صحيفة اليوم التالي
لن تبتسم فحسب، بل ستقهقه عالياً وأنت تدخل حي (الصفوة) التابع للإسكان الشعبي الذي يحتل مساحة مقدرة غربي أم درمان. اللافتة المنصوبة بعناية في مدخل المدينة من ناحية الشمال تقرأ فيها هذا (ابتسم أنت في مدينة الصفوة)، قال أحدهم معلقاً بعد أن نزعت ابتسامته من بين شفتيه، "كتبت هذه العبارة على معايير نفسية"، لكون أن الذين وضعوها ربما يتمتعون بذكاء قائم على الخبرة في كيفية جعل الناس تبتسم في مواقف لا يوجد فيها ما يدعو للابتسامة.. (16) ألف وحدة سكنية تبعد عن وسط العاصمة نحو (30) كيلو متراً.. على مد البصر شيدت منازل من الأسمنت بنظام تخطيطي دقيق ومؤسس تمت فيه مراعاة الجوانب الحديثة في أي مشروع سكني، ثمة عوامل تنتقص من جمال المشروع تشكلها البيئة القاسية.. صفير الرياح القادمة من الصحراء وسراب البقيع الذي لا تُرى نهايته بالإضافة إلى حرارة الجو التي تكاد تجزم معها بأن الشمس خرجت من مدارها هناك. هدوء وغربة ووحشة
هدوء، وغربة ووحشة تنتابك عندما تلج قلب المدينة المهجورة، بين الفينة الأخرى يمكنك أن ترصد شخصاً يتجول بين ردهات الشوارع الفارغة، يتلوى شارع الزلط الجديد في أحشاء المدينة، ويشق قلبها قبل أن ينتهي عند نهايتها من الناحية الغربية.. في صبيحة السادس عشر من شهر فبراير الماضي زار الرئيس البشير المنطقة فيما عرف باحتفال الافتتاح.. قال أحدهم "إن لافتة لمستوصف صحي انتزعت مباشرة بعد مراسم زيارة الرئيس"، كلام كثير قيل في تلك الزيارة، لكن فيما يبدو أن العزاء انتهى مع انتهاء مراسم الاحتفال.
أفسد صندوق الإسكان فرصة المواطن هناك بدخول الكهرباء إلى المنطقة، لكونه ربط توصيلها للمنزل بسداد المتأخرات.. هناك من حالت ظروفهم المادية بينهم وسداد ما عليهم من أقساط شهرية، وهؤلاء بحسب تاج الدين أحمد مواطن يسكن المنطقة "إن الأمر أصبح بالنسبة لهم صعبا لأن متأخرات بعضهم تخطت الخمسة آلاف جنيه".. ما يحسب لهيئة الكهرباء أن جعلت من رسوم التوصيل أمرأ سهلا إلى حد ما مقارنة بتوصيلات داخل الخرطوم نحو (400) جنيه تقريبا.. صالح عمران يستأجر منزلا في أمدرمان بمبلغ يفوق قدرته المالية، ومع ذلك مطالب بدفع قسطا شهريا لمنزله بالصفوة، يقول صالح "لا أستطيع أن أدفع هذه المبالغ دفعة واحدة وأنا أتقاضي مرتب موظف حكومي".. المشكلة التي يقع فيها صالح وآخرون هي أن إجراءات القسط الشهري للمنازل بدأت دون أن تصبح المنطقة جاهزة للسكن مما يضع الكثيرين تحت نيران السداد من اتجاهات عدة.
مشقة الوصول
الوصول إلى الصفوة من قلب الخرطوم في حد ذاته مشقة ما بعدها مشقة، لمن لا يملكون سيارات خاصة، يلزمهم العبور عن طريق سوق ليبيا مرورا بكل الأحياء الواقعة غرب أم درمان، 5 ساعات للذهاب والإياب، كل وقتك يتبدد، والسبب أن الولاية اختارت إنشاء طريق يضيف إلى المسافة ما لا يقل عن 10 كيلومترات أخرى، وأغفلت الطريق الأقصر الذي يمر بحي المربعات ثم (المويلح)، فالمسافة المتبقية من مسلخ (قناواة) نهاية طريق الأسفلت الى الصفوة تقل عن 7 كيلومترات، لكن يبدو أن مهندسي وزارة التخطيط بالولاية لديهم رأي آخر.
خرابة السكن الشعبي
ألف وخمسمائة أسرة بحسب إحصائيات غير رسمية اتخذت من المنطقة سكناً لها، يتوزعون داخل أحياء المدينة ال (11)، في واقع لا يعطيهم الإحساس أنهم يعيشون في مجتمع بشري، خاصة عندما يرخي الليل سدوله ويلف الصمت المكان الذي يتحول إلى أوكار للأشباح فرط الهدوء، لا توجد محلات تجارية عدا القليل مثل بعض الكناتين المتناثرة على (الزلط)، من أراد العيش هناك عليه بأخذ قوت يكفيه لأسبوع على الأقل لاعتبارات الظروف والطوارئ.. لا مستشفى هناك، لا صيدلية، أقرب مركز للعلاج في (الحلة الجديدة)، فإذا أصابك ليلاً ما يتطلب مقابلة طبيب فما عليك إلا أن تنتظر شروق الشمس أو لتموت.
ورغم وجود ما يزيد عن أربع مدارس للأساس إلا أن إحساس الناس بالعزلة جراء البيئة المحيطة جعلهم لا يقدمون على نقل أبنائهم لها، إذ لا توجد مدرسة ثانوية، وكل هذه العوامل كفيلة بتحويل أكبر مشروع للسكن الشعبي بولاية الخرطوم إلى خرابة لا طائلة منها ولا فائدة، إذا أخذنا في الاعتبار أن الولاية أنفقت في تشييدها (100) مليون دولار.
لن تبتسم فحسب، بل ستقهقه عالياً وأنت تدخل حي (الصفوة) التابع للإسكان الشعبي الذي يحتل مساحة مقدرة غربي أم درمان. اللافتة المنصوبة بعناية في مدخل المدينة من ناحية الشمال تقرأ فيها هذا (ابتسم أنت في مدينة الصفوة)، قال أحدهم معلقاً بعد أن نزعت ابتسامته من بين شفتيه، "كتبت هذه العبارة على معايير نفسية"، لكون أن الذين وضعوها ربما يتمتعون بذكاء قائم على الخبرة في كيفية جعل الناس تبتسم في مواقف لا يوجد فيها ما يدعو للابتسامة.. (16) ألف وحدة سكنية تبعد عن وسط العاصمة نحو (30) كيلو متراً.. على مد البصر شيدت منازل من الأسمنت بنظام تخطيطي دقيق ومؤسس تمت فيه مراعاة الجوانب الحديثة في أي مشروع سكني، ثمة عوامل تنتقص من جمال المشروع تشكلها البيئة القاسية.. صفير الرياح القادمة من الصحراء وسراب البقيع الذي لا تُرى نهايته بالإضافة إلى حرارة الجو التي تكاد تجزم معها بأن الشمس خرجت من مدارها هناك. هدوء وغربة ووحشة
هدوء، وغربة ووحشة تنتابك عندما تلج قلب المدينة المهجورة، بين الفينة الأخرى يمكنك أن ترصد شخصاً يتجول بين ردهات الشوارع الفارغة، يتلوى شارع الزلط الجديد في أحشاء المدينة، ويشق قلبها قبل أن ينتهي عند نهايتها من الناحية الغربية.. في صبيحة السادس عشر من شهر فبراير الماضي زار الرئيس البشير المنطقة فيما عرف باحتفال الافتتاح.. قال أحدهم "إن لافتة لمستوصف صحي انتزعت مباشرة بعد مراسم زيارة الرئيس"، كلام كثير قيل في تلك الزيارة، لكن فيما يبدو أن العزاء انتهى مع انتهاء مراسم الاحتفال.
أفسد صندوق الإسكان فرصة المواطن هناك بدخول الكهرباء إلى المنطقة، لكونه ربط توصيلها للمنزل بسداد المتأخرات.. هناك من حالت ظروفهم المادية بينهم وسداد ما عليهم من أقساط شهرية، وهؤلاء بحسب تاج الدين أحمد مواطن يسكن المنطقة "إن الأمر أصبح بالنسبة لهم صعبا لأن متأخرات بعضهم تخطت الخمسة آلاف جنيه".. ما يحسب لهيئة الكهرباء أن جعلت من رسوم التوصيل أمرأ سهلا إلى حد ما مقارنة بتوصيلات داخل الخرطوم نحو (400) جنيه تقريبا.. صالح عمران يستأجر منزلا في أمدرمان بمبلغ يفوق قدرته المالية، ومع ذلك مطالب بدفع قسطا شهريا لمنزله بالصفوة، يقول صالح "لا أستطيع أن أدفع هذه المبالغ دفعة واحدة وأنا أتقاضي مرتب موظف حكومي".. المشكلة التي يقع فيها صالح وآخرون هي أن إجراءات القسط الشهري للمنازل بدأت دون أن تصبح المنطقة جاهزة للسكن مما يضع الكثيرين تحت نيران السداد من اتجاهات عدة.
مشقة الوصول
الوصول إلى الصفوة من قلب الخرطوم في حد ذاته مشقة ما بعدها مشقة، لمن لا يملكون سيارات خاصة، يلزمهم العبور عن طريق سوق ليبيا مرورا بكل الأحياء الواقعة غرب أم درمان، 5 ساعات للذهاب والإياب، كل وقتك يتبدد، والسبب أن الولاية اختارت إنشاء طريق يضيف إلى المسافة ما لا يقل عن 10 كيلومترات أخرى، وأغفلت الطريق الأقصر الذي يمر بحي المربعات ثم (المويلح)، فالمسافة المتبقية من مسلخ (قناواة) نهاية طريق الأسفلت الى الصفوة تقل عن 7 كيلومترات، لكن يبدو أن مهندسي وزارة التخطيط بالولاية لديهم رأي آخر.
خرابة السكن الشعبي
ألف وخمسمائة أسرة بحسب إحصائيات غير رسمية اتخذت من المنطقة سكناً لها، يتوزعون داخل أحياء المدينة ال (11)، في واقع لا يعطيهم الإحساس أنهم يعيشون في مجتمع بشري، خاصة عندما يرخي الليل سدوله ويلف الصمت المكان الذي يتحول إلى أوكار للأشباح فرط الهدوء، لا توجد محلات تجارية عدا القليل مثل بعض الكناتين المتناثرة على (الزلط)، من أراد العيش هناك عليه بأخذ قوت يكفيه لأسبوع على الأقل لاعتبارات الظروف والطوارئ.. لا مستشفى هناك، لا صيدلية، أقرب مركز للعلاج في (الحلة الجديدة)، فإذا أصابك ليلاً ما يتطلب مقابلة طبيب فما عليك إلا أن تنتظر شروق الشمس أو لتموت.
ورغم وجود ما يزيد عن أربع مدارس للأساس إلا أن إحساس الناس بالعزلة جراء البيئة المحيطة جعلهم لا يقدمون على نقل أبنائهم لها، إذ لا توجد مدرسة ثانوية، وكل هذه العوامل كفيلة بتحويل أكبر مشروع للسكن الشعبي بولاية الخرطوم إلى خرابة لا طائلة منها ولا فائدة، إذا أخذنا في الاعتبار أن الولاية أنفقت في تشييدها (100) مليون دولار.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق