المنسي
المنسي .. سلسلة تحقيقات أكشف لكم فيها سوداناً آخر غير الذي ترونه في الإعلام وتسمعون عنه في الأخبار.. السودان المنسي الذي يختفي في ظلام الإعلام، يكابد مرارة الحال وشظف الواقع..رحلة ما منظور مثيلا، مشاهد ولا في الأفلام صوَّرتها لكم بقلمي والكاميرا التي لا تنفصل مني قبل قراءة التحقيق، ارجوكم تأكدوا من وجود صندوق مناديل الورق بجواركم لمسح الدموع .. دموع الحسرة على وطن يقتله الشقاء، والنعيم على ظهره محمول..
الحلقة الثانية
أسواق عطبرة
كانت أسواق عطبرة منذ نشأتها تعج بالبضائع القادمة من كل أنحاء العالم منذ القرن الماضي؛ بسبب نشاط تجارها الملاحظ في ذلك الوقت، ويقول الأستاذ حسن أحمد الشيخ:
كان سوق عطبرة عامراً بالقضايا التي تناقش فيها القضايا الوطنية، مثل قهوة (ود البيه) وقهوة الأمين بابكر، كان فيها فونوغراف وتبث أغاني لكبار الفنانين بمبلغ واحد قرش، وكان للأقباط دور كبير ومقدر ومؤثر في سوق عطبرة، كانوا أساطين التجارة.. تجارة الأقمشة والأدوات الكهربائية والإسبيرات..
وكان الشوام أيضاً يعملون في تجارة الأقمشة والمخابز الأفرنجية، مثل (نعيم سانكي) وعبد الله فحام الذي تم اختياره عضواً في مجلس بلدية عطبرة..
وكان للهنود أيضاً دور مقدر في سوق عطبرة، وأذكر من التجار (شانتلال)، و(ديرو جلال شاه الذي غادر عطبرة مؤخراً في العام 2012، وكان حفل وداعه غير عادي، إذ سير طلاب معهد الآفاق الأوسع (ذوو الاحتياجات الخاصة) موكباً تتقدمه موسيقى القرب، وقدموا هداياهم إلى صديقهم الحميم، وآخر هندي في المدينة، وأغلقت معظم دكاكين السوق لتشارك في الاحتفال، وكان في السوق أيضاً عدد من الحلاقين الهنود، مثل (شاترا بورج رامجي)..
وكان للأغاريق وضع متميز في عطبرة، وكان لديهم مصنع لـ "الزراير" من ثمار الدوم، وسوبر ماركت يباع فيها كل شيء من الصابون والروائح وحتى الخمور وغيرها.. وكانت أكشاك الليمون تبعث رائحة زكية، وتعطر الموقف العام للمواصلات، ومقهى العم صباح الخير، ومقهى العم محمود الأمين، ومقهى الرباطاب، ومقهى المناصير، والعم حسن عمر، ومقهى الرشايدة، ويافطات السينماء، وبائعو الكتب، والعاملون على استبدالها، وأصحاب أشرطة الكاسيت، كل ذلك مع روعة مكتبة دبورة، ومكتبة حنتبلي، ومكتبة الشبلي، وفي ركن قصي كانت مدرسة العمال التي استقطعت مصروفات تشييدها من عرق العمال..
وسوق (الدخولية) سوق البهائم والقش، كان يخضع للإشراف الصحي، وأربعة مراكز للرعاية البيطرية الصحية، أبرزها معمل الألبان، ومركز الرعاية البيطرية الصحي، جوار مسجد السيد علي الميرغني، وبجانبه الهيئة العامة لنقابة عمال سكك حديد السودان- يومها- كان فقدان البهيمة يستلزم الذهاب إلى الملجأ.
الخدمات في عطبرة
الخدمات في عطبرة تكاد لا تصدق عندما نذكر أن الألبان المعقمة تسلم للمنازل في الزجاجات، وتوضع في رفوف خارج المنزل، يأتي عمال الألبان يستلمون الفارغ، ويضعون المليء في الرف، ولا أحد يسرق، أو يستولي على اللبن المعروض في الطرقات.. وكانت المطافئ والإسعاف والتاكسي تقدم خدماتها بواسطة التلفون، فما عليك إلا أن تتصل برقم الجهة التي تريد، فتجيئك في الحال بعد أن يخطرك عامل السنترال بنمرة العربة المتجهة إليك..
محطة السكة الحديد
محطة السكة الحديد كانت تعدّ ساحة للترفيه، فجماهير عطبرة تعدّها ساحة للترفيه والفرجة في القطارات العابرة إلى كريمة وحلفا أو بورتسودان.
وكانت السكة الحديد تسير قطارات اسمها المحلي إلى أبو حمد، والمخصوص كل خميس الساعة 8 مساءً ويعود يوم الجمعة الساعة 8، وكان قدامى أهل عطبرة يسافرون إلى الخرطوم لحضور مباريات (هلال-مريخ) ويعودون بتذاكر مخفضة.. موظفو وعمال السكة الحديد كانوا يستقلون أكسبريس وادي حلفا السريع الذي كان يصل عطبرة الساعة 2 ظهرا ليشتروا الجرايد المصرية طازجة- الاهرام والأخبار والجمهورية- وينتظرون القطار العائد من وادي حلفا لشراء المجلات المصرية الأسبوعية- آخر ساعة، المصور، روز اليوسف، وصباح الخير، وكتب دار الهلال، والكتاب الذهبي..
وكان في عطبرة كل شيء يقدم لك بالآجل "الدين" إلى يوم الماهية، ويندر أن يخفق أحد في السداد أو يتهرب من دفع ما عليه من دين.. كانت توجد في المدينة عمارة واحدة، هي عمارة عباس محمود، جوار البلدية، وساعتها الشهيرة، وفي مواجهة كلية الهندسة الميكانيكية منذ السبعينيات من القرن المنصرم، بجوار البوستة والتلغراف.
كانت عطبرة تضج متحضرة والأغاني الصادحة من الراديوهات تعطر مساحات الأمكنة والتجار- تجار الرفق بالإنسان- عبد الله الفكي محمود، إبراهيم طلب، أبو القاسم سعد، خضر إبراهيم العربي، المأمون فضل الله، البدوي العجمي، وعسقلان، وإجزخانة العائلات، وصيدلية السكة حديد المدعومة، وسوق الخضار، والعم بابكرعبد السيد- رحمة الله عليه-، وعم الحسين الغفير القادم من جبال النوبة، الذي قال: إنه لا يستطيع أن ينام خارج المدينة، وأحب الناس وأحبوه، وقضاة المدينة النزيهون، ومحكمة العمدة (السرور السافلاوي)، و(حاج الريح)، و(مكي حامد) أحد أهم القيادات الوطنية بالمدينة بالقرب من مبنى التوتوكورة حيث يوجد عمنا أبو كدوك الذي ينتج ويصلح الأحذية الرياضية المحلية، وشارع الشهداء بالموردة، والعياشة وعلى رأسهم (عثمان سعيد) و(خلف الله العاليابي) والمرحوم (عوض خضر)، و(الباهي) والعم (نقد)، والترزي الأفرنجي (منقة)، و(سبت) و(برنابا)، والتنافس الشريف بين أولاد (البيه) و(أبو خليل) لمنتجات الألبان، اللذين تربطهما علاقة الصداقة والأخوة، ومحلات الملبوسات والأحذية أحمد وعلي، القادمان من اليمن السعيد، (والعديل والزين) والجوهرة والأجهزة الكهربائية ومحلات (خيال وأولاده وأكبر مستورد للعجلات بأفريقيا والوطن العربي العم (أحمد عبد الله) و(عبد اللطيف) العجلاتي، ومحلات المناسبات بواسطة عمنا إبراهيم، و(ماندو) صاحب وفني المايكرفونات، وواحد من أمهر السودانيين- على الإطلاق- العم (برنوس) الذي صنع المسدس بالمسبك فتم فصله من السكة حديد- على أيام السكة حديد كانت حديد- إضافة إلى الشاعر الوطني الكبير الطيب حسن وأبنائه الأفاضل، الذين ما زالوا ممسكين بشرف المهنة، وعلي منصور بالمنطقة، وعلي سعيد، صاحب أكبر ورش للمراكب، وكرار أحمدون، وصيانة الوابورات الزراعية، وورشة الشاعر الكبير عبد الله بشير، وأشهر السواقين بالمدينة العم رحمة الله.. محمد طلاق.. العم عبد القادر رئيس النقابة.. وعباس البشير.. وحسين أبو رغيفة.. وأحمد الكسلان.. وعبد الغني.. وأشهر الكماسرة.. حسين العربي.. وأبو سبعة.. والبعيو.. وعثمان مليلمة.. وأشهر محلات الحلويات (سمرونة فتحي البرول)، وباسطة عبد الفتاح، وأشهر فول- فول عمك عوض، وكشك الأندلس، ولا ننسى أبناء كنور، وخليوة، التي تحف عطبرة وتكسوها بهاءً، يضاف إليها أم الطيور، وأهلها الذين صدقوا أن الجرادل العابرة لأراضيهم، ونهر النيل؛ تعمل من أجل مصلحة الوطن فتنازلوا عن أرضهم (ملك حر)؛ من أجل مصنع الأسمنت، الذي صار وبالاً عليهم، يضاف إلى ذلك المرحوم أبو جنزير فاكهة المدينة، وطيبها، الذي يعطر سماوات المناسبات، ويضفي لحظات الفرح على المجتمع العطبراوي، حتى داخل الزوايا، وفي بيوت الأحزان، والزوايا لمن لا يعرف هي منازل تبنى في الأحياء يتم فيها "فراش البكاء" لمدة ثلاثة أيام حيث يأتي الجيران بالطعام إلى أهل الميت عوضاً عن إشعال النار في الأيام الأولى للوفاة، والاكتفاء "بالميتة دون خراب الديار"، والآن تحولت الزوايا إلى مأتم يبكي عطبرة- نفسها..
التكافل الاجتماعي
كان الشيوخ الإجلاء يعمِّرون المساجد والزوايا بالمدائح، ويتفقدون أحوال الفقراء، لدرجة أن بعضهم يشتري علف البهائم البائر من صاحبه ويسلمه إلى الفقراء الذين لديهم أغنام ولا يملكون ثمن العلف، وكذلك اللبن البائر ويسلمونه إلى المحتاجين والمتعففين في منازلهم.. وفي الشتاء يجمعون الأموال، ويشترون البطاطين، وملابس الشتاء ويوزعونها على طلاب الداخليات والعزابة في ميزاتهم.. ومن الظواهر النادرة في بلدية عطبرة كانت هناك بنود في الميزانية لعلاج المرضى والفقراء، وبند للذين فاتهم القطار بمحطة عطبرة، وبند لدفن الغرباء، وكان المرحوم محمد أحمد وراق- وهو رئيس سواقين بالبلدية- يقوم بمهمة تجهيزهم وإحضارهم إلى المسجد العتيق للصلاة عليهم وتشييعهم بواسطة المصلين ودفنهم.. وأيضاً كان هناك ملجأ العجزة الذي خصصت له البلدية بنداً في ميزانتيها، وكان يشارك البلدية الخيرون من أهالي عطبرة في تغطية احتياجات العجزة من الطعام والكساء والعلاج.. كل ذلك انتهى الآن.. وتحول الملجأ إلى مقهى.
أحياء عطبرة
يعدّ حي السودنة من أجمل الأحياء بلا منازع، فالمنازل تبلغ مساحتها من فدان إلى فدانين، مزروعة بكل أنواع الفاكهة، والنجيل يكسو المنطقة بكاملها، والأشجار في الطرق لا تترك للشمس منفذاً، وكانت بالسودنة حدائق مثل منتزه عطبرة الحالي الذي كان قمة في النظافة، تكسوه الخضرة، وتنتشر فيه رائحة الزهور.. وكان الناس يستمتعون بمنظر المراكب التجارية، وبنطون الفاضلاب لشحن الألبان من الضفة الغربية إلى مدينة عطبرة.. وفي شهر رمضان يلجأ مئات من العمال والموظفين إلى حدائق السودنة وطرقها؛ للراحة من سخانة الجو، ويفرشون جوالات الخيش بعد أن يبللونها بالماء.
وكان ملعب نادي الخريجين المنجل يستقبل منافسات المدرسة الأميرية، وكذلك منافسات الشباب والعجائز، وساحات ورش السكة الحديد تجرى فيها أيضاً المنافسات الرياضية في عز رمضان، واليوم الختامي يحضره مدير عام السكة الحديد البريطاني؛ لتقديم الكؤوس والجوافز للمتفوقين..
نواصل..
المنسي .. سلسلة تحقيقات أكشف لكم فيها سوداناً آخر غير الذي ترونه في الإعلام وتسمعون عنه في الأخبار.. السودان المنسي الذي يختفي في ظلام الإعلام، يكابد مرارة الحال وشظف الواقع..رحلة ما منظور مثيلا، مشاهد ولا في الأفلام صوَّرتها لكم بقلمي والكاميرا التي لا تنفصل مني قبل قراءة التحقيق، ارجوكم تأكدوا من وجود صندوق مناديل الورق بجواركم لمسح الدموع .. دموع الحسرة على وطن يقتله الشقاء، والنعيم على ظهره محمول..
الحلقة الثانية
أسواق عطبرة
كانت أسواق عطبرة منذ نشأتها تعج بالبضائع القادمة من كل أنحاء العالم منذ القرن الماضي؛ بسبب نشاط تجارها الملاحظ في ذلك الوقت، ويقول الأستاذ حسن أحمد الشيخ:
كان سوق عطبرة عامراً بالقضايا التي تناقش فيها القضايا الوطنية، مثل قهوة (ود البيه) وقهوة الأمين بابكر، كان فيها فونوغراف وتبث أغاني لكبار الفنانين بمبلغ واحد قرش، وكان للأقباط دور كبير ومقدر ومؤثر في سوق عطبرة، كانوا أساطين التجارة.. تجارة الأقمشة والأدوات الكهربائية والإسبيرات..
وكان الشوام أيضاً يعملون في تجارة الأقمشة والمخابز الأفرنجية، مثل (نعيم سانكي) وعبد الله فحام الذي تم اختياره عضواً في مجلس بلدية عطبرة..
وكان للهنود أيضاً دور مقدر في سوق عطبرة، وأذكر من التجار (شانتلال)، و(ديرو جلال شاه الذي غادر عطبرة مؤخراً في العام 2012، وكان حفل وداعه غير عادي، إذ سير طلاب معهد الآفاق الأوسع (ذوو الاحتياجات الخاصة) موكباً تتقدمه موسيقى القرب، وقدموا هداياهم إلى صديقهم الحميم، وآخر هندي في المدينة، وأغلقت معظم دكاكين السوق لتشارك في الاحتفال، وكان في السوق أيضاً عدد من الحلاقين الهنود، مثل (شاترا بورج رامجي)..
وكان للأغاريق وضع متميز في عطبرة، وكان لديهم مصنع لـ "الزراير" من ثمار الدوم، وسوبر ماركت يباع فيها كل شيء من الصابون والروائح وحتى الخمور وغيرها.. وكانت أكشاك الليمون تبعث رائحة زكية، وتعطر الموقف العام للمواصلات، ومقهى العم صباح الخير، ومقهى العم محمود الأمين، ومقهى الرباطاب، ومقهى المناصير، والعم حسن عمر، ومقهى الرشايدة، ويافطات السينماء، وبائعو الكتب، والعاملون على استبدالها، وأصحاب أشرطة الكاسيت، كل ذلك مع روعة مكتبة دبورة، ومكتبة حنتبلي، ومكتبة الشبلي، وفي ركن قصي كانت مدرسة العمال التي استقطعت مصروفات تشييدها من عرق العمال..
وسوق (الدخولية) سوق البهائم والقش، كان يخضع للإشراف الصحي، وأربعة مراكز للرعاية البيطرية الصحية، أبرزها معمل الألبان، ومركز الرعاية البيطرية الصحي، جوار مسجد السيد علي الميرغني، وبجانبه الهيئة العامة لنقابة عمال سكك حديد السودان- يومها- كان فقدان البهيمة يستلزم الذهاب إلى الملجأ.
الخدمات في عطبرة
الخدمات في عطبرة تكاد لا تصدق عندما نذكر أن الألبان المعقمة تسلم للمنازل في الزجاجات، وتوضع في رفوف خارج المنزل، يأتي عمال الألبان يستلمون الفارغ، ويضعون المليء في الرف، ولا أحد يسرق، أو يستولي على اللبن المعروض في الطرقات.. وكانت المطافئ والإسعاف والتاكسي تقدم خدماتها بواسطة التلفون، فما عليك إلا أن تتصل برقم الجهة التي تريد، فتجيئك في الحال بعد أن يخطرك عامل السنترال بنمرة العربة المتجهة إليك..
محطة السكة الحديد
محطة السكة الحديد كانت تعدّ ساحة للترفيه، فجماهير عطبرة تعدّها ساحة للترفيه والفرجة في القطارات العابرة إلى كريمة وحلفا أو بورتسودان.
وكانت السكة الحديد تسير قطارات اسمها المحلي إلى أبو حمد، والمخصوص كل خميس الساعة 8 مساءً ويعود يوم الجمعة الساعة 8، وكان قدامى أهل عطبرة يسافرون إلى الخرطوم لحضور مباريات (هلال-مريخ) ويعودون بتذاكر مخفضة.. موظفو وعمال السكة الحديد كانوا يستقلون أكسبريس وادي حلفا السريع الذي كان يصل عطبرة الساعة 2 ظهرا ليشتروا الجرايد المصرية طازجة- الاهرام والأخبار والجمهورية- وينتظرون القطار العائد من وادي حلفا لشراء المجلات المصرية الأسبوعية- آخر ساعة، المصور، روز اليوسف، وصباح الخير، وكتب دار الهلال، والكتاب الذهبي..
وكان في عطبرة كل شيء يقدم لك بالآجل "الدين" إلى يوم الماهية، ويندر أن يخفق أحد في السداد أو يتهرب من دفع ما عليه من دين.. كانت توجد في المدينة عمارة واحدة، هي عمارة عباس محمود، جوار البلدية، وساعتها الشهيرة، وفي مواجهة كلية الهندسة الميكانيكية منذ السبعينيات من القرن المنصرم، بجوار البوستة والتلغراف.
كانت عطبرة تضج متحضرة والأغاني الصادحة من الراديوهات تعطر مساحات الأمكنة والتجار- تجار الرفق بالإنسان- عبد الله الفكي محمود، إبراهيم طلب، أبو القاسم سعد، خضر إبراهيم العربي، المأمون فضل الله، البدوي العجمي، وعسقلان، وإجزخانة العائلات، وصيدلية السكة حديد المدعومة، وسوق الخضار، والعم بابكرعبد السيد- رحمة الله عليه-، وعم الحسين الغفير القادم من جبال النوبة، الذي قال: إنه لا يستطيع أن ينام خارج المدينة، وأحب الناس وأحبوه، وقضاة المدينة النزيهون، ومحكمة العمدة (السرور السافلاوي)، و(حاج الريح)، و(مكي حامد) أحد أهم القيادات الوطنية بالمدينة بالقرب من مبنى التوتوكورة حيث يوجد عمنا أبو كدوك الذي ينتج ويصلح الأحذية الرياضية المحلية، وشارع الشهداء بالموردة، والعياشة وعلى رأسهم (عثمان سعيد) و(خلف الله العاليابي) والمرحوم (عوض خضر)، و(الباهي) والعم (نقد)، والترزي الأفرنجي (منقة)، و(سبت) و(برنابا)، والتنافس الشريف بين أولاد (البيه) و(أبو خليل) لمنتجات الألبان، اللذين تربطهما علاقة الصداقة والأخوة، ومحلات الملبوسات والأحذية أحمد وعلي، القادمان من اليمن السعيد، (والعديل والزين) والجوهرة والأجهزة الكهربائية ومحلات (خيال وأولاده وأكبر مستورد للعجلات بأفريقيا والوطن العربي العم (أحمد عبد الله) و(عبد اللطيف) العجلاتي، ومحلات المناسبات بواسطة عمنا إبراهيم، و(ماندو) صاحب وفني المايكرفونات، وواحد من أمهر السودانيين- على الإطلاق- العم (برنوس) الذي صنع المسدس بالمسبك فتم فصله من السكة حديد- على أيام السكة حديد كانت حديد- إضافة إلى الشاعر الوطني الكبير الطيب حسن وأبنائه الأفاضل، الذين ما زالوا ممسكين بشرف المهنة، وعلي منصور بالمنطقة، وعلي سعيد، صاحب أكبر ورش للمراكب، وكرار أحمدون، وصيانة الوابورات الزراعية، وورشة الشاعر الكبير عبد الله بشير، وأشهر السواقين بالمدينة العم رحمة الله.. محمد طلاق.. العم عبد القادر رئيس النقابة.. وعباس البشير.. وحسين أبو رغيفة.. وأحمد الكسلان.. وعبد الغني.. وأشهر الكماسرة.. حسين العربي.. وأبو سبعة.. والبعيو.. وعثمان مليلمة.. وأشهر محلات الحلويات (سمرونة فتحي البرول)، وباسطة عبد الفتاح، وأشهر فول- فول عمك عوض، وكشك الأندلس، ولا ننسى أبناء كنور، وخليوة، التي تحف عطبرة وتكسوها بهاءً، يضاف إليها أم الطيور، وأهلها الذين صدقوا أن الجرادل العابرة لأراضيهم، ونهر النيل؛ تعمل من أجل مصلحة الوطن فتنازلوا عن أرضهم (ملك حر)؛ من أجل مصنع الأسمنت، الذي صار وبالاً عليهم، يضاف إلى ذلك المرحوم أبو جنزير فاكهة المدينة، وطيبها، الذي يعطر سماوات المناسبات، ويضفي لحظات الفرح على المجتمع العطبراوي، حتى داخل الزوايا، وفي بيوت الأحزان، والزوايا لمن لا يعرف هي منازل تبنى في الأحياء يتم فيها "فراش البكاء" لمدة ثلاثة أيام حيث يأتي الجيران بالطعام إلى أهل الميت عوضاً عن إشعال النار في الأيام الأولى للوفاة، والاكتفاء "بالميتة دون خراب الديار"، والآن تحولت الزوايا إلى مأتم يبكي عطبرة- نفسها..
التكافل الاجتماعي
كان الشيوخ الإجلاء يعمِّرون المساجد والزوايا بالمدائح، ويتفقدون أحوال الفقراء، لدرجة أن بعضهم يشتري علف البهائم البائر من صاحبه ويسلمه إلى الفقراء الذين لديهم أغنام ولا يملكون ثمن العلف، وكذلك اللبن البائر ويسلمونه إلى المحتاجين والمتعففين في منازلهم.. وفي الشتاء يجمعون الأموال، ويشترون البطاطين، وملابس الشتاء ويوزعونها على طلاب الداخليات والعزابة في ميزاتهم.. ومن الظواهر النادرة في بلدية عطبرة كانت هناك بنود في الميزانية لعلاج المرضى والفقراء، وبند للذين فاتهم القطار بمحطة عطبرة، وبند لدفن الغرباء، وكان المرحوم محمد أحمد وراق- وهو رئيس سواقين بالبلدية- يقوم بمهمة تجهيزهم وإحضارهم إلى المسجد العتيق للصلاة عليهم وتشييعهم بواسطة المصلين ودفنهم.. وأيضاً كان هناك ملجأ العجزة الذي خصصت له البلدية بنداً في ميزانتيها، وكان يشارك البلدية الخيرون من أهالي عطبرة في تغطية احتياجات العجزة من الطعام والكساء والعلاج.. كل ذلك انتهى الآن.. وتحول الملجأ إلى مقهى.
أحياء عطبرة
يعدّ حي السودنة من أجمل الأحياء بلا منازع، فالمنازل تبلغ مساحتها من فدان إلى فدانين، مزروعة بكل أنواع الفاكهة، والنجيل يكسو المنطقة بكاملها، والأشجار في الطرق لا تترك للشمس منفذاً، وكانت بالسودنة حدائق مثل منتزه عطبرة الحالي الذي كان قمة في النظافة، تكسوه الخضرة، وتنتشر فيه رائحة الزهور.. وكان الناس يستمتعون بمنظر المراكب التجارية، وبنطون الفاضلاب لشحن الألبان من الضفة الغربية إلى مدينة عطبرة.. وفي شهر رمضان يلجأ مئات من العمال والموظفين إلى حدائق السودنة وطرقها؛ للراحة من سخانة الجو، ويفرشون جوالات الخيش بعد أن يبللونها بالماء.
وكان ملعب نادي الخريجين المنجل يستقبل منافسات المدرسة الأميرية، وكذلك منافسات الشباب والعجائز، وساحات ورش السكة الحديد تجرى فيها أيضاً المنافسات الرياضية في عز رمضان، واليوم الختامي يحضره مدير عام السكة الحديد البريطاني؛ لتقديم الكؤوس والجوافز للمتفوقين..
نواصل..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق