يعرض البائعون ملابس الأطفال الإيطالية الراقية في صالة عرض ضخمة بينما يقدم عاملون المشروبات والقهوة في مقاهي فاخرة وينتشر جيش من عمال النظافة لتنظيف الأرضيات في مركز الواحة للتسوق الجديد بالخرطوم.. عالم مختلف تماما عن بقية السودان.
لكن هناك مشكلة واحدة فقط.. المركز التجاري خال من الزوار تقريبا.
يقول كمال الدين مدير متجر أثاث صيني بالطابق الأول "لم يدخل لي عميل واحد في العشرة أيام الماضية."
وأضاف لرويترز بينما يجلس في مكتبه الزجاجي الكبير يحسب خسائره على آلة حاسبة "إن استمر الوضع هكذا خمسة أشهر آخرى سنغلق النشاط."
ويعيش السودان تحت وطأة صراع عرقي وفقر وعقوبات أمريكية بسبب أوضاع حقوق الإنسان به لذلك لم يكن قط من الأماكن الجاذبة للاعمال.
لكن تم وضع خطط طموحة بدعم من مستثمرين خليجيين مع بداية التسارع الاقتصادي بفضل إيرادات النفط بعد توقيع الحكومة اتفاقية سلام مع متمردي الجنوب عام 2005.
وفتحت فنادق جديدة مثل روتانا السعودي ومحال راقية مثل أديداس وبوما الألمانيين للأدوات الرياضية أبوابها في الخرطوم تلك المدينة الفقيرة التي حظيت بقليل من التنمية منذ استقلالها عن بريطانيا عام 1956.
ولكن تبددت الآمال في تحقق نمو اقتصادي في السودان بعد انفصال الجنوب في يوليو تموز 2011 حين تفاقمت التوترات مع جوبا هذا العام. وبسبب عدم الاتفاق على رسوم لتصدير النفط عبر خط الأنابيب الشمالي أغلقت دولة جنوب السودان الحبيسة آبار النفط التابعة لها في يناير كانون الثاني ما أزم اقتصاد البلدين.
وارتفع معدل التضخم السنوي إلى 45 في المئة في اكتوبر تشرين الأول بعد انهيار الجنيه نتيجة خسارة النفط الذي كان المصدر الرئيسي لإيرادات الدولة وكان يدر الدولارات المطلوبة لاستيراد الغذاء.
وارتفعت أسعار السلع المستوردة بشكل كبير مما جعل حتى الأثرياء يحجمون عن شرائها.
وكان بنك الخرطوم المملوك لمستثمرين خليجيين مثل مصرف دبي الإسلامي ومالك حصة الأغلبية في المركز يأمل في نقل تجربة مراكز التسوق وخدمات رجال الأعمال البراقة الناجحة من دبي والقاهرة.
وحضر الرئيس السوداني عمر البشير حفل افتتاح المركز في الأول من يوليو تموز الموافق للذكرى الثالثة والعشرين للانقلاب العسكري الذي قام به البشير عام 1989.
ويقول بنك الخرطوم إن نسبة إشغال المبنى الممتد على مساحة 17 ألف متر مربع تبلغ نحو 35 في المئة.
وتنتشر لافتات مكتوب عليها "الافتتاح قريبا" في أنحاء المكان. ولا يزال برج محجوز لإقامة فندق فاخر على سطح المركز خاليا شأنه شأن البرج المخصص للشركات. ورغم ذلك يصر ملاك المركز على أنهم وقعوا عقود إيجار.
وبما أن إيجار المتر المربع الواحد يتكلف 15 دولارا أصبحت الأسعار في العدد القليل من المحال المفتوحة ومعظمها محال ملابس أجنبية تتضمن زيادة سعرية شديدة الارتفاع وبالتالي أعلى من مقدرة معظم السودانيين.
ويرى كمال الدين وهو مسلم صيني أخذ هذا الاسم العربي حين وصل السودان لدراسة الشريعة قبل عامين أن رواد متجره للأثاث الصيني هم طلاب من جامعة مجاورة يأتون للمكان لمشاهدة الآرائك والأسرة والكراسي التي تتراوح أسعارها بين سبعة آلاف و60 ألف جنيه سوداني (1100 و10 آلاف دولار).
ويقول "بالنسبة لهم هذا المكان مثل المتحف."
وتزور المحل أعداد كبيرة مما دفع الرجل إلى تعليق لافتة عند المدخل تدعو لعدم إدخال الأطعمة والمشروبات وتجنب السير على البساط.
وقال إبراهيم عادل وهو شاب جلس يتناول عصير البرتقال بأحد المقاهي الفاخرة في المركز "هذا مكان جميل فعلا وجديد. لكنه غال جدا."
وأضاف "دخلت الهايبر ماركت في الطابق السفلي لأن أسعاره أرخص من أماكن أخرى. ولم أتسوق في مكان آخر."
وتنتعش حركة البيع خارج الباب الرئيسي للمركز حيث تنتشر عشرات المحال الصغيرة أسفل مجموعة بيوت مزدحمة بنيت في عهد الاستعمار البريطاني.
وقال محمود يحيى مدير محل ملابس صغير يقع في غرفة واحدة مكدسة وغير مكيفة "زاد عدد المتسوقين لدينا منذ افتتاح المركز لأن الناس تذهب لهناك فقط لتشاهد الماركات الأجنبية الغالية."
وأضاف "هناك يأخذون فكرة عن اتجاهات الموضة ثم يأتون إلينا لشراء نسخ صينية مقلدة سعرها أرخص بكثير" قالها وهو يضحك مشيرا إلى مجموعة من القمصان والسراويل والبدل التي تحمل أسماء ماركات أجنبية ومكتوب عليها "صنع في الصين."
وقالت ربة منزل كانت تبحث عن قصمان منخفضة التكلفة في محل مجاور "مركز الواحة أسعاره مرتفعة جدا جدا."
ويأمل بنك الخرطوم أن يستقر الاقتصاد بعد اتفاق الخرطوم وجوبا في سبتمبر أيلول على استئناف صادرات النفط خلال شهور. وقرر المساهمون الخليجيون رفع رأسمال البنك إلى ثلاثة أمثاله للتوسع في السودان.
وحسب شركة مرجان المشغلة للمركز فإن البنك وهو أقدم بنوك السودان يمتلك 60 في المئة في المركز وللحكومة النسبة الباقية. وتكلف إنشاء المركز نحو 200 مليون دولار.
وقال خليل محسن المدير العام للمركز وهو فلسطيني عمل عدة سنوات في الخليج والأردن في تطوير مراكز التسوق- إنه متفائل.
وأكد أن المركز يزوره سبعة آلاف عميل يوميا وذلك رغم أن العدد القليل الموجود بالمركز يبدو من الطلاب والشباب. وتبدو ساحة صف السيارات في الطابق السفلي والتي تتسع لستمائة سيارة شبه مهجورة.
وأضاف "حين فتحنا المركز كانت القوة الشرائية في أقل مستوياتها" ولفت إلى أنه تم توقيع عقود تأجير 60 في المئة من مساحات المركز حتى الآن.
واستدرك قائلا "لكن الأمور تسير وفق خطتنا. معدل الإشغال سيصل إلى 80 في المئة نهاية العام المقبل."
وقال محسن إن التحديات ليست اقتصادية فقط وإنما مفهوم مركز التسوق الذي يبيع سلعا عالية الجودة بأسعار ثابتة جديد على كثير من السودانيين الذين اعتادوا التفاوض على الأسعار مع الباعة في اقتصاد مغرق بالمنتجات الآسيوية الرخيصة.
وكان عليه أن يقنع البائعين بفتح المحال أيام الجمعة إذ يكون لدى العائلات وقت للتسوق وتكون وجهات العاصمة مغلقة.
وقال "نحتاج إلى رفع وعي العملاء والمستأجرين ونقدم لهم أفكارا جديدة."
وأغلق رجال الأعمال السوداني حسن الحديري محلا لبيع الزهور في الخرطوم العام الماضي لأسباب مشابهة ومحلات بيع الزهور نادرة في السودان.
وقال "الناس هنا تشتري الورود في عيد الحب وعيد الأم فحسب."
وفتح الرجل محل ملابس في حي الرياض الراقي وفيه يبيع بضائع صينية مقلدة للماركات الغربية مثل بيير كاردان بدرجة جودة أفضل من المنتجات منخفضة التكلفة التي تباع أمام مركز الواحة.
ويتراوح سعر القميص بين 80 و120 جنيها لديه وهذا أرخص بكثير من مركز الواحة. لكن المحل خال من الزوار أيضا ويتساءل صاحبه إلى أي مدى يستطيع البقاء.
وقال الحديري "العام الماضي كان لدينا نشاط جيد. لكن إذا لم يتحسن الوضع في الأشهر الخمسة المقبلة قد يكون غلق النشاط أفضل."
(إعداد أحمد لطفي للنشرة العربية - تحرير لبنى صبري)
من أولف ليسنج
http://ara.reuters.com/article/businessNews/idARACAE8B50AB20121206?pageNumber=4&virtualBrandChannel=0&sp=true