الرئيسية » » تنفيذ مشروع صرف صحي بشرق السودان.. استجابة لرغبة المواطن أم المقاول؟!

تنفيذ مشروع صرف صحي بشرق السودان.. استجابة لرغبة المواطن أم المقاول؟!

Written By Admin on الثلاثاء، فبراير 12، 2013 | 2:21 م

محمد على أونور:

احياناً كثيرة ينتابنى احساس بان ادارة صندوق اعمار الشرق تتعمد ممارسة نوع من التخريب لاتفاقية سلام الشرق التى يصفها بسطاء البجا باتفاقية «الهايكشاب» و«الهايكشاب» باللغة البجاوية تعنى الازدراء او «المرمطة»، وربما جاء هذا الوصف بسبب ممارسات ادارة صندوق اعمار الشرق وتبديدها الاموال فى مشروعات لم يجدوا لها أثراً فى حياتهم، وليس هنالك ادل على ازدراء و «مرمطة » انسان الشرق الذى دفع ثمن الحرب منذ مطلع التسعينيات عندما كانت الجبهة الشرقية مسرحاً لنشاط حركات التمرد التى كان يضمها التجمع الوطنى الديمقراطى، والتى توصلت معظمها مع الحكومة لاتفاقيات سلام ذهب ريعها لمناطق اخرى بعضها انفصل عن الوطن، وليس هنالك ادل على ذلك سوى اصرار صندوق اعمار الشرق على تنفيذ مشروع شبكة صرف صحى بحواضر ولايات الشرق الثلاث كسلا والقضارف وبورتسودان بطول «45» كليومتراً بتكلفة «270» مليون دولار من اموال المانحين سينفذه صندوق إعمار الشرق العام المقبل، بحسب افادات سابقة لمدير الصندوق ابو عبيدة الدج لبرنامج المحطة الوسطى بقناة الشروق بتاريخ 22 ديسمبر الماضى، ردا على مداخلتى فى البرنامج حول هذا المشروع. 

وافادت مصادر مؤكدة أن الشركة التى اسند لها اعداد الدراسة قد اكملت الدراسة الخاصة بالمشروع وسلمتها لادارة الصندوق نظير مليار وثمانمائة جنيه بالقديم، والمشروع سينفذ بواقع «15» كيلومتراً لكل مدينة من المدن الثلاث، الامر الذى يشير إلى أن انبوب الصرف الصحى لن يتجاوز منطقة وسط المدن الثلاث التى تعانى شحاً فى مياه الشرب، وهذا فى حد ذاته يمثل خللاً فنياً قد يهدد استمرارية المشروع والاستفادة منه فى حال تنفيذه، بسبب عدم توفرالتيار المائى المطلوب لحمل النفايات الى الانبوب الرئيس، وسيعلن العطاء الخاص لهذا المشروع قريباً فى الصحف، وستتبع كافة الاجراءات القانونية حتى يرسو على احد المقاولين، ومع ذلك مهما اتبعت الاجراءات القانونية للشركة التى سيرسو عليها العطاء والتزمت الشركة بتنفيذه بالمواصفات الهندسية يعتبر تبنى صندوق اعمار الشرق لهذا المشروع تبديداً للاموال واهدارا لها، وذلك لانه لا يمثل اولوية لمواطنى المدن التى سيقام فيها المشروع، خاصة فى ظل الظروف الاقتصادية الراهنة، وكذلك لا يلبى الاحتياجات التنموية الملحة لإنسان الريف بشرق السودان الذى زادت الحرب معاناته جراء تفشى الفقر والمرض والجهل منذ الاستقلال، كما لا أعتقد ان هذا المشروع يمثل أولوية حتى لحكومات الولاية الشرقية ولاية كسلا التى باع واليها معظم اراضى مدينة كسلا من أجل الحصول على موارد لتوفير مرتبات المعلمين، كذلك ولاية القضارف التى استقال واليها السابق كرم الله عباس احتجاجاً على تردى الخدمات بالولاية، وايضا ولاية البحر الاحمر التى دخل واليها محمد طاهر إيلا فى خلافات مع وزير المالية بسبب تباطؤ الوزارة فى إصدار شيك الضمان لتنفيذ مشروع الخط الناقل لمياه النيل الى مدينة بورتسودان الذى مازال عالقاً، واعتقد ان الجهة الوحيدة التى ستستفيد من تنفيذ مشروع الصرف الصحى فى ظل الظروف الراهنة هى الشركات التى تسعى دائما للحصول على الاموال، ومن يدرى ربما المشروع سينفذ تلبيةً لرغبة مقاول بعينه يقبع فى الظلام مثل قط أمرد يتأهب للانقضاض على فريسته منذ تداول اللجنة التحضيرية مشروعات مؤتمر اعمار الشرق الذى عقد بالكويت نهاية 2010م.
وهو المؤتمر الذى حقق نجاحاً كبيراً على عكس التكهنات التى بنت توقعاتها على فشل المؤتمر بناءً على سوابق مماثلة لنتائج مؤتمرات المانحين لاعمار الجنوب ودارفور، بالاضافة الى انشغال الدول الخليجية حينها بإغاثة ضحايا كوارث الفيضانات فى باكستان، ولكن نجح مؤتمر اعمار الشرق بفضل رغبة دولة الكويت فى دعم ومساندة الشعب السودانى وتعزيز جهود السلام والتنمية فى السودان، ولم تكتف الكويت بالمساهمة بمبلغ «500» مليون دولار فى شكل منح وقروض دعما للمشروعات الخدمية والدعم الاجتماعى ومشروعات البنية التحتية بشرق السودان، بل تمكنت من حشد أكثر من «42» دولة و «30» منظمة دولية واقليمية و «78» منظمة مجتمع مدنى و «84» شركة للمشاركة فى المؤتمر، كما تحقق نجاح المؤتمر بفضل الجهود الكبيرة التى بذلها كل من مصطفى عثمان اسماعيل والدكتور مبارك مبروك سليم باختيارهما الموفق لدولة الكويت لاستضافة المؤتمر، ونشاط دكتور مصطفى الدبلوماسى الذى ساهم فى اقناع الدول والمنظمات الدولية مثل الامم المتحدة للمشاركة فى المؤتمر. 

ولكن المفارقة أن صندوق إعمار الشرق يخصص مبلغ «270» مليون دولار من جملة «500» مليون دولار التى اعلنت عنها دولة الكويت مساهمة من الصندوق الكويتى للتنمية، لتنفيذ مشروع صرف صحى بالولايات الشرقية، وصندوق اعمار الشرق بهذا التصرف يعمل على دس المحافير التنموية ويحاول سرقة البسمة والفرحة التى ارادت دولة الكويت وقيادتها الرشيدة رسمها على شفاه انسان الشرق البسيط، ويريد رسمها على شفاه القط الأمرد الذى ينتظر بفارغ الصبر إعلان العطاءات لكى يبدأ بعدها استخدام مهارته ونفوذه وعلاقاته العامة للظفر بـ «270» مليون دولار. 

ويحدث هذا ربما لغياب الرقابة من قبل مجلس ادارة الصندوق الذى يترأسه وزير المالية الاتحادى الذى سبق ان اوقف العمل بمطار الخرطوم الجديد بحجة أن هذا المشروع لا يمثل اولوية لوزارته فى ظل الاوضاع الاقتصادية التى تمر بها البلاد، وكذلك لغياب الدور الرقابى للشريك الآخر ممثلاً فى جبهة الشرق خاصة رئيس الجبهة الذى يتولى بنص الاتفاقية منصب الاشراف على الصندوق، واننى اجزم بأن مشروعاً مثل مشروع الصرف الصحى بهذه التكلفة لو عرض على السلطة الاقليمية لدارفور لما سمحت حركة العدالة والتحرير ورئيسها السيسى بتنفيذه، بل مجرد التداول حوله، ولكن ماذا نقول عن جبهة الشرق التى فشلت فى الحفاظ على المكاسب التى جاءت بها عبر الاتفاقية، كما فشلت فى استثمار الفرص التى توفرت لها داخلياً وخارجياً مثل مخرجات مؤتمر الكويت.. ورب الكعبة لو ان الفرص التى اتيحت لجبهة الشرق وجدتها رابطة طلاب الشرق بالجامعات لكان اداؤها افضل من الجبهة ورئيسها. 

ويعتبر تنفيذ مشروع صرف صحى بتكلفة «270» مليون دولار الذى لا يمثل اولوية حتى لسكان ولاية الخرطوم فى ظل الاوضاع الاقتصادية الراهنة، يعتبر سقطة سياسية واقتصادية كبيرة وهزيمة لاتفاقية سلام الشرق التى يصفها المؤتمر الوطنى بأنها نموذجية، لذلك نناشد النائب الاول لرئيس الجمهورية علي عثمان محمد طه الذى عندما يريد التعبير عن التزام الدولة بتنفيذ الاتفاقيات يستخدم عبارة «نحن ملتزمون اخلاقياً بتنفيذ الاتفاقية» فهو دائماً ما يضع كلمة «الأخلاق» قبل التنفيذ، لادراكه أن الالتزام الاخلاقى قيمة انسانية يجب ان يسبق الالتزام السياسى الذى ربما تمليه مواقف وتكتيكات سياسية وضغوط داخلية وخارجية، وان اى عمل يتم انجازه بدون اخلاق لا قيمة له، لذلك نناشد النائب الاول التدخل لايقاف تنفيذ هذا المشروع، وتحويل الاموال المرصودة له الى مشروعات المياه والصحة والتعليم، وتأهيل المشروعات الزراعية بشرق السودان، او الاستفادة منها فى تحريك ملف مشروع مد خط أنبوب للمياه من النيل الى بورتسودان، خاصة أن هذا المبلغ يمثل نصف تكلفة مشروع مياه بورتسودان.

الصحافة
شارك هذا المقال :

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

 
Support : Creating Website | Johny Template | Mas Template
copyright © 2011. سوداكون - All Rights Reserved
Template Created by Creating Website
Proudly powered by Blogger