قبل ثلاثة أعوام تقريباً، قدَّم مكتب الدكتور (مصطفى عثمان إسماعيل) دعوة لعدد من الصحافيين من أجل مرافقته أثناء زيارته التفقدية لدائرته الانتخابية التي تمتد من الدبة حتى مدينة دنقلاً تقريباً. زيارة (مصطفى) كان غرضها التشاور مع سكان المنطقة وقياداتها الأهلية والرسمية حول تحديد الأولوية في برنامجه الانتخابي الذي أكد أنه على استعداد تام لتنفيذه بالكامل قبل انقضاء المدة المحددة، وأثناء تجواله بين قرى المنطقة كان (مصطفى) يعقد مواجهات مباشرة بين وزراء حكومة الولاية الشمالية وبين المواطنين، وعلى مدى ثلاثة أيام تمت زيارة معظم قرى المنطقة التي استبشر سكانها بتحقيق مطالبهم، وللأمانة كانت المياه والكهرباء قاسماً مشتركاً لدى جميع السكان.
# حكاية منسية
فلسفة الدكتور (مصطفى عثمان إسماعيل) التي ارتكزت عليها تلك الجولة الفريدة، هي أن المواطن تعود أن لا يرى مُرشحه إلا عندما يحين أجل الانتخابات، ومجرد أن يأخذ الأصوات التي تعينه على تسنم موقعه في الدولة تغيب عنه صورة المواطن ويتجاهل برنامجه الانتخابي، ويستمر تجاهله المتعمد حتى دنو أجل الانتخابات القادمة، فيهرع مجدداً لدائرته ويشرع في تكرار رجاءاته بأن يمنحه المواطنون أصواتهم، وأنه لن يتأخر هذه المرة بتحقيق كل مطالبهم إذا فاز في الانتخابات. لكن (مصطفى عثمان) أراد بتلك الجولة الموثقة أن يبتدع طريقة جديدة بين الناخب والمنتخب بحسب وصفه، فقرر الذهاب بصفته نائباً تم انتخابه إلى الناخب عقب إعلان فوزه مباشرة، ولغرض أن يتحدث إلى المواطنين في ذات الأماكن التي خاطبهم فيها قبل الانتخابات، ليذكرهم ببرنامجه الانتخابي، الذي هو عبارة عن مطالب جماهيرية قطع بتنفيذها حال فوزه، وها هو يأتي إليهم ليحددوا هم بأنفسهم الأولى بالتنفيذ من البرنامج الانتخابي.
# فرحة لم تكتمل
أثارت الطريقة التي اتبعها الدكتور (عثمان إسماعيل) في تلك الفترة موجة عارمة من الاستغراب لدى المواطنين الذين كان ديدن المسؤولين معهم هو الاختفاء التام، والعودة أيام الانتخابات بذات الوعود القديمة، وازدادت دهشتهم عندما أعلن الدكتور (مصطفى) بأنه اكتفى بمخاطبته للجماهير قبل الانتخابات ولن يخاطبهم بعد فوزه، فالأمر متروك لهم وأن المجال مفتوح لكل مواطن لديه رسالة يود تبليغها. هكذا كانت وقائع كل الندوات واللقاءات التي قامت في تلك الزيارة، فتحدث الناس بصراحة غير متوقعه ووجهوا حديثهم حينها لنائب الدائرة (مصطفى عثمان) ووالي الولاية الشمالية الراحل (فتحي خليل) الذي حضر جميع اللقاءات برفقة أعضاء حكومته من الوزراء والمعتمدين. المثير في تلك الجولة أن مطالب السكان بالمنطقة وخاصة بمحلية (القولد) لم تخرج عن دائرة الحاجة الماسة للكهرباء ومياه الشرب التي كانوا من فرط حاجتهم لها يضطرون للشرب من مياه النيل مباشرةً.
أثار تواضع مطالب أهل المنطقة وتشابهها حفيظة الصحافيين الذين اكتشفوا أن المواطنين لا يزالون يصرفون مئات الجنيهات على الجازولين لغرض تشغيل المشاريع الزراعية، وأنهم يطمعون في كهربتها حتى تنتهي معاناتهم مع الجازولين، وكذلك توصيل شبكات مياه الشرب للمدن والقرى، فالتزمت حكومة الولاية ونائب الدائرة بحل هذه المعضلات التي كانت أولوية بالنسبة للجميع.
# تراجع عن وعود انتخابية
بعد أكثر من ثلاث سنوات من تلك الزيارة المفرحة والدهشة في آنٍ واحد، التجأ سكان تلك القرى عندما فقدوا الأمل في تحقيق مطلب أول وهو توفير المياه النقية إلى طريقتهم الخاصة، فابتدعوا نوعاً جديداً من (الكرجاكات) قاموا بتوصيلها بطرق مختلفة مقابل آلاف الجنيهات كما هو الحال في قرية (أُوربي) التي تقع على مرمى حجر من مدينة (القولد) حاضرة رئاسة المحلية عديمة الأثر في حياة السكان على حد وصفهم. وأشار سكان تلك القرى أن سبب عدم توفر الخدمات يرجع بصورة مباشرة إلى التغيرات التي حدثت بالولاية ونتج عنها تعيين معتمد جديد للقولد هو (أمير فتحي) الذي قالوا إنه نادراً ما يتواجد بالمحلية لأنه يكثر من السفر بأستمرار إلى الخرطوم، ولهذا وجهوا آلاف المطالبات لوالي الولاية الدكتور (إبراهيم الخضر) بإقالته من منصبه وتعيين شخص يفضل البقاء بالمحلية.
القولد: محمد عبد الباقي
ييسلسيبل
ردحذف