السوداني
الضنك المعيشي الناجم عن هزال الجنيه السوداني واستفحال الدولار والذي هو انعكاس للتردي الاقتصادي ماهو إلا نتيجة حتمية للتخبط السياسي الذي نعيشه. بعبارة أخرى ان السقوط السياسي هو الذي أدى للانحدار الاقتصادي فالمكضبنا وما مصدقنا فلا يسأل العنبة إنما ينظر للقرار الذي أصدره بنك السودان في نهاية الاسبوع المنصرم والذي أمر فيه البنوك بالتوقف عن تمويل العقارات وشراء العربات فهذا القرار وإن نشرته الصحف في سطرين إلا أنه في تقديري من أخطر القرارات التي صدرت في اتجاه الإصلاح الاقتصادي لا بل ومكافحة الفساد وهو قرار سياسي في المقام الأول لأنه يصنف ضمن سياسات الدولة في توجيه الموارد وإن أصدره بنك السودان الذي هو بنك الدولة الذي تديره الحكومة وكان ينبغي ان تديره الدولة وهذه قصة أخرى.
إن هذا القرار قد تأخر كثيرا إذ كان ينبغي أن يكون على الاقل في طليعة البرنامج الثلاثي الذي (نجرته) الحكومة بعد انفصال الجنوب ببتروله ولا أظن ان صانع القرار السياسي الاقتصادي كان غافلا عنه لكن للأسف هناك مسافة كبيرة (تقطع نفس خيل السياسة) بين موجبات القرار ثم صناعة القرار ثم اصدار القرار ثم تنفيذ القرار وهذه قصة أخرى. هناك أمران معلومان فيهما مفارقة كبرى لا تحتاج لدرس عصر لكي يدركها المواطن ما دون العادي ناهيك عن العادي اولهما ان أسعار الاراضي في العاصمة غير منطقية وغير واقعية فمن غير المعقول ان يكون سعر المتر في الخرطوم أضعاف سعره في لندنوباريس وطوكيو ونيويورك (بالدولار). الأمر الثاني أن عدد العربات حكومية كانت أم خاصة التي تتحرك في شوارع الخرطوم لا تتناسب اطلاقا وحالة البلاد الاقتصادية من حيث الكم ومن حيث الكيف وقد أقسم أحدهم وكان قادما من ألمانيا أن عدد عربات المارسيدس في شوارع الخرطوم أكثر من تلك التي في شوارع بون فماذا عن اليابانية والكورية وأخرى ما تتسماش؟
البنوك في السودان خاصة تلك الاجنبية التي ظهرت كالنبت الشيطاني هي التي أسهمت بالطبع مع عوامل أخرى في ارتفاع اسعار الاراضي والعقارات بتلك الصورة الجنونية وهي التي زادت عدد العربات لدرجة انه في السنوات الاخيرة كانت الخرطوم تستقبل عربة جديدة بمعدل كل اربعين دقيقة على حسب إحدى الإحصاءات الموثوقة. حتى التمويل الاصغر توجه للأمجادات والركشات أي المتحركات. المباني والعربات هي اكبر مستهلك للدولار وقد ذكرنا من قبل ان معظم عناصر البناء للعمائر وان شئت قل العمارات وتأسيسها وتأثيثها مستوردة، أما العربات فكلها مستوردة وكذا قطع غيارها وبترولها كلها عملة حرة عديل.
دون ان نجيب سيرة البحر فإن العلاقة بين الفساد وارتفاع أسعار الأراضي والعقارات ثم كثرة عدد العربات علاقة جدلية كل واحد منهما تسبب في تنامي الآخر ومن هنا يمكننا ان نفهم لماذا تأخر صدور مثل هكذا قرار ولكن الأهم من ذلك هو مستقبل هذا القرار فهل يمكن تنفيذه؟ من الصعوبة الاجابة على هذا السؤال لأن القوى التي أخرته يمكنها ان تجعل بنك السودان يبله ويشرب مويته او تشوهه بالتحايل عليه وتوسيع استثناءاته لتصب في المجرى الذي يريدونه وفي النهاية تغطس حجره وتلحقه امات طه فالأمر يحتاج لإرادة سياسية قوية ونافذة وباطشة (أها شفتو كيف ان الشغلانة كلها سياسة في سياسة؟) ثم ماذا لو رقعت الحكومة – اتحادية وولائية - قرار بنك السودان بمنع الوزارات وكل الوحدات التابعة لها من تشييد مباني جديدة وشراء عربات اضافية من المال المجنب خاصة وغير المجنب؟ كترنا المهلبية, مش؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق