أكثر من (30) ألف نسمة من مواطني الكريمت بمحلية المناقل بالجزيرة تتصاعد أناتهم يرفعون الأكف ضراعة لله الواهب العطاي من أجل شربة ماء صالح للاستخدام الآدمي بحت أصواتهم وحفيت أقدامهم على بوابات السلطان.. ولكن السلطان لا يستجيب فهو منكفي على ذاته السلطانية يدير شؤون الناس بما لا تهوى نفوسهم.. فالماء هنا عزيز المنال فالجيوب المفقرة لا تتحمل المزيد من الأعباء أو الفواتير الباهظة.. والماء الذي يعتمد عليه هؤلاء المواطنون الآن ليس ماءً طبيعيًا فهو ماء له لون وطعم ورائحة.. والمواطنون هناك يطفون عطشهم بماء مريض فتك باحشاء المئات من مواطني المنطقة وشل قدراتهم بسبب أمراض البلهارسيا والنزيف المعوي والماء هنا تسلك طريقها من (الترعة) إلى البطون مباشرة بلا وسيط أو أدنى معالجات.
وعلى ذمة الدراسات التي أجراها المركز القومي للسرطان بجامعة الجزيرة مؤخرًا فإن منطقة الكريمت هي أكثر المناطق تأثرًا وإصابة بمرض النزيف المعوي وأن نسبة تليف الكبد المتقدم بلغت (44%) من جملة العينات المأخوذة للبحث.
والمحزن حقًا أن السلطات الصحية بالولاية والمحلية لا تبالي ولا تحرك ساكنًا تأخذ من المواطن حقوقها غير منقوصة ولكنها لا تعطي.. حكومات محلية تنشط في الجباية وجمع المال أكثر مما تهتم بمعاش المواطن وصحته وخدماته لماذا لا تُسأل أو تحاسب هذه الجهات الفاشلة والعاجزة عن أداء مسؤولياتها الحقيقية تجاه المواطن.. وإلى متى يظل هذا الواقع المؤلم ينخر في جسد هذه الكتل البشرية؟ لم نسمع بأن هناك مبادرة أو تحرك رسمي لتلافي هذا الخطر الذي بات يتمدد وبشكل مخيف داخل الأسر.. ومن غير العدل أن تغفل حكومة الولاية عن مسؤولياتها وهي ترى بكامل عقلها ووعيها أن المواطنين يموتون بالبطي بسبب الماء غير الصالح للشرب.. والدراسات تتحدث عن مليار ونصف المليار لاقتلاع هذه الأزمة من جذورها عبر (محطة الكريمت) المشروع الحلم الذي ينتظره عموم أهل المنطقة
وتبقى الأسئلة حائرة تبحث عن إجابات منطقية.. أين المشروعات الإستراتيجية للمياه؟ وأين وزارة الصحة الولائية ثم أين برامجها الإسعافية لمواجهة ظاهرة اتساع قاعدة الإصابة بمرض النزيف المعوي ليس في الكريمت فحسب وإنما في كل منطقة غرب الجزيرة؟ لماذا لا تُطرح هذه القضية على مستوى المجلس التشريعي بولاية الجزيرة؟ وأين الذين حملوا أمانة التمثيل النيابي على المستوى الاتحادي والولائي لماذا لا نسمع لهم صوتًا.. سنحاول فتح هذا الملف بكل أحزانه وأمراضه فالفاشلون والساقطون في امتحان الحق العام يتوارون الآن خلف الأستار يخشون الأضواء وكشف الحال