإلى النظر والتفكُّر فيما خلَّفته عملية تطوير المدن من آثار على البيئة. إن على تخصُّص التخطيط العمراني في هذا العصر أن يغيِّر من طرقه وأساليبه التي يواجه بها التحدِّيات الجديدة ، وأن يُعيد صياغة التعليم والممارسة وأن يُحدِّد أدواته من خلال مدخل متعدِّد التخصُّصات.
ليس غريباً أن تتوالى المناسبتان خلال أيام معدودة .. فالعلاقة بين المناسبتين على أوضح ما يكون .. فالتخطيط هو العملية (process) والمدينة هي الوعاء الحاضن والنتيجة الحتمية للعملية (result) .. تمر هاتان المناسبتان والعالم يحتفل عبر كياناته ومؤسساته التخطيطية والمدينية .. وتمر علينا الذكرى وفي القلب ألم وفي الحلق غُصَّة على حال مدننا والتخطيط في مدننا !!!
لو تحدَّثنا عن الخرطوم .. وما أدراك ما تعنيه الخرطوم .. فهل يمكننا القول أنَّنا نتحدَّث عن مدينة؟ مدينة تحمل مقوِّمات وخصائص المدن المعاصرة التي تتطلَّع لمستقبل يلفُّه الكثير من الغموض وتلتحف به الكثير من الفرص .. ولكن فقط لتلك المدن المؤهلة لذلك؟ أين الخرطوم من خصائص المدينة المعاصرة .. نسيجاً عمرانياً .. وقوانيناً منظِّمة .. وبنية تحتية .. وإدارة عمرانية ؟ مقوِّمات أساسية لأي مدينة تنشد الحياة الكريمة لمواطنيها
ماذا لو عرجنا على التخطيط ... أين هو من حياة مدننا؟ بل أين هو من واقع الدولة ككُل؟ أين الخطط الوطنية للتنمية (National Development Plans) أيُعقل أن تسير دولة بلا أيّ خطَّة .. هكذا بلا رؤية ولا هدف ، كالعامل البسيط الذي يصحو من نومه ليفكِّر في قوت ذلك اليوم ثم يدع أمر غده حتى يحين ؟؟ أين المخطَّطات الاستراتيجية لمدننا؟ (متى سمعتم آخر مرَّة عن المخطط الهيكلي للخرطوم)؟؟؟ ذلك الشبح الغريب الذي دُبِّر له وأنجز من حيث لا يدري أحد وبصورة لم يلمَّ بها أحد .. ثم حُفِظ في دواليب السرية حتى لا يراه أحد؟ أيمكن أن يكون هذا مخطَّط يوجِّه نمو ويحدِّد مسار لتنمية مقبولة ناهيك أن تكون مستدامة؟؟!! الممارسة التخطيطية الغائبة ونتائجها الكارثية نراها واقعاً يومياً في حياتنا .. فالمياه المعدومة (والعكرانة إن وُجدت) والنقل والمواصلات (وتحويل المواقف بجرَّة قلم من مكان لآخر) .. وكوارث الأمطار السنوية .. والتغوُّلات على الساحات والفضاءات العمرانية وغيرها تتحدَّث بوضوح!!
أين التخطيط من مناهجنا الأكاديمية وجمعيَّاتنا المهنية ؟؟ أين التخطيط من فكر سياسيِّينا وأصحاب القرار الكاتمين على أنفاسنا؟؟ الإجابة تأتيكم من عنوانَين .. عنوانَين فقط : الأوَّل يقول (لا يمكننا أن ننقل العاصمة من الخرطوم لأنَّه لا يمكننا نقل 950 ألف منزل)!!! والثاني (لو رُفع الحصار الاقتصادي عن بلادنا فسنتحوَّل لدولة متقدِّمة)!!! يا تُرى هل أمثال هذه العناين للاستهلاك السياسي فحسب أم يعي قائلوها ما يقولون؟؟!! أمَّا المهنيين والمختصين في التخطيط .. فلا أحد يعلم أين هم ؟؟!!!
في ذكرى المدن وتخطيطها ... يجدر بنا أن نتوقَّف .. ليس قليلاً بل كثيراً لنتأمَّل واقعنا المُزري .. والذي سيُفضي بنا لا محالة لنتيجة لا تُحمد عقباها .. سندركها على حقيقتها بعد فوات الأوان !!! مدننا بالأعم والخرطوم على وجه الخصوص تعيش وضعاً مأساوياً أفضى بها إلى غرفة الإنعاش .. فإلى متى يستمر الخواء السياسي الذي يُسيطر على سائر الأمور بلا علمٍ ولا فهم .. وإلى متى تستمر جامعاتنا تنأى بنفسها عن الاهتمام بعلم التخطيط .. وإلى متى يستمر غياب الجمعيات المهنية التي تهتم بالبيئة العمرانية .. وإلى متى تواصل قوانين التخطيط حضورها نسياً منسياً أو حبراً على ورق .. وإلى متى يظل المهنيون يغضُّون الطرف عن الخرطوم وأمراضها التخطيطية المتسرطنة .. أخيراً .. إلى متى يظل الحال هو الحال؟
صادف يوم 31 أكتوبر الماضي اليوم العالمي للمدن ، بينما تمر اليوم .. 8 نوفمبر .. ذكرى اليوم العالمي لتخطيط المدن. وهذه الأيام ما هي إلا وقفات رمزية احتفالية تهدف إلى إلقاء الضوء وتوجيه الاهتمام المحلي والعالمي لأهمية المدينة وأهمية تخطيطها. اليوم العالمي للمدن كان تحت شعار "الريادة في تحقيق التحوُّلات الحضرية"، وفيه تمَّت الإشارة لما تواجهه الإنسانية من عملية (التحضُّر) المستمر والمتنامي وأنَّه عملية لا مفر منها رغم ما تحمله من تحدِّيات كبيرة للمدن، ولكن علينا أن ننظر له على أنَّ فرصة لتسخير المدن لكي تكون محرِّكات للنمو وأن نقود تحولات إيجابية سعياً نحو التنمية المستدامة. عدم مراجعة عملية التحضُّر وإدارتها بصورة جيدة سيؤدي لنتائج سلبية كثيرة منها وجود العديد من المستوطنات غير المخطَّطة والتي تفتقر للمياه النظيفة والصرف الصحي اللائق والبنى التحتية المناسبة. ولكي تؤدي المدينة وظيفتها بصورة جيدة فإنَّ عليها أن تنسِّق مختلف أنواع الأجندات المتباينة والمتعلقة باستعمالات الأراضي والطاقة والمياه والمخلفات والصحة والتعليم والتنمية الاقتصادية، بالإضافة لتشجيع الحيوية الثقافية والاندماج الاجتماعي.
اليوم العالمي لتخطيط المدن يأتي بشعار "المساواة في المدينة: جعل المدن متماسكة اجتماعياً" ويسعى لإبراز أهمية التخطيط في خلق مجتمعات صالحة للعيش فيها، وإلى النظر والتفكُّر فيما خلَّفته عملية تطوير المدن من آثار على البيئة. إن على تخصُّص التخطيط العمراني في هذا العصر أن يغيِّر من طرقه وأساليبه التي يواجه بها التحدِّيات الجديدة ، وأن يُعيد صياغة التعليم والممارسة وأن يُحدِّد أدواته من خلال مدخل متعدِّد التخصُّصات.
ليس غريباً أن تتوالى المناسبتان خلال أيام معدودة .. فالعلاقة بين المناسبتين على أوضح ما يكون .. فالتخطيط هو العملية (process) والمدينة هي الوعاء الحاضن والنتيجة الحتمية للعملية (result) .. تمر هاتان المناسبتان والعالم يحتفل عبر كياناته ومؤسساته التخطيطية والمدينية .. وتمر علينا الذكرى وفي القلب ألم وفي الحلق غُصَّة على حال مدننا والتخطيط في مدننا !!!
لو تحدَّثنا عن الخرطوم .. وما أدراك ما تعنيه الخرطوم .. فهل يمكننا القول أنَّنا نتحدَّث عن مدينة؟ مدينة تحمل مقوِّمات وخصائص المدن المعاصرة التي تتطلَّع لمستقبل يلفُّه الكثير من الغموض وتلتحف به الكثير من الفرص .. ولكن فقط لتلك المدن المؤهلة لذلك؟ أين الخرطوم من خصائص المدينة المعاصرة .. نسيجاً عمرانياً .. وقوانيناً منظِّمة .. وبنية تحتية .. وإدارة عمرانية ؟ مقوِّمات أساسية لأي مدينة تنشد الحياة الكريمة لمواطنيها
ماذا لو عرجنا على التخطيط ... أين هو من حياة مدننا؟ بل أين هو من واقع الدولة ككُل؟ أين الخطط الوطنية للتنمية (National Development Plans) أيُعقل أن تسير دولة بلا أيّ خطَّة .. هكذا بلا رؤية ولا هدف ، كالعامل البسيط الذي يصحو من نومه ليفكِّر في قوت ذلك اليوم ثم يدع أمر غده حتى يحين ؟؟ أين المخطَّطات الاستراتيجية لمدننا؟ (متى سمعتم آخر مرَّة عن المخطط الهيكلي للخرطوم)؟؟؟ ذلك الشبح الغريب الذي دُبِّر له وأنجز من حيث لا يدري أحد وبصورة لم يلمَّ بها أحد .. ثم حُفِظ في دواليب السرية حتى لا يراه أحد؟ أيمكن أن يكون هذا مخطَّط يوجِّه نمو ويحدِّد مسار لتنمية مقبولة ناهيك أن تكون مستدامة؟؟!! الممارسة التخطيطية الغائبة ونتائجها الكارثية نراها واقعاً يومياً في حياتنا .. فالمياه المعدومة (والعكرانة إن وُجدت) والنقل والمواصلات (وتحويل المواقف بجرَّة قلم من مكان لآخر) .. وكوارث الأمطار السنوية .. والتغوُّلات على الساحات والفضاءات العمرانية وغيرها تتحدَّث بوضوح!!
أين التخطيط من مناهجنا الأكاديمية وجمعيَّاتنا المهنية ؟؟ أين التخطيط من فكر سياسيِّينا وأصحاب القرار الكاتمين على أنفاسنا؟؟ الإجابة تأتيكم من عنوانَين .. عنوانَين فقط : الأوَّل يقول (لا يمكننا أن ننقل العاصمة من الخرطوم لأنَّه لا يمكننا نقل 950 ألف منزل)!!! والثاني (لو رُفع الحصار الاقتصادي عن بلادنا فسنتحوَّل لدولة متقدِّمة)!!! يا تُرى هل أمثال هذه العناين للاستهلاك السياسي فحسب أم يعي قائلوها ما يقولون؟؟!! أمَّا المهنيين والمختصين في التخطيط .. فلا أحد يعلم أين هم ؟؟!!!
في ذكرى المدن وتخطيطها ... يجدر بنا أن نتوقَّف .. ليس قليلاً بل كثيراً لنتأمَّل واقعنا المُزري .. والذي سيُفضي بنا لا محالة لنتيجة لا تُحمد عقباها .. سندركها على حقيقتها بعد فوات الأوان !!! مدننا بالأعم والخرطوم على وجه الخصوص تعيش وضعاً مأساوياً أفضى بها إلى غرفة الإنعاش .. فإلى متى يستمر الخواء السياسي الذي يُسيطر على سائر الأمور بلا علمٍ ولا فهم .. وإلى متى تستمر جامعاتنا تنأى بنفسها عن الاهتمام بعلم التخطيط .. وإلى متى يستمر غياب الجمعيات المهنية التي تهتم بالبيئة العمرانية .. وإلى متى تواصل قوانين التخطيط حضورها نسياً منسياً أو حبراً على ورق .. وإلى متى يظل المهنيون يغضُّون الطرف عن الخرطوم وأمراضها التخطيطية المتسرطنة .. أخيراً .. إلى متى يظل الحال هو الحال؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق