د.عبد اللطيف سعيد
حرّكنى للكتابة فى هذا الموضوع أحد جيراني الشباب الذين تطورت تجارتهم بشكل كبير فى وقت وجيز فى أمانة وسلامة، فسألته عن عقار بذل فيه مالاً وجهداً ثم عرضه للبيع وراجعته فى إبقائه ليؤجره ويستفيد من ايجاره، فضحك وقال: كيف ابنى مبنى بمليار لأجره بأربعة ملايين فى الشهر؟ هذه خسارة وتجميد لرأس المال، ثم قال إنه يبيعه الآن ويستفيد فائدة كبيرة وينتقل إلى غيره وهكذا، ليس ذلك فحسب، بل إن هذا الشاب الغني المتصرف يسكن إلى الآن فى منزل مؤجر ولا يملك بيتاً خاصاً به.
ويبدو أن نظرية تدوير المال هى التى جعلته لا يفكر فى امتلاك منزل لسكناه.
ويبدو أن نظرية تدوير المال هى التى جعلته لا يفكر فى امتلاك منزل لسكناه.
وتذكرت مقالة قالها لى صديق أكاديمي قبل عشرين سنة تقريباً زعم أنها مثل انجليزي وهى «المغفلون يبنون البيوت بينما يسكنها الأذكياء» Fools build houses, intelligent ones live in them
وصديقي الأكاديمي هذا ذهب منذ ذلك الوقت إلى جامعة فى الأردن، ثم دخل بعد ذلك جامعات الخليج، ولا بد أنه الآن قد أصبح غنياً جداً.. فهل ما يزال يصر على مثله الانجليزى أعلاه؟ أم فعل كما فعل أحد زملائنا المحظوظين الذى امتلك من جراء عمله بالخارج تسعة منازل بالخرطوم؟
قال لى أحد أقربائى إنه يعرف أحد التجار الذين أغتنوا غنى شديداً بسبب فكرة بسيطة وهى: إنه لا يسجن نفسه فى حب منزل أو عقار أو مزرعة أو عربة، وكل أولئك عنده عبارة عن سلع متى ما أحرزت ربحاً باعها بما فى ذلك بيته الذى يسكنه!!
فما هو الصحيح؟
يبدو لى أن الصحيح هو اختيار التصرف الجامع ما بين الاستقرار والربح، إذ قد ورد عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم، أن سعادة المرء تكون فى حصوله على دار واسعة ودابة فارهة وزوجة صالحة، إذ لا يكون سكون النفس إلا بذلك، فلا يتصور أن يجعل الإنسان سعر الدار وثمن الدابة وتكاليف الزواج رأسمالاً يديره ليربح من ورائه، ويتجرد من ذلك. ثم إن الإنسان مهما ربح ففي أى شيء سيجعل المال ليكسب به السعادة إن لم يكن فى زوجة ودار ودابة؟
سمعتهم يسمون «كرسى النص» الذي بالحافلات بـ «بيت الإيجار» وهذه حكمة شعبية فحواها أن من يسكن فى بيت الإيجار لا يستقر، بل أضاف أحدكم: «ويتلف أثاث بيته بالانتقال ويخسر العشرة والجوار».
ولا بد أن يكون علماء الاقتصاد قد عزلوا حاجات الإنسان الأساسية من سكن ومركب وأسرة عما سموه برأس المال (Capital) لكنهم لا بد أن يكونوا قد سمحوا بشيء من الحرية فى استئجار السكن والمركب ولو مؤقتاً فى بعض الظروف خاصة ظروف المبتدئين، هذا طبعاً إذا تكلمنا عن المحظوظين من أمثال جاري الشاب الجرئ الذكي.. لكن الواقع يقول إن الملايين من الناس لا قدرة لهم على امتلاك أو حتى استئجار الدار وامتلاك وحتى استئجار المركب. «والاستئجار طبعاً درجات، من الركوب فى الحافلة إلى استئجار الليموزين و التاكسي الجوي». وكثير منهم لا طاقة لهم بتكاليف الزواج مما خلق من المشكلات ما لا يفوت على فطنتكم فى حالتى الرجل والمرأة على السواء. كثيرون طبعاً سيتمنون لو كان فى مكان «المغفلين» الذين يبنون البيوت، وقد لا يخطر على بال بعض الناس أن «التغفيل» إذا صح كلام المثل قد بلغ ببعض الناس درجة بناء أربع عمارات لأربع زوجات دون تأجيره لأي مؤجر مهماً بلغت درجة ذكائه!!
الصحافة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق