المصدر : الجزيرة
لم تمر العلاقات السودانية المصرية بمحك مثلما تمر اليوم بسبب سد النهضة الإثيوبي، فالسودان قلق من اعتقاد مصر الراسخ أن أفضل سيناريو لأمنها القومي هو منع قيام أي سدود على نهر النيل خارج حدود مصر، في حين أن أي تنمية زراعية مستقبلية في السودان مرتبطة بقيام مزيد من السدود، لا سيما خارج حدوده.
فسعات التخزين المتاحة في السودان لا تكفي لري المساحات المراد التوسع في زراعتها، حتى قضية حلايب الحدودية المتنازع عليها بين البلدين والتي هي الآن تحت السيطرة المصرية يخشى السودانيون من استخدام مصر لها كورقة ضغط عليهم مقابل التنازل عن ما يعتبرونه حقوقا مائية.
بيد أن مصر في الوقت ذاته قلقة من إمكانية أن يؤثر السودان في قرارها مستقبلا إن تمكن من التحكم في مياه النيل عبر سلسلة من السدود المقترحة داخل السودان وخارجه، فيما يتهم السودانيون مصر بسيطرة عقلية تنحو تجاه استخدام السودان لصالحها دون أي اعتبار لمصالحه، فحتى لو لجأ السودان للمطالبة بحصته (عشرة مليارات متر مكعب) وفقا لاتفاقية مياه النيل الموقعة في 1929 فإن مصر تعتبر ذلك عدوانا.
يقول السودانيون إن هذه الاتفاقية لا يُعلم أين هي نسختها الأصلية، فضلا عن أن السودان وقعها وهو تحت الاحتلال الثنائي (المصري-البريطاني)، ويعتقد السودانيون أن النسخة الأصلية تشتمل على حقوق تخصهم يراد لها أن تبقى طي الكتمان.
وفي الوقت الذي آثر السودان عدم الانضمام إلى اتفاقية عنتيبي، تمانع مصر تطبيق اتفاقية 1929 حرفيا ليتمكن السودان من الحصول على حقوقه كاملة.. خطورة سد النهضة في العقل المصري أنه يشكل سابقة في الخروج العلني على إيرادات مصر في وادي النيل الطويل، والقاهرة غاضبة جدا لأن الإثيوبيين لم ينتظروا ضوءا أخضر منها قبل تدشين مشروعهم الضخم.
أرقام وحقائق
تأتي 85% من مياه نهر النيل من النيل الأزرق خلال أربعة أشهر في العام، ومعظم مياه النيل الأزرق لا تأتي من بحيرة تانا في أعالي الهضبة الإثيوبية، فهي تمده فقط بـ7% من مجمل مياهه التي يحصل عليها من أربعين رافدا.
ويبلغ ارتفاع بحيرة تانا حوالي 1890 مترا فوق سطح البحر، ويعطي ذلك ميزة القدرة على التوليد الكهربائي، إذ إن توليد الطاقة الكهربائية يؤثر فيه مستوى الانحدار أكثر مما تؤثر فيه كمية المياه، ويشتري السودان حاليا مائة ميغاواط من إثيوبيا، ويتطلع لشراء المزيد خاصة أن أكثر من 70% من توليد الطاقة الكهربائية في السودان هو توليد مائي، وتبلغ الطاقة الإنتاجية لإثيوبيا حوالي ثلاثين ألف ميغاواط.
الانحدار الشديد يزيد كميات الطمي ولا يجدي التخزين ذي السعات الصغيرة مع كميات الطمي الوفيرة، وهذا يؤكد عدم قدرة إثيوبيا على التحكم في مياه النيل الأزرق بسبب العنفوان الذي يتميز به، علما بأن سعة سد النهضة 74 مليار متر مكعب، بينما سعة السد العالي 162 مليار متر مكعب، لذا فإن حوالي 14 مليار متر مكعب من سعة المياه في سد النهضة مخصصة لاستيعاب كميات الطمي المتوقعة.
بيد أن عمق مجرى النيل الأزرق (1400 متر) يعني إمكانية عالية للتخزين في إثيوبيا، وهدفها من التخزين التوليد الكهربائي وليس ري المشاريع الزراعية، فهي تقع في منطقة مطيرة، كما أن الانحدار الشديد للهضبة الإثيوبية لا يمكن من إقامة مشاريع زراعية بمساحات ضخمة تستوعب كميات كبيرة من المياه المخزنة.. ويقال إن إثيوبيا ستستهلك فقط 1.5 مليار متر مكعب من النيل الأزرق خلال 25 عاما و3.1 مليارات متر مكعب خلال مائة عام.
عملية التخزين خارج الحدود بدأتها مصر عندما خزنت مياها في يوغندا وفي السودان منطقة (جبل أولياء) جنوب الخرطوم، وحاليا كشف وزير الري المصري عن نية مصر إنشاء سد في دولة جنوب السودان الوليدة لأغراض التخزين، وأكد أن دراسات الجدوى الخاصة بإنشاء سد واو قد أوشكت على الانتهاء، حيث تم الانتهاء من الدراسات الهيدرولوجية والهيدروليكية والأعمال المساحية والخرائط الكنتورية لموقع السد وبحيرة التخزين، فضلا عن الدراسات الجيولوجية والإنشائية والبيئية، ويجري الانتهاء من التقرير النهائي والإعداد لورشة عمل موسعة لعرض الدراسة.
الإستراتيجية المصرية المعلنة هي زراعة 2.2 مليون فدان أرز، المشاريع المصرية (توشكا وترعة السلام) تعمل على نقل مياه النيل لمسافات بعيدة خارج نطاق حوض النيل (من النيل إلى سيناء)، مما يؤثر في التوازن البيئي، فالنقل لمسافات بعيدة لأغراض الشرب لا يؤثر لكن النقل لأغراض الزراعة يؤثر كثيرا في كميات المياه المستغلة، وتوجد حاليا 123 مليار متر مكعب في السد العالي، وذلك أكثر من حصة مصر بكثير.
إن ضرورات التخزين تحتمها حقيقة أن حوالي 10.5 مليارات تذهب هدرا إلى السد العالي، والمكان الوحيد الذي يستوعب تخزينها في الوقت الحالي هو السد الإثيوبي.
يشار إلى أن من فوائد سد النهضة في السودان منع الفيضانات خاصة أن العاصمة السودانية الخرطوم مدينة مسطحة، وسد النهضة يمكن من التحكم في كميات المياه المتدفقة بفصل الخريف عبر سد النهضة.
عندما أبرمت حكومة السودان مع الحكومة المصرية اتفاقية مياه النيل في 8 نوفمبر/تشرين الأول 1959 كان الهدف التحكم في انسياب مياه نهر النيل والاستفادة القصوى منها، مما أتاح لمصر فرصة بناء سد ضخم عند أسوان (السد العالي) نتج عنه تكوّن بحيرة اصطناعية كبيرة امتدت مساحتها إلى داخل حدود السودان بمسافة تقدر بحوالي ستمائة كيلومتر لتغمر مياهها بلدة وادي حلفا وما جاورها من قرى، وإن انخفضت المياه المتجهة للسد العالي فإن حوالي 140 ألف فدان داخل حدود السودان ستنحسر عنها المياه وستكون صالحة للزراعة بفضل ترسب الطمي فيها.
مصر ودول النيل
كانت هناك على الدوام مطالبات متزايدة لبعض دول حوض النيل بإعادة النظر في الاتفاقيات القديمة، فقد هددت تنزانيا وكينيا وإثيوبيا بتنفيذ مشروعات سدود قد تقلل من كميات المياه التي ترد إلى مصر ما لم يتم تعديل اتفاقية المياه السارية اليوم.
لكن من حسن الطالع أن هذه التهديدات لم ينفذ أغلبها، وقابلتها القاهرة بمحاولات تهدئة وتعاون فني واقتصادي وأحيانا تقديم مساعدات لهذه الدول، لكن دول حوض النيل الـ11 -عدا مصر والسودان- مضت قدما في توقيع اتفاقية بديلة لاتفاقية مياه النيل سمتها اتفاقية عنتيبي لإعادة توزيع حصص مياه النيل وفقا لقاعدة جديدة عرفت بـ"المنصف والمعقول".
وعلى ما يبدو، فإن مصر لا تدير معركتها بشأن ملف قضية سد النهضة من خلال إثيوبيا والسودان فحسب، بل هناك دول أفريقية أخرى تحاول مصر ضمها إلى صفها، وقد بدأت هذه المحاولات منذ عهد الرئيس السابق محمد حسني مبارك، فقد كشف ملف التحقيق في قضية تبديد مبلغ أربعة ملايين دولار أميركي أنها منحت كرشوة لثلاثة رؤساء أفارقه بغرض التأثير في مواقف دولهم في ما يتصل بسد النهضة، وهي قضية تم تصنيفها ضمن (القضايا الرسمية المرتبطة بالأمن القومي)، حيث يحظر الكشف عن هوية هؤلاء الرؤساء.
وفي دولة جنوب السودان اتهم متمردون تابعون لنائب الرئيس السابق رياك مشار الحكومة المصرية بمساعدة حكومة الرئيس سلفا كير في جوبا في الحرب الأهلية، وقالوا إن المساعدات العسكرية التي تقدمها مصر لجوبا جاءت بناء على تعهد الأخيرة بدعم موقف القاهرة من سد النهضة الإثيوبي، مشيرين إلى أن هناك خططا يتولاها سلفا كير نفسه لتحويل المياه إلى مصر من أعالي النيل.
يشار إلى أن جوبا سبق أن طالبت بحصتها من مياه النيل المخصصة للسودان والمقدرة بـ18.5 مليار متر مكعب، باعتبارها جزءا من السودان عند التوقيع على اتفاقيات اقتسام مياه النيل لعامي 1929 و1959، وبعد الانفصال لم تحدد لها حصة واضحة من مياه النيل.
مصدر قلق مصر أن اتفاقية عنتيبي تجعل دول حوض النيل في حل من اتفاقية مياه النيل، وتتحدث عن حصة كل دولة بعبارات فضفاضة، وتقول إنها تحددها احتياجات الدولة المعنية بما لا يضر بالآخرين وفق مبدأ "العادل والمنصف"، وهذا مكمن الخطر في رأي مصر التي ظلت تتمتع بحصة وافرة وفقا للاتفاقية السارية حاليا، لذا فإن موقف مصر عدم التوقيع على اتفاقية عنتيبي إلا بضمان حصتها بشكل محدد، وهذا قول وزير الري المصري السابق "إن مصر لن توقع على الاتفاقية الإطارية ما لم تنص صراحة على ضمان حصتها من مياه النيل".
أفق الحل والإنقاذ
سواء في حالتي سد الألفية واتفاقية عنتيبي ليس من المصلحة أن تبقى مصر والسودان في حالة خلافية كما في الوقت نفسه أن تبدوا في حالة تكتل ضد الدول الأفريقية التي تشاركهما في نهر النيل بفروعه المختلفة.
حتى الآن هناك ست دول من دول حوض النيل التسع وقعت على هذه الاتفاقية، وهي: إثيوبيا وأوغندا ورواندا وتنزانيا وكينيا وجنوب السودان، فهل تستطيع مصر اليوم الدخول في مواجهة جبهتين ساخنتين تدوران حول قضية (حياة أو موت) تتعلق بأمنها المائي، والحرب في أكثر من جبهة ينظر إليها الخبراء العسكريون باعتبارها خطأ إستراتيجيا قاتلا.
في تقديري، إن جبهة اتفاقية عنتيبي هي الأولى بالعناية، وبالتالي فإن تبريد الجبهة الأخرى -السد الإثيوبي- ضرورة على الأقل في الوقت الحالي.
على مصر استبعاد نهج التهديد بالقوة العسكرية، فهي ومنذ عهد الخديوي تحدّث خطة عسكرية كل سنة هدفها التدخل إذا ما أضيرت مصالحها في مياه النيل، ومصر رسميا لا تريد وضع الأمر في إطار خلافات فنية وقانونية بين دول الحوض، فهو عندها أكثر من ذلك بل هو معركة تتجاوز البعد الأفريقي.
وتنتقد الحكومة السودانية باستمرار طريقة تعامل مصر مع مسألة سد النهضة، وتدعو إلى إخراج القضية من إطارها السياسي إلى إطارها الفني. وتقول الخرطوم إن السد الإثيوبي لا يشكل قضية سياسية بالنسبة لها وإنما هو قضية تنمية ومصالح، وتحذر نخب مصرية من أن خسارة القاهرة للخرطوم بسبب سد النهضة يفتح لها باب خسائر أخرى أعظم شأنا.
إثيوبيا تقول إنها أتمت حتى الآن أكثر من 32% من مشروع السد، وإنها مستعدة لأي مواجهات تختارها الحكومة المصرية. ويقول رئيس الوزراء الإثيوبي هيلي ماريام ديسالين "إن بلاده مستعدة لمواجهة كل الخيارات والاحتمالات".. إن الحل المتعقل أن يتم الاتفاق بين القاهرة والخرطوم وأديس أبابا عبر آلية اللجنة الثلاثية المشتركة.
لم تمر العلاقات السودانية المصرية بمحك مثلما تمر اليوم بسبب سد النهضة الإثيوبي، فالسودان قلق من اعتقاد مصر الراسخ أن أفضل سيناريو لأمنها القومي هو منع قيام أي سدود على نهر النيل خارج حدود مصر، في حين أن أي تنمية زراعية مستقبلية في السودان مرتبطة بقيام مزيد من السدود، لا سيما خارج حدوده.
فسعات التخزين المتاحة في السودان لا تكفي لري المساحات المراد التوسع في زراعتها، حتى قضية حلايب الحدودية المتنازع عليها بين البلدين والتي هي الآن تحت السيطرة المصرية يخشى السودانيون من استخدام مصر لها كورقة ضغط عليهم مقابل التنازل عن ما يعتبرونه حقوقا مائية.
بيد أن مصر في الوقت ذاته قلقة من إمكانية أن يؤثر السودان في قرارها مستقبلا إن تمكن من التحكم في مياه النيل عبر سلسلة من السدود المقترحة داخل السودان وخارجه، فيما يتهم السودانيون مصر بسيطرة عقلية تنحو تجاه استخدام السودان لصالحها دون أي اعتبار لمصالحه، فحتى لو لجأ السودان للمطالبة بحصته (عشرة مليارات متر مكعب) وفقا لاتفاقية مياه النيل الموقعة في 1929 فإن مصر تعتبر ذلك عدوانا.
يقول السودانيون إن هذه الاتفاقية لا يُعلم أين هي نسختها الأصلية، فضلا عن أن السودان وقعها وهو تحت الاحتلال الثنائي (المصري-البريطاني)، ويعتقد السودانيون أن النسخة الأصلية تشتمل على حقوق تخصهم يراد لها أن تبقى طي الكتمان.
وفي الوقت الذي آثر السودان عدم الانضمام إلى اتفاقية عنتيبي، تمانع مصر تطبيق اتفاقية 1929 حرفيا ليتمكن السودان من الحصول على حقوقه كاملة.. خطورة سد النهضة في العقل المصري أنه يشكل سابقة في الخروج العلني على إيرادات مصر في وادي النيل الطويل، والقاهرة غاضبة جدا لأن الإثيوبيين لم ينتظروا ضوءا أخضر منها قبل تدشين مشروعهم الضخم.
أرقام وحقائق
تأتي 85% من مياه نهر النيل من النيل الأزرق خلال أربعة أشهر في العام، ومعظم مياه النيل الأزرق لا تأتي من بحيرة تانا في أعالي الهضبة الإثيوبية، فهي تمده فقط بـ7% من مجمل مياهه التي يحصل عليها من أربعين رافدا.
ويبلغ ارتفاع بحيرة تانا حوالي 1890 مترا فوق سطح البحر، ويعطي ذلك ميزة القدرة على التوليد الكهربائي، إذ إن توليد الطاقة الكهربائية يؤثر فيه مستوى الانحدار أكثر مما تؤثر فيه كمية المياه، ويشتري السودان حاليا مائة ميغاواط من إثيوبيا، ويتطلع لشراء المزيد خاصة أن أكثر من 70% من توليد الطاقة الكهربائية في السودان هو توليد مائي، وتبلغ الطاقة الإنتاجية لإثيوبيا حوالي ثلاثين ألف ميغاواط.
الانحدار الشديد يزيد كميات الطمي ولا يجدي التخزين ذي السعات الصغيرة مع كميات الطمي الوفيرة، وهذا يؤكد عدم قدرة إثيوبيا على التحكم في مياه النيل الأزرق بسبب العنفوان الذي يتميز به، علما بأن سعة سد النهضة 74 مليار متر مكعب، بينما سعة السد العالي 162 مليار متر مكعب، لذا فإن حوالي 14 مليار متر مكعب من سعة المياه في سد النهضة مخصصة لاستيعاب كميات الطمي المتوقعة.
بيد أن عمق مجرى النيل الأزرق (1400 متر) يعني إمكانية عالية للتخزين في إثيوبيا، وهدفها من التخزين التوليد الكهربائي وليس ري المشاريع الزراعية، فهي تقع في منطقة مطيرة، كما أن الانحدار الشديد للهضبة الإثيوبية لا يمكن من إقامة مشاريع زراعية بمساحات ضخمة تستوعب كميات كبيرة من المياه المخزنة.. ويقال إن إثيوبيا ستستهلك فقط 1.5 مليار متر مكعب من النيل الأزرق خلال 25 عاما و3.1 مليارات متر مكعب خلال مائة عام.
عملية التخزين خارج الحدود بدأتها مصر عندما خزنت مياها في يوغندا وفي السودان منطقة (جبل أولياء) جنوب الخرطوم، وحاليا كشف وزير الري المصري عن نية مصر إنشاء سد في دولة جنوب السودان الوليدة لأغراض التخزين، وأكد أن دراسات الجدوى الخاصة بإنشاء سد واو قد أوشكت على الانتهاء، حيث تم الانتهاء من الدراسات الهيدرولوجية والهيدروليكية والأعمال المساحية والخرائط الكنتورية لموقع السد وبحيرة التخزين، فضلا عن الدراسات الجيولوجية والإنشائية والبيئية، ويجري الانتهاء من التقرير النهائي والإعداد لورشة عمل موسعة لعرض الدراسة.
الإستراتيجية المصرية المعلنة هي زراعة 2.2 مليون فدان أرز، المشاريع المصرية (توشكا وترعة السلام) تعمل على نقل مياه النيل لمسافات بعيدة خارج نطاق حوض النيل (من النيل إلى سيناء)، مما يؤثر في التوازن البيئي، فالنقل لمسافات بعيدة لأغراض الشرب لا يؤثر لكن النقل لأغراض الزراعة يؤثر كثيرا في كميات المياه المستغلة، وتوجد حاليا 123 مليار متر مكعب في السد العالي، وذلك أكثر من حصة مصر بكثير.
إن ضرورات التخزين تحتمها حقيقة أن حوالي 10.5 مليارات تذهب هدرا إلى السد العالي، والمكان الوحيد الذي يستوعب تخزينها في الوقت الحالي هو السد الإثيوبي.
يشار إلى أن من فوائد سد النهضة في السودان منع الفيضانات خاصة أن العاصمة السودانية الخرطوم مدينة مسطحة، وسد النهضة يمكن من التحكم في كميات المياه المتدفقة بفصل الخريف عبر سد النهضة.
عندما أبرمت حكومة السودان مع الحكومة المصرية اتفاقية مياه النيل في 8 نوفمبر/تشرين الأول 1959 كان الهدف التحكم في انسياب مياه نهر النيل والاستفادة القصوى منها، مما أتاح لمصر فرصة بناء سد ضخم عند أسوان (السد العالي) نتج عنه تكوّن بحيرة اصطناعية كبيرة امتدت مساحتها إلى داخل حدود السودان بمسافة تقدر بحوالي ستمائة كيلومتر لتغمر مياهها بلدة وادي حلفا وما جاورها من قرى، وإن انخفضت المياه المتجهة للسد العالي فإن حوالي 140 ألف فدان داخل حدود السودان ستنحسر عنها المياه وستكون صالحة للزراعة بفضل ترسب الطمي فيها.
مصر ودول النيل
كانت هناك على الدوام مطالبات متزايدة لبعض دول حوض النيل بإعادة النظر في الاتفاقيات القديمة، فقد هددت تنزانيا وكينيا وإثيوبيا بتنفيذ مشروعات سدود قد تقلل من كميات المياه التي ترد إلى مصر ما لم يتم تعديل اتفاقية المياه السارية اليوم.
لكن من حسن الطالع أن هذه التهديدات لم ينفذ أغلبها، وقابلتها القاهرة بمحاولات تهدئة وتعاون فني واقتصادي وأحيانا تقديم مساعدات لهذه الدول، لكن دول حوض النيل الـ11 -عدا مصر والسودان- مضت قدما في توقيع اتفاقية بديلة لاتفاقية مياه النيل سمتها اتفاقية عنتيبي لإعادة توزيع حصص مياه النيل وفقا لقاعدة جديدة عرفت بـ"المنصف والمعقول".
وعلى ما يبدو، فإن مصر لا تدير معركتها بشأن ملف قضية سد النهضة من خلال إثيوبيا والسودان فحسب، بل هناك دول أفريقية أخرى تحاول مصر ضمها إلى صفها، وقد بدأت هذه المحاولات منذ عهد الرئيس السابق محمد حسني مبارك، فقد كشف ملف التحقيق في قضية تبديد مبلغ أربعة ملايين دولار أميركي أنها منحت كرشوة لثلاثة رؤساء أفارقه بغرض التأثير في مواقف دولهم في ما يتصل بسد النهضة، وهي قضية تم تصنيفها ضمن (القضايا الرسمية المرتبطة بالأمن القومي)، حيث يحظر الكشف عن هوية هؤلاء الرؤساء.
وفي دولة جنوب السودان اتهم متمردون تابعون لنائب الرئيس السابق رياك مشار الحكومة المصرية بمساعدة حكومة الرئيس سلفا كير في جوبا في الحرب الأهلية، وقالوا إن المساعدات العسكرية التي تقدمها مصر لجوبا جاءت بناء على تعهد الأخيرة بدعم موقف القاهرة من سد النهضة الإثيوبي، مشيرين إلى أن هناك خططا يتولاها سلفا كير نفسه لتحويل المياه إلى مصر من أعالي النيل.
يشار إلى أن جوبا سبق أن طالبت بحصتها من مياه النيل المخصصة للسودان والمقدرة بـ18.5 مليار متر مكعب، باعتبارها جزءا من السودان عند التوقيع على اتفاقيات اقتسام مياه النيل لعامي 1929 و1959، وبعد الانفصال لم تحدد لها حصة واضحة من مياه النيل.
مصدر قلق مصر أن اتفاقية عنتيبي تجعل دول حوض النيل في حل من اتفاقية مياه النيل، وتتحدث عن حصة كل دولة بعبارات فضفاضة، وتقول إنها تحددها احتياجات الدولة المعنية بما لا يضر بالآخرين وفق مبدأ "العادل والمنصف"، وهذا مكمن الخطر في رأي مصر التي ظلت تتمتع بحصة وافرة وفقا للاتفاقية السارية حاليا، لذا فإن موقف مصر عدم التوقيع على اتفاقية عنتيبي إلا بضمان حصتها بشكل محدد، وهذا قول وزير الري المصري السابق "إن مصر لن توقع على الاتفاقية الإطارية ما لم تنص صراحة على ضمان حصتها من مياه النيل".
أفق الحل والإنقاذ
سواء في حالتي سد الألفية واتفاقية عنتيبي ليس من المصلحة أن تبقى مصر والسودان في حالة خلافية كما في الوقت نفسه أن تبدوا في حالة تكتل ضد الدول الأفريقية التي تشاركهما في نهر النيل بفروعه المختلفة.
حتى الآن هناك ست دول من دول حوض النيل التسع وقعت على هذه الاتفاقية، وهي: إثيوبيا وأوغندا ورواندا وتنزانيا وكينيا وجنوب السودان، فهل تستطيع مصر اليوم الدخول في مواجهة جبهتين ساخنتين تدوران حول قضية (حياة أو موت) تتعلق بأمنها المائي، والحرب في أكثر من جبهة ينظر إليها الخبراء العسكريون باعتبارها خطأ إستراتيجيا قاتلا.
في تقديري، إن جبهة اتفاقية عنتيبي هي الأولى بالعناية، وبالتالي فإن تبريد الجبهة الأخرى -السد الإثيوبي- ضرورة على الأقل في الوقت الحالي.
على مصر استبعاد نهج التهديد بالقوة العسكرية، فهي ومنذ عهد الخديوي تحدّث خطة عسكرية كل سنة هدفها التدخل إذا ما أضيرت مصالحها في مياه النيل، ومصر رسميا لا تريد وضع الأمر في إطار خلافات فنية وقانونية بين دول الحوض، فهو عندها أكثر من ذلك بل هو معركة تتجاوز البعد الأفريقي.
وتنتقد الحكومة السودانية باستمرار طريقة تعامل مصر مع مسألة سد النهضة، وتدعو إلى إخراج القضية من إطارها السياسي إلى إطارها الفني. وتقول الخرطوم إن السد الإثيوبي لا يشكل قضية سياسية بالنسبة لها وإنما هو قضية تنمية ومصالح، وتحذر نخب مصرية من أن خسارة القاهرة للخرطوم بسبب سد النهضة يفتح لها باب خسائر أخرى أعظم شأنا.
إثيوبيا تقول إنها أتمت حتى الآن أكثر من 32% من مشروع السد، وإنها مستعدة لأي مواجهات تختارها الحكومة المصرية. ويقول رئيس الوزراء الإثيوبي هيلي ماريام ديسالين "إن بلاده مستعدة لمواجهة كل الخيارات والاحتمالات".. إن الحل المتعقل أن يتم الاتفاق بين القاهرة والخرطوم وأديس أبابا عبر آلية اللجنة الثلاثية المشتركة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق