صحيفة الوطن القطرية
(1)
المطارات هي واجهات الدول فهي أول ما يلقى الإنسان عند وصوله وآخر ما يشاهد عند مغادرته سواء كان مواطنا أو زائرا لأية دولة، ولأني كثير الأسفار فإن المطارات عادة ما تعطيني قراءة خاصة عن البلد الذي أزوره. أذكر مطار أنقرة القديم الذي لم يكن يليق أبدا بعاصمة الدولة التركية وكيف أصبح الآن ومثله مطار اسطنبول .
بل إن أردوغان أدرك أهمية المطارات كواجهات لتركيا الحديثة ومداخل للدولة التي نهضت خلال سنوات حكمه فأولاها أهمية خاصة حتى بلغ مقدار ما بني وما جدد من مطارات في عهده حوالي 50 مطارا في 50 مدينة فيما يبلغ عدد المطارات في تركيا 102 مطار منها ثمانية مطارات دولية حيث يعتمد الأتراك على السفر بالطائرات بين أركان الدولة التركية، وقد اعتمد أردوغان بناء مطار ثالث في اسطنبول سيكون الأحدث والأكثر تقدما في أوروبا كلها، وقد ضربت المثل بمطار أنقرة القديم لأن مطار الخرطوم الذي أنا بصدد الحديث عنه يعتبر أفضل مما كان عليه مطار أنقره القديم بكثير والحقيقة في كل مرة أزور فيها السودان أفكر في الكتابة عن المطار لكني أتجاوز الأمر إلى ماهو أهم غير أن ما حدث معي ومع كل المسافرين إلى كل الوجهات مساء الخميس الماضي في مطار الخرطوم كان مستفزا ومسيئا ومهينا إلى حد بعيد وأنا هنا أخاطب الرئيس السوداني عمر البشير وليس أحدا آخر فهو من يحكم منذ خمسة وعشرين عاما ومن يستطيع أن يغير هذا الواقع المزري الذي يعاني منه أهل السودان في سفرهم وعودتهم لبلادهم كما يعاني منه زوار السوادان لاسيما من رجال الأعمال والمستثمرين الذين أجد أعدادا كبيرة منهم كلما ذهبت للسودان سواء في المطار أو الفنادق على اعتبار أن السودان بلد واعد وبكر وفرص الاستثمار به كبيرة وتجتذب عددا كبيرا من المستثمرين من كل أنحاء العالم.
لن أتكلم عن الوصول وتأخر الحقائب الذي جعلني أتجنب حمل أي حقيبة معي سوى حقيبة يدي، أو عدم وجود ضباط تفتيش الحقائب اليدوية بعد الوصول في معظم الأحيان وانتظارنا لهم حتى يأتوا، وحينما تضجرت مرة بعد انتظار دام ما يقرب من ثلث ساعة في إحدى المرات مع تكدس الواصلين بين منطقة الجوازات و التفتيش وصمتهم وعدم وجود أي مسؤول يرد علينا قال لي أحد السودانيين بخفة دم تنافس خفة دم المصريين...نحن المخطئون يا أحمد لقد وصلنا مبكرين.
ما حدث مساء الخميس الماضي في مطار الخرطوم تفوق على كل ما سبقه فقد كان الزحام والتكدس هائلا أمام مدخل المسافرين حتى أن صديقي وزميلي المسلمي الكباشي مدير مكتب قناة الجزيرة في الخرطوم الذي أصر على أن يقوم بتوصيلي للمطار حينما وصل بسيارته وجد المنظر غريبا فأصر أن يترك سيارته ويأتي معي إلا أني رفضت بشدة وأجبرته أن يتركني وحقيبة يدي ويمضي دون أن يدري ما حدث لي بعد ذلك وربما سيقرؤه في هذا المقال.
على مدخل المطار وجدت زحاما شديدا للغاية حقائب وركاب وأطفال ونساء وعجائز وتدافع وصراخ وسرعان ما وجدت نفسي وحقيبة يدي التي كنت أجرها وسط هذه المعمعة أو بمفهوم أدق هذه المعجنة وأنا أدفع من كل جانب دون أن أفعل شيئا سوى محاولتي تجنب أذى الناس، وقد لا حظت أن بوابة المسافرين الضيقة أصلا شبه مغلقة ولا يكاد يمر منها أحد فجأة وجدت زميلي أيمن الحلبي مخرج برامجي الذي كان قد تحرك للمطار قبلي بمدة وسط الزحام والتدافع هو الآخر ولم يدخل بعد أن ناديته بصوت مرتفع وقلت له ماذا يجرى ؟قال لا أدرى يمنعون الناس من الدخول والوضع كما ترى.
بل إن أردوغان أدرك أهمية المطارات كواجهات لتركيا الحديثة ومداخل للدولة التي نهضت خلال سنوات حكمه فأولاها أهمية خاصة حتى بلغ مقدار ما بني وما جدد من مطارات في عهده حوالي 50 مطارا في 50 مدينة فيما يبلغ عدد المطارات في تركيا 102 مطار منها ثمانية مطارات دولية حيث يعتمد الأتراك على السفر بالطائرات بين أركان الدولة التركية، وقد اعتمد أردوغان بناء مطار ثالث في اسطنبول سيكون الأحدث والأكثر تقدما في أوروبا كلها، وقد ضربت المثل بمطار أنقرة القديم لأن مطار الخرطوم الذي أنا بصدد الحديث عنه يعتبر أفضل مما كان عليه مطار أنقره القديم بكثير والحقيقة في كل مرة أزور فيها السودان أفكر في الكتابة عن المطار لكني أتجاوز الأمر إلى ماهو أهم غير أن ما حدث معي ومع كل المسافرين إلى كل الوجهات مساء الخميس الماضي في مطار الخرطوم كان مستفزا ومسيئا ومهينا إلى حد بعيد وأنا هنا أخاطب الرئيس السوداني عمر البشير وليس أحدا آخر فهو من يحكم منذ خمسة وعشرين عاما ومن يستطيع أن يغير هذا الواقع المزري الذي يعاني منه أهل السودان في سفرهم وعودتهم لبلادهم كما يعاني منه زوار السوادان لاسيما من رجال الأعمال والمستثمرين الذين أجد أعدادا كبيرة منهم كلما ذهبت للسودان سواء في المطار أو الفنادق على اعتبار أن السودان بلد واعد وبكر وفرص الاستثمار به كبيرة وتجتذب عددا كبيرا من المستثمرين من كل أنحاء العالم.
لن أتكلم عن الوصول وتأخر الحقائب الذي جعلني أتجنب حمل أي حقيبة معي سوى حقيبة يدي، أو عدم وجود ضباط تفتيش الحقائب اليدوية بعد الوصول في معظم الأحيان وانتظارنا لهم حتى يأتوا، وحينما تضجرت مرة بعد انتظار دام ما يقرب من ثلث ساعة في إحدى المرات مع تكدس الواصلين بين منطقة الجوازات و التفتيش وصمتهم وعدم وجود أي مسؤول يرد علينا قال لي أحد السودانيين بخفة دم تنافس خفة دم المصريين...نحن المخطئون يا أحمد لقد وصلنا مبكرين.
ما حدث مساء الخميس الماضي في مطار الخرطوم تفوق على كل ما سبقه فقد كان الزحام والتكدس هائلا أمام مدخل المسافرين حتى أن صديقي وزميلي المسلمي الكباشي مدير مكتب قناة الجزيرة في الخرطوم الذي أصر على أن يقوم بتوصيلي للمطار حينما وصل بسيارته وجد المنظر غريبا فأصر أن يترك سيارته ويأتي معي إلا أني رفضت بشدة وأجبرته أن يتركني وحقيبة يدي ويمضي دون أن يدري ما حدث لي بعد ذلك وربما سيقرؤه في هذا المقال.
على مدخل المطار وجدت زحاما شديدا للغاية حقائب وركاب وأطفال ونساء وعجائز وتدافع وصراخ وسرعان ما وجدت نفسي وحقيبة يدي التي كنت أجرها وسط هذه المعمعة أو بمفهوم أدق هذه المعجنة وأنا أدفع من كل جانب دون أن أفعل شيئا سوى محاولتي تجنب أذى الناس، وقد لا حظت أن بوابة المسافرين الضيقة أصلا شبه مغلقة ولا يكاد يمر منها أحد فجأة وجدت زميلي أيمن الحلبي مخرج برامجي الذي كان قد تحرك للمطار قبلي بمدة وسط الزحام والتدافع هو الآخر ولم يدخل بعد أن ناديته بصوت مرتفع وقلت له ماذا يجرى ؟قال لا أدرى يمنعون الناس من الدخول والوضع كما ترى.
(2)
فجأة وجدت سيدة تصرخ على أولادها الذين اختفوا في الزحام بينما لا تدري أين حقائبها وإذا بها تطلب مني أن أساعدها ولم أدر ماذا أفعل قلت لها كيف أساعدك ؟، سمعت بعد ذلك صراخ ابنتها التي تمكنت من تجاوز هذه المعجنة والدخول من النقطة الأولى فطلبت مني وهي متلهفة على أولادها أن أساعدها في إفساح الطريق لها حتى تدخل إلى أولادها.
دفعت من خلفي برفق لكن عربات حمل الحقائب كانت تسد الطريق ،ناديت على مرافقي أيمن وقلت له سأعطيك حقيبة يدي ضعها مع حقائبك وسأقفز مثل البهلوان حتى أخرج من هذه المعجنة ربما أستطيع أن أفسح طريقا لهذه السيدة التي انفصلت عن أولادها، وبالفعل تمكنت بعد جهد من الوصول للمدخل الضيق فوجدت الجنود الذين يقفون عليه يضعون حاجزا وقال لي أحدهم بعدما عرفني اقفز من على الحاجز فقفزت وهنا وصلت إلى النقطة الأولى لمدخل المطار بينما بقي أيمن في المعجنة مع حقائبه بعدما مرر لي حقيبة يدي من يد ليد حتى وصلتني ،لكن وجدت تكدسا وزحاما وتدافعا من نوع آخر على جهاز كشف الحقائب الذي كان معطلا ولا يسمح الجنود لأحد بالعبور وربما كان تعطل الجهاز هو سبب هذه المعجنة التي اختار الجنود لها أسهل الحلول فبدلا من إصلاح الجهاز أو تشغيل جهاز آخر أغلقوا مدخل المطار الضيق والوحيد ،وكلما تحدثت مع موظف أو مسؤول لا يجاوبني والناس كلها في ضيق وصراخ من الموقف وخوفها ألا تلحق برحلاتها ومن شدة الحر ،حاولت إقناع الجندي الذي يقف بعد جهاز الكشف أن يسمح لي بالدخول بحقيبة يدي حيث انها ستمر على ثلاثة أجهزة كاشفة بعد الجوازات قبل ركوب الطائرة لكنه رفض ،كنت أشفق على النساء والعائلات وكبار السن الذين كانوا مكدسين مع حقائبهم في مساحة ضيقة وكثير من الناس يصرخون أنهم تأخروا على طائراتهم دون جدوى وفي النهاية قاموا بتشغيل الجهاز الثاني لكشف الحقائب الذي كانوا ربما بحاجة إلى قرار استراتيجي على أعلى المستويات لتشغيله وحل المشكلة ، فتدافع الناس من كل مكان يحملون حقائبهم من الجهاز المعطل للجهاز الجديد وفجأة وجدت نفسي في معجنة جديدة لأني كنت أول من وضع حقيبته على الجهاز الثاني حينما وجدتهم ينوون تشغيله لأني كنت أقف إلى جواره وأنا أفكر ماذا أفعل لكن الناس أحاطوا بي بحقائبهم من كل جانب ولأني كنت أمام مدخل الجهاز مباشرة فالكل كان يطلب مني أن أساعده في حمل حقيبته ووضعها على الجهاز ولم أجد بدا من هذا لاسيما كلما رأيت عجوزا أو امرأة ثم أدركت أني يمكن أن أفقد حقيبتي التي خرجت من مدة من الجهة الأخرى للجهاز إن لم أخرج من هذه المعجنة .لا أعرف كيف خرجت من بين الناس وحقائبهم وذهبت لأبحث عن حقيبتي في الجهة الأخرى من الجهاز فوجدت أحد العمال يمسكها كأنه يبحث عن صاحبها .
شكرته وأخذتها ثم ذهبت أبحث عن زميلي أيمن فلم أجده كان لازال هناك في المعجنة الأولى خارج المطار .
توجهت مباشرة للقطرية حتى أبلغهم بحجز مقعدي ومقعده لأنهم أوشكوا على إغلاق الطائرة لكني وجدت هذه المشكلة العامة في كل الرحلات المغادرة ووعدوني بحجز مقعده وانتظاره قبيل إغلاق تحميل الحقائب وحجز المقاعد ظهر أيمن وملابسه غارقة في العرق كأنما كان في حلبة مصارعة.
(3)
فكان الجو مشحونا بالغضب من الناس بشكل عام، لكن الجميع كان صامتا عدا سيدة كانت تقف مباشرة في الصف الذي بجواري رفعت صوتها على موظفة الجوازات وتلاسنتا، هنا ظهر ضابط برتبة عقيد وجاء ليهدئ الوضع بين السيدة الغاضبة وموظفة الجوازات.
بالنسبة لي ضباط الشرطة في الغرب والدول التي تحترم حقوق الإنسان وآدميتهم هم الملجأ دائما حينما تواجه الإنسان أي مشكلة فدورهم هو خدمة الناس وحمايتهم وحينما تجد رجل الشرطة في الغرب تشعر بالأمن، أما في بلادنا أو في الدول المتخلفة بشكل عام فأنا أتجنب رجال الشرطة تماما لأنهم ـ إلا من رحم ربك ـ على العكس من ذلك حينما تراهم تشعر بالخوف والقلق فهم يتعاملون مع الشعب باستعلاء وعلى أنه خادم عندهم وليسوا هم الخدم عنده، لكني اعتقدت أن هذا العقيد مختلف حينما لاحظت أنه يهدئ التلاسن بين المسافرة وموظفة الجوازات، وكان هناك عدد من مقاعد موظفي الجوازات فارغة والزحام شديد فشجعني ذلك أن أقول له: «بالله عليك يا أخي لماذا لا تطلب من بعض موظفي الجوازات أن يجلسوا على هذه الشبابيك الخالية من الموظفين ليسهلوا على الناس بدلا من هذا الزحام وهذه الإهانة غير المبررة».
لم أكد أنهي كلماتي حتى عاد الرجل إلى طبيعته التي عليها كل ضابط شرطة وربما ضابط جيش في هذه البلاد، وإذا به يرفع صوته عليّ بحدة وكأني تعديت على قدس الأقداس، «شنو.. بتقول شنو؟ وماذا يعني؟» وكلمات أخرى كلها غضب على طلبي، قلت له «الناس تتعرض للإهانة خارج المطار وقد قضينا ساعة من مدخل المطار حتى هنا والإهانة غير مقبولة» إذا به يقول لي «وما هي المشكلة في إهانتهم؟» قلت له: كيف تقبل الإهانة للناس وهم أهلك؟ قال «ما هي المشكلة؟» شعرت حينها أني في حوار طرشان وان الجهالة سيدة الموقف وليس العقل وطالما أن الرجل لا يرى مشكلة في إهانة الناس فلا مجال للحديث معه فآثرت الصمت لاسيما وأني لاحظت أن الناس الذين كنت أدافع عن حقهم وكرامتهم بقوا صامتين لأن منطق الخوف هو الذي يسيطر هنا على الناس وليس منطق المطالبة بالحق وأيقنت أن هذا العقيد مثل غيره يعتقد أن هذه النجوم التي على كتفيه قد أنزلت من نجوم السماء ووضعت على كتفيه وكذلك النسر نزل من أعالي الجبال حتى يسكن ويستقر على كتفه المهيب، من ثم فله الحق في إذلال الناس أو عدم استغراب أو استنكار إذلالهم حتى وإن كانوا أهله، هذا المشهد كان في حضور كل من يقفون في صفوف الجوازات من سودانيين وعرب وأجانب، فإذا كان أهل السودان مضطرين أن يتعاملوا مع هذا الواقع لأنها بلادهم فما الذي يجبر المستثمر العربي أو الأجنبي أو الزائر للسودان على أن يتقبل هذا؟
بقي هناك سؤالان أوجههما للرئيس البشير باعتباره يحكم السودان منذ ربع قرن وهما أليس في السودان 500 سوداني من ضباط شرطة وموظفين مدنيين يحبون بلادهم يتم تدريبهم على أعلى المستويات لخدمة المسافرين فيتركون انطباعا جيدا لدى أهلها أولا ولدى كل من يزورها؟
السؤال الثاني: إذا كانت مليارات النفط قد تبخرت ولم يتم بناء مطار منها يليق بالسودان وأهلها لماذا لا يتم جلب شركة دولية تبني مطارا جديدا بنظام حق الانتفاع بدلا من هذه المعاناة التي يعيشها اهل السودان وكل من يزورها في الوصول والسفر؟.
أحمد منصور -- صحيفة الوطن القطرية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق