السوداني:
في ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي ظهرت طبقة من النخب في مجتمع أم درمان من موظفي الدولة عرفوا باسم الأفندية. كانت شريحة مميزة بحق صارت محط اهتمام العذارى الطامحات في الزواج وغنى المغني بلسانهن- الحِجل بالرِجل يا الأفندي سُوقني معاك. تأثر الأفندية إلى حد ما بالفرنجة الخواجات نتيجة لاحتكاكهم بهم في مجال العمل. وظهر ذلك في العديد من مظاهر حياتهم مثل الملبس والزي بتفاصيله وإكسسواراته وحتى تصفيفة الشعر- الكري- غير الحليق كباقي أهل أم درمان زمانئذ. التأثير الأكبر كان على العمارة ونمط بيوتهم فظهر طراز بالغ التميز سميته بـ ( بيوت الأفندية) وفيه الكثير من ملامح بيوت الإنقليز في الخرطوم.
بيوتهم اختلفت عن بيوت العامة الطينية تقليدية التصميم في تفاصيل الخارطة والعديد من الملامح. ظهر الصالون المجهز بالمقاعد المريحة وذلك الجزء المخصص لتناول الطعام- السفرة فحل محل الديوان التقليدي حيث كان يفترش الناس الأرض. وأرخ المغني لهذا التحول المعماري المجتمعي فأشار آنذاك كما يردد الآن ترباس- الديوان النِظامُه كراسي.
و اعتمرت العمارة هنا العرش القرميدي ( المارسيليا) المائل. وتمددت أمام مبنى البيت الرواقات بعروشها المحمولة على أعمدة رشيقة أيونية الطراز تيجانها تحفة نحتية. وينساب على أرضية الرواقات والمساطب المحيطة رصف البلاط الحبشي بتشكيلاته الشبيه برقعة الشطرنج. يرجع الفضل في بلورة وتطوير هذا الطراز للمهندس الفذ- ميرغني حمزة.
تلك الملامح الكلاسيكية والغربية الخواجاتية الهوى في عمارة البيت ومكونات الزي وتصفيفة الشعر لم تنتقص من روح الوطنية والسودانوية عند أفندية أم درمان. نفس ذلك الإطار المعماري شهد مولد الحركة الوطنية التي خرج من رحمها استقلال السودان بلا شق ولا طق. بالإضافة إلى ذلك، أرجاء صالونات تلك البيوت وجنبات رواقاتها ورحابة مساطبها الخارجية كانت مسرحاً لزخم ثقافس وأدبي مشهود. إذناً، أجواء تلك البيوت زمانئذ كانت شاهدة على بلورة هوية الأمة بنهجها الحديث.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق