تحقيق وتصوير: عباس عزت
المنسي .. سلسلة تحقيقات أكشف لكم فيها سوداناً آخر غير الذي ترونه في الإعلام وتسمعون عنه في الأخبار.. السودان المنسي الذي يختفي في ظلام الإعلام، يكابد مرارة الحال وشظف الواقع..رحلة ما منظور مثيلا، مشاهد ولا في الأفلام صوَّرتها لكم بقلمي والكاميرا التي لا تنفصل مني.. قبل قراءة التحقيق، ارجوكم تأكدوا من وجود صندوق مناديل الورق بجواركم لمسح الدموع.. دموع الحسرة على وطن يقتله الشقاء والنعيم على ظهوره محمول.
هذه المرة من جزيرة لبب .. عبقرية المكان ومسقط رأس الإمام محمد أحمد المهدي وجِدَّه الخامس حاج شريف ناشر القرءان .. أرض الحضارة النوبية الضاربة في القدم.. أرض احتضنها أهلها كما احتضنهم ذلك النيل الخالد بحب، أرض أُعطيَت فأعطت وما زالت.. ما الذي دفعني للذهاب إلى جزيرة لبب؟
المهدي الإمام
بدت الجزيرة شبه خالية سوى من بعض الفلاحين الذين يقيمون بيوتاً من القصب مسقوفة بجريد النخيل ويربون المواشي ويقومون بري الحواشات بواسطة طلمبات الديزل وبعض من أشجار النخيل المتناثرة على الضفة الغربية للجزيرة, وبعد مسيرة قصيرة وسط الحقول بلغنا مسجد الشيخ شمَّد أحد أسلاف الإمام محمد أحمد المهدي ولحقنا بصلاة الجمعة عند الركعة الأخيرة, وبعد أداء الصلاة مع عدد من الأنصار الذين يداومون على أداء صلاة الجمعة في هذا المسجد أسبوعياً طلب مرافقي يوسف ساتي الإذن بالانصراف، حيث ينتظره عدد من الركاب لنقلهم إلى الشاطىء الغربي .. ودعته شاكراً على أمل اللقاء عصرًا, مسجد الشيخ شمَّد الذي أدينا فيه الصلاة عبارة عن راكوبة كبيرة من جريد النخيل , ولكن عندما تذهب إلى الجانب الشرقي منه يستقبلك التاريخ ممثلاً في محراب الإمام المهدي ملوَّحاً للقادمين, يحكي بطولات الأقدمين ويرسم تفاصيل أيام مضت كانت فيها الثورة المهدية مهوى أفئدة الرجال ومأوى سيوف الأبطال، يحكي عن أحداث تاريخية شكَّلت كيان السودان الحديث وأثَّرت في أحداثه السياسية في تلك الحقبة. وشكَّلت أيضاً تاريخاً إن نسيته ذاكرة الإنسان لن تنساه ذاكرة التاريخ الممتد عبر كل تجاعيد الكهول.
لم يقف محراب المهدي الشاهد الوحيد على عراقة جزيرة لبب وأهميتها، بل تحت كل تلة من الكثبان الرملية، وخلف كل سهل ترقد حكاية تتناقلها الركبان، تجد الماضي بشموخه أيضاً فيما تحتفظ به ذاكرة الإنسان من حكايات وقصص احتفظت بها عبر كل هذه الأزمنة ذاكرة معاصريها تحكي قصة الكفاح ، قصة الأيدي التي بنت وأنجزت وسطرت في التاريخ سطوراً من نور، منها ما حفظته ذاكرة الورق، ومنها ما مات مع حُفَّاظه.. لم يقتصر التاريخ على لذلك الإرث ليخلفه لأبناء جزيرة لبب ، لم يكتف ببعض حجارة جذورها في الأرض ورؤوسها في ذاكرة الإنسان، بل خلَّف سيرة عطاءات ، وبطولات تتذكرها الأجيال جيلاً بعد جيل، وحكايات ما زالت خضراء طرية على ألسنة الكهول وهم يحكونها بنشوة للصغار في المساءات الجميلة.. فجزيرة لبب اكتسبت أهمية كبيرة سياسياً واقتصادياً ودينياً، والمؤسف أن المشكلة التي تواجه الباحثين في تاريخ الجزيرة تتمثل في ندرة المراجع التي يمكن الاعتماد عليها ويقتصر الجميع على ما تختزنه ذاكرة الكبار من حكايا يتناقلونها في مجالسهم.
عبق الماضي
وتتجسد ملحمة ترسم تفاصيل المخلصين من رجالات المكان، والرغبة التي كانت تسكنهم في أن تشرق على جزيرة لبب صباحات أخرى في إفادات الأستاذ الباحث عبد الكريم سليمان سعيد, الذي التقيته أثناء جولتي حول المحراب وسألته أن يحكي لي عن جزيرة لبب قبل الانهيار الذي أصابها, سرح بعيدًا ثم قال: دعني أحدثك أولاً عن ذاك الزمن الجميل والذي عشناه في الأربعينات والخمسينات من القرن الماضي, وعن العقود السابقة, وكل عقد مضى كان أحلى من الحاضر ( وكل عقد نُرذل فيه حسب ما جاء بحديث المصطفى صلى الله عليه وسلم: (كل عام تُرذلون)), ثم استطرد قائلاً: يا لها من أيام مضت وما أحلى ذكراها، وأنا أتحسر الآن لما وصلت إليه الأمور وحال الأهل وعباد الله آنذاك، حيث كانت مجالسهم عامرة بالأفراح والمناسبات السعيدة, بل كانوا يخلقون المناسبات السعيدة ويستعدون لها بما لذ وطاب من طعام وشراب.. كانت خلاويهم عامرة بالحيران وطلبة العلم, حيث كان مسجد الجد حاج شرفي والجد الفكي شمت بشمال الجزيرة وخلوة الجد ساتي علي بجامع مار وخلوة سيلابي بساقية سوركتي وخلوة الجد محمد عبد القادر ساتي بفقيري مار , وخلوة الجد الشيخ حمد عوض الله جنوب الجزيرة, هذا دون التكيات والزوايا المتعددة في الحلَّال لإكرام الضيف الغريب وإيواء طلبة العلم الغرباء, وكانت أعدادهم في أربعينات القرن الماضي قرابة الألف طالب قبل ظهور المدارس بالمنطقة, وكان الأهل يتجمعون في ساعات الفزع والنفير وطلب المروة والمساعدة في أيام الدميرة لعمل الجسور ورفع الجداول وهم ينشدون الأناشيد الحماسية ويهللون ويكبرون حتى عند تشييع الجنازة لمثواها الأخير فإنهم يصلون على النبي صلى الله عليه وسلم.
كانت القلوب عامرة بتقوى الله, كانت مناسباتهم تنعقد بعد مواسم الحصاد وكانوا يستعدون لها قبل أكثر من عام بما لذ وطاب, وكانت فترة الخطوبة تمتد لأكثر من عام لتجهيز العريس وغرفته وعناقريبه الكبيرة والبروش والعدة البسيطة، وطلبات العروسة وأهلها كانت بسيطة جداً ولا تقارن بأي حال من الأحوال بأيامنا هذه, والصداق (مال العروس) كان قد تم الاتفاق عليه بإجماع الكل وبحضور السيد عبدالله الفاضل المهدي ووفد كيان الأنصار عند زيارتهم الجزيرة في عام 1947 بجنيهين اثنين فقط , على أن يدفع جنيه واحد بمجلس العقد والجنيه الثاني لحين الأجلين.
خضراء يانعة
واستطرد قائلاً: كانت الجزيرة خلال عقدي الأربعين والخمسين من القرن الماضي خضراء يانعة طوال أيام السنة، لأن الأهل كانوا مهمومين بالزراعة وكان الري بواسطة السواقي التقليدية المصنوعة من الخشب، وكانوا في شهر يونيو من كل عام بزراعة الربيع (عيش بلدي وأبو سبعين) وهو علف للبهائم وذلك لمقابلة الجفاف في المرعى, وكان هناك تعاون تام بين المزارعين وكانوا يرحبون بالمزارع الجديد بإقامة الولائم ودعوة زملائه المزارعين بالساقية والسواقي المجاورة بمنزل الصمد ( رئيس الساقية والمدير الإداري), وبعد الانتهاء من الحصاد وتنظيف الأرض يتم الاستعداد للموسم الصيفي , وكان هذا الموسم مهماً للمزارعين، حيث أن الذرة البلدية والذرة الشامية ( المكادة .. عيش وقش)، هي بمثابة المأكل والملبس بالنسبة للمزارعين ورصيدهم الذي يتبادلون به مستلزمات الأسرة من تجار البلد طوال العام، ويقومون بتخزين العيش بالصوامع البلدية (مصنوعة من الطين والزبالة) , أما القش فيتم تخزينه فوق أسقف المنازل بعد تقسيمه بين الصمد(رئيس الساقية) وصاحب الأرض والمزارع حسب الحصص المتفق عليها على مستوى المديرية الشمالية, وحال الانتهاء من الموسم الصيفي فإنهم يقومون بنظافة الأرض من الطحالب والطفيليات التي يجلبها الفيضان، وكذلك
قلع جذور الذرة وتسوية الأرض بواسطة المحاريث التقليدية التي تجرها الثيران وهي مصنوعة من الخشب المحلي, ويتم تلبيسها بأمشاط حديدية بواسطة الحدَّاد البلدي, وجرارات حديدية تلبس برأس الثور, أو أكثر من ثور واحد ,وكان هذا إبداعاً وطنياً خالصاً من العهد النوبي , كدولاب الساقية والحلقة والقواديس والألس والكوديك وهي أسماء نوبية معروفة في جميع أنحاء أرض النوبة, وهي معروفة حتى عند القبائل النوبية التي تعرَّبت، كالشايقية والمناصير ,فإن أسماء الكلي والتتي والفجراوي والدهراوي والميزان أسماء كانت سائدة في ذاك الزمن الجميل، وكذلك الأورتي وكلتود وكلي دول والأبق وملتي دول وملتي كينة وملتي كلل , كلها كانت من الأسماء النوبية المرتبطة بالساقية النوبية، هذا الاختراع البارع الذي خُلَّد منذ آلاف السنين.
نواصل..
المنسي .. سلسلة تحقيقات أكشف لكم فيها سوداناً آخر غير الذي ترونه في الإعلام وتسمعون عنه في الأخبار.. السودان المنسي الذي يختفي في ظلام الإعلام، يكابد مرارة الحال وشظف الواقع..رحلة ما منظور مثيلا، مشاهد ولا في الأفلام صوَّرتها لكم بقلمي والكاميرا التي لا تنفصل مني.. قبل قراءة التحقيق، ارجوكم تأكدوا من وجود صندوق مناديل الورق بجواركم لمسح الدموع.. دموع الحسرة على وطن يقتله الشقاء والنعيم على ظهوره محمول.
هذه المرة من جزيرة لبب .. عبقرية المكان ومسقط رأس الإمام محمد أحمد المهدي وجِدَّه الخامس حاج شريف ناشر القرءان .. أرض الحضارة النوبية الضاربة في القدم.. أرض احتضنها أهلها كما احتضنهم ذلك النيل الخالد بحب، أرض أُعطيَت فأعطت وما زالت.. ما الذي دفعني للذهاب إلى جزيرة لبب؟
المهدي الإمام
بدت الجزيرة شبه خالية سوى من بعض الفلاحين الذين يقيمون بيوتاً من القصب مسقوفة بجريد النخيل ويربون المواشي ويقومون بري الحواشات بواسطة طلمبات الديزل وبعض من أشجار النخيل المتناثرة على الضفة الغربية للجزيرة, وبعد مسيرة قصيرة وسط الحقول بلغنا مسجد الشيخ شمَّد أحد أسلاف الإمام محمد أحمد المهدي ولحقنا بصلاة الجمعة عند الركعة الأخيرة, وبعد أداء الصلاة مع عدد من الأنصار الذين يداومون على أداء صلاة الجمعة في هذا المسجد أسبوعياً طلب مرافقي يوسف ساتي الإذن بالانصراف، حيث ينتظره عدد من الركاب لنقلهم إلى الشاطىء الغربي .. ودعته شاكراً على أمل اللقاء عصرًا, مسجد الشيخ شمَّد الذي أدينا فيه الصلاة عبارة عن راكوبة كبيرة من جريد النخيل , ولكن عندما تذهب إلى الجانب الشرقي منه يستقبلك التاريخ ممثلاً في محراب الإمام المهدي ملوَّحاً للقادمين, يحكي بطولات الأقدمين ويرسم تفاصيل أيام مضت كانت فيها الثورة المهدية مهوى أفئدة الرجال ومأوى سيوف الأبطال، يحكي عن أحداث تاريخية شكَّلت كيان السودان الحديث وأثَّرت في أحداثه السياسية في تلك الحقبة. وشكَّلت أيضاً تاريخاً إن نسيته ذاكرة الإنسان لن تنساه ذاكرة التاريخ الممتد عبر كل تجاعيد الكهول.
لم يقف محراب المهدي الشاهد الوحيد على عراقة جزيرة لبب وأهميتها، بل تحت كل تلة من الكثبان الرملية، وخلف كل سهل ترقد حكاية تتناقلها الركبان، تجد الماضي بشموخه أيضاً فيما تحتفظ به ذاكرة الإنسان من حكايات وقصص احتفظت بها عبر كل هذه الأزمنة ذاكرة معاصريها تحكي قصة الكفاح ، قصة الأيدي التي بنت وأنجزت وسطرت في التاريخ سطوراً من نور، منها ما حفظته ذاكرة الورق، ومنها ما مات مع حُفَّاظه.. لم يقتصر التاريخ على لذلك الإرث ليخلفه لأبناء جزيرة لبب ، لم يكتف ببعض حجارة جذورها في الأرض ورؤوسها في ذاكرة الإنسان، بل خلَّف سيرة عطاءات ، وبطولات تتذكرها الأجيال جيلاً بعد جيل، وحكايات ما زالت خضراء طرية على ألسنة الكهول وهم يحكونها بنشوة للصغار في المساءات الجميلة.. فجزيرة لبب اكتسبت أهمية كبيرة سياسياً واقتصادياً ودينياً، والمؤسف أن المشكلة التي تواجه الباحثين في تاريخ الجزيرة تتمثل في ندرة المراجع التي يمكن الاعتماد عليها ويقتصر الجميع على ما تختزنه ذاكرة الكبار من حكايا يتناقلونها في مجالسهم.
عبق الماضي
وتتجسد ملحمة ترسم تفاصيل المخلصين من رجالات المكان، والرغبة التي كانت تسكنهم في أن تشرق على جزيرة لبب صباحات أخرى في إفادات الأستاذ الباحث عبد الكريم سليمان سعيد, الذي التقيته أثناء جولتي حول المحراب وسألته أن يحكي لي عن جزيرة لبب قبل الانهيار الذي أصابها, سرح بعيدًا ثم قال: دعني أحدثك أولاً عن ذاك الزمن الجميل والذي عشناه في الأربعينات والخمسينات من القرن الماضي, وعن العقود السابقة, وكل عقد مضى كان أحلى من الحاضر ( وكل عقد نُرذل فيه حسب ما جاء بحديث المصطفى صلى الله عليه وسلم: (كل عام تُرذلون)), ثم استطرد قائلاً: يا لها من أيام مضت وما أحلى ذكراها، وأنا أتحسر الآن لما وصلت إليه الأمور وحال الأهل وعباد الله آنذاك، حيث كانت مجالسهم عامرة بالأفراح والمناسبات السعيدة, بل كانوا يخلقون المناسبات السعيدة ويستعدون لها بما لذ وطاب من طعام وشراب.. كانت خلاويهم عامرة بالحيران وطلبة العلم, حيث كان مسجد الجد حاج شرفي والجد الفكي شمت بشمال الجزيرة وخلوة الجد ساتي علي بجامع مار وخلوة سيلابي بساقية سوركتي وخلوة الجد محمد عبد القادر ساتي بفقيري مار , وخلوة الجد الشيخ حمد عوض الله جنوب الجزيرة, هذا دون التكيات والزوايا المتعددة في الحلَّال لإكرام الضيف الغريب وإيواء طلبة العلم الغرباء, وكانت أعدادهم في أربعينات القرن الماضي قرابة الألف طالب قبل ظهور المدارس بالمنطقة, وكان الأهل يتجمعون في ساعات الفزع والنفير وطلب المروة والمساعدة في أيام الدميرة لعمل الجسور ورفع الجداول وهم ينشدون الأناشيد الحماسية ويهللون ويكبرون حتى عند تشييع الجنازة لمثواها الأخير فإنهم يصلون على النبي صلى الله عليه وسلم.
كانت القلوب عامرة بتقوى الله, كانت مناسباتهم تنعقد بعد مواسم الحصاد وكانوا يستعدون لها قبل أكثر من عام بما لذ وطاب, وكانت فترة الخطوبة تمتد لأكثر من عام لتجهيز العريس وغرفته وعناقريبه الكبيرة والبروش والعدة البسيطة، وطلبات العروسة وأهلها كانت بسيطة جداً ولا تقارن بأي حال من الأحوال بأيامنا هذه, والصداق (مال العروس) كان قد تم الاتفاق عليه بإجماع الكل وبحضور السيد عبدالله الفاضل المهدي ووفد كيان الأنصار عند زيارتهم الجزيرة في عام 1947 بجنيهين اثنين فقط , على أن يدفع جنيه واحد بمجلس العقد والجنيه الثاني لحين الأجلين.
خضراء يانعة
واستطرد قائلاً: كانت الجزيرة خلال عقدي الأربعين والخمسين من القرن الماضي خضراء يانعة طوال أيام السنة، لأن الأهل كانوا مهمومين بالزراعة وكان الري بواسطة السواقي التقليدية المصنوعة من الخشب، وكانوا في شهر يونيو من كل عام بزراعة الربيع (عيش بلدي وأبو سبعين) وهو علف للبهائم وذلك لمقابلة الجفاف في المرعى, وكان هناك تعاون تام بين المزارعين وكانوا يرحبون بالمزارع الجديد بإقامة الولائم ودعوة زملائه المزارعين بالساقية والسواقي المجاورة بمنزل الصمد ( رئيس الساقية والمدير الإداري), وبعد الانتهاء من الحصاد وتنظيف الأرض يتم الاستعداد للموسم الصيفي , وكان هذا الموسم مهماً للمزارعين، حيث أن الذرة البلدية والذرة الشامية ( المكادة .. عيش وقش)، هي بمثابة المأكل والملبس بالنسبة للمزارعين ورصيدهم الذي يتبادلون به مستلزمات الأسرة من تجار البلد طوال العام، ويقومون بتخزين العيش بالصوامع البلدية (مصنوعة من الطين والزبالة) , أما القش فيتم تخزينه فوق أسقف المنازل بعد تقسيمه بين الصمد(رئيس الساقية) وصاحب الأرض والمزارع حسب الحصص المتفق عليها على مستوى المديرية الشمالية, وحال الانتهاء من الموسم الصيفي فإنهم يقومون بنظافة الأرض من الطحالب والطفيليات التي يجلبها الفيضان، وكذلك
قلع جذور الذرة وتسوية الأرض بواسطة المحاريث التقليدية التي تجرها الثيران وهي مصنوعة من الخشب المحلي, ويتم تلبيسها بأمشاط حديدية بواسطة الحدَّاد البلدي, وجرارات حديدية تلبس برأس الثور, أو أكثر من ثور واحد ,وكان هذا إبداعاً وطنياً خالصاً من العهد النوبي , كدولاب الساقية والحلقة والقواديس والألس والكوديك وهي أسماء نوبية معروفة في جميع أنحاء أرض النوبة, وهي معروفة حتى عند القبائل النوبية التي تعرَّبت، كالشايقية والمناصير ,فإن أسماء الكلي والتتي والفجراوي والدهراوي والميزان أسماء كانت سائدة في ذاك الزمن الجميل، وكذلك الأورتي وكلتود وكلي دول والأبق وملتي دول وملتي كينة وملتي كلل , كلها كانت من الأسماء النوبية المرتبطة بالساقية النوبية، هذا الاختراع البارع الذي خُلَّد منذ آلاف السنين.
نواصل..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق