صحيفة اليوم التالي
في صفحة المحقق الأسبوعية التي تنشر بهذه الصحيفة، والتي تحمل معاناة المواطنين أملا في مساهمة قرائنا والخيرين في إقالة عثراتهم، والتي ظلت لأسبوعين تتلقى مناشدات أسر احترقت كل أمتعتها وممتلكاتها، نتيجة لحوادث الحريق وفي معظم الحالات يكون السبب ـ وفقا لتقرير الدفاع المدني ـ التماسا كهربائيا، فضلا عن الحرائق المتزايدة التي عانقت الأفق بأدخنتها ولهبها مخلفة ذات الفحيح في نفوس أصحابها.
(اليوم التالي) أجرت تحقيقا استقصائيا وتوجهت للأسواق تنقب خلف الرماد عسى أن نجد جذوة نضيء منها السراج للخروج من نفق الحرائق المظلم، فوجدنا أن مصدر الشظايا كامن وقابع في المغالق، حيث يتم تهريب نوعية معينة من الأسلاك غير المطابقة للمواصفات والأجواء السودانية، أصحاب الضمائر الخائرة استغلوا البيات الدائم للمواصفات والمقاييس والتسيب الذي أصبح صفة ملازمة لأداء الجهات المسؤولة.. التقينا بعض الخبراء والجهات المسؤولة عن الكهرباء وأوردنا عددا من البلاغات التي دونت في أقسام الشرطة وعرضنا بعض الحالات التي تلقيناها في (اليوم التالي):
مستصغر الشرر
يبدأ العم (هارون) يومه حامداً ربه، شاكراً له نعمة العافية، رغم الظروف الصعبة التي يعاني منها؛ فالدار التي تؤوي أبناءه عبارة عن غرفة واحدة وراكوبة صغيرة. عم هارون يعول أسرة من البنين والبنات، في مراحل التعليم المختلفة، وفي الأيام القليلة الماضية رزقه الله بولدين توأمين، لا يحملان اسماً حتّى الآن، بسبب ضيق اليد، ورغم ذلك لم يتضجّر ولم يبدِ ضيقه من الحال المائل. ليست هذه كل المشكلة، فقبل أسبوع شبّ في منزله حريق أتلف كل محتويات الدار، وبحسب شهادة الحريق، المقدمة من إدارة الدفاع المدني بولاية الخرطوم، فإن سبب الحريق التماس كهربائي أشعل النيران في "مروحة سقف ودولاب ملابس ومعدات منزليّة وتلفزيون ومستندات رسمية". لجأ إلى ديوان الزكاة لمعاونته في محنته، ولكن لم يلق أذناً صاغية، بل طلبوا عودته بداية رمضان لمساعدته..
وأيضا هناك قصة (صفاء) وهي واحدة ممن اصطلوا بنار الحريق قصدتنا أملا في مسح دموعها، وهي في العقد الخامس من العمر كما تشي سيماها.. أم لبنت وولد كما تقول. زوجها بسيط يعمل في خياطة الأحذية. كانت صفاء تعيش راضية في منزلها المتواضع في مدينة تندلتي، وتنتظر أوبة زوجها مشارف المساء، ليوفر لها وعيالها قوت يومهم ثم تشكر لله نعمة الأمن والعافية وذريّة ترجو من الله أن يجعلها صالحة؛ تراجع لهم دروسهم، وتستذكر معهم.
الحريق يلتهم كل شيء
في أحد صباحات مارس الماضي أصيب طفلها بوعكة فذهبت بصحبته وشقيقته للمستشفى، لكن عندما عادت وجدت منزلها هشيماً تذروه الرياح؛ لقد قضى الحريق على الفرش والملابس والدولاب الوحيد والأسرَّة، وأصبحت مشرّدة تماماً. ظلت هي وعيالها يتجولون بين الأهل والعشيرة، وقالت إنّ أبناءها يتضايقون جداً ولا توجد لهم مدارس هنا، وإذا لم تتمكن من العودة لمدينتها، فسوف يفقد أبناؤها فرصتهم في التعليم، فضلاً عن الحياة غير الطبيعية التي يعيشونها، وتنقلهم الدائم بين المنازل ومدن الخرطوم الثلاث. حيث يسكن أقاربها. يتوقف ذلك على مدى ترحيب الأسر، إذ تمكث في منزل ثلاثة أيام، وفي آخر أسبوعاً لتعود إلى نفس المنزل.. وأيضا نقلت صحف الخرطوم خبر حريق شب في أحد المنازل بمنطقة الشهداء في أمدرمان قضى على كل شيء بما في ذلك روح (حليمة) وابنتها الطالبة ولم تنج غير طفلة وأيضا أكد التقرير أنها بسبب التماس كهربائي.. وغير ذلك من قصص الحرائق التي ترويها الصحف ومجالس المدينة والبعض الذي لم يصل للصحف والرأي العام..
مازال البعض يتلظى بجحيم الحرائق المستعر التي لم تقض على المواد المادية فقط، بل تفحمت على إثرها أحلامهم وعبث لهبها حتى بكرامهتم ومن الملاحظ أن أغلب هذه الحرائق إن لم تكن جميعها في تقرير الدفاع المدني بسبب التماس كهربائي.
دخان في الذاكرة
ومن قصص الحريق التي مازال دخانها يسكن دهاليز الذاكرة، حادث مركز الإخوة الواقع بالقرب من "لفة جوبا" بشارع عبيد ختم حيث التهم الحريق المركز بكامله، فضلا عن حريق مركز عفراء الشهير وحريق آخر شب بمنزل والي الخرطوم في كل الحالات أفادت التقارير أنها بسبب التماس كهربائي.
من داخل المغالق
(اليوم التالي) قامت بجولة داخل المغالق حيث أفاد عدد من أصحاب المغالق بأنه توجد أنواع من أسلاك الكهرباء السودانية غير مطابقة للمواصفات خفيفة وشعيراتها الثلاث ضعيفة جدا ولدى أقل درجة حرارة يضرب السلك ليتآكل الفرادي وأيضا توجد أسلاك صينية بذات المواصفات وتلبيسة السلك تجدها متآكلة قبل الاستعمال والأفرع الثلاثة في السلك ملتصقة تماما السلك السوداني 1.5 سعره 75 جنيها و2.5 سعره 135 جنيها.
وقال أحد أصحاب المغالق: "الأسلاك الصينية تدخل عبر القنوات الرسمية وهنالك ماركة جيدة لكنها لا تدخل السودان بل تذهب لدول الخليج والبلدان الأخرى".. وأكد محدثنا أن هذه الأسلاك الرديئة سبب مباشر في حدوث الحرائق..
أسلاك تذيبها الحرارة
أفاد خبراء (اليوم التالى) بأن هنالك نوعا من الأسلاك صينية الصنع تشوبها عيوب تتسبب في ذوبان الأسلاك بفعل الحرارة، وهي أسلاك لا تتناسب مع الأجواء السودانية، وقال خبير إن هذه النوعية تحتاج لأن تضاف إليها مادة كيمائية تزيد تحملها لدرجة الحرارة وتمنع تمدد وانصهار السلك في درجات الحرارة العادية إلى (40) درجة مئوية أما سلك البلاتين فيذوب في درجة حرارة 30 درجة مئوية وتعبر هذه الدرجة عادية في السودان، ورجح الخبراء أن هذه الأسلاك تأتي عن طريق التهريب، وطالبوا المواصفات والمقايس بالقيام بعمليات تفتيش ومراقبة مع العمل على نشر إنذارات وتحذيرات تنبه المواطن بخطورة مثل هذه الأسلاك، مشيرين إلى أن هذه الأسلاك رخيصة جدا ومتوفرة في الأسواق.. ولا تحمل أية معلومات عن الشركات المصنعة ولا أي إرشادات وأحيانا تكون القياسات غير موجودة وهي متاحة في المغالق والأسواق ويتم توزيعها بواسطة عملاء يحملون رخصا وليست لهم دراية بمواصفات الأجهزة الكهربائية.
القاتل الخفي
وللتحقق من فرضية أن هنالك أسلاكا غير مطابقة وهل فعلا تقع معظم الحوادث بسبب التماس كهربائي استنطقت (اليوم التالي) المهندس مرتضى مصطفى الداعوب رئيس قسم الصحة والسلامة بشركة توزيع الكهرباء الذي أكد على حقيقة تزايد حوادث الحريق بسبب الكهرباء أو الصعقات الكهربائية التي تصيب المواطن وقال إنها في ازدياد مستمر معددا الأسباب، وأضاف: ليس كل الحرائق بسبب التماسات كهربائية فبعضها سببه الغاز وسوء الاستخدام المنزلي والانفجارات وأيضا هنالك حرائق تنشب بسبب البخور والستائر التركية.. وقال: هناك وباء جديد يسمى الستائر التركية ومعظم ربات البيوت ليست لديهن الثقافة الكافية في ما يتعلق بأسباب الحرائق وبعدما يحدث الحريق يردد الناس أنه تماس كهربائي، وأضاف: وأيضا تحدث حرائق بسبب سوء التعامل مع المواد البترولية وتخزين مواد كالمبيدات الحشرية القابلة للاشتعال بسبب سوء التخزين، أما مشاكل الكهرباء فمتمثلة في الصعقات الكهربائية، ويرجع السواد الأعظم من الحرائق لعدم (التأريض) وهو توصيل سلك بالأرض ليقوم بحماية المعدات الكهربائية من أخطار الزيادة المفرطة في تيارات الخطأ بتوفير مسار ذي مقاومة منخفضة إلى الأرض لجعل تيار الخطأ ذي قيمة معينة تكفي لتشغيل معدات الحماية مثل (المصهرات، القواطع). وقال: البيوت المؤرضة في السودان بالطريقة المثلى لا تتعدى 5%، والخطأ في التأريض يعود إلى نوع التماس أو فراغ في التوصيلة يسبب احتراق التوصيلة ويشعل مصدرا من مصادر الاشتعال وينتج عنه صعق كهربائي عند تلامس الجسم من شخص حافي القدمين يمسك بالثلاجة.. ومضى مواصلا: وهنالك القاتل الخفي وهو الموتور أو جهاز تقوية الطاقة والمكيف المائي هما القاتل الخفي حيث يتم توصيلها توصيلات عشوائية وخاطئة بأسلاك رديئة الجودة وعدم مراعاة عوامل الطقس والبلل المستمر يجعلها تنكشف ويتلاشى الغطاء، وعند التصاق شخص بالحائط المبلل تحدث الصعقة الكهربائية، والمشكلة الثانية سوء التوصيلات المنزلية ومكيفات الفريون التي تستخدم لها توصيلات بسمك 2.5 ملم ويجب أن يكون السمك الأمثل من 6-10 ملم تقريبا حتى لا يسخن السلك ويحمي التوصيلة من الاحتراق بسبب المقاومة النوعية، وأردف: يأتي بعد ذلك الأشخاص الذين يقومون بعمل التوصيلات المنزلية ولم يخضعوا لتدريبات كافية ويفتقرون للخبرة الكافية في توزيع التماس ويدعمها وضع التوزيعات داخل المنزل بالطريقة التي توفر الاستخدام الآمن في وقاية الأجهزة والتوصيلات والحمولات التي تسبب الاحترار ومن ثم تسبب الصعقات الكهربائية، ومن الأسباب المباشرة للحرائق يقول الداعوب: هنالك أسباب جذرية تتمثل في قلة الاهتمام العام بشأن السلامة المنزلية وقلة البرامج التثقيفية والإرشاد والتوعية وفي الميديا وفي الصحف، فثقافة السلامة ضعيفة للغاية في جميع المستويات، وقال: السلامة الصحية أول شأن نضحي به في حالة عجز الميزانية عن تلبية الاحتياجات الأخرى وتتم التضحية ببند السلامة تحت مسوغات بأن تكلفتها عالية وبدون أن يضعوا في الاعتبار ما تترتب على ذلك من نتائج وكل الذين يديرون شؤون المال يتحاشون بند السلامة بذريعة التكلفة وعلى هذا الأساس فإن كثيرا من البضائع التي تدخل البلاد تدخل عن طريق التهريب ولا تمر عبر هيئة المواصفات.
أسباب الاشتعال
وأوضح الداعوب أن المواصفات لديها مقاييس صارمة في السلامة ولكن الضائقة الاقتصادية ساعدت على غياب أجهزة الاختبار والمعايير وأجهزة ضبط القياس وكشف عن معاناة الدولة قائلا: نحن نسافر للخارج ليتم وزنها ويتم ذلك عبر طرق ملتوية ومعقدة جدا.. والسودان ممنوع حتى من معايرة أجهزتنا وكل ذلك بسبب الحصار الاقتصادي.
وعن شركة توزيع الكهرباء قال: الكهرباء لديها قاعدة بيانات عن كل حادثة حريق بسبب الكهرباء ولدينا توجيه من الإدارة العليا برصد كل حادث والتقصي عن أسبابه نحن نقوم بالتعليق عليها من جهة السلامة وأقسام التوزيع تعلق عليها ويتقصون عن أسبابها وعلاوة على الإحصائيات لدينا برامج لتوعية الجمهور من مخاطر الكهرباء جاهزة وفي طور التنفيذ ولدينا برامج إعلامية متكاملة لتوعية الجمهور ضمنها مطبقات ونشرات ولوحات إرشادية عند المحطات الكبيرة وعربات الطوارئ وجزء من تنفيذ برنامج متكامل من مخاطر الكهرباء نرجو نشرها وتبصير المواطن بها قبل فصل الخريف لتساهم في درء كثير من الكوارث في العام الماضي. وهنالك مخاطر كبيرة تحدث أثناء العواصف بولاية الخرطوم وفي منطقة شرق النيل أوضحت قواعد البيانات أن 75% من حوادث الصعقات الكهربائية كانت لأسباب منزلية داخلية بسبب رداءة المواد المستخدمة وضعف ثقافة السلامة لدى قاطني المنازل وربات البيوت وضعف التوصيلات الكهربائية، ورداءة المواد المستخدمة ولا يفوتنى أن أذكر أن الأسلاك الكهربائية السودانية التي تستخدم في المواد المنزلية أكثر من ممتازة ومطابقة للمواصفات وكذلك الأسلاك السعودية مطابقة للمواصفات على حسب الخبراء .
في صفحة المحقق الأسبوعية التي تنشر بهذه الصحيفة، والتي تحمل معاناة المواطنين أملا في مساهمة قرائنا والخيرين في إقالة عثراتهم، والتي ظلت لأسبوعين تتلقى مناشدات أسر احترقت كل أمتعتها وممتلكاتها، نتيجة لحوادث الحريق وفي معظم الحالات يكون السبب ـ وفقا لتقرير الدفاع المدني ـ التماسا كهربائيا، فضلا عن الحرائق المتزايدة التي عانقت الأفق بأدخنتها ولهبها مخلفة ذات الفحيح في نفوس أصحابها.
(اليوم التالي) أجرت تحقيقا استقصائيا وتوجهت للأسواق تنقب خلف الرماد عسى أن نجد جذوة نضيء منها السراج للخروج من نفق الحرائق المظلم، فوجدنا أن مصدر الشظايا كامن وقابع في المغالق، حيث يتم تهريب نوعية معينة من الأسلاك غير المطابقة للمواصفات والأجواء السودانية، أصحاب الضمائر الخائرة استغلوا البيات الدائم للمواصفات والمقاييس والتسيب الذي أصبح صفة ملازمة لأداء الجهات المسؤولة.. التقينا بعض الخبراء والجهات المسؤولة عن الكهرباء وأوردنا عددا من البلاغات التي دونت في أقسام الشرطة وعرضنا بعض الحالات التي تلقيناها في (اليوم التالي):
مستصغر الشرر
يبدأ العم (هارون) يومه حامداً ربه، شاكراً له نعمة العافية، رغم الظروف الصعبة التي يعاني منها؛ فالدار التي تؤوي أبناءه عبارة عن غرفة واحدة وراكوبة صغيرة. عم هارون يعول أسرة من البنين والبنات، في مراحل التعليم المختلفة، وفي الأيام القليلة الماضية رزقه الله بولدين توأمين، لا يحملان اسماً حتّى الآن، بسبب ضيق اليد، ورغم ذلك لم يتضجّر ولم يبدِ ضيقه من الحال المائل. ليست هذه كل المشكلة، فقبل أسبوع شبّ في منزله حريق أتلف كل محتويات الدار، وبحسب شهادة الحريق، المقدمة من إدارة الدفاع المدني بولاية الخرطوم، فإن سبب الحريق التماس كهربائي أشعل النيران في "مروحة سقف ودولاب ملابس ومعدات منزليّة وتلفزيون ومستندات رسمية". لجأ إلى ديوان الزكاة لمعاونته في محنته، ولكن لم يلق أذناً صاغية، بل طلبوا عودته بداية رمضان لمساعدته..
وأيضا هناك قصة (صفاء) وهي واحدة ممن اصطلوا بنار الحريق قصدتنا أملا في مسح دموعها، وهي في العقد الخامس من العمر كما تشي سيماها.. أم لبنت وولد كما تقول. زوجها بسيط يعمل في خياطة الأحذية. كانت صفاء تعيش راضية في منزلها المتواضع في مدينة تندلتي، وتنتظر أوبة زوجها مشارف المساء، ليوفر لها وعيالها قوت يومهم ثم تشكر لله نعمة الأمن والعافية وذريّة ترجو من الله أن يجعلها صالحة؛ تراجع لهم دروسهم، وتستذكر معهم.
الحريق يلتهم كل شيء
في أحد صباحات مارس الماضي أصيب طفلها بوعكة فذهبت بصحبته وشقيقته للمستشفى، لكن عندما عادت وجدت منزلها هشيماً تذروه الرياح؛ لقد قضى الحريق على الفرش والملابس والدولاب الوحيد والأسرَّة، وأصبحت مشرّدة تماماً. ظلت هي وعيالها يتجولون بين الأهل والعشيرة، وقالت إنّ أبناءها يتضايقون جداً ولا توجد لهم مدارس هنا، وإذا لم تتمكن من العودة لمدينتها، فسوف يفقد أبناؤها فرصتهم في التعليم، فضلاً عن الحياة غير الطبيعية التي يعيشونها، وتنقلهم الدائم بين المنازل ومدن الخرطوم الثلاث. حيث يسكن أقاربها. يتوقف ذلك على مدى ترحيب الأسر، إذ تمكث في منزل ثلاثة أيام، وفي آخر أسبوعاً لتعود إلى نفس المنزل.. وأيضا نقلت صحف الخرطوم خبر حريق شب في أحد المنازل بمنطقة الشهداء في أمدرمان قضى على كل شيء بما في ذلك روح (حليمة) وابنتها الطالبة ولم تنج غير طفلة وأيضا أكد التقرير أنها بسبب التماس كهربائي.. وغير ذلك من قصص الحرائق التي ترويها الصحف ومجالس المدينة والبعض الذي لم يصل للصحف والرأي العام..
مازال البعض يتلظى بجحيم الحرائق المستعر التي لم تقض على المواد المادية فقط، بل تفحمت على إثرها أحلامهم وعبث لهبها حتى بكرامهتم ومن الملاحظ أن أغلب هذه الحرائق إن لم تكن جميعها في تقرير الدفاع المدني بسبب التماس كهربائي.
دخان في الذاكرة
ومن قصص الحريق التي مازال دخانها يسكن دهاليز الذاكرة، حادث مركز الإخوة الواقع بالقرب من "لفة جوبا" بشارع عبيد ختم حيث التهم الحريق المركز بكامله، فضلا عن حريق مركز عفراء الشهير وحريق آخر شب بمنزل والي الخرطوم في كل الحالات أفادت التقارير أنها بسبب التماس كهربائي.
من داخل المغالق
(اليوم التالي) قامت بجولة داخل المغالق حيث أفاد عدد من أصحاب المغالق بأنه توجد أنواع من أسلاك الكهرباء السودانية غير مطابقة للمواصفات خفيفة وشعيراتها الثلاث ضعيفة جدا ولدى أقل درجة حرارة يضرب السلك ليتآكل الفرادي وأيضا توجد أسلاك صينية بذات المواصفات وتلبيسة السلك تجدها متآكلة قبل الاستعمال والأفرع الثلاثة في السلك ملتصقة تماما السلك السوداني 1.5 سعره 75 جنيها و2.5 سعره 135 جنيها.
وقال أحد أصحاب المغالق: "الأسلاك الصينية تدخل عبر القنوات الرسمية وهنالك ماركة جيدة لكنها لا تدخل السودان بل تذهب لدول الخليج والبلدان الأخرى".. وأكد محدثنا أن هذه الأسلاك الرديئة سبب مباشر في حدوث الحرائق..
أسلاك تذيبها الحرارة
أفاد خبراء (اليوم التالى) بأن هنالك نوعا من الأسلاك صينية الصنع تشوبها عيوب تتسبب في ذوبان الأسلاك بفعل الحرارة، وهي أسلاك لا تتناسب مع الأجواء السودانية، وقال خبير إن هذه النوعية تحتاج لأن تضاف إليها مادة كيمائية تزيد تحملها لدرجة الحرارة وتمنع تمدد وانصهار السلك في درجات الحرارة العادية إلى (40) درجة مئوية أما سلك البلاتين فيذوب في درجة حرارة 30 درجة مئوية وتعبر هذه الدرجة عادية في السودان، ورجح الخبراء أن هذه الأسلاك تأتي عن طريق التهريب، وطالبوا المواصفات والمقايس بالقيام بعمليات تفتيش ومراقبة مع العمل على نشر إنذارات وتحذيرات تنبه المواطن بخطورة مثل هذه الأسلاك، مشيرين إلى أن هذه الأسلاك رخيصة جدا ومتوفرة في الأسواق.. ولا تحمل أية معلومات عن الشركات المصنعة ولا أي إرشادات وأحيانا تكون القياسات غير موجودة وهي متاحة في المغالق والأسواق ويتم توزيعها بواسطة عملاء يحملون رخصا وليست لهم دراية بمواصفات الأجهزة الكهربائية.
القاتل الخفي
وللتحقق من فرضية أن هنالك أسلاكا غير مطابقة وهل فعلا تقع معظم الحوادث بسبب التماس كهربائي استنطقت (اليوم التالي) المهندس مرتضى مصطفى الداعوب رئيس قسم الصحة والسلامة بشركة توزيع الكهرباء الذي أكد على حقيقة تزايد حوادث الحريق بسبب الكهرباء أو الصعقات الكهربائية التي تصيب المواطن وقال إنها في ازدياد مستمر معددا الأسباب، وأضاف: ليس كل الحرائق بسبب التماسات كهربائية فبعضها سببه الغاز وسوء الاستخدام المنزلي والانفجارات وأيضا هنالك حرائق تنشب بسبب البخور والستائر التركية.. وقال: هناك وباء جديد يسمى الستائر التركية ومعظم ربات البيوت ليست لديهن الثقافة الكافية في ما يتعلق بأسباب الحرائق وبعدما يحدث الحريق يردد الناس أنه تماس كهربائي، وأضاف: وأيضا تحدث حرائق بسبب سوء التعامل مع المواد البترولية وتخزين مواد كالمبيدات الحشرية القابلة للاشتعال بسبب سوء التخزين، أما مشاكل الكهرباء فمتمثلة في الصعقات الكهربائية، ويرجع السواد الأعظم من الحرائق لعدم (التأريض) وهو توصيل سلك بالأرض ليقوم بحماية المعدات الكهربائية من أخطار الزيادة المفرطة في تيارات الخطأ بتوفير مسار ذي مقاومة منخفضة إلى الأرض لجعل تيار الخطأ ذي قيمة معينة تكفي لتشغيل معدات الحماية مثل (المصهرات، القواطع). وقال: البيوت المؤرضة في السودان بالطريقة المثلى لا تتعدى 5%، والخطأ في التأريض يعود إلى نوع التماس أو فراغ في التوصيلة يسبب احتراق التوصيلة ويشعل مصدرا من مصادر الاشتعال وينتج عنه صعق كهربائي عند تلامس الجسم من شخص حافي القدمين يمسك بالثلاجة.. ومضى مواصلا: وهنالك القاتل الخفي وهو الموتور أو جهاز تقوية الطاقة والمكيف المائي هما القاتل الخفي حيث يتم توصيلها توصيلات عشوائية وخاطئة بأسلاك رديئة الجودة وعدم مراعاة عوامل الطقس والبلل المستمر يجعلها تنكشف ويتلاشى الغطاء، وعند التصاق شخص بالحائط المبلل تحدث الصعقة الكهربائية، والمشكلة الثانية سوء التوصيلات المنزلية ومكيفات الفريون التي تستخدم لها توصيلات بسمك 2.5 ملم ويجب أن يكون السمك الأمثل من 6-10 ملم تقريبا حتى لا يسخن السلك ويحمي التوصيلة من الاحتراق بسبب المقاومة النوعية، وأردف: يأتي بعد ذلك الأشخاص الذين يقومون بعمل التوصيلات المنزلية ولم يخضعوا لتدريبات كافية ويفتقرون للخبرة الكافية في توزيع التماس ويدعمها وضع التوزيعات داخل المنزل بالطريقة التي توفر الاستخدام الآمن في وقاية الأجهزة والتوصيلات والحمولات التي تسبب الاحترار ومن ثم تسبب الصعقات الكهربائية، ومن الأسباب المباشرة للحرائق يقول الداعوب: هنالك أسباب جذرية تتمثل في قلة الاهتمام العام بشأن السلامة المنزلية وقلة البرامج التثقيفية والإرشاد والتوعية وفي الميديا وفي الصحف، فثقافة السلامة ضعيفة للغاية في جميع المستويات، وقال: السلامة الصحية أول شأن نضحي به في حالة عجز الميزانية عن تلبية الاحتياجات الأخرى وتتم التضحية ببند السلامة تحت مسوغات بأن تكلفتها عالية وبدون أن يضعوا في الاعتبار ما تترتب على ذلك من نتائج وكل الذين يديرون شؤون المال يتحاشون بند السلامة بذريعة التكلفة وعلى هذا الأساس فإن كثيرا من البضائع التي تدخل البلاد تدخل عن طريق التهريب ولا تمر عبر هيئة المواصفات.
أسباب الاشتعال
وأوضح الداعوب أن المواصفات لديها مقاييس صارمة في السلامة ولكن الضائقة الاقتصادية ساعدت على غياب أجهزة الاختبار والمعايير وأجهزة ضبط القياس وكشف عن معاناة الدولة قائلا: نحن نسافر للخارج ليتم وزنها ويتم ذلك عبر طرق ملتوية ومعقدة جدا.. والسودان ممنوع حتى من معايرة أجهزتنا وكل ذلك بسبب الحصار الاقتصادي.
وعن شركة توزيع الكهرباء قال: الكهرباء لديها قاعدة بيانات عن كل حادثة حريق بسبب الكهرباء ولدينا توجيه من الإدارة العليا برصد كل حادث والتقصي عن أسبابه نحن نقوم بالتعليق عليها من جهة السلامة وأقسام التوزيع تعلق عليها ويتقصون عن أسبابها وعلاوة على الإحصائيات لدينا برامج لتوعية الجمهور من مخاطر الكهرباء جاهزة وفي طور التنفيذ ولدينا برامج إعلامية متكاملة لتوعية الجمهور ضمنها مطبقات ونشرات ولوحات إرشادية عند المحطات الكبيرة وعربات الطوارئ وجزء من تنفيذ برنامج متكامل من مخاطر الكهرباء نرجو نشرها وتبصير المواطن بها قبل فصل الخريف لتساهم في درء كثير من الكوارث في العام الماضي. وهنالك مخاطر كبيرة تحدث أثناء العواصف بولاية الخرطوم وفي منطقة شرق النيل أوضحت قواعد البيانات أن 75% من حوادث الصعقات الكهربائية كانت لأسباب منزلية داخلية بسبب رداءة المواد المستخدمة وضعف ثقافة السلامة لدى قاطني المنازل وربات البيوت وضعف التوصيلات الكهربائية، ورداءة المواد المستخدمة ولا يفوتنى أن أذكر أن الأسلاك الكهربائية السودانية التي تستخدم في المواد المنزلية أكثر من ممتازة ومطابقة للمواصفات وكذلك الأسلاك السعودية مطابقة للمواصفات على حسب الخبراء .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق