يبدو أن مسلسل انهيار مشروع الجزيرة بسبب ضعف السياسات التي تمارس وتراجع معدل الإنتاج لم تنته حلقاته بعد، والتي تكشف كل يوم عن حلقات أكثر إثارة من قبل، ولعل الانهيار هذه المرة جاء بفقدان الأراضي الزراعية الخصبة بسبب مشكلة الري بالمشروعات الزارعية التي كانت بمثابة المهدِّد الأول لفشل الموسم الزراعي، ويحتل مشروع الجزيرة القائمة كأول مشروع يعاني من مشكلات الري بصورة دائمة في كل عام، مما يترتب عليه فقدان أغلبية الإنتاج بسبب موت المحصول إن لم يكن فشل الموسم برمته، وفي المقابل تذهب تصريحات ووعود المسؤولين والقائمين بأمر المشروع، أدراج الرياح في ظل واقع زراعي يحمل العديد من التحديات في طياته، بالرغم من الآليات المكونة أخيرًا لحل مشكلات الري بالمشروع، بالرغم من هبة وعطاء الطبيعة الزاخرة بموسم خريفي ناجح للقطاع الشمالي للمشروع باعتباره أكثر القطاعات تضررًا من العطش، والوقوف على حجم الضرر الناتج والسعي لمعرفة الأسباب الرئيسة وراء تكرار المشكلة.
ولعل تصريحات وزير البيئة عن وجود صحراء بوسط مشروع الجزيرة نتاج نقص المياه تحمل في جعبتها الكثير من المحاذير إن لم يكن موت المشروع بأكمله لا سيما أن المنطقة المحددة هي وسط المشروع أي القسم الشمالي للمشروع الذي يمثل العمود الفقري لما يمتاز به من أراضي خصبة وإنتاجية عالية. ويرجح مراقبون في مجال الري أن التدهور في أداء البنية التحتية للرّي والتدنّي التدريجي في الإنتاج منذ بداية السبعينيات من القرن الماضي. مستندين إلى كثرة تكوين اللجان وفي الفترات التاريخية المختلفة التي كانت دليلاً على إحساس الحكومات المتعاقبة والقائمين على أمر مشروع الجزيرة بخطورة الوضع الذي يواجهه المشروع. إضافة إلى أن عمليات صيانة قنوات الرّي، والتي تمتد لأكثر من ألفٍ وخمسمائة كيلومتر، كانت ضعيفة ودون التحدي الذي كانت ومازالت تفرضه مشكلة الطمي الوارد من الهضبة الإثيوبية وبكميات كبيرة. وقليلاً قليلاً بدأ الطمي يتراكم في القنوات المختلفة مما أدى إلى البطء، أو حتى التوقف لتدفقات مياه الرّي وتبخّر وتسرّب جزءٍ كبيرٍ منها. وأدّى تراكم الطمي إلى نموٍ غزيرٍ للحشائش في القنوات نفسها، وهذا بدوره أثّر على أداء تلك القنوات، وأدّى في النهاية إلى ضعفٍ متواصلٍ في أدائها في عملية الرّي، في وقت ظلت فيه وزارة الزراعة تنادي بضرورة صيانة القنوات الأمر الذي حتم وقف وزيرها بالقيام بالإشراف على عمليات النظافة. أثّر تراكم الطمي أيضاً على أداء خزاني سنار والروصيرص، حيث فقدا نصف طاقتيهما التخزينية بسبب تراكم الطمي عبر السنين. ولعل ما أشار إليه مدير المشروع حول الأثر السلبي لاحتدام التنافس على استغلال مياه خزان الروصيرص بين الاستعمالات لأغراض الرّي، والاستعمالات لأجل توليد الطاقة الكهربائية، إذ أن الخزان لم يكن، في الأصل، مصصماً لأداء المهمتين معاً كان عاملاً أساسياً في تحول أراضي المشروع من إنتاجية إلى بوار.
مدير مشروع الجزيرة المهندس عثمان سمساعة أكد عدم وجود أراضي صحراوية وسط المشروع، ورجح أن المقصود من الصحراء هضبة المناقل التي وصفها بأنها عالية ولا تروى رياً إنسيابياً. وأضاف لم يتم تخطيطها من ضمن الدورة الزراعية منذ قيام المشروع، مبيناً لدى حديثه لـ«الإنتباهة» إلى أن بقية الأراضي تعتبر حواشات وحقولاً وقرى لمزارعين وغابات شعبية وغابات تابعة لاتحاد مزارعي الجزيرة والمناقل. ونفى وجود مشلكة ري في المشروع بعد تعلية خزان الروصيرص، لافتاً إلى أنه تم تأمين كامل لكل المشروع خاصة لمحاصيل العروة الشتوية، هذا الموسم بجانب البداية المبكرة للعروة الصيفية في مايو القادم.
المنسق القومي لمكافحة اتفاقية التصحر ومدير عام الموارد الطبيعية بوزارة الزراعة والري بولاية الجزيرة الأساتذة محاسن بلة أكدت أن تدهور التربة يحدث بواسطة المبيدات الكيماوية الكثيرة بجانب نقص الغذاء في التربة والجفاف ونقص المياه والأمطار إضافة إلى الرمال الزاحفة، وأضافت أن الزراعة المتكررة للمحاصيل تحدث استنزافاً لغذاء التربة، إضافة إلى تراكم الأملاح. واستبعدت تحول أرض مشروع الجزيرة إلى صحراء بين ليلة وضحاها لجهة أنها تربة صالحة للزراعة. وأبانت أنه يمكن أن يكون التصحر مؤقتاً، وذلك بعلاج التربة من الأملاح عبر زراعة نباتات قادرة على تحمل الملوحة.
الإنتباهة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق