الطاهر ساتي
::أحدهم، وهو من ذوي الخيال الواسع ..كان في لحظة أُنس مع سيجارته على شاطئ النيل عندما تفاجأ بخبر وفاة زوجته، فدخل في (نوبة صراخ)..لم يصمت، ظل يصرخ طوال ساعات تجهيز الجثمان..وتواصل الصراخ طوال ساعات دفن الجثمان.. بل حتى في المسيد، بعد عودة الجميع من المقابر، لم يتوقف عن الصراخ حزناً على موت زوجته.. وقصد الأهل شيخ القرية ليصبره بالآيات والأحاديث، وجاء الشيخ وحدثه عن الصبر و أن الدين يأمره في هذا المقام ذكر محاسن زوجته بدلا عن لطم الخدود وشق الجيوب..إستجاب صاحبنا لحديث الشيخ وصمت ، ثم إستغفر الله و قال دامعاً بمظان ذكر المحاسن : ( رحمة الله عليها، والله كان فيها جنس عيون، مبالغة)..!!
:: وهكذا تقريباً حال الأهل بالدمازين وكسلا وعطبرة و الدبة وحلفا ومروي و دنقلا وغيرها من مدائن السودان وهم يحدقون في أطلال مطاراتهم بعيون دامعة وقلوب مكلومة، ثم لا يذكروا من محاسنها غير : ( رحمة الله، والله كان فيها جنس سيخ وأسمنت ، مبالغة)..(مطارات)، كلفت الناس والبلد المليارات خصماً من أثمان الغذاء والدواء والكتاب المدرسي، ومع ذلك لم يُصدر عبرها بصلاً أو ثوماُ بحيث يسد عائد التصدير بعض عجز الموازنة العامة ، ولم يغادر عبرها مريضاً بحيث يختصر مسافة الزمن والوجع..( مطارات)، محض أسفلت وأسلاك شائكة وبنايات كالحة الملامح وفارغ المحتوى.. مظلمة ليلاً لحد توطين البوم والعناكب، ثم تتحول إلى ما تشبه المراعي والحظائر نهاراً لتسرح عليها الأغنام وتمرح الضأن..!!
:: ( مطارات)، لا نجزم بجدواها عند التخطيط أوعدمها، ولكنها اليوم بلا جدوى..عفوا، ليس اليوم فحسب، بل في تلك المطارات المهجورة ما لم يستقبل مدرجها طائرة رش مبيد منذ الإفتتاح وإلى يومنا هذا ( مروي والدبة نماذجاً)، وفيها ما لم تقلع عن مدرجه منذ عقد من الزمان غير الطيور وبغاثها ( دنقلا وحلفا وعطبرة نماذجاً)، وفيها ما لا تستقبل مدرجاتها وتودع غير طائرات المسؤولين عند إشتعال الأزمات ( الدمازين نموذجاً)..والأدهى والأمر والأغرب في تاريخ الإقتصاد وإدارة المال العام، بكل مطار من تلك الأطلال المسماة بالمطارات إداري بلا إدارة و عمالة بلا عمل وبنود صرف بلا إيراد، وكأن الصرف على الفراغ خصماً - من أثمان الغذاء والدواء والطباشير - مجاز بمجلس الوزراء ومعتمد بالبرلمان و وينال إعجاب الشعب..!!
:: لإحياء تلك المطارات الفانية - وغيرها الآيلة للفناء - كان على نهج علي محمود إخوانه جذب الإستثمار و رعاية المشاريع والمصانع وحمايتها من رسوم الولايات و أتاوات المحليات وجزية المركز، لتستقر المجتمعات حولها وتتكاثف وتنتج وتشكل الحراك التجاري والإقتصادي، أو هكذا كان يجب أن يكون حال تلك (المطارات الفانية)..ولكن نهجهم، كما لم يجذب الإستثمار بالرعاية والحماية وتقديم النماذج المثلى للعالم لإحياء المطارات الفانية، لايزال يتمادى في ترسيخ عوامل فناء ما تبقت من مطارات البلد وعزل مدائنها عن بعضها بفرض ما يشبه الجزية على شركات الطيران ( رسماً وضرائباً وجماركاً)، ثم تسعيراً غريباً لوقود الطائرات ليس بزيادة سنوية ولا نصف سنوية و لاربع سنوية، بل ( زيادة شهرية).. وها هي الشركات تتساقط - كما تلك المطارات الفانية - شركة تلو أخرى، لتبكي نيالا والضعين والفاشر و بورتسودان وكادقلي و الجنينة و الأبيض في خاتمة المطاف ( مطاراتها أيضاً)..!!
tahersati@hotmail.com
::أحدهم، وهو من ذوي الخيال الواسع ..كان في لحظة أُنس مع سيجارته على شاطئ النيل عندما تفاجأ بخبر وفاة زوجته، فدخل في (نوبة صراخ)..لم يصمت، ظل يصرخ طوال ساعات تجهيز الجثمان..وتواصل الصراخ طوال ساعات دفن الجثمان.. بل حتى في المسيد، بعد عودة الجميع من المقابر، لم يتوقف عن الصراخ حزناً على موت زوجته.. وقصد الأهل شيخ القرية ليصبره بالآيات والأحاديث، وجاء الشيخ وحدثه عن الصبر و أن الدين يأمره في هذا المقام ذكر محاسن زوجته بدلا عن لطم الخدود وشق الجيوب..إستجاب صاحبنا لحديث الشيخ وصمت ، ثم إستغفر الله و قال دامعاً بمظان ذكر المحاسن : ( رحمة الله عليها، والله كان فيها جنس عيون، مبالغة)..!!
:: وهكذا تقريباً حال الأهل بالدمازين وكسلا وعطبرة و الدبة وحلفا ومروي و دنقلا وغيرها من مدائن السودان وهم يحدقون في أطلال مطاراتهم بعيون دامعة وقلوب مكلومة، ثم لا يذكروا من محاسنها غير : ( رحمة الله، والله كان فيها جنس سيخ وأسمنت ، مبالغة)..(مطارات)، كلفت الناس والبلد المليارات خصماً من أثمان الغذاء والدواء والكتاب المدرسي، ومع ذلك لم يُصدر عبرها بصلاً أو ثوماُ بحيث يسد عائد التصدير بعض عجز الموازنة العامة ، ولم يغادر عبرها مريضاً بحيث يختصر مسافة الزمن والوجع..( مطارات)، محض أسفلت وأسلاك شائكة وبنايات كالحة الملامح وفارغ المحتوى.. مظلمة ليلاً لحد توطين البوم والعناكب، ثم تتحول إلى ما تشبه المراعي والحظائر نهاراً لتسرح عليها الأغنام وتمرح الضأن..!!
:: ( مطارات)، لا نجزم بجدواها عند التخطيط أوعدمها، ولكنها اليوم بلا جدوى..عفوا، ليس اليوم فحسب، بل في تلك المطارات المهجورة ما لم يستقبل مدرجها طائرة رش مبيد منذ الإفتتاح وإلى يومنا هذا ( مروي والدبة نماذجاً)، وفيها ما لم تقلع عن مدرجه منذ عقد من الزمان غير الطيور وبغاثها ( دنقلا وحلفا وعطبرة نماذجاً)، وفيها ما لا تستقبل مدرجاتها وتودع غير طائرات المسؤولين عند إشتعال الأزمات ( الدمازين نموذجاً)..والأدهى والأمر والأغرب في تاريخ الإقتصاد وإدارة المال العام، بكل مطار من تلك الأطلال المسماة بالمطارات إداري بلا إدارة و عمالة بلا عمل وبنود صرف بلا إيراد، وكأن الصرف على الفراغ خصماً - من أثمان الغذاء والدواء والطباشير - مجاز بمجلس الوزراء ومعتمد بالبرلمان و وينال إعجاب الشعب..!!
:: لإحياء تلك المطارات الفانية - وغيرها الآيلة للفناء - كان على نهج علي محمود إخوانه جذب الإستثمار و رعاية المشاريع والمصانع وحمايتها من رسوم الولايات و أتاوات المحليات وجزية المركز، لتستقر المجتمعات حولها وتتكاثف وتنتج وتشكل الحراك التجاري والإقتصادي، أو هكذا كان يجب أن يكون حال تلك (المطارات الفانية)..ولكن نهجهم، كما لم يجذب الإستثمار بالرعاية والحماية وتقديم النماذج المثلى للعالم لإحياء المطارات الفانية، لايزال يتمادى في ترسيخ عوامل فناء ما تبقت من مطارات البلد وعزل مدائنها عن بعضها بفرض ما يشبه الجزية على شركات الطيران ( رسماً وضرائباً وجماركاً)، ثم تسعيراً غريباً لوقود الطائرات ليس بزيادة سنوية ولا نصف سنوية و لاربع سنوية، بل ( زيادة شهرية).. وها هي الشركات تتساقط - كما تلك المطارات الفانية - شركة تلو أخرى، لتبكي نيالا والضعين والفاشر و بورتسودان وكادقلي و الجنينة و الأبيض في خاتمة المطاف ( مطاراتها أيضاً)..!!
tahersati@hotmail.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق