د. رشود الخريف* - الإقتصادية:
لا يُعير المجتمع (بمكوناته ومؤسساته) أي اعتبار لمسألة ''السلامة'' بدرجة لافتة للنظر، سواء كانت سلامة الأطفال في أثناء اللعب، أو السلامة المرورية، أو سلامة العمال في البناء والإنشاء أو في المصانع وغيرها، علاوة على سلامة الغذاء من التسمم. وهنا يبرز التساؤل: هل اللامبالاة وعدم الاكتراث بأصول السلامة مسألة ثقافية؟ أم إهمال وعدم اهتمام بأصول السلامة؟ أو ناتج من عدم وعي الجهات المسؤولة بضرورة الالتزام بتطبيق إجراءات السلامة؟ أم إنها مسألة تربوية ينبغي الالتفات إليها؟.
وموضوع السلامة ليس غريبًا على ديننا الحنيف، بل يحث عليها ويؤكدها، ويتجلى ذلك في دعوة الإسلام لأخذ الحيطة والحذر طلبًا للسلامة. فيقول عز من قائل: (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) (البقرة: 195)، ويقول الرسول، عليه الصلاة والسلام: «غطُّوا الإناء، وأوكئوا السِقَاء، وأغلقوا الباب، وأطفئوا السراج) رواه مسلم. وفي الحديث كذلك قوله، عليه الصلاة والسلام: (لا تتركوا النار في بيوتكم حين تنامون). ولما احترق بيت في المدينة على أهله ليلاً، وعرف النبي بذلك قال: (إن هذه النار عدوٌ لكم، فإذا نمتم فأطفئوها» رواه البخاري ومسلم. ولما حلّ الطاعون في بلاد المسلمين، أمر عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، بالخروج منها، فقيل: كيف نفرّ من قدر الله، فأجاب: ''نفر من قدر الله إلى قدر الله''.
وفي مجتمعنا أمثلة كثيرة لانتهاك أنظمة السلامة ومتطلباتها. كثيرًا ما أرى أبًا (حنونَا) يضع طفله أو طفلته بينه وبين مقود السيارة من باب ''التدليع الزائد''، ويكون الطفل أول الضحايا لاستخدام الكوابح لأي ظرف طارئ. ومن الغريب أن الدوريات المرورية لا تلتفت إلى مثل هذه المخالفات (غير الإنسانية)، وللمقارنة فقد استوقفتني دورية مرور في الولايات المتحدة الأمريكية لوجود أحد أطفالي واقفًا في المقعد الخلفي دون حزام أو كرسي خاص بالأطفال!
في يوم مضى ذهبت إلى ورشة ''موبيليا وزجاج'' لحاجة معينة، فوجدت عمال الزجاج يشكلون الزجاج بأجهزتهم وتتطاير نشارة الزجاج في أرجاء الورشة دون استخدام كمامات تمنع دخول النشارة أو قطع الزجاج الصغيرة إلى أجهزتهم التنفسية، وكذلك الحال بالنسبة إلى العمال في ورش دهانات السيارات التي تفتقر لتطبيق إجراءات السلامة. ويروي لي أحد الأصدقاء، بأنه كان حاضرًا عندما كان أحد العمال يقوم بأعمال اللحام في سقف أحد المصانع وعلى الأرضية تتراكم أكياس ''فحم'' قابلة للاحتراق، فقال له: أحد الزبائن.. ''انتبه سيشتعل المصنع''، فرد العامل: ''لا يهمك، أنا المسؤول''، ولم يمض إلا دقائق حتى اشتعل المصنع واحترق بالكامل.
في مجال الزراعة، يعاني العامل أضرار استخدام المبيدات دون تطبيق إجراءات السلامة وكذلك يعاني المستهلك للخضراوات من الإفراط في استخدام المبيدات وتسويقها في فترة ''تحريم'' قطفها، ولا يوجد أي نوع من المتابعة أو المراقبة على هذه السلوكيات التي تعرّض صحة العمال والمستهلكين لخطر الإصابة بالأمراض.
لا يقل عن ذلك أهمية عدم مراعاة أصول السلامة ومتطلباتها في تصميم بعض المؤسسات التجارية والمباني العامة وصالات الأفراح والمناسبات والمطاعم؛ ما يجعل مستخدمي هذه المباني عرضة لكثير من الحوادث التي لا تكاد تخلو منها صفحات الجرائد كل يوم.
وفي مجال آخر، كثير من الشركات تشق الطرق وتقوم بالأشغال و''الحفريات'' لتنفيذ مشروعات خدمات عامة أو صيانة طرق دون اعتبار للسلامة المرورية عمومًا، وسلامة المارة ومستخدمي الطريق خصوصًا؛ ما يؤدي إلى كثير من الحوادث وإزهاق الأرواح والإصابات، دون محاسبة لهذه الشركات أو إجبار لها لتعويض المتضررين.
ختامًا، لا شك في أن كثيرًا من إجراءات السلامة موجودة، وبعض الأنظمة ربما معتمدة، ولكن هناك غيابًا (شبه كامل) للمراقبة والتأكد من اللا التزام بالإجراءات الضرورية، ويضاف إلى ذلك تدني الوعي بأصول السلامة ومتطلباتها وإجراءات المحافظة عليها بين الناس والعمال والمسؤولين على حد سواء. لا بد من غرس أصول السلامة ومبادئها في أبنائنا من خلال المنزل والمدرسة من جهة، وإيجاد أجهزة قادرة على إلزام الشركات والمؤسسات بتطبيق إجراءات السلامة في إنشاءاتها وأعمالها وأنشطتها من جهة أخرى.
* د. رشود الخريف
جامعة الملك سعود
لا يُعير المجتمع (بمكوناته ومؤسساته) أي اعتبار لمسألة ''السلامة'' بدرجة لافتة للنظر، سواء كانت سلامة الأطفال في أثناء اللعب، أو السلامة المرورية، أو سلامة العمال في البناء والإنشاء أو في المصانع وغيرها، علاوة على سلامة الغذاء من التسمم. وهنا يبرز التساؤل: هل اللامبالاة وعدم الاكتراث بأصول السلامة مسألة ثقافية؟ أم إهمال وعدم اهتمام بأصول السلامة؟ أو ناتج من عدم وعي الجهات المسؤولة بضرورة الالتزام بتطبيق إجراءات السلامة؟ أم إنها مسألة تربوية ينبغي الالتفات إليها؟.
وموضوع السلامة ليس غريبًا على ديننا الحنيف، بل يحث عليها ويؤكدها، ويتجلى ذلك في دعوة الإسلام لأخذ الحيطة والحذر طلبًا للسلامة. فيقول عز من قائل: (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) (البقرة: 195)، ويقول الرسول، عليه الصلاة والسلام: «غطُّوا الإناء، وأوكئوا السِقَاء، وأغلقوا الباب، وأطفئوا السراج) رواه مسلم. وفي الحديث كذلك قوله، عليه الصلاة والسلام: (لا تتركوا النار في بيوتكم حين تنامون). ولما احترق بيت في المدينة على أهله ليلاً، وعرف النبي بذلك قال: (إن هذه النار عدوٌ لكم، فإذا نمتم فأطفئوها» رواه البخاري ومسلم. ولما حلّ الطاعون في بلاد المسلمين، أمر عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، بالخروج منها، فقيل: كيف نفرّ من قدر الله، فأجاب: ''نفر من قدر الله إلى قدر الله''.
وفي مجتمعنا أمثلة كثيرة لانتهاك أنظمة السلامة ومتطلباتها. كثيرًا ما أرى أبًا (حنونَا) يضع طفله أو طفلته بينه وبين مقود السيارة من باب ''التدليع الزائد''، ويكون الطفل أول الضحايا لاستخدام الكوابح لأي ظرف طارئ. ومن الغريب أن الدوريات المرورية لا تلتفت إلى مثل هذه المخالفات (غير الإنسانية)، وللمقارنة فقد استوقفتني دورية مرور في الولايات المتحدة الأمريكية لوجود أحد أطفالي واقفًا في المقعد الخلفي دون حزام أو كرسي خاص بالأطفال!
في يوم مضى ذهبت إلى ورشة ''موبيليا وزجاج'' لحاجة معينة، فوجدت عمال الزجاج يشكلون الزجاج بأجهزتهم وتتطاير نشارة الزجاج في أرجاء الورشة دون استخدام كمامات تمنع دخول النشارة أو قطع الزجاج الصغيرة إلى أجهزتهم التنفسية، وكذلك الحال بالنسبة إلى العمال في ورش دهانات السيارات التي تفتقر لتطبيق إجراءات السلامة. ويروي لي أحد الأصدقاء، بأنه كان حاضرًا عندما كان أحد العمال يقوم بأعمال اللحام في سقف أحد المصانع وعلى الأرضية تتراكم أكياس ''فحم'' قابلة للاحتراق، فقال له: أحد الزبائن.. ''انتبه سيشتعل المصنع''، فرد العامل: ''لا يهمك، أنا المسؤول''، ولم يمض إلا دقائق حتى اشتعل المصنع واحترق بالكامل.
في مجال الزراعة، يعاني العامل أضرار استخدام المبيدات دون تطبيق إجراءات السلامة وكذلك يعاني المستهلك للخضراوات من الإفراط في استخدام المبيدات وتسويقها في فترة ''تحريم'' قطفها، ولا يوجد أي نوع من المتابعة أو المراقبة على هذه السلوكيات التي تعرّض صحة العمال والمستهلكين لخطر الإصابة بالأمراض.
لا يقل عن ذلك أهمية عدم مراعاة أصول السلامة ومتطلباتها في تصميم بعض المؤسسات التجارية والمباني العامة وصالات الأفراح والمناسبات والمطاعم؛ ما يجعل مستخدمي هذه المباني عرضة لكثير من الحوادث التي لا تكاد تخلو منها صفحات الجرائد كل يوم.
وفي مجال آخر، كثير من الشركات تشق الطرق وتقوم بالأشغال و''الحفريات'' لتنفيذ مشروعات خدمات عامة أو صيانة طرق دون اعتبار للسلامة المرورية عمومًا، وسلامة المارة ومستخدمي الطريق خصوصًا؛ ما يؤدي إلى كثير من الحوادث وإزهاق الأرواح والإصابات، دون محاسبة لهذه الشركات أو إجبار لها لتعويض المتضررين.
ختامًا، لا شك في أن كثيرًا من إجراءات السلامة موجودة، وبعض الأنظمة ربما معتمدة، ولكن هناك غيابًا (شبه كامل) للمراقبة والتأكد من اللا التزام بالإجراءات الضرورية، ويضاف إلى ذلك تدني الوعي بأصول السلامة ومتطلباتها وإجراءات المحافظة عليها بين الناس والعمال والمسؤولين على حد سواء. لا بد من غرس أصول السلامة ومبادئها في أبنائنا من خلال المنزل والمدرسة من جهة، وإيجاد أجهزة قادرة على إلزام الشركات والمؤسسات بتطبيق إجراءات السلامة في إنشاءاتها وأعمالها وأنشطتها من جهة أخرى.
* د. رشود الخريف
جامعة الملك سعود
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق