سودانيل
ما قيمة أن يسكن المرء في قصر منيف في أحد الأحياء المتاخمة للنيل يطالع من سطح مبناه مياه النهر الخالد المنسابة في هدوء ودعة وهو يردد: ( أنت يا نيل يا سليل الفراديس نبيل موفق في مهابك / ملء أَوفاضك الجلال فَمرحى ِبالجلال المفيض من أَنسابك / حضنتك الأملاك في جنة الخلد ورقت على وضيء عبابك / وأمدت عليك أجنحة خضراء وأضفت ثيابها في رحابك / فتحدرت في الزمان وأفرغت على الشرق جنة من رضابك ) رحم الله الراحلين، الشاعر العظيم التيجاني يوسف بشير الذي أبدع في التصوير وانتقاء الكلم البديع، والفنان الكبير عثمان حسين الذي نسج لحناً شجياً مترعاً بترانيم الوفاء والعرفان. ما قيمة كل ذلك إذا كانت خدمات المياه المأخوذة من ذات نهر النيلتمد له لسانها ساخرة فلا تأتيه من وقت لآخر إلا حين تشاءوفي أوقات يصعب التنبؤ بها، فإن أغفل عن امتصاصهابمعينات السحب الكهربائية وتخزينها يوماً واحداً، ندم على غفوته وارتبكت برامجه وربما عجز عن تدبير حاله وهو الذي يدفع قيمتها مقدماًأضعاف ما كان عليه سابقاً. فبدلاً من محاسبته نظير الاستهلاك الفعلي تحول ذلك في عهد سابق إلى المحاسبة عن العداد غير المقرئ والمقدرة رسومه حسب درجات المناطق السكنية وقطر الأنبوب المغذي ثم حين دارت الأيامتوجب عليه دفع ذات الرسم عن عدادات وهمية نظيركل طابق علوي أو شقة إذا كان بها عداد كهرباء منفصل عن عداد المبنى الأم.
وحين تم ربط سداد رسوم عداد المياه بشراء كهرباء الدفع المقدم عبر مصاهرة ميمونة أو عودة لزواج قديم، الشيء الذي لم يفلح الناس في إيقافه لأن الرفض يعني فقدانهم للماء والكهرباء معاً، قلنا- رغم تحفظنا على ازدواجية الدفع عن عداد واحد - أن ذلك الإجراء سيدر دخلاً كبيراًلهيئة المياه،التي زاد عليها الطلب وحارت في تحصيل الحقوق المتراكمة على المواطنين، وتفاءلنا بحسبان أن ذلك سينعكس خيراًوبركة وخدمة مستقرة وماءاً قراحاًنتجشأه حامدين شاكرين. لكن حمار شيخ الهيئة ظل يتوقف عند عقبة الماضي عملاً بمقولة (من نسى قديمه تاه)فلا توفرت المياه ولا راقت عكارتها ولا قل ريعها، بل زاد،بينما يسير حمار العربات التي تبيع المياه بنشاط وهمة بأسعار تفوق تكلفتها في اليوم الواحد، إن وجدت،ما كان يدفعه المواطن عن شهر كامل وبالذات في الأطراف النائية كالأزهري والكلاكلات وعد حسين ومايو والثورات لأنها هي أيضاً تعاني من شح وانقطاع لم تقدر الآبار على الحد منه.
في مثل هذا الظرف الحرج الذي يعاني فيه المواطنون من العطش وجفاف الأنابيب لعدم انسياب الماء نسمع عن أن هناك عجزاً في ميزانية الهيئة بمئات الملايين الجديدةفتطوي الأيام ذلك الخبر سريعاً دون أن يتوقف عنده البعض، ونسمع أيضاً عن احتمال رفع قيمة رسوم المياه بحجة أن تعين الزيادة هيئة المياه للعمل على حفر الآبار وتحديث الشبكات والتنقية من الطحالب والشوائب. ولا أدري الحكمة في تسريب مثل هذه الأخبار التي لم يتم نفيهافي هذه الأيام بالذات. هل لإسكات الناس عن المطالبة والتظاهرأم أنها توطئة لكي يجدوا العذر للهيئة المغلوب على أمرها أم يا ترى لكي يتم ابتلاع أي زيادة مرتقبة إذا انسابت المياه بعد أن تصبح الزيادة حقيقة واقعة. وبالفعل كانت هيئة المياه قبل تحصيل الرسوم عبر الرباط المقدس بشراء الكهرباء التي لا يتحمل المرء انقطاعها ويدفع نظيرها صاغراً، كانت تعاني من تماطل العملاء في الدفع ولكن بعد أن تدفقت عليها الأموال مقدماً ليس هنالك من سبب يجعل الهيئة تواجه عجزاً لم نسمع به من قبل حتى إبان فترة تعثر التحصيل. على الهيئة أن تحيطنا بمزيد من الشفافية حول صحة هذه الأخبار وأن ترتقي بمستوى خدماتها رداً لجميلنا بقبول الدفع المقدم فتعمل على تدفق المياه لكي نروي عطشنا ونغسل أدراننا.
salahyousif65@yahoo.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق