ولاء جعفر -الصحافة
أكدت الإحصائيات الرسمية التى أعلنت عنها ولاية الخرطوم انهيار اكثر من «18» الف منزل بالخرطوم في اعقاب مصيبة السيول والامطار التي تعرضت لها العاصمة في خواتيم رمضان الماضي، وجاء الرقم وفقاً لاحصائيات الهلال الاحمر السوداني الذي تعتمده الولاية باعتباره أحد مصادرها الرئيسة.
أكدت الإحصائيات الرسمية التى أعلنت عنها ولاية الخرطوم انهيار اكثر من «18» الف منزل بالخرطوم في اعقاب مصيبة السيول والامطار التي تعرضت لها العاصمة في خواتيم رمضان الماضي، وجاء الرقم وفقاً لاحصائيات الهلال الاحمر السوداني الذي تعتمده الولاية باعتباره أحد مصادرها الرئيسة.
اضرار بالغة وجسيمة تعرضت لها آلاف الاسر، واذا كانت ملامح الضرر بارزة ولا تحتاج للحديث فإن لتلك الاضرار صوراً أخرى، فبالإضافة للمأوى وتكاليفه الباهظة فقد فقد البعض كل مدخراتهم واموالهم بدءاً ببهيمة الانعام التي نفقت وانتهاء بالاموال من سيولة وصيغة ذهبية وغيرها كان البعض قد ادخرها لليوم الاسود، غير أنها مضت في غمضة عين في وقت كان فيه الناس مشغولين بإنقاذ اسرهم وأطفالهم.
والآن وقد غاض الماء فمازال الضحايا يبحثون عن كيفية العودة لمربع الأمس، فالبعض يحلم بغرفة واحدة لمداراة وصون العرض خاصة بعد عودة الحياة في الطرقات والازقة. وقبيل أن نمضي في تلمس مخرجات الأحداث تبحث «الصحافة» عبر المساحة التالية عن السبب في الكارثة.. هل صحيح أن مخططي المدن بالولاية ظلوا طيلة العقود الماضية يعملون على تحويل مجاري السيول ضمن الخطط الإسكانية؟ هل اعدت ولاية الخرطوم من مشروعات الصرف السطحي ما يوفر الحماية للامتدادات الجديدة؟
الخبراء الهندسيون يجمعون على أن وصول السيول الناجمة عن الأمطار إلى المناطق السكنية وتسببها في تدمير المنازل، سببه الرئيس سوء تنفيذ بعض الطرق، إضافة إلى وجود أخطاء هندسية في بعضها أدت الى حجز المياه وعدم تصريفها نحو النيل.
عشوائية التخطيط:
الخبير الهندسي بالدار الاستشارية ابو القاسم محمد على اكد ان المناطق المتأثرة كالمرابيع والكرياب ووادى سوبا تقع في مجرى السيول، مما يدل على عشوائية التخطيط، بالإضافة الى ضعف المواد المستعملة في تشييد المباني، إضافة الى وجود مشكلة هندسية في المصارف الرئيسة وعدم استصحاب الدراسات الهيدرولوجية التي تكشف كميات الأمطار المتساقطة لتحديد أبعاد المصارف سواء سطحية أو عميقة، بالإضافة إلى عدم تصميم الميول الرأسية لسطح الطريق بشكل يتلاءم مع اقتصادية إقامة شبكات مصارف الأمطار، علماً بأن أعمال المصارف قد تصل إلى «50%» من كلفة إنشاء الطريق، وتترتب على عدم إنشائها زيادة تكاليف صيانة الطريق، مما يتطلب أخذ تكاليف صيانة الطرق الدورية في الاعتبار عند اتخاذ القرار بتنفيذ المصارف مع أعمال إنشاء الطريق.
لا توجد خرائط كنتورية:
إن الاحياء تفتقر لشبكات التصريف السطحى لتصريف المياه، مما يعني ان الولاية تفتقر الى الخرائط الكنتورية للأحياء لدراسةارتفاع الحى وكيفية تصريف المياه حتى وصولها للأنهار، وهكذا واصل المهندس ابو القاسم حديثه ماضيا للقول: «كانت الاحياء بحاجة الى مصارف رئيسة مربوطة بأخرى فرعية وفق الدراسات الكنتورية»، مؤكداً ان تحويل الاراضى الزراعية الى مخططات سكنية كانت من الاخطاء الفادحة التى ارتكبها القائمون على التخطيط، وكان ذلك الخطأ سبباً في كل ما حدث في معظم احياء الولاية، والمعالجات الهندسية للارض الزراعية مكلفة جداً، وتختلف معالجاتها في الارض الثابتة، وهذا ما تسبب في تصدع وتشقق وتهدم المبانى المبنية على أرض زراعية مثل مناطق الكلاكلات وبرى.
المهندس منتصر عبد المنعم قال إن أعلى المعدلات للفيضانات في السودان كانت خلال الاعوام: 1912/ 1946/ 1988م، ففى عام 1988 بلغ معدل المياه 17.24 متر في الخرطوم، وبعد 1990م كان اقل معدل سجل هو 3.5 ملمتر، لترتفع معدلات هطول الامطار بصورة كبيرة في عام 2013م حيث سجلت منطقة الكرياب معدلاً بلغ 100 ملمتر.
وذهب المهندس منتصر إلى ان الامتدادات السكنية الجديدة جاءت في المناطق الطرفية وشملت مجارى السيول، وكان ذلك من اكبر الاخطاء الهندسية التي ارتكبها المخططون بحق المواطن، كما ان الطرق التى تم انشاؤها حديثاً لم تراع المواصفات العالمية المتعارف عليها من حيث معابر المياه ومراعاة مستوى الطريق والرصيف والاحياء، حيث صممت اغلب الطرق بمستوى اعلى من شوارع الاحياء ما ساعد في حسر المياه، مستدلاً بشارع الشيخ مصطفي الامين الذي ظل يتسبب في حجز المياه شمال وجنوب الطريق، وأرجع منتصر ذلك الى ان الطريق غير مطابق للمواصفات من ناحية وعدم وجود معابر المياه به وارتفاع مستواه عن الرصيف مما تسبب في تغيير مجرى المياه الى ترعة السليت التى لم تستوعب كمية المياه المتدفقة، مشيراً الى ان الطريق يصمم ليكون معبراً للسيارات والمياه معاً.
مصدر بالتخطيط العمراني قال إن أهداف التخطيط اتجهت في الاعوام الاخيرة إلى منح قطع الأرض للبناء لمقابلة الزيادة السكانية بالخرطوم واستغلال الاراضى فى المنشآت العمرانية دون وضع دراسات وخطط طويلة الاجل، كما ان التخطيط لم يراع متطلبات التجانس والتكامل فى توظيف الأرض، بل جاء تركيز سلطات التخطيط على توفير الأرض لمقابلة حاجة السكن، ماضياً الى ان الاهتمام الجغرافي في تخطيط المدن ينصب على دراسة التركيب الداخلي والشكل الخارجي، بحيث يهتم باختيار المواقع المناسبة للاستعمالات الوظيفية للأرض حسب تصنيفاتها، والاهتمام أيضاً بتخطيط السكن نفسه من حيث الموقع والشكل ومواد البناء والمساحة والارتفاع، وهذا ما لم يوضع في الاعتبار عند التخطيط للمناطق الطرفية من شرق النيل وأم درمان وكررى وأمبدة، ماضياً الى ان غياب سياسات التخطيط ونقص الخدمات الأساسية وضعف الرقابة الإدارية والقانونية والأمنية عرضت الأراضي للاعتداءات العشوائية، وتكاثف البناء عليها فى الفراغات البينية فى المناطق العمرانية والأراضي الزراعية المملوكة للحكومة والقطاع الخاص، وبذلك انهزمت توقعات كل الخطط الموجهة التي اقترحت في نهاية الخمسينيات وبداية السبعينيات، والتي حددت محاور النمو وسعته حتى بداية التسعينيات، وظهرت المدينة ليس كما خطط لها ولكن كما أراد لها القدر نتيجة هذه الهجمة السكانية.
وقال رئيس لجنة البيئة بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس، محمد عوض الكريم، ان السيول يمكن أن تكون نكبة اذا لم تتوفر خطط ضمن استراتيجية لمجابهتها، ورأى أن التخطيط العمراني في البلاد يواجه مشكلة كبيرة، داعياً لأهمية وجود قانون يمنع البناء على مجاري السيول.
الطرق.. مضاعفة الأضرار
مدير وحدة المشروعات الاستراتيجية بولاية الخرطوم الدكتور احمد قاسم قال لـ «الصحافة» إن الولاية فقدت 15% من طبقات الطرق أي ما يعادل «300» كلم بسبب السيول، ووصف ذلك بالكارثة، في وقت أكد فيه عدد من الخبراء الهندسيين سوء تنفيذ بعض الطرق ووجود أخطاء هندسية في بعضها أدت للحيلولة دون تصريف مياه الأمطار وحبسها، مما أدى لزيادة الخسائر.
وأشار المهندس عمر عبد الرحيم الى أن غالبية طرق الخرطوم نفذت بغرض سفلتة الشارع دون اعتبار للمواصفة المتعارف عليها عالمياً، بدعوى أن الإمكانات المتاحة لا تمكن من إنشاء طرق تتحمل جرف المياه أو تصريفها بطريقة جيدة، لأن هذا النوع من الطرق يحتاج لأسفلت معين ودراسات دقيقة. وأكد عبد الرحيم أن تجربة ولاية الخرطوم في مجال الطرق جيدة، وأن إدارة الطرق بها مجموعة من الخبراء، ولكن العمل لا يخلو من بعض العقبات والنواقص وعلى رأسها شح الموارد المادية واحتباسها عبر الطرق لأن هذا النوع يحتاج لإمكانات وموارد مالية كبيرة، ماضياً الى أن العمل يتم بحسب ترتيب الأولويات برصف الطرق كأولوية أولى بما تتيحه المقدرة المالية ومن ثم تأتي أولوية تصريف المياه، مؤكداً أن إدارة الطرق تعمل بواسطة استشاريين والخلل في التنفيذ لا يتعدى «5%».
وفي ذات الاتجاه اكد الخبير الهندسي عمر ياسين أن المواصفات التي تطبق في الطرق ليست عالمية ولكن تعتبر جيدة، إذ أن المواصفة العالمية عالية التكلفة ولا يمكن تطبيقها لشح الإمكانات، إذ أن الطبقات بالطرق لا يتجاوز سمكها «5 ــ 7» سم، بينما المواصفة العالمية تصل الى «15» سم، وقال يس إن السبب الرئيس في انهيار المباني بمنطقة العامرية مثلا يرجع الى عدم وجود مصارف، والخطأ الذي ارتكب أثناء تشييد الطريق بين العامرية وغرب الحارات أدى الى احتباس مياه السيول، فتسببت في انهيار عشرات المنازل وفقد بعض الأرواح
سبل المعالجة:
وعن الحلول يرى المهندس محمد السر حسن ان تصريف المياه يتوقف على وجود شبكة صرف مرتبطة بالنيل مباشرة، وذلك في حالة الامطار، أما في السيول فإن المناطق التى تأثرت بالسيول مقامة على مجرى السيول، ولتفادي السيول لا بد من انشاء عدد من السدود الخرسانية بارتفاعات عالية تصل الى سبعة أمتار، كما أن منطقة الخرطوم منطقة عالية، ولا بد ان تكون المصارف شرقية وغربية لانسياب المياه مباشرة الى النيل، ماضياً الى ان معظم الطرق لا توجد بها مصارف للمياه، منتقدا الحكومة التى قامت بتوزيع وتخطيط احياء على مجرى السيول، خاصة ان مجرى السيل معلوم للجميع ولا يتغير، وهذا خطأ هندسي فادح. كما تفتقر ولاية الخرطوم للخرائط الكنتورية التى توضح المناطق المرتفعة والمنخفضة، وعلى هذا الاساس يتم التخطيط للقرى والأحياء وإنشاء المؤسسات.
والي ولاية الخرطوم قال إن حكومته لن تسمح بإعادة بناء المنازل فى المناطق الخاضعة للتخطيط، إلا بعد تخطيطها وتسليم شهادة بذلك تفيد كل مواطن بأن موقعه مناسب لإعادة البناء خاصة فى مناطق المرابيع والكرياب، مشيراً إلى أن أتيام وزارة التخطيط بدأت فى هذه المهمة، وأقرَّ الخضر ضمنياً بالأخطاء التي صاحبت التصريف، وأعلن عدم موافقة حكومته على تشييد أي طريق في المستقبل ما لم يصاحبه برنامج معالجة التصريف.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق