د. هاشم حسين بابكر
أثار اهتمامي تصريح والي الخرطوم الذي قال فيه إنه يدعم المياه لكل منزل بأربعين جنيهاً، وحتى لا ندخل في مغالطات أود كخبير للمياه عمِل في هذا المجال أكثر من أربعين عاماً أن أوضح أولاً أن الماء ضرورة أساسية للحياة، وسكان العالم يتمتعون بنسبة 54% من المياه النقية التي تصلهم في بيوتهم عن طريق الأنابيب، و20% من سكان العالم تصل إليهم المياه من خلال وسائل بما في ذلك أكشاك المياه، أما الـ 16% المتبقية فليس لديها وسائل محسنة وتعتمد على الآبار غير الصحية أو الينابيع والأنهار، وهنا يجب أن نشير إلى أن الوصول إلى مصادر مياه محسنة لا يعني بالضرورة أنها صالحة للشرب!!
تعتمد نظم الإمداد بالمياه على مجموعة متنوعة من المصادر، مياه جوفية، أنهار، وبحيرات، والبحار عن طريق تحلية المياه. العديد من سكان العالم يتلقون خدمة سيئة خاصة في البلدان النامية حيث يعيش 80% من سكان العالم، والجودة تعني الاستمرارية، نوعية المياه، والضغط ودرجة استجابة مقدمي الخدمة لشكاوى العملاء.
في كثيرمن البلدان النامية تشكل استمرارية المياه مشكلة حادة، حيث يتم توفير المياه لبضع ساعات في اليوم أو بضعة أيام في الأسبوع وأكثر من نصف سكان العالم يتلقون المياه على أساس متقطع.
جودة مياه الشرب لها أبعاد بيولوجية وكيميائية ومجهرية، وينبغى أن تكون إمدادات المياه العامة.. كحد أدنى.. مطهرة بالكلور أو استخدام وسائل أخرى، وقد تحتاج إلى معالجة كلية خاصة في حالة المياه السطحية.
ونأتي إلى الضغط الذي يختلف حسب الموقع ونوعية الأنابيب، في المملكة المتحدة يُعتبر الضغط النموذجي 4 ـ 5 بار لإمدادات المناطق الحضرية.
إمداد المياه إما بواسطة مؤسسة عامة أو مختلطة أو تعاونية، في المناطق الحضرية تقدم خدمات المياه بواسطة الجهات العامة، وفي البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط هذه المؤسسات المملوكة للقطاع العام عادة ما تكون غير فعالة نتيجة التدخل السياسي وزيادة عدد العاملين الأمر الذي يؤدي إلى انخفاض الإنتاجية، وهنا يكون أول الخاسرين هم الفقراء الذين لا تصلهم شبكات المياه، وبالتالي يدفعون أكثر مما يدفع أولئك الذين تصلهم المياه عن طريق شبكات المياه!!
إن أزمة المياه هي في الأساس أزمة حكم ـ وليس من ندرة المياه، بل سوء إدارة المياه سواء كانت للشرب أو للزراعة أو الصناعة هي سبب الأزمات السياسية والاقتصادية، وليست قضية دارفور ببعيدة عن أزمة المياه!!
نأتي إلى تعرفة المياه، فوفقاً لتقديرات البنك الدولي فإن متوسط الرسوم العالمية للمياه 0.53 دولار للمتر المكعب في البلدان المتقدمة متوسط التعرفة 1.04 دولار في في حين أنها في البلدان النامية ليست سوى 0.11 دولار للمتر في أفقر بلدان العالم، في جنوب آسيا 0.09 دولار للمتر المكعب في حين أعلاها في أمريكا اللاتينية 0.41 دولار للمتر المكعب.
وفقاً لدراسة للبنك الدولي فإن عددًا قليلاً من المرافق العامة لا تسترد جميع تكاليفها حوالى 30% على الصعيد العالمي وفقط 50% من المرافق العامة تتحصل على الدخل الكافي لتغطية التكاليف من تشغيل وصيانة والتكاليف الرأسمالية!!
وفقاً لمعطيات البنك الدولي نجد أن السودان يقع في دائرة أفقر البلدان «9 سنت للمتر المكعب»، هذا يعني أن الدولار يكفي لإمداد أحد عشر متراً مكعباً أي أن أحد عشر مترًا مكعبًا من المياه يساوي بالسعر الرسمي للدولار خمسة جنيهات ونصف، وأي منزل إذا قدرنا صرفه اليومي لا يتعدى المتر المكعب في اليوم، وهذا منزل يحوي عشرة أشخاص باعتبار أن الشخص الواحد يستهلك مائة لتر في اليوم أي أن ذلك المنزل يستهلك ما قيمته ستة عشر جنيهًا ونصف من المياه في الشهر، بينما في واقع الأمر أن ذلك المنزل لضعف إمداد المياه لا يتعدى صرفه المائي مترًا مكعبًا في اليوم وفي أقصى الحالات يصل إلى نصف متر مكعب في اليوم!!
والسعر المقدم للمتر المكعب «11 سنت» هو لماء صالح للشرب وماء نقي، أما الماء المقدم والذي يدعمه الوالي بأربعين جنيهاً وهي تعادل حوالى ثمانية دولارات والتي تعادل ثمانين مترًا مكعبًا فتكفي لثماني أسر فقيرة تعداد كل منها عشرة أفراد!!
هناك خلل في إدارة المياه، خلل في الشبكات التي عادة ما تنفجر وتغرق الشوارع والطرقات وتحرم منها المنازل، والخلل هذا هو الذي رفع التكلفة، والنظام الحاكم لا ينظر إلى الخلل لإصلاحه إنما يدفع ثمنه المواطن، وقد برر النائب الأول بأن السودان فقد 80% من إيراداته بسبب الانفصال فألزم النظام الشعب الفقير بدفع العجز الذي بلغ تلك النسبة العالية!!
والمياه في الخرطوم ومعظم أنحاء السودان وخاصة المدن ملوثة تلويثًا مزدوجًا، الأول هو التلوث الذي ينتج عن الشبكة القديمة والمهترئة والثاني تلوث باكتيريولجي ناتج عن نظام الصرف الصحي الذي يتم تصريفه في المياه الجوفية، وحتى في بعض المدن التي تأخذ إمداداتها المائية من النيل فإن الماء يتم ضخه من المصدر رأساً إلى الشبكة دون أن تجرى عليه أي عمليات تنقية وتكرير!!
نقطة هامة لا تضعها إدارة المياه في الحسبان وهي تصنيف المياه، شرب، استخدامات منزلية، زراعية وصناعية، هذا التصنيف يوفر كثيراً من الجهد والأموال، مياه الشرب الأكثر تكلفة حيث تمر بعمليات تكرير ومعاملة مكلفة، وهي أقل المياه استخداماً، حيث يشرب الفرد في أقصى حالاته ثلاثة لترات في اليوم. نحن نجري هذه العمليات المكلفة لكل المياه سواء كانت للشرب أو الاستخدامات المنزلية أو الزراعية والأغراض الأخرى!!
غسيل السيارات وعمليات البناء ورش الشوارع وغيرها من استخدامات المياه تسقى بماء واحد مياه الشرب هي الأعلى تكلفة وهي التي يتم دعمها من فارق السعر من مياه الري والصناعة وغيرها من الاستخدامات. تصنيف المياه يوفر الكثير من المواد التي تُستخدم في معالجة المياه!!
يقول الوالي إنه يدعم المياه بأربعين جنيهاً لكل عداد، من الذي يدعم أهي المالية أم الولاية؟! أم أن المالية تدعم المحروقات والولاية تدعم المياه، ووزارة الكهرباء تدعم الكهرباء، ووزارة الزراعة تدعم القطن المحور جينياً والتقاوي الفاسدة؟
ولماذا لا يكون الدعم صادراً عن جهة الاختصاص التي هي وزارة المالية، أم أن الولاية دولة داخل دولة وكذلك الوزارات لكل منها وزارة ماليتها الخاصة؟!
إن الماء أهم عنصر في عناصر الحياة وهو منزل سماوي كما القرآن، وإذا كان القرآن الكريم يمثل معين الحياة الروحي فإن الماء يمثل معينها المادي الذي بدونه لا تستقيم الحياة، ولا أدري كيف يكون الحال إذا كانت لدينا صناعة، فالصناعة تستهلك نصف إنتاج الدولة من المياه بينما تستهلك الزراعة 40% وكل الاستخدامات تستهلك 10%!
إن السودان غني بموارده المائية سطحية كانت أم جوفية وكل هذه الموارد تكفّل المولى عز وجل بحفظها في باطن الأرض في الأنهار والبحيرات وفي طبقات الجو العليا في شكل سحب، هذا المنزل والمحفوظ إلهياً نسيء معاملته تارة بتلويثه وأخرى بسوء إدارته، ثم نأتي لنقول إننا، ومع كل هذه الحقائق، إننا ندعمه ونطالب المواطن الذي لا يجده في متناول يده بدفع قيمة العبث الذي جعل من الماء شيئاً نادراً رغم أهميته لحياة الإنسان!!
أثار اهتمامي تصريح والي الخرطوم الذي قال فيه إنه يدعم المياه لكل منزل بأربعين جنيهاً، وحتى لا ندخل في مغالطات أود كخبير للمياه عمِل في هذا المجال أكثر من أربعين عاماً أن أوضح أولاً أن الماء ضرورة أساسية للحياة، وسكان العالم يتمتعون بنسبة 54% من المياه النقية التي تصلهم في بيوتهم عن طريق الأنابيب، و20% من سكان العالم تصل إليهم المياه من خلال وسائل بما في ذلك أكشاك المياه، أما الـ 16% المتبقية فليس لديها وسائل محسنة وتعتمد على الآبار غير الصحية أو الينابيع والأنهار، وهنا يجب أن نشير إلى أن الوصول إلى مصادر مياه محسنة لا يعني بالضرورة أنها صالحة للشرب!!
تعتمد نظم الإمداد بالمياه على مجموعة متنوعة من المصادر، مياه جوفية، أنهار، وبحيرات، والبحار عن طريق تحلية المياه. العديد من سكان العالم يتلقون خدمة سيئة خاصة في البلدان النامية حيث يعيش 80% من سكان العالم، والجودة تعني الاستمرارية، نوعية المياه، والضغط ودرجة استجابة مقدمي الخدمة لشكاوى العملاء.
في كثيرمن البلدان النامية تشكل استمرارية المياه مشكلة حادة، حيث يتم توفير المياه لبضع ساعات في اليوم أو بضعة أيام في الأسبوع وأكثر من نصف سكان العالم يتلقون المياه على أساس متقطع.
جودة مياه الشرب لها أبعاد بيولوجية وكيميائية ومجهرية، وينبغى أن تكون إمدادات المياه العامة.. كحد أدنى.. مطهرة بالكلور أو استخدام وسائل أخرى، وقد تحتاج إلى معالجة كلية خاصة في حالة المياه السطحية.
ونأتي إلى الضغط الذي يختلف حسب الموقع ونوعية الأنابيب، في المملكة المتحدة يُعتبر الضغط النموذجي 4 ـ 5 بار لإمدادات المناطق الحضرية.
إمداد المياه إما بواسطة مؤسسة عامة أو مختلطة أو تعاونية، في المناطق الحضرية تقدم خدمات المياه بواسطة الجهات العامة، وفي البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط هذه المؤسسات المملوكة للقطاع العام عادة ما تكون غير فعالة نتيجة التدخل السياسي وزيادة عدد العاملين الأمر الذي يؤدي إلى انخفاض الإنتاجية، وهنا يكون أول الخاسرين هم الفقراء الذين لا تصلهم شبكات المياه، وبالتالي يدفعون أكثر مما يدفع أولئك الذين تصلهم المياه عن طريق شبكات المياه!!
إن أزمة المياه هي في الأساس أزمة حكم ـ وليس من ندرة المياه، بل سوء إدارة المياه سواء كانت للشرب أو للزراعة أو الصناعة هي سبب الأزمات السياسية والاقتصادية، وليست قضية دارفور ببعيدة عن أزمة المياه!!
نأتي إلى تعرفة المياه، فوفقاً لتقديرات البنك الدولي فإن متوسط الرسوم العالمية للمياه 0.53 دولار للمتر المكعب في البلدان المتقدمة متوسط التعرفة 1.04 دولار في في حين أنها في البلدان النامية ليست سوى 0.11 دولار للمتر في أفقر بلدان العالم، في جنوب آسيا 0.09 دولار للمتر المكعب في حين أعلاها في أمريكا اللاتينية 0.41 دولار للمتر المكعب.
وفقاً لدراسة للبنك الدولي فإن عددًا قليلاً من المرافق العامة لا تسترد جميع تكاليفها حوالى 30% على الصعيد العالمي وفقط 50% من المرافق العامة تتحصل على الدخل الكافي لتغطية التكاليف من تشغيل وصيانة والتكاليف الرأسمالية!!
وفقاً لمعطيات البنك الدولي نجد أن السودان يقع في دائرة أفقر البلدان «9 سنت للمتر المكعب»، هذا يعني أن الدولار يكفي لإمداد أحد عشر متراً مكعباً أي أن أحد عشر مترًا مكعبًا من المياه يساوي بالسعر الرسمي للدولار خمسة جنيهات ونصف، وأي منزل إذا قدرنا صرفه اليومي لا يتعدى المتر المكعب في اليوم، وهذا منزل يحوي عشرة أشخاص باعتبار أن الشخص الواحد يستهلك مائة لتر في اليوم أي أن ذلك المنزل يستهلك ما قيمته ستة عشر جنيهًا ونصف من المياه في الشهر، بينما في واقع الأمر أن ذلك المنزل لضعف إمداد المياه لا يتعدى صرفه المائي مترًا مكعبًا في اليوم وفي أقصى الحالات يصل إلى نصف متر مكعب في اليوم!!
والسعر المقدم للمتر المكعب «11 سنت» هو لماء صالح للشرب وماء نقي، أما الماء المقدم والذي يدعمه الوالي بأربعين جنيهاً وهي تعادل حوالى ثمانية دولارات والتي تعادل ثمانين مترًا مكعبًا فتكفي لثماني أسر فقيرة تعداد كل منها عشرة أفراد!!
هناك خلل في إدارة المياه، خلل في الشبكات التي عادة ما تنفجر وتغرق الشوارع والطرقات وتحرم منها المنازل، والخلل هذا هو الذي رفع التكلفة، والنظام الحاكم لا ينظر إلى الخلل لإصلاحه إنما يدفع ثمنه المواطن، وقد برر النائب الأول بأن السودان فقد 80% من إيراداته بسبب الانفصال فألزم النظام الشعب الفقير بدفع العجز الذي بلغ تلك النسبة العالية!!
والمياه في الخرطوم ومعظم أنحاء السودان وخاصة المدن ملوثة تلويثًا مزدوجًا، الأول هو التلوث الذي ينتج عن الشبكة القديمة والمهترئة والثاني تلوث باكتيريولجي ناتج عن نظام الصرف الصحي الذي يتم تصريفه في المياه الجوفية، وحتى في بعض المدن التي تأخذ إمداداتها المائية من النيل فإن الماء يتم ضخه من المصدر رأساً إلى الشبكة دون أن تجرى عليه أي عمليات تنقية وتكرير!!
نقطة هامة لا تضعها إدارة المياه في الحسبان وهي تصنيف المياه، شرب، استخدامات منزلية، زراعية وصناعية، هذا التصنيف يوفر كثيراً من الجهد والأموال، مياه الشرب الأكثر تكلفة حيث تمر بعمليات تكرير ومعاملة مكلفة، وهي أقل المياه استخداماً، حيث يشرب الفرد في أقصى حالاته ثلاثة لترات في اليوم. نحن نجري هذه العمليات المكلفة لكل المياه سواء كانت للشرب أو الاستخدامات المنزلية أو الزراعية والأغراض الأخرى!!
غسيل السيارات وعمليات البناء ورش الشوارع وغيرها من استخدامات المياه تسقى بماء واحد مياه الشرب هي الأعلى تكلفة وهي التي يتم دعمها من فارق السعر من مياه الري والصناعة وغيرها من الاستخدامات. تصنيف المياه يوفر الكثير من المواد التي تُستخدم في معالجة المياه!!
يقول الوالي إنه يدعم المياه بأربعين جنيهاً لكل عداد، من الذي يدعم أهي المالية أم الولاية؟! أم أن المالية تدعم المحروقات والولاية تدعم المياه، ووزارة الكهرباء تدعم الكهرباء، ووزارة الزراعة تدعم القطن المحور جينياً والتقاوي الفاسدة؟
ولماذا لا يكون الدعم صادراً عن جهة الاختصاص التي هي وزارة المالية، أم أن الولاية دولة داخل دولة وكذلك الوزارات لكل منها وزارة ماليتها الخاصة؟!
إن الماء أهم عنصر في عناصر الحياة وهو منزل سماوي كما القرآن، وإذا كان القرآن الكريم يمثل معين الحياة الروحي فإن الماء يمثل معينها المادي الذي بدونه لا تستقيم الحياة، ولا أدري كيف يكون الحال إذا كانت لدينا صناعة، فالصناعة تستهلك نصف إنتاج الدولة من المياه بينما تستهلك الزراعة 40% وكل الاستخدامات تستهلك 10%!
إن السودان غني بموارده المائية سطحية كانت أم جوفية وكل هذه الموارد تكفّل المولى عز وجل بحفظها في باطن الأرض في الأنهار والبحيرات وفي طبقات الجو العليا في شكل سحب، هذا المنزل والمحفوظ إلهياً نسيء معاملته تارة بتلويثه وأخرى بسوء إدارته، ثم نأتي لنقول إننا، ومع كل هذه الحقائق، إننا ندعمه ونطالب المواطن الذي لا يجده في متناول يده بدفع قيمة العبث الذي جعل من الماء شيئاً نادراً رغم أهميته لحياة الإنسان!!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق