التقرير المثير الذي نُشر في هذه الصحيفة عن مواقف الحافلات بالعاصمة، عمل صحفي كبير وجيد يكشف عن فساد كبير ومنظم في وضح النهار!!
وقد بذلت الصحفية التي صاغته جهداً عظيماً واحترافية تستحق الإشادة والتقدير، فقد قدَّمت عملاً احترافياً كبيراً!! دائماً ما كانت مواقف الحافلات في الخرطوم سبباً مباشراً في ازدحام المواطنين والشوارع واضطراب حركة المرور داخلها!!
وأكبر خطأ ارتكبته السلطات هو تخصيص مواقف للحافلات وسط المدن، فلو نظرنا إلى عواصم ومدن الدول الأخرى لما وجدنا هذه المواقف في وسطها، حيث إن وسائل المواصلات العامة من بصات وحافلات وترولي وباص وترام ومترو تنقل الركاب بطريقة دائرية لا تقف فيها هذه الوسائل في وسط المدينة وفقط تتجمع في المحطات النهائية في أطرافها!!
أما داخل المدن الكبرى فإن هناك محطات معينة تمر بها الحافلات وتتوقف لمدة أقصاها خمس دقائق تُقل فيها الراكبين!! وجود مواقف للحافلات في وسط المدينة بجانب أنه يخلق ازدحماً، فإنه يخلق فوضى في سير هذه الحافلات، فالحافلة غير ملزمة بخط سير معين، فالحافلات في خط الصحافة مثلاً تجدها في خطوط أخرى غير تلك المخصصة لها!!
ثم إن هناك مركزية صارخة للمواصلات في ولاية الخرطوم، فالراكب الذي يريد الذهاب إلى سوبا من أركويت يجب عليه الذهاب إلى وسط الخرطوم ليصل إلى سوبا، في حين أن الزمن الذي يستغرقه في الوصول إلى الخرطوم، يمكِّنه من الوصول إلى سوبا من أركويت إذا كانت هناك وسيلة تنقله رأساً!!
وأعتقد أن الفوضى التي تعم مواقف المواصلات سببها فوضى التنظيم التي تسود المواصلات في جميع المناحي، والفوضى هي أكبر مرعى للفساد!! لماذا تعتمد الدولة على نوع واحد من وسائل نقل المواطنين وهي الحافلات، لماذا لا يستخدم الترام كوسيلة نقل أساسية فهو ينقل ما تنقله عشر حافلات دفعة واحدة، كما أنه وسيلة النقل الأقل تكلفة بالنسبة للمواطن!!
وقد هالني ذلك العدد المهول للحافلات والذي بلغ ثمانية وأربعين ألف حافلة توقف منها عشرة آلاف فأصبحت ثمانية وثلاثوين ألفاً، لو حسبنا صرف الوقود اليومي لهذه الحافلات لوجدنا رقماً مهولاً من كميات الوقود يمكن توفير أكثر من نصفها إذا استخدمنا وسائل بديلة كالترام والترولي باص اللذين يعملان بالكهرباء!!
عدم وجود دراسات تطبيقية تحدد عدد الحافلات التي يجب أن تعمل في الخطوط سبب آخر وهام في اضطراب أزمة المواصلات!!
عدم إلزام الحافلة بالوقوف زمناً محدداً هو أيضاً سبب من أسباب الأزمة، فالحافلة لا تتحرك إلا بعد أن يكتمل عدد الركاب فيها من نقطة البداية، ويقف المواطنون في الشارع وتأتي الحافلات كاملة العدد فيضطرون إلى الذهاب أيضاً إلى الموقف الرئيسي الذي يزدحم بالركاب وهذا أيضاً يعرقل السير ويعطل الطرقات التي تمر بجانب الموقف!!
هل لدى الولاية فكرة ــ مجرد فكرة ــ عن احتياجات الخطوط لعدد معين من الحافلات؟!!
لا أعتقد، والأرقام الفلكية تدل على ذلك، فعندما كان هناك ثمانية واربعون ألف حافلة في العام 2008م كانت هناك أزمة وزحمة في الشوارع، وقد تقلصت إلى حوالى 75% وأيضاً ظلت الأزمة تراوح مكانها، مما يعني أن الولاية لا تملك أدنى فكرة عن تنظيم وسائل النقل العامة بطريقة علمية وعملية!!
هل لدى الولاية دراسة عن كم عدد من يتحرك يومياً من الخرطوم وإليها من المواطنين سواء من أحياء الخرطوم أو من أم درمان وبحري وكم من هؤلاء يستخدم المواصلات العامة وكم منهم من يستخدم وسائله الخاصة؟؟
أقطع يدي الاثنين إن كانت هذه المعلومة لدى الولاية، ولو كان الأمر كذلك لما احتاجت الولاية لهدم أضخم وسائل النقل في السودان بل وفي العالم وأعني بذلك السكة حديد التي حولتها الولاية لموقف مواصلات!!
ورغم ذلك زادت الأزمة استفحالاً، والأمر الوحيد الذي حدث أن تم تجميع المواطنين في مكان واحد الأمر الذي سهل للنشالين وأصحاب الغرض والممارسات اللا أخلاقية، أما الأمر الذي لم تفطن له الولاية وهي المسؤولة عن الأمن فيها أن تلك التجمعات تمثل مسرحاً خصباً للمظاهرات الفوضوية والتي تهدد الأمن تهديداً مباشراً!!
تلك المليارات التي تُجمع شهرياً من الحافلات ولا تجد الحافلات الخدمات اللازمة في المقابل تجعل أصحاب الحافلات يلجأون إلى و سائل أخرى وهذا ما أثر في الأزمة، فالمواطن يذهب إلى الموقف ولكن الحافلات لا تأتي بل ربما لا تكمل مشوارها إلى المحطة النهائية وتعود من منتصف الطريق عندما تفرغ من ركابها فلا تصل إلى محطة النهاية وترجع قافلة إلى الخرطوم وتقل من يقفون في المحطات، هذه الملاحظة لاحظتها في موقف الشرقي حيث ترجع الحافلة من الشرقي إلى الخرطوم والمواطنون في انتظارها في محطة النهاية!!
لذ نجد المواطنين ينتظرون في المحطات النهائية بينما تنقل الحافلات الركاب الواقفين فيما بينهما، وأصبح عادياً أن تجد كمساري الحافلة في شارع جانبي ينادي الركاب بينما يقف المواطن في الموقف في انتظارها!!
على الولاية استخدام العلم لحل أزمة المواصلات والدراسات العلمية هي الوسيلة الناجعة لحل الأزمة، وهي التي تحدد لنا أي الوسائل أنجع، وتحدد لنا كذلك العدد الذي يمكن ترخيصه من حافلات، واستخدام وسائل أخرى كالترام والترولي باص الأمر الذي يقلص كثيراً من الازدحام في الشوارع ويسهل حركة المرور!!
وأيضاً توضح الدراسات العلمية وسائل النقل التي يمكن أن تحل الأزمة بدلاً من الاعتماد على نوعية واحدة، ولن يحل الإشكالية الدفع بالأمجاد والركشات في الشوارع بل إن هذا يفاقم الأزمة، فكثرة الحافلات وقلتها يخلقان الأزمة وسوء التخطيط قاد إلى تدمير السكة حديد عصب الاقتصاد الوطني ورغم ذلك لم يحل أزمة المواصلات بل عكس بجانب الأزمة أزمات أُخر وهي أزمات أمنية وأخلاقية بجانب الازدحام في شوارع العاصمة!!