العربي الجديد
مئات "الحاويات" تحمل أجهزة إلكترونية "مستعملة" تعبر البحر الأحمر وترسو بميناء بورتسودان، بعضها مطابق للمواصفات وبعضها الآخر يحتجز من قبل سلطات الجمارك السودانية لمخالفته المواصفات، فضلاً عن تصنيفها، وفقاً لمؤسسات رسمية، كـ"نفايات الكترونية" يجري التخلّص منها تحت مسمى: "مشاريع خيرية للسودان" تأتي من كل أنحاء العالم.
"المشاريع الخيرية" و"الجهات المانحة" استغلتا ثغرات قانونية لمشروعي "الحكومة الإلكترونية" الذي طرحه مجلس الوزراء السوداني في العام 2003، بالإضافة لمشروع "محو الأمية التقنية" الذي طرحه الاتحاد الوطني للشباب السوداني، القائم على تمليك جهاز حاسوب لكل شاب وأسرة. الهدف نبيل، إلا أن النتيجة تحويل البلاد إلى "مكب للنفايات الإلكترونية"، في تجاهل لما يمكن أن تتسبّب به من أضرار بيئية وصحية نتيجة التفاعل الكيماوي السام الناتج عن تحلّل المواد المشعّة المكوّنة لها في البيئة، متسبّبة بإصابة الإنسان بأمراض السرطان والكلى، فضلاً عن تلويثها التربة والمياه الجوفية ومياه النيل.
"مكوّنات الأجهزة الالكترونية تتحلّل في البيئة، وبالتالي، يمكن لدولة مصر أن تشتكي السودان في ما يتعلق بالنفايات الإلكترونية الملقاة على مجرى النيل"، قالها خبير الجودة وإعادة تدوير النفايات الإلكترونية، الدكتور نزار الرشيد، محذراً من تدفّق النفايات الإلكترونية إلى السودان، خاصة من دول الخليج والصين.
وشدد نزار، وهو يشغل كذلك منصب مدير منظمة تقنيات الاتصال والمعلومات العالمية، خلال حديثه لـ"العربي الجديد"، على أن السودان، بتوقيعه اتفاقيات حظر نقل المواد الخطرة عبر حدود الدول "اتفاقيات بازل ـ باماكو ـ امستردام"، سيدخل في مأزق مع الجارة مصر، وخاصة أن نحو 300 مليون بطارية موبايل تم رصدها من قبل المنظمة في الفترة من "2009 ـ 2011". مشيراً إلى أن هذا الرقم يعني أن من 30 إلى 70 مليون كلغ من "الليثوم والكادميون"، وهي مواد مسرطنة، ملقاة في الشوارع تجرفها السيول والأمطار باتجاه نهر النيل.
"الدولة لا تهتم بأجهزة قياس تلوّث مياه النيل"، حسب نزار، وأوضح أنه منذ العام 1965، لم تجرِ أي عملية تدوير علمية للنفايات أو جمعها أو توعية المجتمع بخطورتها، مشيراً إلى رصد منظمة تقنيات الاتصال والمعلومات لنحو 2 مليون جهاز "GPX" للكشف عن الذهب ـ كل جهاز يحتوي على بطاريتين، فترة عمل البطارية لا تتجاوز 6 أشهر، والبطارية تحوي نصف كلغ من المواد المشعة، لاحتوائها على مواد الفوسفور والزئبق المعروفة دولياً كمواد خطرة تنتشر في الأراضي السودانية من دون رقابة.
جمال أمين السيد، من الهيئة السودانية للاتصالات، أعدّ دراسة علمية لمجلس الوزراء السوداني حول النفايات الإلكترونية، أشار فيها إلى أن نسبة 0.00001% من الكادميوم تؤثر على صحة الإنسان وتصيبه بالسرطان وتعطل بعض الوظائف الحيوية للخلايا المكوّنة لأعضاء جسمه.
وأضافت الدراسة، التي جرى عرضها في فبراير/ شباط الماضي، أن هذه العناصر الثقيلة، رغم وجودها بكميات ضئيلة جداً في الأجهزة الإلكترونية، إلا أن خطورتها تكمن في تراكمها مع مرور الزمن داخل الخلايا، وقدرتها على دخول جسم الإنسان من خلال الجهاز الهضمي مع الأكل والشرب أو من خلال جهاز التنفس مع المواد العالقة في الهواء أو من خلال الجلد، ثم تصل إلى الدورة الدموية وترتبط ببلازما الدم لتصل إلى مختلف أجزاء الجسم، وتتركز في بعض الأعضاء الهامة مثل الكبد، الكلى، الحالب، غدد اللبن لدى الإناث، والخصى، متسببةً في تحطيم خلايا الدماغ وهشاشة العظام وفقر الدم ورفع الضغط، وتحطيم الأنسجة وخلايا الدم الحمراء، الفشل الكلوي، السرطان.
رئيس لجنة الصحة بالبرلمان السوداني عبد العزيز اتنين أكد لـ"العربي الجديد" أنه بعد دراسة التقارير التي وردت بشأن النفايات الإلكترونية وخطورتها على مستقبل البلاد تقرر تكوين لجنة لدراسة الإشعاعات الخطرة من النفايات الإلكترونية لوضع التشريعات اللازمة للجهاز التنفيذي لدرء خطر النفايات.
وأشار إلى أن البرلمان شدد على ضرورة التزام الحكومة بالاتفاقيات الدولية فيما يختص بالإشعاعات والنفايات الإلكترونية، ملمحا إلى مشروع قانون لحماية البيئة أعدته وزارة البيئة يحوي معالجات لقضية النفايات الالكترونية سيتم إيداعه البرلمان بعد فراغ اللجنة القانونية بوزارة العدل من مراجعة مسودة مشروع القانون.
نفايات الكترونية بمنطقة المويلح |
وكشف عبد العزيز عن أول مشروع لتدوير النفايات في السودان شرعت في إعداده وزارة الاتصالات السودانية سيتم إيداعه للبرلمان خلال الدورة الحالية للبرلمان، فضلا عن مشروع خطة وضعتها إدارة الجمارك السودانية لإرجاع النفايات الإلكترونية التي دخلت البلاد وتم ضبطها لبلد المنشأ.
وأوضح عن تورط 36 وزيراً اتحادياً وولائياً في دخول 586 حاوية نفايات إلكترونية للبلاد في العام 2009، وقال خلال ورشة حول النفايات الإلكترونية نظمها البرلمان مع منظمة تقنيات الاتصال والمعلومات في أبريل الماضي: "الحاويات دخلت عبر منظمات حكومية وخيرية، خاصة مشروع محو الأمية الإلكترونية".
النفايات الإلكترونية شملت، أيضا، أجهزة هواتف سيارة، رصدها جمال محمد علي من إدارة الهيئة السودانية للاتصالات، في ورقة علمية لمجلس الوزراء، مايو الماضي، كشف فيها عن وجود أكثر من 22 مليون مشترك للهاتف السيار بالسودان، مضيفا أن الأجهزة التي تم إدخالها للبلاد، رسمياً، بعد المطابقة، حوالي 3 مليون جهاز فقط، والجهاز الواحد المُطابق للمواصفات يحتوي على أكثر من 40 وحدة بها مواد سامة مثل الليثيوم والكادميوم والرصاص والزئبق.
ما سبق وصفته إدارة الجمارك السودانية بـ " الفوضى الشديدة"، وأقرت بالبرلمان السوداني في إبريل الماضي ممارسة بعض المنظمات والمؤسسات التعليمية ضغوطا على مؤسسات الدولة لإدخال تلك الاجهزة.
الإقرار بمخاوف تحول السودان لمكب للنفايات الخطرة ضاعف من خطورته افتقار السودان وجود مكب لتدوير النفايات أو تجميعها، وهو ما دفع وزير البيئة والغابات السوداني لإطلاق تحذيرات للأسر السودانية في جلسة استماع بالبرلمان، مايو الماضي، بالتخلص من أي جهاز الكتروني تالف فوراً، موضحا بأن النفايات الإلكترونية انهمرت على السودان باسم مشروعات وصفها بالخداعة.
البرلمان السوداني استشعر خطورة الموقف الذي تتعرض له البلاد جراء انتشار النفايات الإلكترونية وشرع عبر لجنتي الصحة والاتصالات بطلب مستعجل لوزير رئاسة مجلس الوزراء لتقديم "مصفوفة" متكاملة لرؤية الجهاز التنفيذي في الدولة حول تكاليف عملية معالجة قضية النفايات الإلكترونية.
في المقابل صرح رئيس الجمعية السودانية لحماية المستهلك نصر الدين شلقامي لـ"العربي الجديد" أن قضية النفايات الالكترونية في السودان لم تصل بعد لمرحلة الخطر ولكنها تحتاج للتنبيه بها، مشددا على أنه لا توجد ضوابط في الدولة للحد من دخول النفايات الالكترونية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق